السويداء بين التفاهمات الدولية والضغوط الإسرائيلية

أحمد العكلة

تشهد محافظة السويداء، الواقعة في جنوب سوريا، تطورات سياسية وأمنية بارزة، حيث تبرز كمحور للاهتمام الدولي والإقليمي في ظل الأزمة السورية المستمرة. وقد أثارت الجهود الأخيرة لمعالجة الوضع في المحافظة نقاشات حول دور القوى الإقليمية والدولية، خصوصًا الأردن والولايات المتحدة، إلى جانب الحكومة السورية، في إيجاد حلول مستدامة. وتأتي هذه الجهود في سياق محاولات إعادة بناء الثقة بين الحكومة السورية وأبناء السويداء، وسط تحديات معقدة تشمل التدخلات الإسرائيلية والتوازنات الإقليمية.

تتمحور هذه الجهود حول توافقات تم التوصل إليها خلال اجتماعات عُقدت في عمان، تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وإدماج السويداء في النسيج الوطني السوري. ومع ذلك، فإن التحديات السياسية والأمنية، بما في ذلك الدور الإسرائيلي المتنامي والتداخلات الإقليمية، تضفي طابعًا من التعقيد على هذه المساعي. وتبرز تساؤلات حول مدى قدرة هذه التوافقات على تحقيق استقرار دائم في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة.

تتجه الأنظار نحو التوافقات التي تم التوصل إليها في عمان بين سوريا والأردن والولايات المتحدة، والتي تهدف إلى معالجة الأزمة في السويداء بطريقة بناءة. وقد أدلى مصدر في وزارة الخارجية السورية بتصريحات لموقع “ألترا سوريا”، كشفت عن هذه الجهود وأهدافها الرامية إلى تعزيز الاستقرار والوحدة الوطنية.

كشف مصدر في وزارة الخارجية السورية، في تصريح لموقع “ألترا سوريا”، عن توافق بين سوريا والأردن والولايات المتحدة على معالجة الأزمة في محافظة السويداء، وذلك عقب اجتماعات عمان في 19 يوليو و12 أغسطس 2025. وأكد المصدر التزام الدول الثلاث بدعم مستقبل سوريا عبر نهج بناء وعملي.

وأوضح المصدر أن السويداء جزء أصيل من سوريا، وأن أبناءها مواطنون متساوون بالحقوق والواجبات. واتفقت الدول على نهج تدريجي لإعادة بناء الثقة بين الحكومة السورية والمحافظة، يهدف إلى إدماجها الكامل في الدولة مع تعزيز الوحدة الوطنية.

اتفاق السويداء لن يمضي دون موافقة إسرائيل، التي تستخدم هذه الورقة لتحسين شروطها في أي تفاهم مقبل

وأشار المصدر إلى التزام الحكومة السورية بخطوات عاجلة، تشمل دعوة لجنة تحقيق دولية للتحقيق في الأحداث الأخيرة بالسويداء، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات قانونيًا، وتوفير المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية بالتعاون مع الأمم المتحدة والأردن والولايات المتحدة. كما ستنشر قوات شرطة مدربة على طريق السويداء-دمشق لتأمين الحركة والتجارة.

وفي سياق المصالحة الوطنية، أكد المصدر أن الحكومة ستشكل قوة شرطة محلية تمثل مكونات المحافظة، ومجلس محافظة للتفاعل مع الدولة. وسيدعو الأردن وفودًا من دروز وسُنة ومسيحيين وعشائر بدوية لدعم جهود المصالحة.

وأضاف المصدر أن الدول الثلاث ستنشئ آلية مراقبة لتتبع تنفيذ خارطة الطريق، مع احترام سيادة سوريا. كما ستسعى الولايات المتحدة لتفاهمات أمنية مع إسرائيل وسوريا لمعالجة الشواغل في الجنوب السوري، بدعم أردني.

وأكد المصدر التزام الحكومة بإطلاق سراح المحتجزين، إعادة بناء القرى المتضررة، ومكافحة خطاب الكراهية عبر تشريعات، بدعم قانوني من الأردن والولايات المتحدة إذا لزم الأمر، مع التأكيد على وحدة سوريا وحقوق أبناء السويداء.

يسلط الباحث في “مركز حرمون للدراسات”، محمد السكري، الضوء على التعقيدات الإقليمية التي تؤثر على إدارة الملف السوري، مع التركيز على الدور الإسرائيلي والتوازنات بين القوى الدولية والإقليمية. ويقدم تحليلًا معمقًا حول التحديات التي تواجه سوريا في ظل التدخلات الخارجية، خصوصًا من إسرائيل، والتي تشكل عقبة أمام تحقيق استقرار دائم.

يرى الباحث في “مركز حرمون للدراسات”، محمد السكري، في حديثه لموقع “الترا سوريا”، أن الاعتماد السوري على الأطراف الدولية والإقليمية ما يزال عنصرًا أساسيًا في إدارة التوازنات داخل الملف السوري. ويوضح السكري أن سوريا تعتمد على الجانب التركي في عملية الردع المتبادل مع إسرائيل، إذ يشكل هذا العامل نوعًا من التوازن، وإن لم يكن مكافئًا في ميزان القوى بين الطرفين.

كما يشير إلى أن دمشق تراهن في الوقت نفسه على الجانب الأمريكي في ملف الإسلام السياسي، سعيًا لإقناع واشنطن بلجم التدخلات الإسرائيلية داخل سوريا. إلا أن الموقف الأمريكي، بحسب السكري، يبدو أكثر ارتباطًا بديناميات إقليمية متشابكة، من بينها اعتماد الولايات المتحدة على تركيا وإسرائيل معًا، وهو ما يثير بدوره خلافات بين واشنطن وتل أبيب حول أولويات التعامل مع الملف السوري.

ويضيف الباحث أن السياسة الإسرائيلية، خصوصًا لدى اليمين المتطرف، تحاول استثمار هذه الهوامش مع الولايات المتحدة لتعزيز نفوذها في سوريا. ومع ذلك، فإن اعتماد دمشق على الأطراف التركية والأمريكية والأردنية معًا قد لا يحقق النتائج المرجوة، خاصة في ظل التفوق الإسرائيلي الواضح وجدول أعماله الثابت داخل سوريا.

وفي سياق متصل، يطرح السكري سؤالًا محوريًا حول ما إذا كانت أي اتفاقيات أمنية محتملة بين سوريا وإسرائيل قادرة على إنهاء التصعيد ووقف التوغلات الإسرائيلية. لكنه يرى أن الإجابة مرتبطة بالدرجة الأولى بمدى استعداد إسرائيل للتوقف عن تدخلاتها، وهو ما يستبعد حدوثه بالنظر إلى فائض القوة العسكرية الإسرائيلية ورغبتها في فرض السيادة الكاملة على المنطقة، إضافة إلى محاولتها المستمرة لإدارة ملفاتها مع كل من تركيا والولايات المتحدة. ومن هنا، يعتبر أن عقد مثل هذه الاتفاقيات في الوقت الراهن قد يمثل “خطًا استراتيجيًا كبيرًا” بالنسبة لسوريا.

من جانبه، يرى السكري أن تجربة إسرائيل في توقيع اتفاقيات أمنية مشابهة مع لبنان تكشف محدودية التزامها ببنود الردع، حيث تجاوزت العمليات العسكرية هناك إلى مستوى الغزو المباشر. وبالتالي، فإن تطبيق اتفاق مشابه في الحالة السورية يبدو صعبًا لأسباب أيديولوجية واستراتيجية، ترتبط بكيفية نظر إسرائيل إلى مستقبل سوريا خلال السنوات المقبلة.

كما يلفت إلى أن إسرائيل قد ترى في تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق خطوة أولى نحو إدارة الملف السوري، ما يعني استمرار الانتهاكات العسكرية وعدم الالتزام بأي تفاهمات أمنية طويلة الأمد. ويعزو ذلك إلى طبيعة المرجعية السياسية في إسرائيل، خاصة حكومة اليمين المتطرف ومشروع نتنياهو الشخصي.

ويؤكد السكري أن ملف السويداء يمثل ورقة ضغط إضافية بيد إسرائيل، إذ تسعى من خلاله إلى منع الحكومة السورية من احتكار العنف والسيطرة على كامل أراضيها. فغياب احتكار الدولة للقوة يجعلها أضعف في أي مفاوضات قانونية أو سياسية، بينما تملك إسرائيل قدرة أكبر على فرض شروطها.

ويخلص الباحث إلى أن الولايات المتحدة قد تدفع نحو توافق سوري–إسرائيلي لارتباط ذلك بالعلاقات الأمريكية–التركية، خصوصًا أن واشنطن راضية عن الدور التركي الذي ملأ فراغًا جيوسياسيًا في مواجهة إيران. ومع ذلك، يظل المشهد معقدًا ومحكومًا بتشابك المصالح بين القوى الفاعلة في المنطقة.

يوفر الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو تحليلًا نقديًا للوضع في السويداء، مركزًا على الدور الإسرائيلي وتأثيره على التوافقات الدولية. ويحذر من المخاطر التي تهدد سوريا في ظل التفوق العسكري الإسرائيلي وضعف الوضع السوري، داعيًا إلى تدخل دولي وعربي لمواجهة هذه التحديات.

أكد الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو لموقع الترا سوريا على ضرورة “تفكيك المشهد بشكل موضوعي”، موضحًا أن إسرائيل خرجت من حروب متعددة في المنطقة، بدءًا من غزة، مرورًا بالجنوب اللبناني، وصولًا إلى المواجهة مع إيران، وهي تعتبر أنها انتصرت في جميع تلك المواجهات. وبناءً على ذلك، تعمل إسرائيل – بحسب سعدو – على تأسيس شرق أوسط جديد يتناسب مع مقاسها ونتاج قوتها العسكرية، وتسعى لفرض شروطها بالقوة.

وأضاف أن إسرائيل ما تزال “تفاوض بالنار حتى آخر لحظة”، وتعمل على رسم خرائط طريق وفقًا لرؤيتها الخاصة، في ظل ضعف عربي وإقليمي، بما في ذلك ضعف سوري واضح. ويرى أن ما تريده إسرائيل سيقود إلى وضع جديد يجعلها الطرف المسيطر والمتحكم، بدعم أميركي معلن وغير معلن، رغم بعض التصريحات الأميركية التي تدعي خلافًا مع السياسات الإسرائيلية في سوريا.

وأشار سعدو إلى وجود مخاطر أمنية كبرى تهدد مصائر السوريين، ما يستدعي تدخلًا دوليًا وعربيًا لوقف “التحكم والعربدة الإسرائيلية”، مشددًا على ضرورة عدم الرضوخ لها أو قبولها تحت أي ظروف.

وفي ما يتعلق بالقدرة السورية على مواجهة هذه التحديات، أوضح سعدو أن السوريين اليوم يفتقرون لأي قوة عسكرية قادرة على مواجهة إسرائيل، ما يجعل أي اتفاقات محتملة “مفروضة وغير عادلة”، ولن تكون سوى اتفاقات أمنية مؤقتة لا يمكن أن تدوم. وأضاف أن إسرائيل معروفة بسرعة نكوصها عن الاتفاقات، إذ غالبًا ما تكون هذه الاتفاقات مجرد غطاء لأهداف أكبر، وسرعان ما تُلغى حين تجد اللحظة المناسبة، كما حدث بعد الثامن من ديسمبر الفائت.

وحول اتفاق السويداء، رأى سعدو أنه لا يمكن المضي به تنفيذيًا دون موافقة إسرائيل، التي ما تزال تلعب بهذه الورقة ليس من أجل أبناء السويداء، بل لتحسين شروطها في أي اتفاقات أمنية مقبلة مع سوريا.

المصدر: ألترا سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى