تظاهرات السويداء، مدينة بني معروف سورية التي جرت يوم الأحد 7 حزيران الجاري تتوج مسارا وطنيا بدأ مع الثورة عام 2011 واستمر حتى اليوم في صورة تمرد جماعي على سلطة بشار الأسد وجيشه وأجهزته ميز المدينة العريقة، وتميز به أهلها الدروز، أحفاد سلطان الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى عام 1925، فطهروا مدينتهم الأبية منذ عام 2012 من أجهزة النظام، ورفض شبابها خدمة العلم في “جيش” يقتل شركاءهم الآخرين في الوطن. ورفضوا وجود الايرانيين ومرتزقتهم في مدينتهم، وقاوموا إرعاب الأسد ولجوءه الى تنظيم داعش، لابتزازهم وتخويف أهالي مدينتهم، مرة بعد أخرى، وصمدوا في وجه الاغتيالات التي نفذتها أجهزة النظام، ليستسلموا له ويحتموا به، ولكنهم أدركوا اللعبة الخسيسة ورفضوا أن يطلبوا الأمن من نظام طبق الارعاب على مدى نصف قرن منهجيا.
لقد روج الأسد في العالم مقولة أنه (حامي أقليات سورية)، وأن الثورة السنية ستبيد الأقليات، بينما كان نظامه ينتهك حقوق الجميع، أفرادا ومكونات، لا يستثني العلويين، ولا الدروز، ولا المسيحيين، من إرعابه وإجرامه اللذين ساويا بين جميع السوريين، وجعلاهم سواسية أمام القمع، كأسنان المشط. وكانت هذه هي الصورة الوحيدة للعدالة التي اتسم بها عهده المديد!
ولما فشلت كافة محاولات الطاغية وأجهزته الشيطانية لإرغام بني معروف على العودة الى سلطته، بما فيها إرعاب داعش، لجأ في الشهور الأخيرة الى اشعال نيران الفتنة بين أهل جبل العرب، وأهل سهل حوران. وعلى الرغم من الخلافات والتوترات، بقي حرص الجانبين على احتواء الاشكالات بينهما، وظل حكماؤهما متمسكين بميثاق الوئام والعيش المشترك المعقود بينهما منذ الأزل بلا تصنع، هو العامل الأقوى في درء الفتنة التي يتفق الطرفان على أنها من دسائس بشار وأجهزته، وتحمل بصماته. لذلك فشلت الفتنة والدسيسة والمكر أن تشعل صراعا مفتوحا بينهما، وبقيت التوترات مضبوطة، وتحت السيطرة بفضل وعي الطرفين ووطنيتهما المتأصلة.
اليوم عاد أحفاد بني معروف وورثة “سلطان” الثورة السورية الكبرى، وأبناء الشهيد كمال ووليد جنبلاط الى ساحات وميادين الثورة الشعبية، مجددين هتاف الشعب السوري الواحد الموحَّد (يا لله ارحل يا بشار) ليوجهوا طاقة غضبهم القصوى في الاتجاه الصحيح، على سفاح سورية وجزار كل طوائفها ومكوناتها.
وعلى بعد أمتار كان أبناء درعا البطلة يرددون الشعارات ذاتها، ويقاومون بقايا النظام ويرغمونها على الخروج ذليلة منكسة الرؤوس من مدينتهم بضمانة أسيادهم الروس، أو تحمل عمليات “المقاومة الثورية”.
وليس من قبيل الصدف أن تتزامن عودة أبناء جبل العرب الأشم الى ساحة الثورة بهذا العنفوان مع انفجار الغضب في مدن الساحل وجبال العلويين، وتشقق حواضن النظام الانتهازية، وتعالي الهتافات في طرطوس وجبلة وبانياس، بل وفي القرداحة ذاتها ضد بشار وأسرته، وزمرته، ووصفهم بأشنع وأبشع النعوت، وتحميلهم مسؤولية خساراتهم الفادحة بالدماء والأرواح والأرزاق.
لقد بات جميع السوريين ومن كل الطوائف والمكونات مقتنعين ومتفقين على أن بقاء سورية في أيدي العصابة هو بمثابة حكم اعدام مبرم عليهم ينفذ بالرصاص والبسطار، أو بالتجويع والافقار والإذلال. وأنه بدون التخلص من هذا الطاغية الدموي المهووس فلا أمل بالخلاص.
نحن أمام مشهد كاد أن يحدث سابقا عدة مرات، أبرزها بعد ضربة خلية الازمة عام 2012 في العاصمة، وبعد مجزرة الغوطة الكيماوية عام 2013 في ريف دمشق، وبعد فرار فلول بشار من ادلب عام 2015. واستطاع الايرانيون مرة، والروس مرة أخرى، أو بالأحرى مرات إنقاذ “دميتهم” من السقوط. أما اليوم فالمصير محتوم والقرار محسوم لدى 25 مليون سوري، ولن يستطيع الروس ولا الايرانيون انقاذه وتعويمه، لأن بقاءه بات عبئا ثقيلا على الجميع بل على العالم أجمع، ولا بد من التخلص منه بأي ثمن، بقرار من السوريين لا بصفقة بين بوتين وترامب، ولا بخطة من مؤتمر جنيف أو محور آستانا، ولا حتى بتدخل أممي أو دولي. بل بقرار من السوريين أولا وأخيرا أصحاب الولاية الشرعية الوحيدين على بلادهم ودولتهم.
في بداية الثورة اتحد السوريون تحت شعاراتها وراياتها وخلف مطالب الحرية والتغيير والعدالة، ولكن ألاعيب الاستخبارات زرعت الفتن فيما بينهم، ولغّمت وحدتهم، مما أخر سقوط النظام حتى اليوم. أما اليوم فها هي “الوحدة الوطنية ” تتجلى مرة ثانية، وتصبح هتافات الثورة ضده بمثابة “العروة الوثقى للوحدة الوطنية” بين السوريين من الجبل الى السهل، ومن المدن الى الساحل.