
يمكن تمييز ثلاثة مواقف سياسية بدلالة الموقف من الادارة السياسية الحالية.
أولا: الموالاة والتي هي متحالفة مع النظام على طول الخط، وترى من واجبها الدفاع عنه ودعمه في كل الأوقات، فهي غير معنية بنقده، لكنها معنية بتفسير وتبرير سياساته الداخلية والخارجية والحشد والتعبئة الشعبيين ومواجهة أي نقد يوجه للنظام السياسي.
ثانيا : المعارضة، والمعارضة تعني أمرين متلازمين الاصلاح والنقد . فسقف المعارضة ليس رفض النظام السياسي ولا الدعوة لإسقاطه ولكن الالتزام بالنهج الاصلاحي . والأمر الآخر هو الالتزام بالنقد , والنقد لايمكن أن يؤسس سوى على العقلانية السياسية .
وما تفعله المعارضة أنها تسقط من حسابها الدفاع عن النظام السياسي وحشد الدعم له , فتلك ليست من مهامها , وكل الانجازات التي ينجزها النظام هي وقائع موضوعية في نظر المعارضة وهي فوق ذلك معرضة للنقد.
ثالثا : وهناك جبهة الرفض , الرفض الذي لا يبالي بالإنجازات مهما كانت فهو لا يراها، ولا يبالي بالنقد المؤسس على العقلانية السياسية , فهو ينظر من خلال نظارة سوداء , وحتى الانجازات التي تراها المعارضة بدون أن تهتم بالاشارة إليها تتحول بنظرجبهة الرفض إلى أعمال سيئة مضرة بالبلاد .
تتميز جبهة الرفض عن المعارضة في أنها لاتهتم بالعقلانية السياسية , بالتالي فهي لاتنقد بل تهاجم , وهي تهاجم على طول الخط , ولايهمها إلى أين يمكن أن يصل هجومها , فالنظام لديها محض شيطان , ليس لديه ذرة واحدة من الخير . وهو مرفوض بصورة مبدئية ولا داعي لتفسير وتبرير رفضه , فالرفض لديها هو أولى المسلمات والباقي يأتي أو لايأتي .
والرفض عدا عن كونه إحدى المسلمات فهو لاينقص مع الزمن بل يزيد , سواء مال النظام السياسي نحو الأفضل أو الأسوأ , فالرفض صفة ملازمة له كما يلزم الاسم المسمى طيلة حياته .
فالنظام السوري الحالي داعشي تكفيري , وستظل جبهة الرفض تردد ذلك دون تفكير , حتى لو غير العالم كله نظرته للنظام السوري .
وهو داعشي تكفيري حتى لو تمتعت سورية بعهده بأفضل حريات شهدتها منذ الخمسينات من القرن الماضي، وحتى حين تثني عليه الولايات المتحدة لتعاونه في مكافحة داعش , ماذا يهم ..فهم لايرون .. وهم لا يسمعون .. وسيظلون يرددون “داعشي تكفيري” حتى يصبح ذلك نكتة في نظر العالم .
وانظروا من يتهمه من جبهة الرفض , يتهمه من لايسمح بوجود رأي آخر في إمارته القروسطية التي يحلم أن يكون بها الأمير والسيد المطاع .
وجبهة الرفض مثل صندوق الدنيا تحوي ماهب ودب , فهي لاتطلب منك سوى أن تكون مستعدا للتهجم بكل طريقة كانت , وبقدر مايكون تهجمك مؤثرا بقدر ماتحرز شعبية في جبهة الرفض , أما البرنامج السياسي فهو ليس سوى تبرير للرفض , فالأصل هو الرفض والبرنامج السياسي حين يوجد مجرد إطار للوحة سريالية تجمع كل المتناقضات بدون أن تشعر بأي حرج.
وفي النهاية تسعى جبهة الرفض لتلبس لباس المعارضة، ويسعى نهجها الخالي من العقلانية ليلبس ثوب النقد. لكنها مستعدة في كل وقت لتخلع كل ذلك حين يلوح لها أنها اقتربت من أي انجاز مهما كان ضئيلا وعابرا.