
أصدرت وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء تقرير التوجيهات المؤقتة للبلد الخاص بسوريا، وقدّم التقرير تقييماً شاملاً للوضع الراهن في البلاد عقب التحولات السياسية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، مستنداً إلى المعلومات المتوفرة حتى آذار/مارس 2025.
اعتمد التقرير على مصادر حقوقية متعددة من أبرزها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وهيومن رايتس ووتش، إلى جانب عدد من المنظمات المحلية والدولية الأخرى، إضافةً إلى بعض الصحف ووسائل الإعلام.
قامت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان بمراجعة التقرير، والذي يقع في 73 صفحة، وتعرض فيما يلي أبرز مضامينه بشكل موجز:
أشار التقرير إلى حدوث تغييرات جذرية في تركيبة السلطة في سوريا، حيث تمكنت فصائل مسلحة تقودها هيئة تحرير الشام من السيطرة على العاصمة دمشق والمدن الرئيسة، وتم إعلان تشكيل حكومة انتقالية برئاسة أحمد الشرع. كما أُلغي دستور عام 2012، وحُلّت مؤسسات النظام السابق، بما في ذلك الجيش وأجهزة الأمن، وأُعلنت فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تتضمن إعداد دستور جديد وتشكيل حكومة انتقالية مكونة من 23 وزيراً، يضم بعضهم ممثلين عن الأقليات الدينية والعرقية، إلا أنَّ الغالبية ما تزال بيد شخصيات مرتبطة بهيئة تحرير الشام.
أفاد التقرير بوقوع موجات نزوح جديدة، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنَّ أكثر من 1.1 مليون شخص نزحوا داخلياً منذ بدء الهجوم في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بينما بلغ عدد العائدين داخلياً بحلول أيار/مايو 2025 نحو 1.2 مليون شخص، في حين عاد أكثر من 480 ألف لاجئ من الخارج، معظمهم من لبنان وتركيا. ورغم ذلك، ما تزال ظروف العودة محفوفة بالمخاطر، حيث يعاني العائدون من نقص في الخدمات الأساسية، وغياب الضمانات القانونية والأمنية، فضلاً عن صعوبات في الحصول على الوثائق الرسمية المتعلقة بالملكية والسكن. وتؤكد المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنَّ سوريا لا تزال غير مهيأة لعودة آمنة وطوعية وكريمة، وتوصي بعدم الإعادة القسرية إلى أي منطقة في البلاد.
وأكد التقرير أنَّ الجهات التي تمارس الاضطهاد لم تعد تقتصر على النظام السابق، بل تشمل الإدارة الانتقالية، وقوات سوريا الديمقراطية، والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، وتنظيم داعش، إضافة إلى فاعلين محليين مثل الميليشيات والعشائر والجماعات المسلحة غير النظامية. وقد ارتكبت هذه الجهات انتهاكات واسعة تشمل الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والابتزاز، ونهب الممتلكات. وأشار التقرير إلى استمرار عمليات القتل والاعتقال بحق من يُشتبه في انتمائهم للنظام السابق أو تعاونهم معه. كما وثقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان عمليات إعدام ميداني في آذار/مارس 2025، معظمها ضد مدنيين في الساحل السوري.
كما أوضح التقرير أنَّ الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان لا يزالون عرضة للاضطهاد، خصوصاً من قبل قوات سوريا الديمقراطية، والجيش الوطني، وتنظيم داعش، وهي جهات لم تُظهر أي تغير في مواقفها تجاه الحريات المدنية. أما الإدارة الانتقالية، فلا تتوافر بعد بيانات كافية تبيّن موقفها من هذه الفئة، بحسب التقرير.
وبيّن التقرير أنَّ النساء والفتيات يعانين من انتهاكات متعددة تشمل الزواج القسري، والعنف الجنسي، والتمييز القانوني والاجتماعي، إلى جانب الحرمان من الرعاية الصحية والتعليم. ووفقاً للشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، فإنَّ هذه الانتهاكات تُرتكب من قبل جهات مسلحة وكذلك داخل الأسر، دون أن تحظى الضحايا بالحماية أو الوصول إلى العدالة، مما يزيد من هشاشتهن الاجتماعية والقانونية في ظل تفكك مؤسسات الدولة. أما الأطفال، فيواجهون تهديدات خطيرة تشمل التجنيد القسري من قبل الميليشيات، خاصة في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والانتهاكات الجسدية والنفسية، والزواج المبكر، والعمل القسري، وتعرضهم للقتل أو الإصابة نتيجة للهجمات أو الألغام. وقد وثق التقرير استمرار عمليات تجنيد الأطفال من قبل “حركة الشبيبة الثورية” المرتبطة بحزب العمال الكردستاني.
وأشار التقرير إلى استمرار الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان في توثيق حالات القتل تحت التعذيب، وسوء أوضاع السجون، وغياب المحاكمات العادلة، مما يجعل مراكز الاحتجاز بؤراً لانتهاكات ممنهجة بحق المعتقلين.
واختُتم التقرير بالتأكيد على غياب الحماية الفعلية في سوريا، حيث لا يمكن اعتبار الإدارة الانتقالية جهة موفِّرة للحماية وفق المعايير الدولية، في ظل سجلها الحقوقي غير الواضح واستمرار الانتهاكات في مناطق نفوذها. كما أنَّ إمكانية توفير بديل داخلي للحماية في مدينة دمشق مثلاً تبقى محدودة للغاية ولا تنطبق إلا في ظروف استثنائية. وتؤكد الوكالة أنَّ شرط “زوال أسباب اللجوء” لا ينطبق بعد على الوضع السوري، وأنَّ خطر الاضطهاد لا يزال قائماً في مرحلة ما بعد النظام، لا سيما بالنسبة لفئات محددة مثل الصحفيين، والنساء، والأطفال، والمشتبه بانتمائهم لأي طرف من أطراف النزاع.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان كانت، وعلى مدى السنوات الماضية، مصدراً رئيساً لوكالة الاتحاد الأوروبي للجوء فيما يتعلق بحالة حقوق الإنسان في سوريا، وذلك بفضل عملها اليومي في رصد وتوثيق مختلف أنماط الانتهاكات، وأرشفتها ضمن قاعدة بياناتها، مما يوفّر إحصائيات تستند إلى بيانات تراكمية تعكس بدقة حجم واستمرارية الانتهاكات.
وتؤكد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان التزامها بمواصلة التعاون والتنسيق مع الجهات الأممية والدولية، من خلال تزويدها بالبيانات والمعلومات، بما يساهم في تعزيز حقوق الضحايا وكشف مرتكبي الانتهاكات.
للاطلاع على تقرير وكالة الاتحاد الأوروبي للجوء كاملاً، يُرجى زيارة الرابط التالي:
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان