لا يدرك بعض سكان الشمال السوري الحالة التي وصلوا إليها باعتبارهم غارقين في الأزمات، ويعتقد كثيرون منهم أن الدعم الإغاثي، وتأمين دخل مستمر يؤمن لهم أدنى متطلبات العيش هو الأولوية، لأنّ من شأنه أن يغير حالتهم وحالة أطفالهم النفسية.
يرى ماجد سمعان (50 سنة)، وهو مهندس مدني نازح من بلدة اللطامنة بريف حماة إلى ريف إدلب الشمالي أنّ مشاريع الدعم النفسي للأطفال في شمال غرب سورية ليست ضرورية، لكون أغلبهم نازحين، ويضيف لـ”العربي الجديد” أنّ “الأطفال بحاجة إلى رعاية خاصة، ودعم دائم، وما ينقصهم هو سبل العيش في ظل الظروف المعيشية المتردية، بينما مشاريع الدعم النفسي تعتبر فعاليات ترفيهية، وليست جلسات علاجية بإشراف أطباء أو مختصين، والحل لا يكون بالترفيه عن الطفل لدعمه نفسياً، بل بوضعه في بيئة مثالية بديلة لواقعه الذي يفتقر إلى أدنى متطلبات الحياة”.
ويوضح سمعان: “هناك أناس يمتنعون عن إرسال أطفالهم إلى جلسات الدعم النفسي، أو الفعاليات الترفيهية التي تقيمها المنظمات، وذلك كي لا تتفتح أعين أطفالهم على أشياء ليس باستطاعة الأهل توفيرها، وأعتقد أنّه إذا وزعت الأموال التي تخصص للدعم النفسي على عدد من العائلات في صورة مشاريع تنموية، أو مشاريع صغيرة، فقد تعيل تلك الأسر بطريقة تحفظ لها كرامتها بدلاً من انتظار المساعدات، فمثل هذه المشاريع تشجع الناس على الإنتاج، أما الدعم النفسي فيمكن أن يأتي لاحقاً بعد استقرار الوضع الاقتصادي للطفل وعائلته”.
ويرى ماهر جدوع (40 سنة) من مدينة بنش، أنّ من يتعرض لصدمة يحتاج إلى طبيب نفسي لتشخيص حالته، ومتابعتها من خلال منهج علمي، وليس من خلال جمع الناس للمشاركة في حفلات ترفيهية. ويقول لـ”العربي الجديد” إنّ “من الممكن أن تزيد تلك الحفلات من الأزمة النفسية عند من يعاني الصدمة، فالترفيه ليس حلاً ناجعاً لمن تعرض للقصف بالطائرات، أو فقد بيته، وإنما هو بحاجة إلى مساعدته على تحسين واقعه”.
تعمل حنان الصادق (47 سنة) من سكان مدينة الدانا شمال إدلب، مدرسة لغة عربية في إحدى مدارس التعليم الأساسي، وتقول لـ”العربي الجديد”: “بعد استقرار الوضع الأمني نوعاً ما، بدأت بعض المنظمات تنفيذ مشاريع مختلفة، منها جلسات الدعم النفسي التي يذهب إليها الأطفال بعد انتهاء الدوام المدرسي بوسائل نقل مخصصة للقيام ببعض الأنشطة الترفيهية، في محاولة من تلك المنظمات لإخراج الطفل من تداعيات الحرب، وتخفيف الضغوط النفسية التي يعيشها في بيئة غير آمنة، ولا مكان فيها لممارسة هواياته، وتفريغ طاقته، لكن هذه الأنشطة تعود بالفائدة على فئة قليلة من الأطفال”.
تضيف الصادق: “تحديد وقت للرفاهية بعد انتهاء الدوام الدراسي قد يكون غير مناسب للطفل، لذلك أرى أنّ الأفضل صرف تلك المبالغ على إنشاء حدائق عامة للأطفال بدلاً من المبالغة في تجهيز أماكن تخصصها المنظمات للأنشطة، حينها سيجد الطفل منفذاً للترفيه في الوقت المناسب له، أو عند احتياجه للترفيه. للأسف تلك المشاريع تفتقر إلى المتخصصين والأطباء النفسيين، ولا تضم برامج مدروسة أو مفيدة”.
في المقابل، تؤكد منسقة الدعم النفسي الاجتماعي في شبكة حراس الطفولة، جمانة الأحمد، لـ”العربي الجديد” أنّ من الضروري أن تكون لدينا مشاريع إغاثية وتنموية لكونها تعتبر حاجة أساسية للمجتمع، لأنّها تنعكس إيجابياً على مشاريع الدعم النفسي والاجتماعي، وتحسن من الحالة النفسية للأطفال.
تضيف الأحمد: “مشاريع الدعم النفسي الاجتماعي مشاريع مهمة للمجتمع، فهي تقدم للجميع في مناطق الأزمات، وتساعد الأطفال ومقدمي الرعاية على اكتساب مهارات حياتية، وطرق إيجابية فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية التي من الممكن أن يتعرضوا لها في حياتهم اليومية، أو في التفاعل مع أطفالهم، فهذه المشاريع عندما تقدم بطريقة صحيحة تحسن المناعة النفسية للأطفال”.
وتلفت إلى أنّ “هناك نظرة سلبية سائدة في المجتمع عن أن أنشطة الدعم النفسي الاجتماعي أنشطة للترفيه، ولكننا نعمل في شبكة حراس الطفولة على تغيير هذه النظرة من خلال البرامج التي نقدمها، كذلك فإنّ الأدلة التي نعتمدها تستهدف الأطفال من مختلف الأعمار، ومختلف شرائح المجتمع من دون تمييز، ويتركز العمل في المخيمات بسبب الحاجة الماسة هناك لخلق روتين واضح عند الأطفال، وليصبحوا أطفالاً أقوى، لا أقسى، ويكتسبوا مهارات حياتية متنوعة، وقدرة على تحديد مشاعرهم، والتعامل معها بطريقة صحيحة، واستخدامها بطريقة بناءة، فضلاً عن التعرف إلى ذواتهم، والثقة بأنفسهم من خلال التعرف إلى نقاط القوة لديهم، وكي يكتسب الأطفال مهارات الاعتراف بمشاعر الآخرين، وقبولها، والتعاطف معها، ومساعدتهم على أن يكونوا أكثر تعاطفاً وتسامحاً، وقادرين على الانتماء إلى نظام اجتماعي”.
تختم الأحمد: “الأدلة التي تستهدف مقدمي الرعاية ممنهجة، وتقدم لهم معارف ومهارات لفهم احتياجات الأطفال في مختلف مراحل نموهم، من عمر يوم حتى مرحلة المراهقة، كذلك تساعدهم على إيجاد فرص التفاعل مع الأطفال، وتزودهم بالمهارات اللازمة لحمايتهم من الإساءة، وكيفية التعامل مع الضغوط النفسية التي يتعرضون لها، وهناك حاجة كبيرة لأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي لكونها تعمل على ترابط النسيج المجتمعي، وتساعد النازحين في التعرف إلى بعضهم، وفي فهم مشاعر بعضهم، والتعاطف مع هذه المشاعر، وبناء روابط بين أفراد الأسرة من خلال تفهم كل فئة لمتطلبات الفئة الأخرى، واكتساب المهارات التي تشجع الأهل على احترام احتياجات أطفالهم، وتشجع الأطفال على أن يكونوا إيجابيين وفاعلين في أسرهم”.
المصدر: العربي الجديد