يا تونس الخضراء جئتك عاشقًا      

نزار قباني

يا تونس الخضراء جئتك عاشقا

وعلى جبيني وردة وكتاب

– إني الدمشقي الذي احترف الهوى

فاخضوضرت بغنائه الأعشاب

– أحرقت من خلفي جميع مراكبي

إن الهوى ألا يكون إياب

– أنا فوق أجفان النساء مكسر قطعاً فعمري الموج والأخشاب

– لم أنس أسماء النساء .. وإنما

للحسن أسباب ولي أسباب

– ياساكنات البحر في قرطاجة

جف الشذى وتفرق الأصحاب

– قمر دمشقي يسافر في دمي

وبلابل وسنابل وقباب

– الفل يبدأ من دمشق بياضه

وبعطرها تتطيب الأطياب

– والماء يبدأ من دمشق فحيثما

أسندت رأسك جدول ينساب

– والشعر عصفور يمد جناحه

فوق الشآم وشاعر جواب

– والحب يبدأ من دمشق فأهلنا

عبدوا الجمال وذوبوه وذابوا

– والخيل تبدأ من دمشق مسارها

وتشد للفتح الكبير ركاب

– والدهر يبدأ من دمشق وعندها

تبقى اللغات وتحفظ الأنساب

– ودمشق تعطي للعروبة شكلها

وبأرضها تتشكل الأحقاب

– بدأ الزفاف فمن تكون مضيفتي

هذا المساء ومن هو العراب

– أأنا مغني القصر ياقرطاجة

كيف الحضور وما علي ثياب

– ماذا أقول ..؟ فمي يفتش عن فمي

والمفردات حجارة وتراب

– فمآدب عربية .. وقصائد

همزية .. ووسائد وحباب

– لا الكأس تنسينا مساحة حزننا

يوما ولا كل الشراب شراب

– من أين يأتي الشعر يا قرطاجة

والمفردات حجارة وتراب

– من أين يأتي الشعر ؟حين نهارنا

قمع وحين مساؤنا إرهاب

– سرقوا أصابعنا وعطر حروفنا

فبأي شيء يكتب الكتاب

– والحكم شرطي يسير وراءنا

سرا فنكهة خبزنا استجواب

– الشعر رغم سياطهم وسجونهم

ملك وهم في بابه حجاب

– من أين أدخل في القصيدة ياترى

وحدائق الشعر الجميل خراب

– لم يبق في دار البلابل بلبل

لا البحتري هنا ولا زرياب

– شعراء هذا اليوم جنس ثالث

فالقول فوضى والكلام ضباب

– يتكلمون مع (الفراغ) فما هم

عجم إذا نطقوا ولا أعراب

– اللاهثون على هوامش عمرنا

سيان إن حضروا وإن همُ غابوا

– يتهكمون على النبيذ معتقا

وهمُ على سطح النبيذ ذباب

– الخمر تبقى إن تقادم عهدها

خمرا وقد تتغير الأكواب

– من أين أدخل في القصيدة ياترى

والشمس فوق رؤوسنا سرداب

– إن القصيدة ليس ما كتبت يدي

لكنها ما تكتب الأهداب

– نار الكتابة أحرقت أعمارنا

فحياتنا الكبريت والأحطاب

– ما الشعر..؟ ما وجع الكتابة..؟

ما الرؤى..؟ أولى ضحايانا هم الكتاب

– يعطوننا الفرح الجميل وحظهم

حظ البغايا ما لهن ثواب

– يا تونس الخضراء هذا عالم

يثري به الأمي والنصاب

– فمن الخليج إلى المحيط قبائل

بَطِرَت فلا فكر ولا آداب

– في عصر زيت الكاز يطلب شاعر

ثوبا وترفل بالحرير قحاب

– هل في العيون التونسية شاطيء

ترتاح فوق رماله الأعصاب

– أنا يا صديقة متعب بعروبتي

فهل العروبة لعنة وعقاب

– أمشي على ورق الخريطة خائفا

فعلى الخريطة كلنا أغراب

– أتكلم الفصحى أمام عشيرتي

وأعيد .. لكن ما هناك جواب

– لولا العباءات التي التفوا بها

ما كنت أحسب أنهم أعراب

– يتقاتلون على بقايا تمرة

فخناجر مرفوعة وحراب

– قبلاتهم عربية .. من ذا رأى

فيما رأى قُبَلاً لها أنياب

– ياتونس الخضراء كأسي علقم

أعلى الهزيمة تشرب الأنخاب ..؟

– وخريطة الوطن الكبير فضيحة

فحواجزٌ ومخافرٌ وكلاب

– والعالم العربي إما نعجةٌ

مذبوحة أو حاكمٌ قصاب

– والعالم العربي يرهن سيفه

فحكاية الشرف الرفيع سراب

– والعالم العربي يخزن نفطه

في خصيتيه وربك الوهاب

– والناس قبل النفط أو من بعده

مستنزفون فسادة ودواب

– يا تونس الخضراء كيف خلاصنا

لم يبق من كتب السماء كتاب

– ماتت خيول بني أمية كلها

خجلا وظل الصرف والإعراب

– فكأنما كتب التراث خرافة

كبرى فلا عمرٌ . . ولا خطاب

– وبيارق ابن العاص تمسح دمعها

وعزيز مصر بالفصام مصاب

– من ذا يصدق أن مصر تهودت

فمقام سيدنا الحسين يباب

– ما هذه مصر فإن صلاتها

عبرية وإمامها كذاب

– ما هذه مصر فإن سماءها

صغرت وإن نساءها أسلاب

– إن جاء كافور فكم من حاكم

قهر الشعوب وتاجه قبقاب

– بحرية العينين ياقرطاجة

شاخ الزمان وأنت بعد شباب

– هل لي بعرض البحر نصف جزيرة

أم أن حبي التونسي سراب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى