بعد إلغاء قانون قيصر تبقى أسئلة الأرض والسيادة

علي بكر الحسيني 

يثير إلغاء مجلس النواب الأميركي لقانون قيصر نقاشاً واسعاً، بعضه يذهب إلى التعامل مع القرار كتحوّل نوعي في السياسة الأميركية، أو كخطوة تحمل بعداً إنسانياً. في تقديري، هذا التوصيف مبالغ فيه. ما جرى هو تراجع عن أداة ثبت فشلها، لا أكثر. فقانون قيصر لم ينجح في تغيير الوقائع السياسية مع النظام البائد ، ولم يدفعه لوقف جرائمه ضد الشعب السوري، لكنه نجح في إنهاك المجتمع، وتعطيل الاقتصاد، وإطالة أمد الأزمة على حساب الناس.

العقوبات لم تُسقط النظام الأسدي، ولم تفتح أفقاً سياسياً، بل ضيّقت الخناق على السوريين، وقيّدت قدرتهم على إعادة بناء ما دمّرته الحرب ، بعد أن أسقطوا تلك العصابة الحاكمة بأيديهم. لذلك فإن رفع العقوبات، أو تعطيل مفاعيلها، ليس منّة، بل هو تصحيح متأخر لسياسة أمريكية خاطئة. غير أن المشكلة لا تتوقف عند حدود العقوبات، بل تتجاوزها إلى الدور الأميركي نفسه داخل سوريا.

الولايات المتحدة ما زالت موجودة عسكرياً في مناطق واسعة من شرق البلاد وجنوبها، وتسيطر عملياً، عبر أدواتها، على جزء أساسي من الثروات الوطنية. وهي في الوقت ذاته الداعم الرئيسي لقوات “قسد”، التي تمثل مشروعاً قائماً على الأمر الواقع، وتتعامل مع الجغرافيا السورية بوصفها مساحة نفوذ لا جزءًا من وطن. في ظل هذا الواقع، يصبح الحديث عن دعم وحدة سوريا كلاماً ناقصاً، إن لم يكن متناقضاً.

الأمر لا يتعلّق فقط بالوجود العسكري، بل بالسلوك السياسي اليومي. فهذه القوات التي ترفض الاحتفال بذكرى التحرير بحجج أمنية واهية مفضوحة لأبناء الشعب السوري، تدّعي احترام الخصوصيات، لكنها لا تتردد عندما يخدم ذلك أجندتها في جمع عشرات الآلاف من الموظفين قسراً، وإنزالهم إلى الشارع للمشاركة في فعاليات مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، الحزب التركي المعروف. هذا السلوك لا يحتاج إلى تفسير معقّد، هو يعكس طبيعة المشروع الذي يُراد فرضه، ويكشف حجم التناقض بين أقوال وأفعال قسد من مطالباتها بالإندماج مع الدولة الجديدة .

من هنا، فإن أي حديث عن دور أميركي إيجابي يبدأ، بالحد الأدنى، من وقف دعم هذه المشاريع، ورفع اليد عن الأرض السورية، وتمكين الدولة من استعادة مواردها. إلغاء العقوبات خطوة غير مكتملة إن لم تترافق مع تغيير فعلي في السياسات التي أنتجت هذا الواقع.

وفي سوريا، تبقى مسألة الأرض المحتلة خطاً أحمر يرفضه الشعب، ولا يقبل أن يُفتح ويُغلق وفق مصالح الدول، ولا أن يُختزل كجزئية يمكن التعامل معها بمرونة سياسية. هي واقع يعيشه الناس ويعرفونه كما يعرفون بيوتهم وقراهم، وثقافة راسخة في الوعي الجمعي للسوريين. وكل من يتعامل معها كقضية قابلة للأخذ والردّ يسيء فهم هذا البلد وشعبه. السوريون سمعوا كثيراً من الخطاب والوعود، ولم يعد من السهل إقناعهم بأن الاحتلال يمكن تلميعه، أو أن التقسيم يمكن تمريره عبر تغيير المسميات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى