
توثيق مقتل 202 ألف مدني، بينهم 45 ألفاً تحت التعذيب، و160 ألف مختفٍ قسرياً
دمشق – 8 كانون الأول/ديسمبر 2025:
بمناسبة مرور عام على سقوط نظام الأسد، تصدر الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان تقريراً موجزاً يتضمن تحديثاً موسَّعاً لحصيلة انتهاكات النظام، وتجديداً للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم ضمن مسار عدالة انتقالية متكامل. ويؤكد التقرير أنَّ استحضار هذه الذكرى يفرض التساؤل الجدي حول مسار العدالة الانتقالية في سوريا، وضرورة التزام السلطات الحالية والمجتمع الدولي بضمان المساءلة الفعلية عن الجرائم المرتكبة، وكشف مصير المختفين قسرياً، وإنصاف الضحايا وذويهم. وتمثل هذه المناسبة لحظةً مزدوجة للذاكرة والمساءلة، وتذكيراً متجدداً بأنَّ أي استقرار مستدام في سوريا يقتضي كشف الحقيقة، وضمان عدم إفلات الجناة من العقاب، وتحقيق العدالة للضحايا. ويعرض التقرير حصيلة محدثة لانتهاكات نظام الأسد تتضمن ما أمكن توثيقه خلال العام الماضي، في ضوء الوصول إلى مناطق وضحايا جدد، وتراجع منسوب الخوف عقب سقوط النظام.
وثقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان حصيلة ثقيلة من الانتهاكات؛ إذ قُتل 202,021 مدنياً، بينهم 23,138 طفلاً و12,036 سيدة، إضافة إلى مقتل 662 من الكوادر الطبية، و559 من الكوادر الإعلامية. ولا يزال 160,123 شخصاً مختفياً قسرياً، بينهم 3,736 طفلاً و8,014 سيدة. كما قُتل تحت التعذيب 45,032 شخصاً، بينهم 216 طفلاً و95 سيدة. وسجَّلت الشبكة 566 اعتداءً على منشآت طبية، و1,287 اعتداءً على مدارس وروضات أطفال، و1,042 اعتداءً على أماكن عبادة. كما وثقت استخدام النظام 81,954 برميلاً متفجراً تسببت في مقتل 11,092 مدنياً، وشنَّ 217 هجوماً كيميائياً خلّفت 1,514 قتيلاً و11,080 مصاباً، إضافة إلى 254 هجوماً بالذخائر العنقودية أدت إلى مقتل 835 شخصاً، و52 هجوماً بأسلحة حارقة. وأسهمت هذه الانتهاكات الممنهجة في نزوح 6.8 ملايين شخص داخلياً، ولجوء نحو 7 ملايين آخرين إلى خارج البلاد.
وامتدت شبكة المتورطين في انتهاكات نظام بشار الأسد لتشمل أجهزة أمنية وعسكرية، وقضاءً موظفاً لخدمة القمع، ومؤسسات مدنية سهَّلت الإخفاء القسري والتلاعب بالسجلات، إضافة إلى شخصيات اقتصادية وثقافية وفنية وفرت غطاءً اجتماعياً وسياسياً للنظام. وقد وثقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان قرابة 16,200 متورط، بينهم 6,724 من القوات الرسمية و9,476 من عناصر الميليشيات الرديفة، شاركوا في الاعتقال والتعذيب والقصف. كما لعب قضاة ومحاكم استثنائية دوراً محورياً في شرعنة الانتهاكات، وأسهم موظفون مدنيون في إخفاء مصير المعتقلين ونهب الممتلكات، فيما ساعد رجال أعمال وفنانون وإعلاميون في تلميع صورة النظام وتطبيع جرائمه أمام الرأي العام المحلي والدولي.
وتؤكد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان، استناداً إلى توثيق مستمر منذ عام 2011، وإلى أكثر من 1,800 تقرير وملايين البيانات المجمَّعة، أنَّ انتهاكات نظام بشار الأسد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وعملاً باتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، لا يحق لمرتكبي هذه الجرائم، أو لأولئك الذين توجد “أسباب جدية للاعتقاد” بتورطهم فيها، الحصول على صفة اللجوء، وفقاً للمادة 1(و) التي تستثني مرتكبي الجرائم الدولية والجرائم الخطيرة والأعمال المناقضة لمبادئ الأمم المتحدة. ورغم استثناء هؤلاء من صفة اللاجئ، يظل مبدأ عدم الإعادة القسرية سارياً، ويمكن للدول أن تمنحهم حمايةً مؤقتة مع الاستمرار في التعاون مع جهود المساءلة القضائية والحقوقية. واختتم التقرير بمجموعة من التوصيات الرامية إلى دعم مسار المحاسبة وترسيخ العدالة الانتقالية في سوريا:
أولاً: إلى الحكومة الروسية
إعادة النظر في قرار منح اللجوء لبشار الأسد:
تدعو الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان الحكومة الروسية إلى مراجعة قرارها بمنح اللجوء لبشار الأسد، بوصفه قراراً يتعارض مع الالتزامات المترتبة على الدول بعدم توفير ملاذ آمن للأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبما ينسجم مع واجب التعاون في مكافحة الإفلات من العقاب.
التعاون مع الجهود الدولية لتحقيق العدالة:
حثّ السلطات الروسية على التعاون الكامل مع الجهود القضائية الدولية والوطنية الرامية إلى تحقيق العدالة للسوريين، بما في ذلك النظر في تسليم بشار الأسد إلى السلطات القضائية السورية المختصة في المستقبل، أو إلى محكمة دولية أو مختلطة ذات ولاية، وفقاً لأحكام القانون الدولي.
المساهمة في جبر ضرر الشعب السوري عن الأضرار الناجمة عن التدخل العسكري:
دعوة روسيا إلى الإقرار بجانب من مسؤوليتها عن الخسائر البشرية والمادية الناجمة عن تدخلها العسكري المباشر إلى جانب نظام بشار الأسد، والمساهمة الجدية في جهود إعادة الإعمار وجبر الضرر، بوصف ذلك جزءاً من التزامها الأخلاقي والقانوني تجاه الشعب السوري.
ثانياً: إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي
ممارسة الضغط لضمان عدم تحويل اللجوء إلى غطاء للإفلات من العقاب:
حثّ الأمم المتحدة والدول الأعضاء على استخدام مختلف أدوات الضغط الدبلوماسي والسياسي لحمل روسيا على الوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، وعدم توظيف مفهوم “اللجوء الإنساني” كغطاء سياسي لحماية مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
تفعيل الآليات الدولية للمساءلة:
الدعوة إلى تفعيل وتطوير الآليات الدولية القائمة ذات الصلة بسوريا، ودعم أي مسار قضائي دولي أو مختلط يسهم في مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية أو إنشاء آلية خاصة عند تعذّر سبل العدالة الوطنية.
ثالثاً: إلى الحكومة السورية الحالية
الالتزام بمبادئ العدالة الانتقالية:
ضمان محاكمة عادلة وشفافة لبشار الأسد ولكل من يشتبه في ارتكابه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، بما يحقِّق الإنصاف للضحايا ويعيد الثقة في المنظومة القضائية.
تبنّي مسار عدالة انتقالية شامل يشمل كشف الحقيقة، والمساءلة، وجبر الضرر، والإصلاح المؤسسي، وضمانات عدم التكرار.
تبنّي استراتيجية تشريعية شاملة للعدالة وعدم التكرار:
الإسراع في الانضمام إلى الصكوك الدولية الأساسية، وفي مقدمتها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والاتفاقيات ذات الصلة بمناهضة التعذيب وحماية حقوق الإنسان.
تجريم الجرائم الدولية الأساسية (الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة الإبادة الجماعية) في قانون العقوبات السوري، بوصفها جرائم لا تسقط بالتقادم، ولا يجوز شمولها بأي عفو عام أو تسويات سياسية.
إلغاء أو تعديل القوانين والمراسيم التي كرّست الاستبداد، ومصادرة الملكية، والتمييز، والاعتقال التعسفي (قوانين الطوارئ، محاكم الإرهاب، التشريعات المنظمة للمصادرات والغياب، وغيرها).
إجراء إصلاح عميق للجهاز القضائي وإلغاء المحاكم الاستثنائية:
إنشاء هيئة مستقلة للتقييم المهني والنزاهة القضائية، تتولى مراجعة سلوك القضاة خلال فترة النزاع، وعزل من تثبت مشاركته أو تواطؤه في الانتهاكات الجسيمة، مع ضمان حق الدفاع والإجراءات القانونية الواجبة.
إعادة بناء السلطة القضائية على أسس الاستقلال والفصل بين السلطات، وتوفير الضمانات القانونية الفعّالة لحماية القضاة المستقلين.
إعادة هيكلة قطاع الأمن والجيش (الإصلاح الأمني والعسكري):
إخضاع عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية لرقابة مدنية وبرلمانية وقضائية فعّالة.
اعتماد معايير واضحة للتدقيق والفحص (Vetting) في تعيين وترقية الكوادر الأمنية والعسكرية، بما يضمن استبعاد المتورطين في التعذيب، والاختفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، من أي موقع ذي سلطة.
إقرار مدوّنة سلوك ملزمة لأجهزة الأمن والجيش، تتضمن التزاماً صريحاً باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وربط المساءلة والترقيات بالالتزام بهذه المعايير.
تعويض الضحايا وإعادة تأهيلهم
وضع وتنفيذ برامج وطنية شاملة لجبر ضرر الضحايا وأسرهم مادياً ومعنوياً، بما في ذلك التعويض المالي، والاعتراف الرسمي، وإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي.
إنشاء آليات وبرامج متخصصة لدعم الناجين من التعذيب، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، وسائر الانتهاكات الجسيمة، مع منح أولوية خاصة للفئات الأشد ضعفاً (النساء، الأطفال، الأشخاص ذوو الإعاقة).
إعادة إعمار المناطق المتضررة على أساس حقوقي:
اعتماد خطط مدروسة وشفافة لإعادة إعمار المناطق المتضررة، تعطي الأولوية لاحتياجات السكان المحليين المتضررين، وتضمن عودتهم الآمنة والطوعية والكريمة إلى مناطقهم الأصلية.
ربط جهود إعادة الإعمار باحترام حقوق السكن والأرض والملكية، ومنع تكريس نتائج المصادرات غير المشروعة أو سياسات التغيير الديمغرافي، وربط التمويل الخارجي بضمانات حقوقية واضحة.
اعتماد سياسة واضحة تجاه العفو والمساءلة:
رفض أي عفو شامل عن الجرائم الدولية الأساسية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
حصر إمكانية العفو في حالات محدودة وضيقة لجرائم ذات طابع سياسي لا ترقى إلى الجرائم الدولية، وفي إطار مسار عدالة انتقالية يضمن الحق في الحقيقة، والاعتراف بالضحايا، وضمان عدم التكرار.
التأكيد في الخطاب الدستوري والسياسي على أنَّ مكافحة الإفلات من العقاب مكوّن أساسي في العقد السياسي الجديد في سوريا، وليست أداة للمساومة السياسية.
حفظ الأرشيف والأدلة ومنع إتلافها:
إصدار تشريعات تجرّم إتلاف أو إخفاء الأرشيف الأمني والقضائي والسجلات المرتبطة بالانتهاكات الجسيمة، واعتبار ذلك شكلاً من أشكال عرقلة العدالة.
إنشاء وحدة وطنية متخصصة لحفظ وأرشفة الأدلة وفق أعلى المعايير، بالتنسيق مع الآليات الدولية (مثل الآلية الدولية المحايدة والمستقلة) والمنظمات الحقوقية السورية.
التعاون الكامل مع الآليات الدولية والعدالة ذات الولاية العالمية:
إعلان الاستعداد للتعاون مع الآليات الدولية الخاصة بسوريا (اللجنة الدولية المستقلة للتحقيق، الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، المقرّرون الخاصون، وغيرها)، بما في ذلك تسهيل الوصول إلى الشهود والمواقع والأرشيف.
الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات تهدف إلى عرقلة التحقيقات أو المحاكمات الجارية في ولايات قضائية أجنبية تستند إلى الولاية القضائية العالمية، والالتزام بتبادل المعلومات مع هذه السلطات عندما يُطلب ذلك وفقاً للقانون.
إشراك الضحايا والمجتمع المدني في تصميم مسار العدالة:
ضمان مشاركة فعّالة لضحايا الانتهاكات وذويهم، ومنظمات المجتمع المدني السورية المستقلة، في صياغة سياسات العدالة الانتقالية، وقوانين جبر الضرر، وبرامج إصلاح المؤسسات.
توفير دعم سياسي ومالي مستدام لبرامج الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للضحايا، مع اعتماد مقاربة تراعي النوع الاجتماعي والفئات الأكثر هشاشة.
رابعاً: إلى المؤسسات الإعلامية والقطاع الأكاديمي
حفظ الذاكرة ومنع إنكار الجرائم:
الاستثمار في إنتاج مواد إعلامية توثيقية (برامج، أفلام، منصات رقمية، وأرشيفات رقمية تفاعلية) تحفظ ذاكرة الجرائم والانتهاكات، وتواجه سرديات الإنكار أو التبرير أو المساواة بين الجلاد والضحية.
تعزيز البحث العلمي والدراسات المتخصصة:
تشجيع الجامعات ومراكز الأبحاث على إجراء دراسات معمقة حول مسارات العدالة الانتقالية في سوريا، وأنماط العنف، وإصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية، بما يرفد عملية صنع القرار بسياسات قائمة على الأدلة، ويغني النقاش العام الوطني والدولي حول آليات تحقيق العدالة في سوريا.
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان





