أخ لم تلده أمي

أحمد مظهر سعدو

يقولون ((رب أخ لم تلده أمك)) وهذا القول كنت أظنه مجرد صياغة لفظية لا تتعدى لمفعولين ولا لمفعول واحد.. لكن ما عايشته مؤخراً مع “أبو ناصر” أكد بما لا يقبل الشك أن هناك في هـذا الزمان.. أخ يجاري الأخ أحياناً وأحياناً يزيد عليه.

ففي لحظة الانقطاع.. والبعد والابتعاد، وعندما وقفت الحافلة بلا حراك، بينما كانت الشمس تسحب آخر خصلات شعرها عن الأفق.. والجميع يتحلق حولي، والعيون تصبوا إلى هناك حيث الشطآن والخلجان، والشوق إلى النـزول في اليم بعد فراق طويل.. حينها ودون سابق إنذار.. صمت المحرك عن حراكه.. وكل المحاولات باءت بالفشل، ولا أمل إلا بمنقذ لا أعرف من هو، ولا أين يتموضع. في هذه اللحظة بالذات صعد إلى مخيالي ذاك الرجل الوطني العروبي الزاهد بالحياة والمتمسك بمبادئ يعتقد البعض أن الزمـان قـد نال منـها، وأن الغبـار قـد عـلاها، وأن الصدأ قد وصل إليها.. فأخرجت ذلك الجهاز العصري، والأداة الاتصاليـة – اللعـبة – وبحثت في العناوين عـن مرادي، فكان ما كان وجاءني صوت ودود حنون يقول: لبيك أخي في القيم وفي المبادئ.. ولأن التواجد لم يكن قريباً فقد قلت إن الأمل قد ضعف – وإن الإنقاذ لم يعد بالإمكان.. لكنه قال: لا عليك فهناك من سيأتيك وهو كأني هو – بل هو أنا، ولحظات وإذ بابتسامة حلوة قد أقبلت.. بعد أن رحل عني صحبي وأحبابي.. وقف القادم الحاني وقال بكل ثقة واقتدار.. الحق بي.. فلحقت به علـى غير هدى.. حتى وصلـت إلى المنطقـة تلك.. متعثـراً بعض الشيء.. وصلـت لأجـد أن الأمر قد انتهى.. وسواد الليل لم يحل دون إعـادة وصـل ما انقطع.. لأعيد الانطلاق من جديد.

ثم كان الاتجاه نحو البعيد.. نحو جلَّق التي تغفو على سطح قاسيون.. ولأن الطريق بعيد.. فقد وجدت في ذاك الرجل الطيب وصنوه مـن أبيـه.. مـن يلاحقني عبر الأثير، تـارة ليطمئن عن صحتي، وأخرى ليتأكد من صلاح أمر ما كان قد وصلـه صنوه بعـد انقطـاع.. وثالثة ليحذرني من ناهبي الطريق بلا عقل ولا عقلانية.. ورابعة وخامسة وو.. ولم يكن صنوه بأقل منه لهفةً ولا اطمئنانًا، ويبدو أنه وعندما يكون المنبع واحد، فإن الإنتاج القيمي يتماشى مع الكل.

في العلاقات الإنسانية اللا نفعية، وفي دقائق التجلي الأخلاقية ينغرس الحب المعطـاء بين الإخـوة، حيث لا انغراس، وحيث لا مكان لغير ذلك.

وفي تلافيف المجتمع المتهتك، والذي يتخلى عن قيمه المحمدية رويداً رويداً، يحدث الإبهار والإعصار مع صعود نجم كنجم ذاك الرجل الرجل الذي ما عرفت طرطوس مثله ولن تعرف.

“أبو ناصر” رجل من زمان آخر لم تلده أمي. لكنه هو وليس سواه مثل نجم في قبة السماء تلألأ ثم انهمر نحو أرض ما زالت هي الأرض التي تنبت أمثاله وأمثال مدرسته في العطاء والتدفق من نبع يبدو أنه لا ينضب.

المصدر: ديوان العرب

تاريخ النشر   20 آذار/مارس 2007

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى