
للمرة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد تدفقت توريدات النفط من شمال شرقي سوريا إلى مناطق السيطرة الحكومية في الـ25 من فبراير الماضي، واستقبلت حينها بحسب وزارة النفط مصافي التكرير في حمص وبانياس، النفط الخام من حقول الحسكة ودير الزور ضمن صفقة تتضمن توريد 15 ألف برميل من إجمال 100 ألف برميل نفط وكذلك مليون متر مكعب من الغاز.
تتجه منطقة شمال شرقي سوريا نحو مزيد من التعقيد مع ارتفاع وتيرة التوتر والاحتقان والخطاب المشحون بين حكومة دمشق من جهة و”قوات سوريا الديمقراطية” بعد اتفاق الـ10 من مارس (آذار) الماضي بين رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع وقائد عام “قسد” مظلوم عبدي.
غنية بحقول النفط والغاز
المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية تمتاز بغناها الاقتصادي، إذ تقع فيها معظم حقول النفط والغاز والسدود التي أقيمت على نهر الفرات.
وتمسك قوات “قسد” بمنطقة الشمال الشرقي للبلاد الغنية بحقول النفط والغاز إذ خرجت عائدات هذه الحقول من يد دمشق التي تستجر الغاز من خارج سوريا لتشغيل المحطات الكهربائية ومحركات الطاقة، فضلاً عن كون (الجزيرة السورية) سلة غذاء السوريين ومصدر أمنهم الغذائي من محاصيل أساسية مثل القمح والحبوب والقطن.
وتتوزع حقول النفط والغاز في محافظة الحسكة عبر حقول الرميلان والجبسة والشدادي، أما الحقول في الدير والرقة التي تقع في منطقة المثلث الجنوبي لإقليم الجزيرة ففيها عشرات الحقول، وبلغت نسبة قيمة الصادرات عام 2000 نحو 75 في المئة فيما يشكل الاحتياط ما نسبته خمسة في المئة عربياً وثلاثة في المئة على الصعيد العالمي.
ومنذ خروج النظام السابق من المنطقة عقب اندلاع الحراك الشعبي في 2011 وحتى مع وصول السلطات الجديدة للحكم، لا توجد معلومات عن هذه الحقول من ناحية الإنتاج وحجم الأضرار والتجهيزات الفنية للإنتاج.
وفي ما يخص مردود الحقول النفطية المالي، يرى الباحث والمتخصص في الشؤون الاقتصادية رضوان مبيض، أنه في حال تطبيق الاتفاق بين “قسد” ودمشق فهذا سيفتح الباب لاستقبال فرص استثمارية وانتعاش اقتصادي واسع في المنطقة برمتها بعدما ظلت رهينة الحرب والاضطرابات الأمنية.
وللمرة الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد تدفقت توريدات النفط من شمال شرقي سوريا إلى مناطق السيطرة الحكومية في الـ25 من فبراير (شباط) الماضي، واستقبلت حينها بحسب ما أعلنت عنه وزارة النفط مصافي التكرير في حمص وبانياس، النفط الخام من حقول الحسكة ودير الزور ضمن صفقة تتضمن توريد 15 ألف برميل من إجمال 100 ألف برميل نفط وكذلك مليون متر مكعب من الغاز.
ويعتبر مبيض أن إحكام سيطرة دمشق على تلك الحقول سيشكل انتعاشاً للاقتصاد السوري وينعكس إيجاباً مما سيتيح لشركات الاستثمار العمل بأمان ويرفع مستويات التصدير ويحول البلاد من بلد مستورد للطاقة إلى دولة منتجة ومصدرة كما في السابق قبل الحرب.
ويتابع “من المرجح إعادة تأهيل الحقول النفطية والغازية على حد سواء مما يترك المجال نحو زيادة بالإنتاج، ومن ثم تعزيز الدور الاستثماري وتوسعه، ويمنح إيرادات لخزينة الحكومة التي يقع عليها تحد جسيم أمام اقتصاد متهالك، ومن ثم يؤدي إلى تقليص العجز التجاري، فضلاً عن الانطلاق قدماً نحو مشاريع إعادة الإعمار داخل مدن مزقتها الحرب على مدى عقد من الزمن”.
تتمتع مناطق سيطرة “قسد” بقوانين خاصة تشمل انتخابات ودستوراً خاصاً، إضافة إلى نظام تعليمي خاص في المدارس والجامعات يشمل أكثر من 850 ألف طالب.
تسيطر “قسد” بشكل كلي أو جزئي على أربع محافظات سورية هي حلب والرقة والحسكة ودير الزور، وتقدر المساحة الجغرافية التي تقع تحت سيطرة “قسد” بنحو 60 ألف كيلومتر من إجمال مساحة البلاد البالغة 185 ألف كيلومتر.
مفاوضات دمشق
ومعلوم أن الإدارة الذاتية الكردية تحاول من خلال “قسد” طرح الحكم الفيدرالي كأسلوب قيادة جديدة للبلاد، معلنة أكثر من مرة عدم رغبتها بدخول أية معارك مع السلطات الجديدة، إلا أن المفاوضات الأخيرة في دمشق لم تفلح.
وبحسب الباحث السياسي في الشأن السوري، أحمد مظهر سعدو، فإن “السقف الزمني لإنفاذ الاتفاق ينتهي مع نهاية العام الحالي الذي يتيح لـ‘قسد‘ الاندماج بالمؤسسة العسكرية السورية في حال تنفيذ البنود، وإلا فالمنطقة أمام سيناريو قد يفقد الأكراد أية مكتسبات”.
من جهة يضع مراقبون اللوم على حكومة دمشق وعدم تساهلها حيال تلبية مطالب المكونات السورية، ولا يستبعد عضو في شبكة “راصد” لحقوق الإنسان الكردية، جوان اليوسف، إمكان التوصل إلى حل سياسي، ويرى أنه وارد بطبيعة الحال من خلال “إعادة التفكير في الركائز الأساسية التي تحقق مصالح كل المكونات والمناطق السورية، مثل إعادة صياغة الإعلان الدستوري الذي يضمن حق الجميع في المشاركة الحقيقية، ويضمن فيها كرامة الجميع من دون الغلبة لطرف على حساب آخر”.
ويرجح اليوسف أن يكون مفتاح الحل عبر بناء مؤسسات دولة تشاركية بالتوازي مع حوار حول شكل الدولة والآليات التي تخفف من الاحتقان وتعيد الثقة إلى الجميع.
اقرأ المزيد
معضلة السلام المنشود
في الأثناء، أعلن مسؤول الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية، قتيبة إدلبي، إلغاء اجتماعات باريس التي كان من المقرر أن تجمع وفدي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحكومة دمشق، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن المفاوضات بين الطرفين “مستمرة”. وقال إدلبي في تصريحات صحافية إن المفاوضات بين الطرفين ستعقد في العاصمة دمشق أو في إحدى مناطق شمال وشرق البلاد، بدلاً من باريس.
“الحل السياسي يريده السوريون جميعاً ولا أحد يريد مزيداً من الدماء” هكذا يستهل الباحث السياسي أحمد سعدو حديثه حول سيناريوهات التقسيم في الجنوب السوري، مضيفاً “يكفي ما أصابنا طوال 14 عاماً من حروب ومآس ولا بد من إيجاد حل سياسي واقتصادي انطلاقاً من اتفاق مارس بين دمشق و‘قسد‘”.
المصدر: أندبندنت عربية