“العَٰوْرَبة” بديل للقومية العربية

عبد الناصر طه

المصطلح لغوياً

‎يختلفُ مصطلح “العَٰوْرَبة” كثيراً بين مدلولاته اللغوية ومدلولاته السياسية؛ تصل حدّ التناقض بينهما، فهو – لغوياً – مصطلح غير معروف ككلمة عربية أصيلة. أو مصطلح شائع الاستخدام. وقد يكون هذا المصطلح كلمة عامية، أو مستحدثة، أو ربّما يكون خطأ في الكتابة أو الفهم، وللتحقق من أصله، يفضّل توضيح السياق الذي ورد فيه، أو توضيح معناه المقصود (غوغل).

اذن، فالمصطلح غريب شاذ (لغويا).

أما إذا كان الهدف أن يكون توليفةً بين كلمتيّ “العَوْلَمة و”العروبة”، فليس له قياس في اللغة العربية، لا في نحت الألفاظ ولا في اشتقاقاتها، وذلك يدعونا إلى التأكيد أن المصطلح الجديد هو بدعة لغوية بامتيار، قصد المبتدع من خلاله استعمالاً مشوّها متعدد الإتجاهات، وليس إلا تحويراً مقصودًا للمفاهيم اللغوية السليمة، واستطراداً، لخدمة أغراض سياسية معروفة.

‎ولعل أول من تناول هذا المصطلح بشكل أكاديمي، كان الكاتب المصري تمام حسان، الذي وقف في وجه حملات التشكيك باللغة العربية، مُحاولًا أن يقارب بين مفهومَيّ العَوْرَبة والعَوْلمة، مشيراً إلى ظواهر عديدة دالّة على امتياز العربية، وتفاعلها المستمر المتكافئ مع لغات العالم المتقدم في مجالات شتى.

‎أيّده في ذلك، الأديب السعودي “عبد الفتاح أبو مدين”، داعياً إلى تأصيل هذا الطرح في التربية والإعلام من خلال تحسين أداء الناشئة، كان ذلك في الجزائر عام 2000، ضمن ملتقى المجلس الأعلى للغة العربية، ثم أتبَع الدعوة في بحث خاص عن الموضوع.

‎صدر في كتاب بعنوان: (حياة بين الكلمات)، نشر عام 2002 ، وحصيلة تلك البحوث أن “العَوْرَبة” هي وجة آخر من وجوه التعريب، غير البعيد عن العولمة، مع تبديل المصطلح ليس أكثر.

المصطلح سياسيا

‎أما المصطلح في المدلول السياسي، فقد ظهر عام 2022 م. في مؤتمر عُقد في لبنان، في “فندق البستان” بيت مري، أطلق عليه: “لبنان قلب الشرق الأوسط – أوروبا جديدة”، وفيه أُطلقت رؤية جيو_سياسية جديدة لمستقبل لبنان والدول العربية، سموّها رؤية العَوْرَبة، أي عولمة العروبة.

‎والجدير ذكره، أنه شارك في ذلك المؤتمر 157 شخصًا _حضوريا- من قادة الفكر والرأي والأكاديميين الباحثين والأساتذة الجامعيين والإعلاميين، وتابع أعماله -عن بعد –

‎37 مشاركا من فرنسا والولايات المتحدة وكندا وبريطانيا،

‎ومن معظم الدول العربية. وكانت خلاصة المؤتمر مجموعة من التوصيات، شملت إطلاق ديبلوماسية العَوْرَبة، ولوبي العَوْرَبة اللبناني العربي في العالم، ومراكز أبحاث ودراسات في دول غربية وعربية، تعمل على تنشيط الحوار بين الأديان! وتوسيع الأنشطة الجامعية والأكاديمية والشبابية والإعلامية لدعم ثقافة العَوْرَبة ونشرها.

‎آنذاك، ابتكر الصحافي والسياسي اللبناني نوفل ضوّ، ‎مصطلح “العَوْرَبة”، و”رؤية العَوْرَبة 2030 _ 2050 م.

‎لمواكبة الرؤى المطروحة خليجياً، بديلاً عن مفهوم مختلف عن العروبة التقليدية التي روّج لها التيار القومي العربي، بقيادة جمال عبد الناصر. وهي كما شرحهاً ضوّ، ومَن حاضر في ذلك المؤتمر، أنها مفهوم اقتصادي وسياسي، يركز على التكامل الإقتصادي بين الدول العربية، بدلاً من التوحيد “الإيديولوجي” القسري، ولأنها – في نظرهم – رابط إقتصادي ومصلحي، وليس هوية ثقافية أو قومية تفرض على الشعوب.

‎وعلى الرغم من توفير دعائم نجاح المؤتمر مالياً وأكاديمياً، فقد تجاوز بعض الباحثين المتكلمين فكرة ورؤية العَوْرَبة، عائدين إلى رؤية إصلاح القومية العربية من داخلها، وتصحيح أخطاء المفاهيم الخاطئة التي تراكمت عبر سنوات القرن الماضي، وفشل التجارب القومية.

‎هذا، وقد تصدّى الدكتور مخلص الصيادي، بتاريخ ‎ 13نيسان/”أبريل” 2023)، في مقالة وافية على صفحات “المدارنت”، تغني القارى المتابع عن بحوث كثيرة حول الموضوع.

الإطلاع على مقالة د. الصيادي:

د. الصيادي يعلّق على “مفهوم العوربة”..

وفي عودة الى مصطلح العَوْرَبة في مدلوله السياسي، نجد أنه ترويج لمشروع فكري جديد، تقوم ركائزه على “إيديولوجيا” سهلة، تجَتمعُ في السياسة، وتتفرّق في الدين والعشيرة، وباختصار، تنقل العرب من فكرة القومية العربية إلى العروبة المُخفّفة التي تتناسب مع مشاريع السياسة القادمة في المنطقة، وقد أشرت إلى ذلك سابقاً، في مقالة نشرتها على صفحات “المدارنت” بتاريخ 29-9-2023.

للإطلاع على مقالة عبد الناصر طه:

28 أيلول.. أسئلة للإقليميين؟!

اليوم، بعد ثلاث سنوات من إطلاق مشروع “العَوْرَبة”، وبعد تحضيرات غير عادية لمؤتمر ثان، أعلن “نوفل ضوّ” المدير التنفيذي لمجلس أمناء “رؤية العَوْرَبة” تأجيل هذا المؤتمر من 25-6-2025، إلى أجل غير مُسمّى، بعدما كان مقرراً في بكركي، مُتذرعًا بأسباب واهية، ردّ عليها ناشطون مسيحيّون من لبنان، بأن المؤتمر غير مُرحب به في الصرح البطريركي، نتيجة الضغط المباشر، ولأنه في نظرهم: “مؤامرة على شعب مارون”.

وهكذا، اختتمت صفحة أخرى، من مشروع آخر، يدور في فلك الاتفاقات الإبراهيمية، وقد نكون على موعد مع مشاريع أخرى، كونية وإقليمية، تدور حول الفلك ذاته.

ولا نعلمُ متى ستفتح هذه الصفحة من جديد، بعد إغفالها وطمس أخبارها؛ ربما سننتظر حتى انتهاء الحروب المتنقلة في المنطقة، وعودة العزف على أوتار السلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى