جنود سوريون يهتفون نصرة لغزة.. هل تصعد إسرائيل عسكرياً؟

محمد الشيخ

في زحمة الاحتفالات بإسقاط نظام الأسد، ظهر مشهد تلقفته إسرائيل بسرعة جنونية، وهو هتاف جنود سوريين نصرة لقطاع غزة، خلال عرض عسكري للجيش السوري وسط العاصمة دمشق، حضره الرئيس السوري أحمد الشرع وكبار ضباطه.
ويأتي ذلك المشهد، في وقت وصلت فيه المفاوضات حول الاتفاق الأمني بين دمشق وتل أبيب إلى طريق مسدود، إلى جانب ازدياد النزعة العدوانية الإسرائيلية داخل الأراضي السورية، ما يقود إلى التساؤل حول كيفية رد إسرائيل على ذلك، بما في ذلك مهاجمة أهداف داخل الأراضي السورية، إلى جانب تساؤل مهم بارز هو من يقف خلف تلك الهتافات التي تعارض النهج السياسي الذي أعلنته الإدارة السورية تجاه إسرائيل.

استغلال إسرائيلي
تلقفت إسرائيل هتافات جنود الجيش السوري سريعاً، إذ جرت مناقشات داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بمشاركة مسؤولين كبار من الأجهزة الأمنية حول المقاطع المصوّرة القادمة من دمشق ومحافظات أخرى، وسط توقعات بأن تتخذ تل أبيب خطوات للرد عليها، تشمل إرسال رسائل قوية للإدارة السورية، وفق إذاعة الجيش الإسرائيلي.
وإسرائيل، التي تراقب ما يصدر من الداخل السوري بدقة، لا تفوت فرصة إلا وتستغلها لإثبات مزاعمها بأن السلطة تشكّل تهديداً محتملاً ضدها، مستندةً بذلك على ماضي الرئيس السوري ومن معه في موقع إدارة القرار السياسي والعسكري الجديد.
ففي تشرين الثاني/نوفمبر، رفع مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، نسخة من دعوة وجهتها وزارة الثقافة السورية لإقامة فعالية بذكرى هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر-جرى الغاؤها بعد ساعتين- حيث دعا المندوب الأعضاء إلى تفهم المخاوف الإسرائيلية من السلطة الجديدة، وبالتالي تبرير احتلال المنطقة العازلة وجبل الشيخ، كما شكّك بالوقت ذاته من وعود التغيير التي أطلقتها.
وعلى ذات المنوال، فإن المتوقع هو ألا يفوت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فرصة ما حصل في دمشق، ليثبت صحة نظرته المشككة بنوايا الشرع تجاه إسرائيل لا سيما أمام ترامب، الداعم للرئيس السوري، واستغلالها لتثبيت مطالبه حول الاتفاق الأمني، وذلك خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن في 29 كانون الأول/ديسمبر الجاري.
كما تُشير المعلومات إلى أن نتنياهو أرسل وزير خارجيته جدعون ساعر إلى واشنطن، حيث عقد الأخير لقاءات مع رؤساء اللجان في مجلس الشيوخ والنواب لثنيهم عن التصويت لإلغاء قانون قيصر خلال الأسبوع القادم.
وأمام هذا الحال، فإن إسرائيل ستحاول استغلال الهتافات ضدها في عدد من الاتجاهات. وأحدها التصعيد العسكري في الجنوب السوري، وفق المحلل والباحث السياسي درويش خليفة.
ويقول خليفة لـ”المدن”، إن الجنوب السوري شهد باكورة هذا التصعيد عندما أغلقت قوة إسرائيلية مداخل مدينة خان أرنبة في القنيطرة، وأقامت حاجزاً عسكرياً أطلق النار على المدنيين وأصاب 3 بجروح، أمس الثلاثاء، مضيفاً أن تل أبيب ربما تصعد باستخدام طائرات مسيرة للاستطلاع، وربما استهداف مواقع متفرقة في الجنوب السوري.
من جانبه، يرى الباحث والمحلل السياسي فراس علاوي أن الهتافات ستإثر بشكل سلبي على أي مفاوضات قادمة بشأن الاتفاق الأمني، لكن بشكل ضئيل، موضحاً أن تل أبيب قد تستخدمها كورقة احتجاجات لفرض بعض الشروط بحجة معالجة مخاوفها الأمنية.
على خطٍ موازٍ، يرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش في حديث لـ”المدن”، أن إسرائيل ستحاول استثمار من أجل إضفاء مشروعية على سياستها العدوانية تجاه سوريا، والقول للعالم إن السلطة الجديدة تشكل تهديداً لها، لافتاً إلى أن إسرائيل قلقلة من كل شي في سوريا من بعد سقوط نظام الأسد، وتتعمد إنشاء بيئة معادية لها هناك لتحقيق أهدافها المتعددة هناك.

تصاعد للتيار المعارض لتوجهات الشرع؟
وبعيداً عن كيفية الاستثمار الإسرائيلي، ثمة تساؤل بحاجة إلى إجابة، هو هل أن ما حصل في دمشق، كان بأوامر من القيادة السياسية السورية؟ أم أنه اجتهاد شخصياً من قبل عدد من القادة العسكريين المسؤولين عن العرض العسكري؟
وفي حال كان بأوامر من القيادة، فإن ذلك يقود للرسالة التي تحاول إيصالها، بينما في حالة كان اجتهاداً شخصياً فإنه يكشف عن وجود تيارات متناقضة داخل السلطة السورية، تعارض أو تخالف توجهات الشرع وقيادته بأولوية أطلقها الشرع هي أن سوريا الجديدة لن تشكل تهديداً لأحد بما في ذلك إسرائيل.
من جانب خليفة، فإنه يرجح وجود جود تيارين داخل السلطة الانتقالية في سوريا “تيار سياسي براغماتي، وتيار آخر يضم المقاتلين الأجانب والمقاتلين السابقين الذين يرفضون تقديم أي تنازلات تتعارض مع توجهاتهم المتشددة، ولا سيما تلك المتعلقة بالتزامات السلطة تجاه المجتمع الدولي”.
ويضيف أن الشعارات التي رُفعت خلال العرض العسكري للقوات المسلحة، والتي توعّدت إسرائيل بالانتقام لمجازر غزة، لا تعكس نهج السلطة السياسية التي تحاول إرسال رسائل إيجابية بشأن استعادة قنوات الاتصال والعودة إلى اتفاق الفصل في جنيف عام 1974.
أما علاوي، فيرى أن ما حدث كان فيه نوع من الاستسهال وعدم التنسيق، أكثر من كونه محاولة لإرسال رسالة من السلطة مفادها أنه لن تستطيع ضبط الشارع في حال مواصلة الاعتداءات الإسرائيلية ضد سوريا.
من جانبه، لا يستبعد علوش وجود تيارات متعارضة داخل السلطة أو انقسامات تعارض توجهات الرئيس الشرع بالموقف من إسرائيل، لكنه يرجح بأن تأثيرها محدود بتشكيل الموقف السوري، لكنه يؤكد بالوقت ذاته أن هذا التأثير قد يتصاعد إذا ما وصلت المفاوضات بين إسرائيل وسوريا إلى طريق مسدود وتأزم الموقف بينهما بشكل أكبر.

المصدر: المدن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى