سنة سورية من دون آل الأسد… ولكن

أحمد مظهر سعدو

مضت سنة على سقوط نظام الاستبداد الأسدي في سورية. سنة ليست كالسنوات كلّها، إذ استطاع الشعب السوري، ضمن ظروف دولية وإقليمية، أن ينهي حقبة طويلة من خطف آل الأسد الوطن السوري، حقبة من العسف والقهر وهدر إنسانية الإنسان، وزجِّ مئات آلاف في السجون والمعتقلات، وهو ما عمل الإنسان السوري عليه مديداً، وصولاً إلى لحظة انبلاج النور، ورؤية دمشق حقّاً بلا آل الأسد، وبلا أيّ معتقل من فروع القهر والظلم والظلام الفاشي. ولا مبالغة أبداً في وصف ذاك النظام الأسدي بالفاشي، لأن من يقتل شعبه بالسلاح الكيميائي والبراميل والصواريخ الباليستية، وكذلك في أقبية الظلام والمعتقلات، والمسلخ البشري في صيدنايا، لا يقال عنه إلا أنه نظام فاشي، هو وأدواته القمعية، وكل من يدعمه.
تُقبل سورية على مرحلة وحكم جديدين، تصبو فيهما إلى أن تصل إلى نموذج دولة المواطنة التي حُرم منها الشعب السوري طويلاً، وعاش عقوداً متوالية تحت حكم عصابات الأمن والمخابرات، وجمهورية الخوف، فلم تكن هناك قيمة للمواطن، ولا قدرة لأحد على أن يقول كلمة حقّ في وجه السلطان من دون أن يُزجَّ في معتقلات الموت، لأن من يخرج من سجون الأسد، كان كمن يعيش عمراً جديداً يضاف إلى عمره الذي سبق. يبقى السؤال المشروع والمطروح من معظم السوريين: هل كان العام الذي مضى من حالة ما بعد الأسد مريحاً ومحقّقاً للآمال فعلاً لا قولاً؟ وهل تمكّن الشعب من تحقيق آماله التي ضحّى من أجلها بأكثر من مليون سوري على مذبح الحرية والكرامة؟
تبقى قوات سوريا الديمقراطية عقدة الحلّ برفضها الاندماج داخل مؤسّسات الدولة
أسئلة كثيرة تواكب هذه الوقفة، وتجعلنا، وبعقلانية سياسية، وضمن أجواء الحرية النسبية التي نعيشها، نقول إن التحدّيات كبيرة وكبيرة جدّاً، وإن حالة الدولة الواحدة الموحّدة المستقرّة لم تصبحْ في متناول اليد بعد، وما زالت مسألة بناء سورية وإعادة بناء قدراتها، ومن ثم المضي إلى الأمام، بعد الخراب الكبير الذي أوصلها إليه بشّار الأسد ونظامه الفاسد المُفسِد… ما زال ذلك كلّه صعبَ المنال، وتعتريه منغّصاتٌ ومعوقاتٌ كثيرة، ليس أولها ولا آخرها استباحات إسرائيل، وقضمها أراضي سورية، واعتداؤها على مواطنين سوريين، اعتقالاً أو قتلاً، وتمنّعها عن الانسحاب من الأراضي السورية التي دخلتها بعد 8 ديسمبر/ كانون الأول 2014، وفرط قوتها الذي يمنع أيَّ أحدٍ من إيقافها عند حدّها، ومن ثم تدخّلها في الواقع السوري، وادّعاؤها حماية الأقليات، وخصوصاً في الجنوب السوري، ثم توقّف المفاوضات بينها وبين الدولة السورية الجديدة ضمن شروط تعجيزية تضعها أمام المفاوض السوري، وصولاً إلى اتفاق أمني مفترض قد لا يمنع التعدّيات الإسرائيلية كما يبدو.
لم تتمكّن حكومة ما بعد كنس آل الأسد في دمشق من حلّ إشكالات الجنوب السوري في السويداء، ولم تتمكّن بعد من إعادة هذه المحافظة إلى الدولة الوطنية السورية، في سياق استمرار الضغط الإسرائيلي الذي يريد أن تكون السويداء دويلة مستقلة. كما لم تتمكّن حكومة دمشق من ضمّ شمال شرقي سورية إلى الدولة السورية، وما زال اتفاق 10 مارس (2025) لم يُطبَّق منه إلا النزر اليسير. ومع اقتراب المهلة التي أُعطيت للاتفاق كي يُنفَّذ، نهاية العام الحالي، تبقى عوامل كثيرة تلعب سلباً في عدم تنفيذه، وتبقى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عقدة الحلّ برفضها الاندماج داخل مؤسّسات الدولة السورية العسكرية والمدنية، إلا وفق شروطها الصعبة، التي يمكن أن تفتح الباب على مصراعيه، في حال قبول دمشق بها، نحو الانفصال والتقسيم، وأعني مسألة الفيدرالية، واللامركزية السياسية على أساس عرقي وإثني، ضمن حالة من الاستنقاع، وعدم القدرة على الوصول إلى حلّ، وعبر حالة سحب البساط النسبي من الأميركيين (وليس الكلّي) من تحت أرجل “قسد”، حتى تبقى هذه عائقاً مستمرّاً لوحدة الوطن السوري. ناهيك عن إشكالات أمنية يومية شمال غربي سورية، مع دعوات خارجية إلى الحكم الذاتي للعلويين، وهو ما يقضّ مضجع السوريين الذين يطالبون بالتعجيل في محاسبة الجناة فيما حصل في الساحل السوري قبل ذلك.
ما زال السوري يحلم بوطن جديد يختلف كلّياً عمّا عاشه أيام المجرم الأسدي
تحدّيات كثيرة، واشتغالات متعدّدة من الحكومة، وتعويل على الخارج أولاً، وسط حالة من الترّيث عن فعل ما هو مطلوب في الداخل السوري، ضمن أجواء داخلية سورية تطالب بالاستعجال، عبر إطلاق مجلس الشعب الجديد، رغم عدم تلبيته متطلّبات الناس، والإسراع في العمل ضمن هيئة العدالة الانتقالية التي تسير وتتحرّك ببطء شديد لا يواكب حالة الغليان الكُبرى التي يعيشها السوريون، إذ لا سلمَ أهلياً من دون عدالة انتقالية حقيقية تُجبر الضرر، وتعيد الحقوق إلى أصحابها، وتوقف أعمال القتل الثأري الفردي، التي قد تؤدّي إلى تقويض حالة السلم الأهلي برمّتها إن لم تُنجز ملفّات العدالة الانتقالية، ليس في السويداء والساحل فحسب، بل في بقاع سورية كلّها، بما فيها المناطق التي عانت طويلاً من عسف وقمع وهضم حقوق من آل الأسد، وأدوات السلطة التي حكمت سورية بالحديد والنار خمسة عقود ونيّف. ذلك هو الأهم في كل ما جرى في سورية خلال 14 عاماً من عمر الثورة السورية.
وإذا كانت التحدّيات كبيرة والآمال أكبر، فهل تمكّنت حكومة دمشق من تلبية متطلّبات الناس الخدمية والمعيشية؟ وهل تحسّن الوضع الاقتصادي، وبات السوري متشجّعاً، وخصوصاً من هم في الخارج، على العودة إلى الوطن؟ الجواب يقول: ما حصل عليه المواطن السوري قليل، وما زال هناك كثير من الهنّات والعثرات والانشغالات التي قد لا تدفع إلى مزيد من الاستقرار فيما لو استمرّت الأمور على هذا المنوال، فما زال السوري يحلم بوطن جديد يختلف كلّياً عمّا عاشه أيام المجرم الأسدي، خلال حقبة من أكثر الفترات التي مرّت على سورية دراماتيكية وعنفاً وهضماً للحقوق.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى