
في ظل ارتفاع وتيرة العنف الطائفي واستهداف إسرائيل لسوريا، ومحاولات قضم من الأرض السورية، تبرز الدعوات لعقد مؤتمر وطني سوري جامع لوضع حد لهذه المآسي التي ستؤدي إلى تقسيم سوريا، خاصة أن أول مؤتمر عقدته الحكومة الحالية كان إقصائيا ولم ينجح في التجميع.
وقال وزير الإعلام الأسبق، حبيب حداد ، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان ، أنه بعد انقضاء أكثر من سبعة أشهر على إنهيار نظام الطغيان والفساد والاستبداد ، ووصول سلطة الأمر الواقع الحالية إلى التحكم بمصير سوريا خلال هذه الفترة والتي يفترض أن تكون سلطة مؤقتة لأنها لا تحظى بأية مشروعية دستورية، وأن يقتصر دورها على نشر الأمن والأمان ومعالجة المشاكل الملحة التي يعانيها الشعب على مختلف الأصعدة الغذائية والصحية والخدمية فإن هذه السلطة ومنذ أيامها الأولى وحتى الآن اتجهت في سياساتها اتجاهًا متعارضًا بل ومدمرًا لوحدة سوريا ومصالحها الوطنية مزيفًا لتاريخها ، ملغيا لدورها التحرري التقدمي الذي اضطلعت به تجاه قضايا أمتها ، وتجاه نصرة قضايا العدالة والسلام والحداثة على صعيد العالم أجمع.
وأكد أنه خلال هذه الفترة توضحت طبيعة هذه السلطة والمهمات التي جاءت بها لتنفيذها لكل مواطن او مراقب يملك الحد الأدنى من الوعي الموضوعي المهمات التي تمحورت حتى الآن على تأسيس نظام سلطوي ديني مغرق في الرجعية نظام يبنى على تدمير الوحدة الوطنية وفي تناقض كلي مع تاريخ سوريا الحضاري وقيم الشعب السوري في التسامح والإخاء الوطني والمساواة الإنسانية نظام عمد وقبل ان تكتمل كل مقوماته إلى رهن موارد البلاد ومقوماتها الاقتصادية إلى الشركات الاحتكارية الأجنبية، وفق قوله.
وأفاد بأن الواقع الصعب الذي تعيشه سوريا بات يهدد مستقبلها وكيانها من الأساس إنما يستدعي من كل مواطن سوري ومن جميع القوى والحركات السياسية الوطنية ومن جميع منظمات المجتمع المدني والأهلي التي استهدفتها إجراءات سلطة الأمر الواقع سواءً بحلها والحجر على نشاطاتها أو بحل قياداتها المنتخبة وتعيين غيرها التي يتوفر فيها شرط الإذعان لأوامر وتعليمات السلطة القائمة هذا الواقع يستدعي من الجميع الارتفاع إلى مستوى المسؤولية التاريخية وتوطيد أركان الوحدة الوطنية وتأسيس الكتلة التاريخية التي تضطلع بمهمة الإنقاذ الوطني في تحقيق أهداف انتفاضة الشعب السوري التي انطلقت قبل أربعة عشر عامًا لبناء الدولة الديمقراطية العصرية التي يتمتع ابناؤها بالمساواة في الحقوق والواجبات دون أية تفرقة أو تمييز او استهداف.
وعلق الكاتب والصحفي محمود وهب، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الانسان، معتبرا أن التعديات على سوريا تمس سيادتها على أراضيها، إذ يبدو لإسرائيل اليوم أنَّ سوريا أضعف مما كانت عليه، على الرغم من تأييد ملحوظ للرئيس الجديد، لكنَّ عبارة وردت على لسانه في أحد خطاباته أو تصريحاته: “لسنا حمل إسرائيل” استغلتها إسرائيل، بالإضافة إلى حل الجيش، وجهاز الشرطة في وقت لم تظهر فيه للشعب السوري (المتنوع والمتعدد) أيّة حالة من حالات التشاركية في الحكم، ولا شك في أن محاولات تفجير سوريا من الداخل قائمة على أرضية تنوع الشعب السوري، وإدخالها، ربما، في صراعات لا أحد يعرف نتائجها في حال وجودها، معتقدا أنه يمكن للرئاسة الحالية أن تطمئن السوريين، من خلال إيجاد “هيئة حكم” يرأسها رئيس الجمهورية، ومهم عقد مؤتمر سوري حقيقي يبرز الروح الوطنية العالية للشعب السوري،” مؤتمر يأخذ وقته ويظهر الحالة الوطنية من خلال تمثيله للشعب السوري بأطيافه كافة.. فلا أحد يعتقد أن تنوع الشعب السوري يضعف روحه الوطنية على العكس تماماً فتاريخ سوريا مفعم بالروح الوطنية العالية، ولدينا من الحوادث البطولية المشرفة التي تمثل ذلك التنوع السوري وهي مجال فخر واعتزاز بالنفس والوطن..”.
وعن الخلاص من الطائفية في سوريا، أورد أنه ليس له من علاج إلا بوجود نظام ديمقراطي يسمح بحرية تمثيل التنوع السوري بحرية وصدق ووفق قوانين واضحة تعكس حرية تمثيل الجميع بدقة وموضوعية ودونما أي تمييز،” فالنظام الديمقراطي الذي يسمح بانتخابات حرة يبدأ من المجالس البلدية، وينتهي بالمجلس التشريعي، وحتى رئيس الجمهورية هو خير وقاية وخلاص من أي شقاق مهما كانت أسبابه ولا شيء آخر.. وهذه أمور بديهية لدى كل شعب متحضر..! “.
وقال المحامي محمد علي صايغ رئيس مكتب الإعلام في هيئة التنسيق الوطنية، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن
الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع تشارك فيه كل الأطياف الوطنية والقوى السياسية بوجود الحكومة الحالية أصبح مطلب وطني بامتياز، وهذا المؤتمر يفترض أن يكون تأسيسي للمرحلة الانتقالية القادمة ويكون مرجعاً أساسياً للإدارة السياسية يدخل في مهامه إعادة النظر في الإعلان الدستوري وتعديله، وتشكيل لجنة معتبرة للعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وتشكيل مجلس نيابي انتقالي منتخب من المؤتمر الوطني وخلال المرحلة الانتقالية يشرف المؤتمر الوطني على انتخاب هيئة تأسيسية منتخبة لصياغة الدستور الدائم يكون مستنداً في إصدار قانون انتخابات عصري جديد للتحضير لانتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة وذات مصداقية في نهاية المرحلة الانتقالية بعد تهيئة الظروف الموضوعية لبيئة ٱمنة ومحايدة انسجاماً مع روح القرار الدولي 2254 / 2015.
وأبرز أن ارتفاع حدة العنف الطائفي لم يكن صدفة وجرى التحضير له من سنوات عبر وكلاء دول ومحطات إعلامية مرتبطة بأجندات خارجية وبالمقابل فإن عدم وجود رؤية سياسية واضحة للإدارة السياسية للتعامل مع الأحداث راكم أخطاء وممارسات عنيفة من قبل مجموعات فصائلية لم تندمج في إطار جيش وطني أو تأتمر بأمر قيادته رغم الإعلان عن اندماجها ، وهذا ما استغلته دول لها مصالح وعلى رأسها الكيان الصهيوني في شحن الهويات الفرعية تمهيداً لتقسيم سوريا وإبقائها ضعيفة ومرتهنة للقوى الدولية والإقليمية النافذة بالملف السوري، “وللأسف فإن بعض الأبواق الإعلامية تتحرك اليوم تحت غطاء كشف الحقيقة لكنها تشتغل في اتجاه تعميق شرخ النسيج المجتمعي والتجييش الطائفي ، وهي تصب في المحصلة بحسن نية أو سوء نية في المخططات المرسومة للعبث بالخريطة السورية الجغرافية والديمغرافية”.
واعتبر محدثنا أنه لا يمكن السير بعملية الانتقال السياسي إلا من خلال المؤتمر الوطني العام بصلاحياته التي ذُكرت كما لا يمكن وضع حد للصراع الطائفي في سوريا إلا بفتح حوار واسع وشفاف وجدي بين السلطة السياسية وجميع المكونات الوطنية ، للاتفاق على صيغ وطنية وعلى خريطة واضحة للانتقال السياسي السلمي يؤسس لنظام سياسي تشاركي جديد، ويحفظ حقوق السوريين على أساس المواطنة المتساوية للجميع في إطار وحدة الدولة أرضاً وشعباً، ووحدة السلطة الشرعية الملتزمة بمخرجات الحوار ونتائجه على أرضية وحدة الهوية السورية الجامعة في إطار العيش المشترك والسلم الأهلي ومساهمة جميع السوريين بإعادة الإعمار بكافة مستوياته، وفي بناء الدولة العصرية القوية التي يفخر بها أبناؤها ويعتزون بانتمائهم لها.
أما القيادي الكردي صالح مسلم، فيرى في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الحل لمحاربة هذا العنف الطائفي ممكن بالحوار المريح بين المكونات السورية وكان مؤتمر المكونات في الحسكة يمكن أن يكون مثالاً، وهو رد على المؤتمر الذي عقدته الحكومة السورية من لم واحد لمنح الشرعية للحكومة.
وأكد حسام ميرو رئيس الحزب الدستوري السوري، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه منذ احتكار السلطة من قبل الشرع، والسعي لإخضاع أقليات طائفية بالنار والدم، يظهر الفعل السياسي الوطني في أكثر حالاته ضعفاً، خصوصاً مع تظهير حالة التمثيل الطائفي لدى العلويين والدروز.
وأوضح أن وقائع الحالة الوطنية، والأزمات العديدة فيها، تجعل من الضروري بمكان إنتاج نظام سياسي ديمقراطي لا مركزي، وليس على أساس طائفي أو عرقي، لكن هذه الضرورة لا يمكن تحقيقها إلا عبر مؤتمر وطني، يقوم على التوازن في التمثيل الجغرافي والسياسي والمدني والأهلي والجندري.
وتابع،” نحن في (حدْس) ندعو إلى عمل مشترك، ينهض به الفاعلون الوطنيون، خارج سلطات الأمر الواقع، لعقد “المؤتمر الوطني” التمثيلي، بوصفه ضرورة عاجلة وإسعافية، في محاولة لاستبعاد أسوأ السيناريوهات المحتملة، أي الدخول في نفق الحرب الأهلية المظلم، أو بناء نظام محاصصة طائفي يقضي على حلم السوريين بدولة وطنية ديمقراطية حديثة”.
وعبّر عم الاستعداد للعمل مع الفاعلين الوطنيين ممن لم يتورطوا بانتهاكات أو جرائم، ويرون أن النظام السياسي القابل للحياة في سوريا هو نظام لا مركزي ديمقراطي، على النقيض من صيغة المحاصصة الطائفية وما ينجم عنها.
المصدر: المرصد السوري لحقوق الانسان