“يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. إن ضمير أمتنا ينادينا”، بهذه الكلمات خاطب حافظ الأسد الشعب السوري، عام 1973 قبيل اندلاع ما يسمى “حرب تشرين” ويظهر هذا الخطاب رغبة في تأصيل الفعل السياسي في الجذور الدينية لسوريا فمنذ عهد الأسد ” الأب” وحتى الآن، استطاع النظام السوري استخدام المؤسسة الدينية لصالحه.
تاريخ عائلة الأسد حافل باللعب على “المعادلة الدينية” التي تقوم على استقطاب الشخصيات والحركات الدينية المؤثّرة في المجتمع لتشارك في حربه “الدعائية” وإصدار الخُطب والفتاوى التي تناسبه وتحجيمها ومعاقبتها إن هي خرجت عن “بيت الطّاعة” ليكون بذلك من أبرز أمثلة “تدجين الدين” في الأنظمة العربية المعاصرة.
وقد سيطر النظام السوري على مراكز الخطاب الديني عبر أذرعه وأجهزته المخابراتية المتحكمة فعليّا وجهاتها الحكومية التنفيذية المتمثلة بوزارات الأوقاف والتعليم العالي والتربية لتتم له السيطرة على الخطاب و العاطفة الدينية في سوريا.
السيطرة على المؤسسة الدينية بـ “زرع الخوف وبث الفرقة”
اعتمد نظام الأسد على مؤسسات وأفراد تمّ اختيارهم لولائهم له. وقد برز من بين هؤلاء، محمد سعيد رمضان البوطي، و أحمد حسون وزير الأوقاف والذي أصبح، في ظل حكم الأسد، “الأكثر شهرة على التلفزيون السوري” وقد حافظت سياسة الرعاية الدينية الانتقائية هذه على علاقة الدولة بعلماء الدين، ما سمح للنظام بإظهار نفسه أنه حامي المجتمع الديني المعتدل في سوريا و في مقابل ذلك يحصل على الدعم السّني له.. بحسب مركز حرمون للدراسات
الباحثة في الفكر الإسلامي، الدكتورة رغداء زيدان، اعتبرت في تصريح لـ “أنا برس” أنّ نظام الأسد الأب منذ تسلّمه للسلطة في سوريا بعد انقلاب 1970، عمل على التعامل مع مختلف مؤسسات المجتمع ومكونات الشعب السوري بطريقة الترغيب والترهيب، وعبر تسليط أجهزته الأمنية وقبضته الحديدية التي فرضها على الشعب السوري، استطاع التحكم بمفاصل الدولة ومؤسساتها، واستعان بمجموعة من المنتفعين الذين سهلوا مهمته في السيطرة والتسلط على سوريا ومرافقها، في مختلف المجالات، ومنها الدين.
وترى زيدان أن سياسة الأسد الأب كانت قائمة على مبدأين أساسيين:
1 ـ زرع الخوف عن طريق تسليط الأجهزة الأمنية وقدرتها على توجيه تهمة “الإرهاب” و”الأخونة” ( الانتماء لتنظيم الإخوان المسلمين) لأي شخص معارض، وخاصة بعد أحداث الثمانينيات التي نكّل فيها حافظ الأسد بمعارضيه بقسوة، فارتكب خلالها جرائم مازالت مشاهدها المرعبة ماثلة في عقول السوريين من مثل مذبحة حماة، ومذبحة تدمر، ومذبحة جسر الشغور وغيرها.
2 ـ بث الفُرقة وعدم الثقة بين مكونات الشعب السوري عبر سياسته الطائفية التي قسمت المجتمع طائفياً من جهة، وكذلك بث الفرقة بين أفراد البلد الواحد والطائفة الواحدة نفسها عبر تقديم المنتفعين والفاسدين وتمكينهم من التسلق على أكتاف أبناء جلدتهم من جهة أخرى.
وفيما يخص المؤسسة الدينية أوضحت زيدان أن نظام الأسد استطاع ضبطها والسيطرة عليها بعد أن زج بالألوف في سجونه بتهمة الأخونة والإرهاب، فزرع الخوف في قلوب السوريين، ومن نجا منهم من الاعتقال هاجر خارج سوريا هارباً بنفسه، أما من بقي في البلاد فقد آثر السكوت وعدم إثارة نقمة الأجهزة الأمنية، ليس خوفاً على حياته فقط، بل أيضاً خوفاً على أحبائه وأهله، كون نقمة النظام كانت تنال الجميع دون رحمة.
بالإضافة إلى أن النظام عمل على تقديم من يطبّلون له، فسلمهم منابر المساجد، و مفاصل المؤسسات الدينية، أما من لم يستطع تخويفه أو شراء ذمته فقد عمل على تحجيمه وتطويق نشاطه ضمن دائرة ضيقة مراقبة بشكل جيد من قبل أجهزته الأمنية.
المفكر السوري المعارض برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بالعاصمة الفرنسية يرى في تصريح لـ “أنا برس” بأن أيّ سلطة استبدادية أو طاغية تعمل على اختراق كل مؤسسات الدولة والمؤسسة الدينية في سوريا لم تخرج عن هذا الإطار، فتمت السيطرة عليها من الداخل عن طريق دعم العناصر الضعيفة فيها، نفسيا أو أخلاقيا، ودفعها الى ازاحة السلطة الرمزية القائمة وتسفيه أي سلطة رمزية دينية فيما بعد بانتقاء أسوأ العناصر وأكثرها سفاهة ووضعها على رأس المؤسسة، وبالتالي إفقاد المؤسسة بأكملها وما تمثله من نشاط ونشطاء وقيم وعقائد وأفكار أي صدقية أو اعتبار. ويكفي أن ننظر إلى آخر أئمة الجامع الاموي ومفتي الجمهورية حتى تعرف كيف قُضيَ على السلطة الدينية و كيف تم تسفيهها.” في إشارة إلى (آخر أئمة الجامع الأموي)
بدوره المحلل السياسي حسام نجار، أوضح لـ “أنا برس”، “كلنا يذكر كيف لعب مفتي الجمهورية السابق أحمد كفتارو دورا مهما في مساندة الأسد الأب، وأوكل إلى مهمة الدفاع عن نظام السلطان، ولم يجد كفتارو حرجاً من الشهادة أمام الناس بضرورة الانصياع لحافظ الأسد.. ونجح الاسد في استخدام أحمد كفتارو مفتي سورية والإسلام الرسمي لتثبيت شرعية دينية على حكمه بعد أن أصبح الحكم عسكرياً استفرد به حافظ الأسد
بمقابل هذا منح الأسد مدارس كفتارو كل الامتيازات، كذلك عمل الأسد على فتح مدارس تعليم القرآن الكريم والتي سميت بإسمه وهي مسمار جحا الذي كان يستخدمه أولئك الأفاكون بأن الأسد ليس ضد المسلمين وضد الإسلام.”
وأحمد كفتاروا هو مفتي الجمهورية العربية السورية السابق، و يعتبر من مجددي الفكر الإسلامي، ورواد الصحوة والتقريب بين المذاهب هو أحد شيوخ الطريقة النقشبندية، وكان قد نصَّ في وصيته لأتباعه حرفياً على “الالتزام التام بمنهج سيادة الرئيس بشار الأسد وحكومتنا الوطنية”.
أحداث الثمانينات.. و إعادة رسم الخريطة السياسية – الدينية في سوريا
بعد أحداث الثمانينات وما حصل خلالها من صراع بين “تنظيم الإخوان” في سوريا والنظام عمد الأخير إلى تغيير سياسته تجاه دَورالإسلام في الحياة العامة، متجهاً نحو علاقات استيعابية بدلاً من التدابير العلمانية العدوانية، فعمل على رعاية النمط الصوفي، وجرى كبت كل ما يخالفه من تيارات دينية، حتى لو لم تكن إخوانية، ولو كانت تميل إلى الوفاق أو عدم الصدام مع النظام البعثي، وأحكمت عائلة الأسد الخناق على كل توجه سني ليس صوفياً، بقبضة من حديد.
فبعد عام 1982 وما أعقبه من أحداث دامية في سوريا عمد النظام إلى إقامة تحالف رسمي مع الجهاز الديني الصوفي، وعمل على نشر الفكر الصوفي، وكان لـ أحمد كفتارو شيخ الطريقة الكفتارية – وهي أحد فروع الطريقة النقشبندية الصوفية في سورية – دور كبير في تطويع الجهات الصوفية لتعمل لمصلحة النظام، وجنّد كل جهود المؤسسات التي يديرها في سورية من خلال جهات الافتاء ومعاهد حافظ الأسد لتعليم القرآن الكريم ومجمع أبي النور الصوفي الذي يشرف عليه.
و في تحليله لارتدادات الصراع مع الإخوان المسلمين في سوريا اعتبر الأمين العام للتجمع الوطني السوري، صلاح قيراطة لـ “أنا برس” أن النظام السوري استثمر بأحداث الثمانينات التي ضربت البلاد من قبل ما كان نظام الأسد ينعته بعصابة “الإخوان المسلمين” ليجعل حتى الإيمان قسمين، إيمان موال ( رجال النظام) وإيمان معارض الذين أسماهم بالإرهابيين وبذا انقسم المؤمنون غصبا بين خيارين الصمت والإيمان على مقاس النظام ووفق ما يريد، أو أن يكونوا ارهابيين وقد قُنّن هذا بقوانين.
فاليافعون السوريون كما يرى قيراطة كانوا ومنذ مطلع الثمانينات قد التحق المتدينون منهم بما سمي معاهد الأسد لتحفيظ القرآن، أما غير المتدينين فكانت المنظمات الشعبية كفيلة بإعدادهم العقائدي والسياسي والعسكري ليكونوا متحالفين حقيقيين للنظام ومدافعين أشداء عنه، وتم استغلال أحداث الثمانينات للضغط باتجاه أن يصبح الدين على قياس النظام من خلال تجريم كل من كان “متأسلماً” ضد مصالح النظام.
لم يكن أمام الغالبية العظمى من الشعب السوري إلا أن يمضوا حيث رسم النظام طريق التديّن ولم يكن دوما هذا نتيجة عن قناعة أو إيمان بقدر ما كان نتاج خوف فآلاف السوريين من المتهمين بدعاوي كيدية غُيّبوا في السجون منذ أحداث الثمانينات و الصراع مع الإخوان المسلمين حسب قيراطة الذي اعتبر أن الحال استمرّ على هذا المنوال الى بداية الحرب السورية ( سنة 2012) فكل مسلم قال لا للنظام أو دعا إلى إسقاطه تمّ اعتباره إرهابيا وجب قتله، وكل من صمت فهو رمادي ( في المنطقة الرمادية) أمّا من هلل وكبر فهو الوطني ولطالما سمعنا خطب رجال دين خلال الحرب فظننا أننا أمام اجتماع حزبي أو مؤتمر أمني.” بحسب قيراطة
الباحث والدكتور في الفقه الإسلامي، محمد نور حمدان، أوضح لـ”أنا برس” أنه منذ تولي حافظ الأسد الحكم، عمل على تسييس المؤسسة الدينية وإحكام السيطرة عليها خاصة بعد أحداث الثمانينات و بوسائل عديدة أهمها إنشاء معاهد الأسد والتي تهتم بحفظ القرآن فقط وبشكل طبيعي فإنّ كل معهد يحتاج لموافقة أمنية .
وبحسب حمدان فإنَّ نظام الأسد استطاع السيطرة على بعض العلماء والمشايخ في المؤسسة الدينية أمثال كفتارو وحسون والسيد والعكام والبوطي الذي تم اغتياله في دمشق.
شهد يوم الخميس 21 مارس 2013، اغتيال الشيخ البوطي، أثناء إلقائه درسًا دينيًا في مسجد الإيمان بحي المزرعة في دمشق، إثر تفجير تم في المسجد أسفر عن مقتل 42 شخصً بينهم البوطي وحفيده، بالإضافة لإصابة 24 آخرين.
وتعددت الروايات بشأن اغتيال البوطي، وتبادل النظام السوري والمعارضة، الاتهامات بشأن المسؤولية عن اغتيال الشيخ، فاحتج النظام برغبة المعارضة في الانتقام نظرا لرفض البوطي احتجاجاتهم، وزعمت المعارضة بأن الشيخ كان سيعلن تراجعه عن آرائه السابقة فاغتاله النظام.
اختراق المؤسسة الدينية لأجهزة المخابرات بدأ منذ ثمانينات القرن الماضي، وا التي صدرت على خلفيتها مراسيم عدة منحت أعضاء حزب البعث الدخول إلى كلية الشريعة جامعة دمشق من دون اشتراط المعدل ممّا سمح بدخول عدد من رجال الحزب والاستخبارات إلى المؤسسات الدينية بحسب حمدان.. كما تم ربط بعض المشايخ والأئمة بأجهزة الاستخبارات للمحافظة على مراكزهم في المساجد وحمايتهم.
حلف بعثي- صوفي أم تكتيك صوفي لحماية الإرث الروحي في سوريا ؟!
بعد عام 1990 تطور الحلف الصوفي البعثي، عبر ارتباط مباشر بين رجال الدين وأجهزة الاستخبارات؛ فتحول بذلك عدد من رجل الدين الصوفي إلى أدوات بيد النظام، بشكل أو بآخر، وقد اشتهر مفتي دمشق محمد عبد الباري بامتلاكه سيارة خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة وحمله سلاحاً شخصياً يرافقه أينما ذهب، كما فضل كل من محمود العكام وصهيب الشامي وغيرهم البقاء في دائرة النظام وفق دراسة لـ “منتدى العلماء”
تواصلت “أنا برس” مع الدكتور محمد حبش (زوج ابنة مفتي سوريا الراحل أحمد كفتارو) وامتنع عن إعطاء أي تصريح في الوقت الحالي لأسباب شخصية، وفي تصريحات سابقة له 2018 حيث وصف حال الجهاز الديني في سورية الذي يسيطر عليه الصوفية بشكل كامل بأنهم مجموعة موظفين يؤدون ما يطلبه منهم النظام السوري دون تردد ، ويؤكد أن النظام السوري يعد مشايخ الصوفية في سورية جزءاً لا يتجزأ من أجهزة تثبيت أركان حكمه وتشريع سياساته، فلا مكان في سورية لتوجه ديني خارج سلطة النظام، ومعظم المشايخ في سورية يمارسون ثقافة الحكمة والمداراة.
ويقول إن هذا أسلوب برع فيه أحمد كفتارو الذي أسّسَ موقفه على أساس أن “العين ما تقاوم المخرز” ، وأن “الحكمة فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الشكل الذي ينبغي”، وأن “علينا أن نداري هذا النظام ما استطعنا لحماية العمل الإسلامي الذي نؤسّسه، ولا بد من دفع زكاة الثناء والمديح للرئيس حتى تسلم المؤسسة”
من جانبها ترى الباحثة زيدان أن النظام السوري استطاع السيطرة على الخطاب الديني وعلى المؤسسات الدينية، وأنتج فئة من المستفيدين أو المستكينين الذين يؤثرون السلامة مقنعين أنفسهم بأنهم يؤدون رسالة الدعوة طالما أنهم يعملون ضمن الشروط التي فرضها ذلك النظام المستبد.
وبحسب زيدان فإن نظام الأسد الابن لم تخرج سياسته عن الإطار العام لسياسة والده، رغم أنه استغل النزعة المحافظة للمجتمع السوري لحماية نفسه خاصة بعد التهديد الذي شعر به بعد غزو العراق، والضغوط التي مورست عليه بعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري لكنه عاد وشدد من قبضته الأمنية بعد أن تغيرت الظروف الدولية لصالحه وعاد لسياسة المنع والضبط السابقة.
مراقبة المساجد والخطباء و استدعائهم لأفرع المخابرات
أكدت الباحثة رغداء زيدان أن أجهزة النظام الأمنية والاستخباراتية تقوم بمراقبة خطب الجمعة وتحديد مواضيعها في أحيان كثيرة، واشتراط طلب الموافقات الأمنية من أجل إقامة المحاضرات وتحجيم التعليم الشرعي والديني والمسجدي ومراقبته وحصره في مواضيع الطهارة والحفظ والأوراد والتحذير من العمل السياسي بحجة منع الفتنة.
الخطيب السابق بالجامع الأموي بحلب الدكتور عبد الله سلقيني ودكتور علم التفسير والقرآن، يقول لـ “أنا برس”، عندما كنت في حلب ، قبل الثورة السورية، وعندما كنت أدرّس في الجامع الأموي بحلب، وفي جامع الزعيم أيضا، كان عناصر المخابرات يحضرون دائما وكان يتم استدعائي إلى فرع المخابرات العسكرية كل فترة شهرين وكان يتم استجوابي لماذا ذكرتَ هذه الآية أ وتلك الآية.
وأوضح السلقيني بأن هذا التصرف المخيف كان يمارس على كل من يعمل في الحقل الديني وبالتالي من كان ضعيف الشخصية وضعيف الإيمان كان يستجيب للمخابرات والأجهزة الأمنية، ومن ثمَّ يصبح بوقا بيد النظام وفي حادثة أخرى جرت مع أخيه الدكتور المتوفي” إبراهيم سلقيني” مفتي محافظة حلب أكد السلقيني بأن الاجهزة الأمنية كانت لا تنفك عن زيارته بشكل مستمر وبعد قيام الثورة، أصبحت تزوره المخابرات كل أسبوع مرة أو مرتين وكانت تحمل الزيارات في طياتها التخويف والتهديد وهو ما تسبّب في وفاته بأزمة قلبية بتاريخ 6 سبتمبر/ أيلول 2011 حسب عبد الله السلقيني.
و تتكون الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في سوريا من أربع إدارات عامة يشرف عليها مكتب الأمن الوطني. يقع المقر الرئيسي لكافة الأجهزة في العاصمة وتضم فروعاً مركزية. ويتبع لهذه الإدارة أفرع في كافة المحافظات تتضمن مكاتب ذات اختصاص مشابه للأفرع المركزية فالفرع هو صورة مصغرة عن الإدارة العامة، و يوضّح الشكل أدناه الهيكلية العامة لهذه الأجهزة.
منفعة متبادلة.. جمعيات وشخصيات دينية داعمة للأسد
مجمع الفتح الإسلامي
أسّس الشيخ صالح فرفور سليل العائلة الدمشقية التي قدّمت العديد من الفقهاء، مجمع الفتح الإسلامي العام 1956 و بدأ المعهد نشاطه على شكل حلقات علمية كان يقيمها العلامة الراحل الشيخ محمد صالح الفرفور في الجامع الأموي.
وأصبح هذا المجمع يدرس الفقه الإسلامي واللغة العربية ولكن النظام بشار الأسد وضع دمج النظام التعليمي لهذا المجمع في التعليم العمومي العالي تحت مظلة وزارة الأوقاف وذلك بموجب المرسوم التشريعي رقم 48 في 4 نيسان 2011
فإن مسار مجمّع الفتح الإسلامي يعكس حقيقتين أساسيتين حول العلاقة بين الدولة وبين علماء الدين في سوريا. الأولى، هي أنه لم يعد هناك هيئات دينية خارج إدارة الدولة، فنظام الأسد أحكم سيطرته على كل الهيئات الدينية ما وضع خاتمة لقرون من استقلاليتها الذاتية، والثانية، أن النظام استفاد أكثر من خلال استخدام هذه المؤسسة لصالحه، على رغم أن هذه الأخيرة أصبحت أكثر أهمية بفعل روابطها بالنظام.
جمعية البستان في المزّة : خيرية في ظاهرها…ثكنة للشبيحة في باطنها
أسسها “رامي مخلوف” عام 1999 في قرية بستان الباشا في ريف اللاذقية، وكانت أهدافها المعلنة مساعدة الفقراء في تأمين العلاج والطعام وخدمات اجتماعية أخرى لعموم السوريين، ولكن خدماتها اقتصرت على أبناء الطائفة العلوية.
وافتتح فرعًا للجمعية في منطقة المزة 86 في دمشق التي تقطنها أغلبية علوية قادمة من الساحل السوري، وتحوّل هذا الفرع لاحقًا إلى مركز لتطويع الشبيحة للاشتراك في قمع تظاهرات الثورة السورية 2011. وذكر أحد الضباط أن عدد الذين جرى تسليحهم والزج بهم لقتل السوريين في هذا الفرع تجاوز خمسة وعشرين ألفًا، تركزت مهمتهم بداية على قمع المتظاهرين في دمشق، ثم تطورت لتشمل باقي المحافظات السورية وفق مركز حرمون للدراسات
وتنفذ الجمعية نشاطها عبر غطاء “الهلال الأحمر السوري” الذي يبلغ في مستوى تبعيته للأجهزة الأمنية حدًا يتحول فيه في بعض الأحيان إلى جهاز استخبارات بحد ذاته، وتتحول المساعدات في غالبها إلى “مناطق النظام”.
كما أن الجمعية تعمل بشكل ممنهج على زيادة الشرخ الطائفي في سورية بتخصيص العلويين بالمساعدات الإنسانية التي تحصل عليها من المؤسسات الدولية والمحلية لتعود عليها بالقدرة على تجنيد مزيد من أبناء الطائفة العلوية وزجهم في الدفاع عن مصالح آل الأسد ومخلوف، وحرمان أبناء الطوائف الأخرى حتى لو كانوا موالين للنظام.
الفريق الديني الشبابي
يرأس الشيخ عبد الله السيد، ابن وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد، “الفريق الديني الشبابي” الذي تأسس مطلع العام 2016، وحصل على الترخيص رسمياً أوائل العام 2017. ويساعده الشيخ محمد سائر شعبان، مسؤول العلاقات والتدريب في “المكتب المركزي”، وعدد كبير من المشايخ في مختلف المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
هذا بالإضافة لشخصيات نسائية مسؤولة في الحركة الدينية النسائية “القبيسيات” في حلب ودمشق، والتي انضمت للفريق منذ تأسيسه. وقد التقى مسؤولوا “الفريق الديني الشبابي” بشار الأسد، منتصف شباط/فبراير 2017، وحظوا بدعمه، وهو الذي شدد في لقائه بهم على أن المعركة “هي معركة ضد الأفكار المتطرفة”، وأوكل للفريق الديني الشبابي ما أسماه مهمة “تغيير الخطاب الديني”.
وقد اعتبر المركز السوري للدراسات والرأي العام أن القانون الجديد رقم 16 لوزارة الأوقاف يعتمد الفريق الديني الشبابي لتمكين وتأهيل مجموعة من الأئمة والخطباء ومعلمات القرآن الكريم من الجيل الشاب. علما أن القانون الجديد لوزارة الأوقاف حذف عبارة الفريق الديني الشبابي في التعديلات التي أجراها قبل المصادقة على هذا القانون، وتمت الاستعاضة عنها بعبارة “الأئمة الشباب”.
وتعرف وكالة “سانا ” السورية الفريق الديني الشبابي بأنه يعتمد على متطوعين شباب بينهم أئمة وخطباء مساجد من جميع المحافظات وأنه يتكون من مجلس مركزي من 10 أعضاء وأن هدفه هو تطوير الخطاب الديني المعاصر بعيدا عن التعصب والانغلاق حسب نفس المصدر.
تفسير القرآن وفق “المرتكزات الفكرية” لبشار الأسد
تتبنى “وزارة أوقاف” نظام الأسد، التي يقوم على رأسها “محمد عبد الستار السيد”، نهجاً يتعمد حرف الدين إلى درجة جعله أشبه بمنهج “التربية القومية”، بالإضافة إلى إطلاق يد إيران في تشييع المجتمع السوري.
ولعل أغرب ما آل إليه هذا المنهج هو إلقاء وزير الأوقاف علناً وبشكل رسمي محاضرة أمام حشد من العلماء بعنوان ” ضوابط و قواعد تفسير القرآن الكريم تفسيراً معاصرا ..وفق المرتكزات الفكرية للسيّد الرّئيس بشار الأسد في الإصلاح الدّيني” كما ورد على صفحة وزارة الأوقاف السورية.
وتداول ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقطعًا لإحدى خطب السيد، عام 2015، والتي يفسّر فيها حديثا نبويّا حول توزيع الغنائم يعمد فيه إلى إسقاط تاريخي بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم و بين النّظام و قد تم انتقاد هذه طريقة السيّد في الكلام كما يدلّ على ذلك عنوان الفيديو المنتشر على اليوتوب.
و قد كان الوزير عبد الستار السيد، وهو والد الوزير الحالي، محمد عبد الستار السيد، وزيرًا في عهد حافظ الأسد، وكان ذلك أحد أهم أسباب تقرب محمد عبد الستار السيد من السلطات وبعد أن تولى السيد وزارة الأوقاف عام 2007 بعد إعفاء الوزير، محمد زياد الدين الأيوبي، على خلفية اتهامات بالفساد، أصبح السيّد من رجال الدين المقربين للأسد.
وتولى الدفاع عن النظام منذ بداية الاحتجاجات عام 2011، وهو الوزير الوحيد الذي أمضى فترة طويلة في منصبه، إذ تم إعفاء وزيرين للأوقاف، خلال سبع سنوات فقط، هما محمد عبد الرؤوف زيادة، ومحمد زياد الدين الأيوبي.
أحمد حسون.. وتبرير جرائم الأسد
اعتبر مفتي الجمهورية أحمد بدرالدين حسون أن حكم الأسد هو بأمر إلهي قائلا “أقسم بالله أن الذي وضع بشار الأسد وحافظ الأسد وشكري القوتلي وجمال عبد الناصر، لست أنا أو أنت، بل هو الله”.
ليس هذا وحسب بل ظهر حسّون في موقف آخر ليبرر مجزرة حماة بقوله: “إن مدينة حماة كان يراد بها أن تكون عاصمة الخلافة الإسلامية عام 1980، لكن أهل حماة صمدوا ودحروا الفتنة”، مدعياً بأن “حافظ الأسد لم يتدخل بأي أمر شرعي، وكذلك الأمر بالنسبة لبشار الأسد”، حسب زعمه.
الشيخ عبد الباري الزمزمي، عضو مؤسس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، شن هجوما حادا على مفتي سوريا أحمد بدر الدين حسون، واصفا إياه بكونه “لا يخاف الله تعالى، ولا يحترم نفسه، ولا يحترم الشعب السوري الذي يُقتل كل يوم من طرف النظام المجرم لبشار الأسد”.
وجاءت انتقادات الزمزمي لمفتي الجمهورية السورية على خلفية فتوى صدرت عن مجلس الإفتاء الأعلى السوري الذي أعلن عبر شاشة التلفزيون التابعة للنظام بأن “الجهاد” ضد كل من استهدف سوريا هو “فرض عين” ليس على السوريين فقط، وإنما على كل الدول العربية والإسلامية . أحمد حسون كان قد هدد، الدول الغربية بإرسال “استشهاديين” إلى أراضيها إذا دعمت الثورة السورية.
يقول المحلل السياسي حسام نجار إن بناء المنظومة الدينية كانت وسيلة لتخدير العوام من الناس كما كانت رسائل غير مباشرة للعالم أن النظام السوري يرعى رجال الدين ولا يحارب الإسلام، وفي الوقت نفسه “مدافع عن الأقليات” و أنه يضبط تلك العملية تحت سقف الدولة. و هذا ما سهل من خلال هذه المنظومة ضرب الإخوان المسلمين وكل التيارات التي تقف حائلاً دون استمراره في الحكم.
و أثناء الثورة لاحظنا درجة استفادة النظام من هؤلاء أمثال البوطي وحبش ومأمون رحمة وابن البوطي لاحقاً وحسون و كذلك بعض الأئمة ممن كان الشعب مغشوش بهم كأمثال محمود العكام والحوت و البيانوني على حد تعبير النجار.
مفتي القدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى، محمد حسين، كان قد دعا مفتي سوريا أحمد حسون إلى عدم الوقوف مع النظام السوري ضد شعبه، معتبراً أن ما يحدث في سوريا فعلاً مؤلم لكل أبناء الأمة العربية والإسلامية.. وفق موقع “دنيا الوطن”
الحقوقي والأكاديمي ماجد السعد علّق على مواقف أحمد حسون واصفا إيّاه بأنه ضابط مخابرات برتبة مفتي.. يقول السعد لـ “أنا برس” بإن الجملة التي قالها أحمد حسون لوكالة “سبوتنيك” الروسية تكفي لتوضيح كل شيئ حين أقسم “أقسم بالله لو أنني عرفت أن بشار الأسد أمرَ بقصف المدنيين لوقفت بوجهه”… و تسائل السعد هل هناك سوري لايعرف من يأمر بقصف المدنيين في سوريا؟ فلافروف نفسه لم يحلف على براءة الأسد وذكّر السعد بأن المفتي نفسه قال حرفياً “أرجو منك يا جيشنا أن تُبيد أيّ منطقة تخرج منها أي قذيفة على المدنيين”.. وفق موقع “سبوتنيك” الروسية
الباحثة رغداء زيدان أشارت إلى أنه مع انطلاق الثورة السورية المباركة، كان أول اتهام أطلقه الأسد على الثوار أنهم إرهابيون، وحاول تشجيع التطرف عبر إطلاق سراح متهمين بالتشدد، وتسهيل عملهم بتحويل الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة.
كما استعان بمجموعة من رجال الدين للتأثير على الشعب عبر إطلاق فتاوى تحريم المظاهرات، والتحذير من الفتنة وإطلاق التهديدات المباشرة والملغومة، وتبرير أفعال أجهزته الأمنية، فوجدنا مفتيه أحمد حسون، ووزير أوقافه محمد السيد، وخطبائه المأجورين كمأمون رحمة وأمثاله، وبعض الجماعات النسائية الدينية، الذين برروا جرائمه وعملوا على إطلاق الفتاوى التكفيرية و التضليلية والتحذيرية بهدف إخماد الثورة
الشيخ عمر رحمون..من “جيش الثوّار” إلى “لجان المصالحات”
في حزيران 2013، خرج عمر رحمون في فيديو إلى جانب شقيقه سامي رحمون “أبو العلمين”، يُعلن فيه عن تأسيس “حركة أحرار الصوفية الإسلامية” الداعمة للثورة السورية والتي تحولت في ما بعد إلى “لواء أبو العلمين” الذي عمل مع “لواء التوحيد” في حلب وشارك فعلياً في معركة السيطرة على مدرسة المشاة فيها.
بعد ذلك انضم رحمون إلى “جيش الثوار” وأصبح ناطقها الرسمي حتى أوائل العام 2016. وذلك قبل أن يعود إلى صفوف النظام الذي عينه في “لجان المصالحات” التي تدعمها روسيا.
و قد صعّد عمر رحمون من خطابه ضد المعارضة في الآونة الأخيرة متوعداً ادلب بـ”الحرق والإبادة” باعتبارها معقل “جبهة النصرة”، الرواية التي يعمل على ترويجها مشايخ النظام عموماً للتهيئة لاجتياحها.
القبيسيات ..من تنظيم دعوي نسوي إلى أداة بيد النظام
“كانت توجيهات السيّد الرّئيس بشّار الأسد من البداية أن يتمّ نقل العمل النسائي من البيوت حيثُ الظّلام والضّبابيّة إلى المساجد حيثُ النّور وحيثُ الضّبط” هكذا خطبت سلمى عيّاش و هي من آنسات القبيسيات أمام وزير الأوقاف و المفتي في شهر فبراير 2014 بمناسبة المؤتمر 15 لوزارة الأوقاف تحت عنوان فقه الأزمة”.
و قد تمّ تعيين القبيسية سلمى عيّاش بعد شهر واحد من هذا الإعلان في آذار 2014 في منصب معاون لوزير الأوقاف في تعيين هو الأول من نوعه لإمرة في هذا المنصب في وزارة الأوقاف.
و يعتبر هذا التطّوّر محوريا في تاريخ تنظيم القبيسيّات الذي بات مندمجا في النسيج السياسي للنظام السوري.
و ُتٌعرف القبيسيّات ،التي يعود تأسيسها لسبعينايت القرن الماضي، نسبة لمؤسستها منيرة قبيسي أنها جماعة دينية إسلامية دعوية نخبوية نسوية و تعتمد هيكلية شبه تنظيمية غير مُعلنة نواتها من طبقة أثرياء دمشق ونشاطها الحقيقي والجاد يستهدف هذه الطبقة.
في الـعام 2006 سُمح لهن بنقل نشاطهنّ من حلقات واجتماعات وحفلات ومجالس ذكر في البيوت سرًّا إلى المساجد علنًا وبشكلٍ أوسع تحت إشراف الدّولة.
أصدرت وزارة الأوقاف في حكومة النظام السوري، بيانا بتاريخ 21/5/2018 قالت فيه إنه لا وجود لما يسمى بـ”القبيسيات” وإنما فقط معلّمات كان لهن “دور مشهود” في مواجهة التطرف والطائفية.
واعتبرت الوزارة في بيان نشرته على صفحتها الرسمية على الفيسبوك أنه “لا وجود لتنظيم اسمه القبيسيات وهذه التسمية تعود لفترة معينة لم تعد موجودة الآن، فيما الآن هنالك معلمات قرآن كريم فقط مهمّتُهُنَّ تحفيظ القرآن وتفسيره ويعملن بترخيص من وزارة الأوقاف، وهنّ متطوعات من دون أجر”.
السيدة (ر، إ) كانت قد حضرت بعض جلسات لتنظيم القبيسيات سابقاً، أكدت لـ “أنا برس”: “بحسب ما أسمعه الآن من زميلات لي، فإن القضية بعكس ما ذكرته وزارة الأوقاف، إذ أن التنظيم موجود ويتوسع، كما أنه لم يسلم من أن يكون جزءاً من لعبة النظام السوري.
مردفة بإن كل من تلتزم معهن عليها أن تتعلم مبدأ السرية والكتمان في كل شيء فهي لا تخبر أمها ولا أباها أي شيء متعلق بالتنظيم، ولاحتى زوجها هذا اذا سمحت لها الآنسة بالزواج)
في عام 2014 استقبل رأس النظام “بشّار الأسد” وفدًا من القبيسيات.. في دلالة على انحيار القبيسيات إلى نهج النظام السوري.
في آذار “مارس” من عام 2014 أصدر بشّار الأسد مرسومًا بتعيين سلمى عيّاش بمنصب معاون وزير الأوقاف، وهذه المرّة الأولى في تاريخ سوريا التي تحظى فيه امرأة بمنصب معاون وزير الأوقاف، علما بأن سلمى عيّاش طبيبة من مدينة طرطوس الساحلية وهي من آنسات القبيسيّات الكبيرات، كما أنها في الوقت نفسه أخت زوجة وزير الأوقاف في النّظام السّوري محمّد عبد الستار السيد.
الباحث والدكتور في الفقه الإسلامي، محمد نور حمدان، أكد أن نظام الأسد استطاع السيطرة على القبيسيات، وتوجيه نشاطاتها لتحقيق أهدافه وتمرير بعض الأفكار التي يريدها النظام من خلالهن.
القانون 31: “الإسلام كما يراه الأسد”
لعل القانون 31 الذي أصدره رئيس النظام السوري بتاريخ 2018 يمثل محاولة من نظام الأسد للهيمنة على الجسم الديني وإعادة هندسته بما يخدم بقاءه، كما أنه محاولة من الحكومة السورية لترسيخ سيطرتها على الشبكات الدينية في البلاد، بحسب دراسة أجراها مركز “كارنيغي للدراسات
وذهبت هذه الدراسة إلى أن القانون 31 في بابه الخامس تحت عنوان “تنمية عقارات الأوقاف واستثمارها” يمنح وزارة الأوقاف درجة أكبر من الاستقلال المالي في موازنتها ويجيز لها إنشاء شركات تجارية ومالية.
الحقوقي والأكاديمي ماجد السعد.. أكد لـ “أنا برس” أن القانون 31 أدى إلى توسيع حضور وزارة الأوقاف وأنشطتها في مستويات مختلفة، حتى وصل للحضور العسكري، بتقديم التوجيهات الدينيّة والمعنويّة لميليشيات الدفاع الوطني والفرق العسكريّة التابعة للنظام.
وأشار السعد إلى أنه أصبح للوزارة حضور على المستوى الاقتصادي أيضاً من خلال إطلاق المناشدات لتخفيض الأسعار المرتفعة للمساهمة في تخفيف الأعباء عن المواطنين.
استمالة المسيحيين من خلال زرع الخوف
اعتبر معهد واشنطن للدراسات في إحدى دراسته حول مسيحيي سوريا أن ” الكنيسة تم اختراقها من قبل عناصر المخابرات، تماما كأي مؤسسة أخرى. فكان يتم تشجيع الكهنة، شأنهم في ذلك شأن أئمة المساجد، على كتابة تقارير عن رعاياهم ومجتمعاتهم، ويتم مكافأتهم على ذلك. وتم إصدار الأوامر إليهم بتسلم خطب محددة مطبوعة مسبقا أثناء إقامة شعائرهم في أيام الجمع والآحاد، وفي الأعياد الدينية الهامة. ومن ثم، فإن المسيحيين في سوريا لا يمكنهم الادعاء بأنهم تمتعوا بمزايا كبيرة تحت حكم الأسد، بل كان يخصص لهم وزير واحد فقط في كل مجلس وزراء، ولا بد أن يكون إما من حوران أو من اللاذقية” وفق معهد واشنطن للدراسات.
واعتبرت نفس الدراسة أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقدم نفسه بوصفه منقذا للمسيحية الشرقية في سوريا”، وفي هذا السياق اعتبرت صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 20/4/2019 أن روسيا حاولت اللعب على هذه النقطة عبر إعادة إعمار الكنائس، وقد قامت مجموعة خاصة يقودها “ديمتري سابلن” عضو البرلمان الروسي بإعادة بناء “دير مار تقلا” في معلولا حتى يتمكن الحجاج الروس من القدوم إليه.
الصحفية والإعلامية المهتمة بالدراسات الإسلامية، زهرة محمد.. أكدت أن نظام الأسد استطاع استمالة الطائفة المسيحية من خلال زرع الخوف فيها من وحش (الجماعات الإسلامية) والتي كانت مجرد شماعة ليعلق عليها كل قتله و قمعه للثورة فقد كان في بدايات الثورة ومازال يفتعل الأحداث والانفجارات في الأحياء ذات الأقليات مما أدى لخوف الأقليات ومنهم الطائفة المسيحية.
وقد غذى ذلك الإعلام الذي روج لهذه الدعاية و حتى من خلال زرع مؤيدين له كانوا يعملون على الترويج لهذه الفكرة، ولنكن واقعيين فإن أي طائفة لديها تخوف على نفسها قد تتأثر بذلك، فحين تنتشر الفوضى برأيهم فإن الأمان تمثل بوجود هذا الحاكم الذي ظنوه هو باب الأمن لهم والمنجي والمخلص الذي سيحميهم من ( الجماعات الإسلامية ) ولكن نريد أن نقول أن الطائفية المسيحية ليست مع الأسد فهناك الكثير ممن خرج ضد نظام الأسد منهم فنانون ومثقفون، ومشاهير وأدباء، فالثورة للجميع وليست لطائفة دون أخرى، وإن كان الذي حصد العذاب الأكبر هو الطائفة السنية.
وقد اعتبر منسق حوار الأديان الدولي في مؤسسة “كونراد أديناور” الألمانية، أوتمار أورينغ، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إن التقديرات تشير إلى أن هناك أكثر من 700 ألف مسيحي في سوريا من إجمالي نحو 1.2مليون مسيحي فروا من البلاد.
الأمين العام للتجمع الوطني السوري، صلاح قيراطة، أكد لـ “أنا برس” أن النظام السوري تمكّن من إفراغ كل القوى السياسية والمجتمعية ومنها المؤسسة الدينية من مضامينها الحقيقية لتصبح أدوات بيد النظام، أو بشكل أدق عرائس على مسرح سياساته وأمنه وأمانه واستقراره، لذا فقد تحول أئمة المساجد أقرب لأن يكونوا قيادات سياسية وذات الأمر ينطبق على كهنة الكنائس.
وأصبح رجال الدين يمجدون حافظ الاسد وكأنه ظل الله في أرضه حتى تجرأ بعض رجاله لأن يهتفوا على العلن “حلك يا الله حلك حافظ يقعد محلك” بحسب قيراطة.
كان الأسد الاب واعيا لهذه الجزئية المتعلقة بالأديان كأدوات ضغط مجتمعي وبادر منذ النصف الأول من الثمانينات بإيفاد طلاب من الساحل خصوصا ومن البعثيين عموما ألى كلية الشريعة ووصل مع الوقت إلى مكان بات فيه رجال الدين بعثيين وربما رجال أمن متطوعين وبذا كانوا من رجال النظام الفاعلين.
وفي ذات السياق يرى المحلل السياسي حسام نجار، أن النظام السوري بنى القطاع الديني على درجة عالية من الحرفية واستطاع من خلال هذا البناء السيطرة على المساجد ودور التعليم الشرعي و كليات الشريعة وأوجد رجال دين وأئمة يسبحون بحمده و يفعلون له ما يريد من خلال تغييب الفكر الديني الحقيقي و إدخال التصوف بشكل أخر وبناء ما يشبه الحوزات الدينية فمن خلال دعم مصالح وإعطاء مزايا لأشخاص أمثال كفتارو والبوطي وحبش وغيرهم.. وبالتالي جعل المؤسسة الدينية ألعوبة بيده.
الدور الإيراني في توظيف المؤسسة الدينية في سوريا
تتعدد أساليب التشييع التي تقوم بها المؤسسات والجمعيات والهيئات المنتشرة في أغلب المحافظات السورية والتي تستغلها إيران و أبرزها جامعة الرسول الأعظم ، جمعيّة جهاد البناء و الرواديد.
جامعة الرسول الأعظم
يقع مبنى الجامعة في مشروع “شريتح” في مدينة اللاذقيّة و قد افتتحت عام 2006، وفيها ثلاث فروع : الأدب العربي، الدراسات القانونيّة، وعلوم الشريعة.
وفي لقاءٍ مع (ط. ح.) أحد طلّاب الجامعة كشف أنّ عدد الطلاب الموجودين حالياً في الجامعة، يقارب الخمسة آلاف طالبا وطالبة، ولا يلتزم خريجوا الجامعة بأي واجب ديني أو قانوني بعد التخرّج، بالمقابل قد توفّر الجامعة فرصة عمل لمن يقدّرون أنّه ملتزم معهم بعقائد ولاية الفقيه، أي يقوم بنشاطات دعويّة ويلتزم شخصيّا بالتشيّع الإثني عشري.
مسجد الرسول الأعظم
يقع بالقرب من الجامعة التي تحمل نفس الإسم ، حيث تتم ممارسة جميع الطقوس الدينيّة الشيعيّة، كما أنّ هناك حوافز ومساعدات لكل من يلتزم بالحضور في المسجد لتأدية الشعائر الدينيّة وزيارة المزارات والحسينيات، ويلاحظ ازدياد الأعداد بشكل طردي مع ازدياد المساعدات، كما قالت لنا (أم أيهم) ربّة الأسرة الفقيرة في حي شريتح “مصلحة وفقر، ولا أحد مقتنع بكل هذا الهراء”.
جمعية جهاد البناء
تعمل إيران من خلال جمعية “جهاد البناء” على ترميم المدارس وإنشاء المشافي وروضات الأطفال في حلب وحماه ودير الزور ودرعا بالإضافة إلى قيام المنظمة بتنفيذ مشاريع حيوية لمصلحة طهران في سوريا مثل الحصول على عقود بناء محطات توليد الكهرباء في كل المدن السورية والاستحواذ الكامل على مشاريع الزراعة.
فراس العلاوي رئيس تحرير وكالة الشرق نيوز بيّن لـ”أنا برس” أن حملات الإغاثة الإيرانية تمارس أنشطة أخرى، غير التي تظهر بها في العلن حيث أن جمعية “جهاد البناء” تنشط في نقل المعدات اللاّزمة لعمل التحصينات للميليشيات بالإضافة إلى بناء معاهد وحسينيات، لنشر ما تسميه “ثقافة المذهب الشيعي” في المناطق ذات الأغلبية السنية بالإضافة إلى تدعيم المذهب في مناطق انتشاره بسوريا.
الباحث والدكتور في الفقه الإسلامي، محمد نور حمدان، يرى خلال حديثه مع “أنا برس” أنه بعد الثورة السورية، ظهر لإيران دور كبير في توظيف المؤسسة الدينية لخدمة أهداف إيران ونشر التشيع فعملوا على دعم رجالهم وتمكينهم من المناصب أمثال عبد الستار السيد وزير الأوقاف ومحمود العكام وابنه علي العكام والذي تم تمكينه في عمادة كلية الشريعة جامعة حلب.
رجل خامنئي في سوريا.. عبد الله نظام
عبد الله نظام، رئيس الجمعية المحسنية في دمشق. أحد مراجع الشيعة في حي الأمين -دمشق- وهو المسؤول عن المتشيعين في سورية. وهو الراعي للجامعات الشيعية الأهلية في دمشق وإدلب والرقة، وقد جرى تعينه مستشارا لوزير الأوقاف للشؤون الدينية وفق مركز حرمون للدراسات
الرواديد.. من تجليات المشهد الشيعي
تغيرت ساحات المدن الكبرى في سوريا منذ عام 2012، من حيث تحولها إلى الأسود والأخضر وانتشار الأعلام التي تحمل عبارات لم يشاهدها المواطن السوري سابقاً إلا على شاشات التلفزة في قم وكربلاء والنجف، حيث يتم تغطية جميع جدران المنازل بمحيط مقام السيدة رقية والسيدة زينب في دمشق بأقمشة سوداء كبيرة تعبيراً عن حزنهم في المناسبات الدينية.
ولا يغيب عن المشهد أبداً الرادود هو منشد ديني إسلامي شيعي يعمل عادة في الحسينيات الشيعية وأماكن تجمع المسلمين الشيعة ويقرأ وينشد أشعارًا بلغات متنوعة، تتحدث عن أئمة الشيعة، ويلعب دورا مهما وكبيرا، إذ يمكن من خلاله رؤية ما يحمله الشيعة من عقائد وتصورات حول السنة يشحنون بها جمهورهم، وما يمكن أن نتوقعه من هؤلاء بناءً على تلك الرؤية.
و تكمن خطورة هذا الخطاب في أنه مصدر التلقي الأبرز والأسرع لتلقين الجمهور الشيعي عقائده، وبالتالي فإن الحضور القوي والانتشار الواسع للرادود يلعب دورا بارزا في الحشد الطائفي من خلال ما ينتجه من أشعار وطريقة في الإلقاء بشكل مأساوي وحزين تصور ما جرى أو ما يُتصور على ما جرى من مؤامرة ضد “آل البيت” قام بها السنة كلهم دون استثناء وفق زعمهم.
وتنتشرفي سوريا عدة جمعيات وهيئات ذات تمويل إيراني تتولى مهام نشر التشيّع عن طريق المساعدات المالية والعينية الشهرية ومن أهم هذه الجمعيات والهيئات:
جمعية بيت النجمة المحمدية تأسيس 1995
هيئة خدمة أهل البيت عام 2001 بإشراف عبد الشيخ عبد الحميد المهاجر
هيئة علي الأصفر لشباب كربلاء
هيئة المختار الثقفي
هيئة شباب جعفر الطيار
هيئة خيام الإمام الحسين
هيئة أهل البيت
جمعية “كشافة الإمام المهدي”
جمعية جهاد البناء الإيرانية وتركز على تشييع الأطفال ورعاية عوائل القتلى من جيش النظام.
و يتم تمويل تلك الهيئات والجمعيات من خلال “المستشارية الثقافية الإيرانية” في دمشق.. بحسب مركز حرمون للدراسات.
https://www.facebook.com/ANAPRESSAR/videos/206323397129523/
الإغراء بالمال وزواج المتعة
أكد الدكتور عبد الله السلقيني بأنه بالتوزاي مع الترهيب كان نظام الأسد يعتمد مبدأ الترغيب إذ كان يعطي مبلغ (1000 ليرة سورية) لمن كان يتشيّع، في فترة التسعينات أما إن كان من الشخصيات المهمة والبارزة فالمبالغ كانت أكبرحسب ما بلغني.
كما لجأ في بعض الأحيان لإغراء أصحاب النفوس الضعيفة عن طريق “الجنس” أو ما يسمى عند الشيعة “بزواج المتعة” الذي بحقيقته “زنا منظم” على حد وصفه. فالنظام استطاع أن يسيطر على المؤسسة الدينية بشكل كامل، عن طريق الإرهاب تارة وعن طريق الترغيب تارة أخرى.
الأقل انشقاقا
تعتبر “المؤسسة الدينية الرسمية” في سوريا “المؤسسة” التي شهدت أقل نسبة “انشقاقات”في داخلها لصالح المعارضة فنسبة “الانشقاقات” عن الخط الموالي أو المهادن، السائد في أوساط معظم “رجال الدين” الإسلامي، بسوريا، كانت بالفعل ضئيلة، إذا ما قارناها بأعداد “رجال الدين” الذين يُقدرون ربما بعشرات الآلاف، من أئمة وخطباء مساجد، ومدرسين شرعيين في المدارس.
القاضي المستشار حسين حمادة، رئيس “المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية للقانونيين السوريين لفت إلى أنه “علينا ان لاننسى البوق الأخر من رجال الدين لدى المعارضة التي صبت في مصلحة نظام الأسد ومدت بحياته إلى حين.”
الباحث والمفكر الإسلامي والرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، يرى أن الكثير من رجال الدين الذين كنا نحسبهم في لحظة من اللحظات على النظام السوري، انقلبوا ضده بعد الثورة، لأنهم كانوا يعرفون بأنهم يعملون خارج القناعات الدينية الحقيقية وحاولوا تبيض وجوههم وأعمالهم بالانقلاب على النظام الذي كانوا يعملون لصالحه، بعض هؤلاء أصبحوا قادة في الطرف الأخر. سواء في المعارضة السورية أو حتى انضم البعض منهم في تنظيمات “داعش” والنصرة وغيرها.
تحت عباءة الإسلام… و الثورة
الباحث والمفكر الإسلامي والرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، أكد أنه على الجانب الآخر يجب أن ندين الذين ينظرون إلى أخطاء الثوار على أنها مبررة ماداموا يقاتلون نظام الأسد، فالموقف الديني الذي يبرر ذلك أو يسكت عن التصرفات الخارجة عن كل القيم والأخلاق والتي تدمر العلاقات الاجتماعية فهي مرفوضة إن لم يرفضها رجل الدين، فهو مثل من يقف وراء جرائم النظام .
وحول تنظيمات “داعش” والنصرة، أفاد درار بأنها لا تحكم باسم الدين إنما تحكم الدين ببعض أقوال فقهية وآراء منسية في التاريخ هم أحيوها لأنها وسيلة من وسائل السيطرة باسم الدين.. وبالتالي فالتدخل بالدين هو أكبر عامل من عوامل إنقاص الدين وإنقاص السياسة.
وبدورها ترى الصحفية والإعلامية المهتمة بالدراسات الإسلامية، زهرة محمد، أن الجماعات الدينية التي اتخذت الثورة مطية لها، من جيش الإسلام وداعش وغيرها من الجماعات التي لم تكن يوما مع الثورة كما اتخذت الإسلام عباءة لها كانت من أهم الأسباب التي ضربت الثورة في مقتل.
وأوضحت محمد لـ”أنا برس” إن هذه الجماعات كانت تتخذ الدين بداية وحتى آخر نفس لهم، في تقوية وجودهم كقوى موازية ومعكاسة ظاهريا للنظام الأسد، فكل تلك الترسانات والملايين التي سرقوها من الثورة وأبناء الشعب السوري، تمت تحت غطاء الإسلام.
وبحسب محمد فإن هؤلاء كانوا من أكبر الداعمين للأسد، ولا يقلون إجراما عنه فالعالم كله شهد كيف تم تسليم الغوطة و كيف تم تخبئة أسلحة لم تُستخدم أبداً ضد نظام الأسد، بالإضافة لتلك الأنفاق التي استخدمت لتهريب وسفر وتنقل القادة، واستغلال السلع للمحاصرين داخل الغوطة وغيرها من المناطق الأخرى، ولكن الشعب السوري كان واعيا بتلك الألاعيب حيث عرف، الظالم من المظلوم.
خلط رجال الدين بين السياسة والتجديد الديني
القاضي المستشار حسين حمادة، رئيس “المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية القانونيين السوريين” أكد لـ “أنا برس” أن السلطة الزمنية والسلطة الدينية، لما يتفقان يكون ذلك على حساب البلاد، وعندما يختلفان يدمران البلاد.
بدوره يقول الباحث والمفكر الإسلامي والرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، رياض درار، كلما تدخل رجال الدين في السياسة، ازداد تدخل رجال السياسة في الدين، وتحكمهم بمساراتها والسيطرة على مؤسساته، عندما يبتعد رجال الدين عن السياسة ويتفرغوا لمسائل يقظة الضمير، وإحياء الأخلاق في المجتمع، لا يستطيع أحد أن يتحكم بشؤون الدين، الأوقات المعاصرة كانت تتطلب إصلاحا دينيا أو تجديدا دينيا وهذا ما خلط تحرك المجددين بين السياسة والتجديد في الدين
وبحسب درار فالتجديد الديني يتفق مع مفهوم العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة، وهذا الفصل يجعل حاجزا بين رجال الدولة ورجال الدين بحيث لا يتدخل أحدهما في الآخر، أحدهم يرسم سياسة الحاجات والآخر يرسم سياسة الأخلاق ويقظة الضمير، التجديد الديني هو التجديد في الفكر الديني وليس في الدين نفسه.
المصدر : أنا برس