قراءة في رواية: مقامات الفقد

عبد المجيد عرفة

علاء دهام روائي سوري ، ومقامات الفقد روايته التي صدرت عن دار نرد للنشر والتوزيع هي العمل الأول الذي قرأته له.
تستفتح رواية مقامات الفقد سردها بضمير المتكلم على لسان بطلها آلان الذي يعيش مع زوجته مالفا في مدينة -ما- في الزمن المعاش الآن. هي ترسم لوحاتها في مرسمها وهو يكتب روايته هذه التي اسماها مقامات الفقد.
لكن رواية مقامات الفقد هي قصة حياة آلان مع الحب وحبيبته لمياء وزوجته مالفا وبعض ممن مروا بحياته التي يحدثنا عنها في رحلة ذهاب واياب عبر الزمن كان اولها زمنيا قبل سنوات عندما كان طالبا في الجامعة وتعرّف هناك على لمياء التي ستكون حبيبته وتبدأ خيوط الحكاية التي ينسجها اولا بأول.
لو اردنا ان نحدد مفاصل الرواية ونقطة ارتكازها لوجدناها محدودة جدا.
آلان الشاب الكردي الذي تعرّف على لمياء العربية في الجامعة وحصل بينهم حب وتوطد هذا الحب ووصلوا إلى اللحظة التي ارادا بها ان يحولوه الى حياة مشتركة، فذهب أهل آلان لطلب لمياء من والدها الذي رفض الطلب بشدّة والسبب ان ألان كردي. لينتكس المحبين و يفكروا بحل لهذه المعضلة. وبالنتيجة ليس لها حل، فلا الاب تراجع ولا تشجع آلان بقبول رأي لمياء بالزواج منها رغما عن رفض والدها. ثم لتتزوج لمياء رجلا آخر، و يتزوج آلان مالفا ويعيشوا حياتهم هكذا…
الرواية ليست هكذا فقط ، صحيح أن العمود الفقري لاحداثها هو هذه الأحداث على محدوديتها وقلتها. لكن العمل الروائي كثيف يصل الى ٣٥٠ صفحة مليئة بالمحاكمات الذاتية التي قام بها آلان مع نفسه او تفاعلاته مع حبيبته لمياء وزوجته مالفا وبعض أصدقائه مثل الرأس او صديقة آلان اينور التي حاولت ان تحبه ولم تنجح لكونه كان مسكونا بحب لمياء ولم يستطع تقبل أي بديل عنها. ولم نعرف كيف رضي أن يتزوج مالفا وكيف رضيت به وتحملته وواجهته بعد ذلك بسؤال مهم: كيف تعيش مع امرأة وتفكر بأخرى ؟.…
اوضّح أن الرواية تعيش في محاكمات عقلية ونفسية من آلان ولمياء وتتابع ذلك في تعريف الحب وعيشه والتفلسف في طرحه. هو خوض في ذات البحر والتعامل مع ذات الموضوع وبكثير من التوسع والتعمق وكأن هناك عطش للبوح عند آلان ومعه حبيبته لمياء هذا العطش لا يرتوي بالبوح والتحدث بل يزداد عطشا لمزيد من البوح وبالتالي تعاد الحكاية ذاتها بينهما في كل لقاء مباشر بينهما وحتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لم يقفا في وجه الرفض بسبب الاختلاف بالاثنية العرقية كردي – عربي وهذا معروف ومدرك وهناك الكثير من التزاوج حصل بالتراضي أو خطيفة في مناطق التواجد العربي الكردي في سورية والعراق. وبالمناسبة الرواية لا تتحدث عن مدينة ما في بلادنا سورية. فقط نلتقط تواريخ تعود لسنين مضت استمرارا الى الوقت الحاضر المعاش.
لم يقبل آلان بالزواج من لمياء رغما عن رفض والدها رغم قبولها هي. تحت دعوى أنه يخاف عليها من تخلي اهلها عنها. وهذا عذر قاصر، أليس هو بديلها عن اهلها ؟. ثم لماذا استمر باللقاء بها رغم قبلوهم بالرفض العائلي وان طريقهم مسدود والانكى من ذلك كانا يلتقيان بعد زواج لمياء من غيره وزواجه من مالفا. وانعكاس هذا على حياتهما العائلية وقد ظهر هذا بحياة آلان مع زوجته مالفا التي صبرت عليه خوفا ان تخسره.
هل صحيح أن يستمروا باللقاء رغم عدم جدوى ذلك وأن اللقاء يزيد من التعلق وبالتالي يزيد من قسوة الانفصال بعد ذلك. تماما كما حدث وعبّر عنه آلان في الفصول الأخيرة للرواية .
كان التفلسف في طرح الحب المعاش أهم من الحب المعاش ذاته. لقد كان التساؤل والتفكير والمراجعة والبحث بالاحتمالات والإصرار على التفاعل واللقاء بين لمياء وآلان وكأنه أصبح هدفا بحد ذاته . عند ذلك نفهم لماذا طالت الرواية كل هذه الصفحات. والحدث محدود والحكاية واضحة.
لذلك كان عنوان الرواية مقامات الفقد معبرا وصادقا في تفسير الرواية وسردها. وكأننا أمام حب يعاش كحالة تصوف ودرجات التطهر الروحي والتصعيد في مقامات العروج في عالم الأرواح الى مقامات لا يدركها إلا أصحابها.
الملفت في الرواية أن يذكرنا آلان الشخصية المحورية بالرواية انه يكتب لنا روايته وأنه عبر ذهابه وايابه عبر الزمن يجعلنا دوما أمام حقيقة اننا امام حكاية اكثر من كوننا أمام رواية: تحاول أن تدوّن مقطعا من الحياة كأنه الحياة، بيد المبدع الكاتب خالق النص وكيف يجعله مقنعا ويجعلنا نعيش في أجواء الرواية وكأنها الحقيقة.
كذلك اسأل من موقع القارئ والناقد أيضا. في أي البلاد حصلت حكاية الحب هذه ؟ ان كان الجواب سورية ، ففي أي مدينة؟ ومهما كان الجواب . سيكون لدينا تساؤل ضروري. ما علاقة آلان ولمياء واهلهم ومدينتهم بالحدث السوري الأهم الذي بدأ عام ٢٠١١م. انه الثورة السورية التي كان قد مر عليها سنوات في احداث الرواية وحصلت تغيرات كثيرة في سورية، التي أصبحت مسرح ثورة وصراع مسلح ومحاولات خلق كيانات انفصالية خاصة شمال شرق سورية…
والأسئلة كثيرة…
اخيرا نعم الحب أهم دعامات الوجود الإنساني والحفاظ عليه وصيانته ورفض ان يكون الحب كمعنى وحياة ضحية التخلف الاجتماعي مهم جدا.
لكن الحب يوجد في مجتمع وفي ظروف عامة وليس في عالم افتراضي منبت الصلة بالواقع وما يعيش المجتمع من تغيرات مصيرة لا يمكن لاي عمل روائي يطال اي حب او غيره ان يهمل وجوده ويغض الطرف عنه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى