من المضحكات المبكيات، أن يتصل أجنبي برئيس دولة أو نظام، ليتوسل إليه بأن يوقف إطلاق النار، حتى يتمكن 40 يتيماً من مواطني الرئيس نفسه من النجاة، ومعهم عشرات من الأطباء كانوا محاصرين تحت القصف مثلهم.
الأجنبي هو الجرّاح البريطاني الشهير David Nott المعروف بلقب “دكتور الحروب” الذي استمدوه من كتاب ألفه بالاسم نفسه، لكثرة ما تنقل بين مناطق النزاع في العالم، ليعالج جرحى القتال والمرضى، خصوصاً في سوريا والعراق وأفغانستان وسيراليون وغزة، ومن يقم بكتابة اسمه في خانات البحث بمواقع التصفح، خصوصاً في YouTube الشهير، فسيمطره الموقع بمقابلات تلفزيونية معه وفيديوهات عن تواجده في مواقع قتالية عدة بالسنوات العشر الأخيرة.
أما الرئيس الذي تلقى منه الاتصال الهاتفي قبل 3 أعوام، فهو السوري بشار الأسد.
ولم يدر أن بشار ابن حافظ الأسد
بعد ظهر السبت الماضي، كان الدكتور البالغ 63 سنة أحد المتحدثين في مهرجان Hay Festival السنوي الفعاليات، وهو للآداب والفنون ويقيمونه بين مايو ويونيو في مقاطعة ويلز، وفيه حدّث رواد المهرجان عن لقائه صدفة بالأسد في لندن قبل 26 سنة، وأنه عانى ليتمكن في 2016 من ترتيب وقف لإطلاق النار في مدينة حلب بالشمال السوري، وأنه اتصل هاتفياً بالأسد وتوسل إليه في إحدى اللحظات لإنقاذ المحاصرين من قصف روسي- سوري مشترك للمدينة.
روى أن الأسد كان في 1993 طبيب عيون متدرباً في مستشفى Western Eye Hospital بشرق لندن، حين اتصل به المستشفى لمعالجة أحد المرضى، وهناك التقى به وتعرف إليه، وتحدثا عن طبيب سوري آخر يعرفه الاثنان معاً، وفقاً لما نقلت صحيفة “التايمز” البريطانية بعدد اليوم الاثنين مما قاله في المهرجان الذي زارت “العربية.نت” موقعه ووجدت برمجة لكلمته فيه، ثم انتهى التعارف من دون أن يعلم الدكتور “نوت” بالمهم، وهو أنه كان يتحدث طوال الوقت إلى ابن الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد.
“أنا الدكتور نوت، هل تتذكرني”؟
أما ترتيب وقف إطلاق النار، فحدث بعد أن اتصل مسؤول من الخارجية البريطانية بالدكتور “نوت” المتخصص بجراحة الأوعية والشرايين، وقال له: “يمكننا تزويدك برقم تليفون مكتب الأسد لتتصل به” فدونه، وراح يتصل 5 مرات كل يوم “من 6 إلى 7.30 صباحاً، وفي معظم الأحيان كان المجيب على الاتصال جنرالاً فظاً” إلى أن تحقق له ما أراد، فتم الاتصال، وأول ما قاله للأسد: “أنا الدكتور نوت، هل تتذكرني؟ التقيت بك عام 1993 بلندن..”. ثم شرح له محنة المنقطعة بهم السبل في حلب، وطالبه بوقف إطلاق النار.
ويبدو أن الدكتور الذي لم يذكر في كلمته بماذا أجابه الأسد، لم يسمع منه تعهداً مرضياً، والدليل أنه راح يقول له متوسلاً: “انظر يا رئيس، هناك 40 طفلاً، والجميع عالم بشأنهم. لا يمكنك قصفهم. يجب أن توقف إطلاق النار” وفقاً لما روى في كلمته بالمهرجان، وفيها ذكر أيضاً أن وقف إطلاق النار تحقق في ديسمبر 2016 بمساعدة من الاستخبارات البريطانية، فنجا المحاصرون من اليتامى والأطباء، وخرجوا إلى مدينة إدلب، والفيديو الذي تعرضه “العربية.نت” الآن، هو له في حلب قبل أقل من 4 سنوات، وفيه يتحدث عن مستشفى كان يعمل فيه بالمدينة، ونالت منه القذائف، ولحق به الدمار والخراب.
المصدر: العربية نت