وجهان لتحرّكات الجيل Z

حسن مدن

تكاد الأضواء المُوجهة إلى التحرّكات الاحتجاجية للجيل المعروف بجيل Z أن تصرف الأنظار عن أجيال أخرى، وخصوصاً الجيلين السابقين له، حيث يوصف الأول بجيل X، والثاني بجيل Y. ويقصد بالأول الجيل الذي ولد بين بداية الستينيات ونهاية السبعينيات من القرن الماضي، فعاش بدايات ظهور العولمة وارتفاع أسعار الطاقة، ولا سيما النفط، أو ما عُرف، في مجتمعاتنا، “الطفرة النفطية”. أما الجيل Y فيقصد به من ولدوا بين 1981 و1996، ويعدّون الجيل الأول من أبناء العالم الرقمي، ولدوا بعد نهاية الحرب الباردة، وواكبوا الثورة المعلوماتية.
يوصف الجيل الأول، جيل X، بالمُهمل، لأنّ المنتمين إليه ولدوا بين جيلين صاخبين عُرفا بالتمرّد، جيل المولودين بعيد الحرب العالمية الثانية، و”جيل الألفية” الذين تميّزوا بنشأتهم في عصر الإنترنت السريع، فلا هو يشبه الجيل السابق له، الذي انخرط أبناؤه وبناته في التحرّكات الطلابية والشبابية الشهيرة في ستينيات القرن العشرين، وارتبطت بأسماء كبيرة في دنيا الفكر والفلسفة والثقافة، ولا هو يشبه الجيل التالي له الذي تشكّل وعيه مع بدايات الثورة الرقمية. وعلى الرغم من قسوة الظروف التي عاشها جيل X وتجاهله من وسائل الإعلام، ينبغي عدم إغفال الدور الذي لعبه في رحلة التغيير التي يشهدها عالمنا.
تكاد التقديرات أن تتفق على أنّ أبناء الجيل Z هم من ولدوا ما بين عامي 1997 و2013، وهي المرحلة التي ساد فيها العالم الرقمي وتطبيقاته في المجتمع، فنشأوا على استخدامها بمهارة فائقة، تحسُدهم عليها الأجيال السابقة.
في الاحتجاجات الطلابية والشبابية التي شهدتها بعض البلدان العربية والأفريقية في الأشهر الماضية، وكان عمادها أبناء هذا الجيل وبناته، طُرحت قضايا مفصلية تتصل بقيم العدالة الاجتماعية والمساواة، ورفض التمييز، وتحسين جودة التعليم المتردي، وتأمين فرص العمل للشباب، والدعوة إلى شفافية المؤسّسات وكسر السرديات التقليدية، واعتمدت تحرّكاتهم على أدوات غير مألوفة للأجيال السابقة، بدا فيها التأثير الرقمي الواسع كأسلوب ضغط ثقافي، وبناء حملات لحظية بدلاً من حركات طويلة الأمد، وهي أدوات أظهرت فعاليتها بالتأكيد. لكن السؤال يبقى عمّا إذا كانت هذه الأدوات السريعة قادرة على أن تتحول إلى بناء مؤسسي يُعوّل عليه.
يبرز هذا السؤال بشكلٍ أقوى وأكبر مع محاولة المنخرطين في هذه التحرّكات إبقاءها مستقلة عن تأثير الأحزاب والقوى السياسية في بلدانهم، بما فيها المعارضة لأنظمة الحكم في تلك البلدان، والإيحاء أنّ التحرّكات تخصّهم وحدهم، كما لو أنّ المطالب التي طرحوها في احتجاجاتهم، معيشية كانت أو سياسية، خاصة بهم، وكأنّ حل ما يواجهونه من مظالم يمكن أن يأتي بمعزل عن الحلول الشاملة للمشكلات التي تعاني منها مجتمعاتهم. فحتى لو كان جيلهم هو الأكثر معاناة، فإنّها تبقى وجهاً من أوجه المعاناة الشاملة التي تعاني منها كل الطبقات الاجتماعية العاملة والمُضطهدة، والمتسبب فيها من يستحوذون على الثروة والسلطة.
تعيد هذه المسألة بالذات إلى الأذهان سجالاً أثارته في وقتها الانتفاضات الطلابية في عام 1968 في أوروبا، وفرنسا خصوصاً، عما وُصف بـ”صراع الأجيال”، حيث أُخرج التمرّد من دائرة مواجهة مواقع الفساد والاستغلال واحتكار السلطة، لتصويره مجرّد صراع بين جيل جديد مختلف وأجيال سابقة، ولسنا في حاجة إلى التذكير بأنّها، رغم الحيوية التي أضفتها تلك التحركات، سياسياً وثقافياً، في لحظتها، لكنّها، في المحصلة، لم تحقق الأهداف التي طالبت بها.
لا نقلل أبداً من الفروق الجوهرية بين الأجيال، التي ازدادت تجلياتها، مع الثورة الرقمية غير المسبوقة، بما لا يُقاس بالمراحل السابقة، ونشوء متطلبات جديدة لجيل اليوم لم تعهدها الأجيال الأسبق، ولا نغفل أبداً عن عجز القوى السياسية الفاعلة، أو التي كانت فاعلة، في استقطاب الشباب إلى النشاط الحزبي والنقابي المنظم، وتراجع ثقة الشباب بهذه الأحزاب. ولكن يتعين ملاحظة أنّ منظومة القيم القوية التي يتبنّاها الجيل Z لم تتحول، بعد، إلى برامج تغيير مفصّلة. ومع أنّ تحرّكات هذا الجيل نتاج وضع سياسي واقتصادي واجتماعي مأزوم بأفقٍ مسدود، لكنّها، حتى اللحظة، تحرّكات قصيرة المدى، شديدة العاطفة، وغير جاهزة للدخول في تعقيدات السياسة اليومية.
في كلمات موجزات، لكي تعطي الرؤية النبيلة للجيل الجديد أُكلها، تلزمها بنية تنظيمية وفكرية تحوّلها إلى مشروع طويل النفس.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى