ملاحظات على المبادرة المئوية السورية

مهند الكاطع

بعد الاطلاع على محتوى “مبادرة المئوية السورية” التي وقّعها أكثر من 200 شخصية سورية، جلّهم من مثقفي وناشطي الأقليات السورية الكريمة، لا بد من التوقف ملياً عند مضمون هذه الوثيقة ومقاصدها وأثرها المحتمل على مسار الدولة السورية ووحدتها الوطنية، خاصة أنها تنطلق على أثر أحداث جسيمة، ربما تجعل منها خاضعة لتأثيرات عاطفية وردود أفعال أكثر منها نهج مبني على مصلحة وطنية شاملة تراعي مصالح ومخاوف ومشتركات الجميع داخل سورية.

ورغم أن المبادرة تنطلق من ذكرى وطنية جامعة، وتحمل في ظاهرها دعوة إلى السلم الأهلي وإعادة بناء الهوية السورية، فإنّها تتضمن في طيّاتها العديد من النقاط الإشكالية والتناقضات التي لا يمكن تجاهلها، سواء من حيث غياب الإشارة إلى النزعات الانفصالية والممارسات المسلحة الخارجة عن القانون والاستعانة والتنسيق مع كيان معادي لسورية وما تسبب ذلك من استهدافها، أو من حيث اشتراط تغييرات دستورية وسياسية جذرية كمدخل لتسليم السلاح ووقف التوتر، وهو ما يشكّل عملياً تعليقاً لسلطة الدولة وتعطيلاً لجهود استعادة السيادة الكاملة على كامل الأراضي السورية.

وإذ أثمّن ما أظهره الموقعون من حرصهم على مستقبل سورية، فإنني أرى من الضروري وضع بعض الملاحظات الجوهرية والجوابية على المبادرة، خاصة في ضوء التحديات المصيرية التي تواجه الدولة السورية، وأهمية احترام الشرعية القائمة والمعترف بها دولياً، والتصدي لأي محاولات لتقويضها أو فرض وقائع جديدة خارج إطار القانون والمؤسسات، ما قد يساهم بإحداث نتائج عكسية تماماً من تفتيت سورية وتقويض السلم الأهلي المحلي.

ملاحظات نقدية على مبادرة “المئوية السورية”

أولاً: غياب الإشارة إلى النزعات الانفصالية والمماطلة في بسط سلطة الدولة

 1- تجاهلت المبادرة بشكل كامل أي إشارات مباشرة إلى مظاهر الانفصال أو التمرد على الدولة، وخصوصاً من جانب الميلشيات المسلحة التابعة للهجري في الجنوب وميلشيات قسد التابعة لمنظومة PKK في الشمال، والتي امتنعت عن تسليم السلاح ولم تعترف بشرعية الدولة عملياً، ولم تسمح لمؤسسات الدولة بالدخول للمناطق التي تسيطر عليها بقوة السلاح.

 2- لم تُذكر في معرض تشخيص الأوضاع السورية ممارسات الهجري كجهة عسكرية تتصرّف كـ”سلطة أمر واقع” ببعد طائفي في السويداء، رغم أنها لعبت دوراً مباشراً في تقويض سلطة الدولة وإعاقة فرض القانون مثلما فعلت قسد تماماً، وساهمت في أكثر من مناسبة خلال الأشهر الماضية بارتكاب انتهاكات وممارسات وافتعال شرارة القتال ورفع أعلام كيان معادي لسورية والاستعانة به وطلب تدخله الأمر الذي أدى إلى استهداف سورية وشعبها .

ثانياً: تناقض المبادرة مع الإعلان الدستوري والقانون الدولي

رغم أن الإعلان الدستوري المعمول به صدر بعد السيطرة العسكرية على الدولة بعد اسقاط النظام البائد، لكنه في العرف الدولي يُعد شرعياً وملزماً، تشترط المبادرة تعديله أولاً قبل تسليم السلاح وإجراء أي عملية إعادة دمج بالرغم من أنه ليس دستوراً دائماً إنما مؤقتاً، وهذا:

 1- يتناقض مع مبدأ سيادة القانون الذي لا يجوز تعليقه بناءً على مطالب وأجندة فئوية .

 2- يشير إلى رغبة بتعطيل الدولة وشرعنة حالة السلاح الموازي خارج القانون كورقة ضغط، وهو ما يشكل سابقة خطيرة في السياق الوطني السوري ويصعد حالة الاحتقان الشعبي.

 3- المبادرة لم تميّز بين القوى الخارجة عن القانون والمتمردة على الدولة وبعضها من فلول النظام وتستقوي بالاسرائيلي علناً، وبين فصائل انخرطت فعلياً في المسار الانتقالي تحت مظلة وزارة الدفاع .

ثالثاً: الاشتراطات التعجيزية المبطنة

 1- المبادرة تضع شروطاً سياسية وهيكلية ضخمة (مثل تشكيل مجلس عسكري جديد، تعديل جذري للإعلان الدستوري، مؤتمر وطني جديد) كمدخل لأي حل.

2- هذه المطالب تفسّر كمحاولة لـ تعليق سيادة الدولة الحالية وفرض وصاية سياسية عليها خاصة ان الاجراءات المطروحة والتي يجب ان تتم في مناقشات الدستور القائم مثلاً تحتاج سنوات لانجازها .

3- كما أن مقترح تشكيل “مجلس عسكري من 50 عضواً” بصيغة توافقية (محاصصية) خارج المنظومة الحالية، ينسف مفهوم الهرمية والاحتكار الشرعي للقوة التي تحتاجها البلاد في ظروف التغيرات المفاجئة في السلطة .

رابعاً: تهميش جهود الدولة والمعارضة المعتدلة

 1- لا يُعطي بيان المبادرة أي وزن للجهود التي بذلتها الدولة المؤقتة في التفاوض طيلة 7 شهور ، ولا جهود ضبط الأمن، ومحاولة تقديم الخدمات، والحريات الجلية في وسائل الإعلام، فهي المرة الاولى منذ 7 عقود نرى نقد ومعارضة السلطة على وسائل الإعلام الرسمية مثلاً.

 2- المبادرة تُعامل جميع الأطراف بوصفها متساوية في الخطأ دون تمييز بين الجهة السيادية والجهات الخارجة عن القانون.

 3- لا يذكر أي آلية للتمييز بين المعارضة المدنية والميليشيات المسلحة، ما يعمّق الالتباس ويُضفي مشروعية غير مباشرة على بقاء الميليشيات المسلحة المشبوهة في جذورها وعلاقاتها أصلاً وتواجه امتعاض شعبي في كامل الساحة السورية.

خامساً: التناقض الداخلي بين الدعوة للسلم الأهلي والتجييش السياسي

 1- المبادرة تندد بالتجييش الطائفي وهذا جيد، لكنها تمنح شرعية سياسية كامنة لمن تسببوا بهذا التجييش عبر فتح الحوار معهم، دون تحميلهم أي مسؤولية.

 2- تطالب بلجنة تحقيق مستقلة وتدين الانتهاكات، لكنها مع ذلك تُغفل موقفاً حاسماً وواضحاً تجاه الميليشيات التي خرقت سيادة الدولة وتسببت بمقتل عناصر الأمن ومارست التعدي المسلح والتهجير الطائفي ضد جزء من أبناء المجتمع.

سادساً: الرؤية الضبابية لدور المجتمع الدولي

1- تطالب المبادرة بوجود مراقبين من الأمم المتحدة ومنظمات عربية ودولية للتحقيق، دون أن توضح ما إذا كان ذلك بالتنسيق مع الدولة أم لا.

2- المطالبة بمراقبين دوليين مسألة في غاية الخطورة لأنها تفتح الباب أمام فرض وصاية دولية مقنّعة تحت عنوان “المراقبة الحقوقية”، ما قد يُستخدم سياسياً لاحقاً،،خاصة أن هناك تدخلات عسكرية وضغوط سياسية دولية فجة في الشأن الداخلي السوري باستغلال الضعف في البنية الداخلية والأمنية لفرض شروط وأجندة لا وطنية او ابتزاز لتقديم تنازلات سياسية جسيمة باستخدام ورقة الاقليات السوري .

مقترحات للتوازن

إذا كان الهدف الحقيقي من المبادرة حماية وحدة الجمهورية العربية السورية وبناء هوية وطنية، فينبغي:

  1. تثبيت مرجعية الإعلان الدستوري الحالي كأساس قانوني لأي عملية انتقالية، ثم مناقشة التعديلات من داخل المؤسسات الشرعية.
  2. رفض أي شكل من أشكال التسلّح الموازي، دون قيد أو شرط، والتزام فوري بالتسليم كشرط أولي.
  3. تمييز واضح بين المعارضة السياسية المدنية والكيانات المسلحة.
  4. تحميل المسؤولية مباشرة لكل من يرفض الاعتراف بسيادة الدولة أو يعيق فرض القانون.
  5. دعم المصالحة الوطنية والسلم الأهلي مع تحميل الجهات المسلحة الخارجة عن السيطرة كامل مسؤوليتها قبل الشروع بالحوار.
  6. الابتعاد عن التسويق لأي مقاربات شبه فدرالية مبطنة تستبقي واقع المناطق الخارجة عن السيطرة والتي تعتمد على سياقات طائفية أو قومية لا تراعي التنوع ولا تراعي حتى آراء الشعب السوري بهذا الصدد.
  7. رفض أي خطابات تفضي إلى محاولة الموازنة والمقارنة بين السلطات السيادية الرسمية وسلطات وميلشيات أمر واقع ذات أجندة فئوية.
  8. الابتعاد عن وضع شروط تعجيزية تساهم في شل الدولة والمجتمع وزيادة الاحتقان الشعبي ومراعاة مخاوف المجتمع المحلي كله وليس فئات منه.

المصدر: صفحة مهند الكاطع على الفيسبوك.

تعليق واحد

  1. قراءة نقدية موضوعية لمبادرة المئوية السورية، ما تضمنت هذه المبادرة شيئ جديد لتأخذ هذه الضجة والحديث، مبادرة بدون حامل لتنفيذها على الأرض، مبادرة الموقعين عليها لا يملكون على الأرض السورية أي وجود فاعل، مبادرة تتغابى ولا تنظر لواقع الجنوب والشمال والتبعية للكيان الصhيوني لتنفيذ ممر داوود وتجزئة سورية الوطن لدويلات طائفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى