
بعد مضي عام كامل على عملية ردع العدوان التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وأفضت إلى إسقاط نظام الأسد في أقل من أسبوعين، لا تزال المعلومات المتاحة حول حقيقة الموقف الروسي من العملية لا تعطي تفسيراً واضحاً عن الأسباب التي دفعت موسكو للتعاطي بشكل باهت مع الحدث على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته لنظام الأسد منذ آواخر عام 2015، وتدخلها العسكري الذي حال دون سقوطه عندما كان يترنح قبل هذا التدخل.
تململ روسي من الأسد
وفقاً لما أكده مصدر دبلوماسي مطلع لموقع تلفزيون سوريا فإن العلاقة بين موسكو والأسد اعتراها شيء من التململ الروسي، نظراً لحالة التصلب التي عاشها نظام الأسد، ورفضه غالبية المقترحات الروسية حول إجراء بعض التغييرات التي من شأنها أن تسهل عملية تسويق النظام مجدداً على الساحة الدولية.
بحسب المصدر فإن روسيا وجهت لنظام الأسد في أب/ أغسطس 2024 تحذيرات واضحة بضرورة ابتعاده عن إيران، والعمل بشكل جدي على منع تدفق الأسلحة الإيرانية إلى الأراضي السورية ولبنان، من دون استجابة من طرف نظام الأسد.
أيضاً، تشدد نظام الأسد كثيراً تجاه المساعي الروسية لتطبيع العلاقات بينه وبين تركيا، فقد كانت ترى موسكو أن محاولة أنقرة العمل في الملف السوري وفق مقاربة جديدة هي فرصة لإحداث تقارب بينها وبين دمشق، إلا أن نظام الأسد أبدى تعنتا كبيرا، وأظهر استجابة أكبر للرؤية الإيرانية.
حسابات روسيا الخاصة مع الغرب
منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا مطلع عام 2022 ركزت موسكو أولوياتها بشكل أكبر على هذا الصراع الذي أصبح الغرب بقيادة الولايات المتحدة طرفاً رئيسياً فيه.
وبحسب مصادر دبلوماسية مطلعة في موسكو، فإن الجانب الروسي تصرف بسلوك أقرب للحياد حيال التصعيد الذي اندلع في قطاع غزة من جراء العملية العسكرية الإسرائيلية على القطاع عقب هجوم 7 أكتوبر، واستمر هذا النهج الروسي حتى مع دخول إيران على خط التصعيد.
المصادر أشارت إلى أن روسيا لم تكن ترغب بوضع نفسها في سوريا موضع المدافع عن النفوذ الإيراني، خاصة مع الترجيحات بأن دونالد ترمب سيعود إلى البيت الأبيض ويفوز بالانتخابات التي كانت مقررة نهاية عام 2024، إذ كانت المعطيات لدى موسكو تؤكد أنه سيحقق فوزاً كبيراً على منافسه الديمقراطي جو بايدن، وبالتالي فإن الفرصة سيكون هناك إمكانية لتغيير موقف واشنطن من الحرب الروسية الأوكرانية، وبناء عليه عملت موسكو على تجنب استفزاز الإدارة الجمهورية الأميركية القادمة من خلال استمرار توفير الغطاء للنفوذ الإيراني في سوريا.
لم يقتصر الموقف الروسي على سوريا فقط، بل امتد إلى ما يشبه الحياد تجاه الضربات المتعاقبة التي وجهتها إسرائيل إلى إيران في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، و حزيران/ يونيو 2025، مما يؤكد بشكل واضح أن موسكو لديها حسابات الخاصة، والتي يبدو أنها كانت دقيقة بالفعل، حيث دخلت روسيا منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2025 بمفاوضات مع إدارة ترمب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما أعلن البيت البيض بالتوازي مع هذه المفاوضات وقف الدعم لكييف، كما قدمت إدارة ترمب خطة من 28 بنداً لوقف الحرب تلبي أهم المطالب الروسية وأبرزها عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي.
النهج الروسي خلال ردع العدوان
لم تبادر روسيا إلى التعامل الميداني الخشن مع انطلاق عملية ردع العدوان والمواجهات التي اندلعت في حلب، بل سارعت إلى تكثيف الاتصالات مع الجانب التركي على اعتبار أن موسكو وأنقرة ضامنتان لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد شمالي سوريا، ونقلت روسيا لنظام الأسد تأكيدات بأن العمليات هي رداً على خروقات الميليشيات المحيطة بغرب حلب وإدلب، وتقوم بقصف مستمر لمنطقة خفض التصعيد، وتهدف إلى تأمين المناطق من القصف.
وبحسب ما أكدته مصادر مقربة من الفريق الروسي المسؤول عن الملف السوري، فإن الاستخبارات العسكرية الروسية كانت ترصد مؤشرات على عدم رغبة القوات التابعة لنظام الأسد بالقتال الشرس في ظل غياب الميليشيات العراقية واللبنانية المدعومة من إيران، وعزز هذا الاعتقاد السقوط السريع لمدينة حلب وموافقة تشكيلات عسكرية موالية للأسد بالدخول في اتفاقية لتحييد نفسها، الأمر الذي دفع موسكو لإعادة حساباتها والتفكير أكثر باستدامة مصالحها في سوريا من دون ربطها فقط بمصير الأسد.
ركزت روسيا بعد حلب على محاولة العودة إلى التهدئة، لكن مع وجود حالة قلق على مصالحها وقواعدها العسكرية، خاصة بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على صواريخ بعيدة المدى من ثكنات نظام الأسد في حلب، ولذا صدرت رسائل عديدة من موسكو تشير إلى أنها منفتحة على التفاوض مع المعارضة السورية.
ووفقا لمصادر دبلوماسية سورية فإن روسيا اتجهت إلى التفاوض لتحديد معالم المرحلة الانتقالية بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية على محافظة حماة التي تعتبر بوابة مهمة للعاصمة دمشق.
وشهدت الجولة الأخيرة من أستانا، والتي استضافتها قطر على هامش منتدى الدوحة مطلع كانون الأول/ ديسمبر 2024 نقاشات بخصوص مستقبل سوريا بعد الأسد، ووافقت موسكو على إنهاء القتال على أن تبقى البلاد تحت إدارة حكومة محمد غازي الجلالي لتسيير شؤون البلاد لمرحلة انتقالية، ثم الانتقال للعمل على تطبيق القرار الأممي 2254 الذي يتضمن التفاوض بين نظام الأسد والمعارضة لتشكيل حكومة جديدة.
وبالفعل، نقلت روسيا تفاصيل هذا الاتفاق إلى بشار الأسد، واقترحت عليها توفير إقامة آمنة له في موسكو وضغطت عليه بهذا الاتجاه.
ما لم يكن بحسبان روسيا هو التداعيات التي حصلت لاحقاً، حيث كانت تشكيلات نظام الأسد تنظر بتوجس كبير للموقف الروسي، وبعد أن تأكدت أن موسكو لن تنخرط في العمليات العسكرية سادت حالة من الانهيار في أوساط الفرق العسكرية والأجهزة الأمنية، وفضلت القيادات البارزة الفرار خارج سوريا سواء عبر الأراضي اللبنانية أو العراقية، مما فتح الباب أمام حل كل التشكيلات والمؤسسات التي كانت تتبع لنظام الأسد، بما فيها إزاحة حكومة الجلالي عن المشهد، الأمر الذي قرأته روسيا على أنه انقلاباً على التفاهمات التي جرى التوصل لها في جولة أستانا ضمن الدوحة.
عقب إزاحة الجلالي عن المشهد، وتشكيل حكومة جديدة بقيت العلاقات بين روسيا والحكومة السورية ضبابية إلى منتصف عام 2025، حيث تم كسر هذا الجمود بالزيارة التي أجراها وزير الخارجية أسعد الشيباني إلى موسكو، والتي شكلت انطلاقة جديدة للعلاقات الروسية السورية، تبعها تفاهمات حول تطوير العلاقات الأمنية والاقتصادية بعد زيارات رسمية متعاقبة بين الجانبين.
المصدر: تلفزيون سوريا






