إن محاولة الإيحاء والتسويق لدعاية ساذجة يزعم أصحابها أن الإمام الخميني، هو الوحيد الذي قاد “الثورة الشعبية لإيرانية” ضدّ نظام الشاه محمد رضا بهلوي، في إيران، فيها الكثير من التجنّي، ونكران مجحف لأدوار شخصيات سياسية ودينية إيرانية، خاضت غمار المواجهة مع نظام الشاه، وقدّمت الكثير من التضحيات المادية والمعنوية والبشرية، في سبيل “إنتصار الثورة” الإيرانية، التي خَطفها الخميني، ونسبها مع بعضهم الى نفسه.
منذ إعلان الخميني بعد عودته الى البلاد، إقامة “جمهورية ولاية الفقيه”، أثار في دعوته هذه الكثير من المواقف الرافضة لقيام هكذا دولة، وإن حملت ستارًا دينيًا، يحمل في طيّاته محزونًا هائلًأ ممّا عرفته الديكتاتوريات السياسية السائدة في العالم، تحت عناوين متعددة الألوان والإتجاهات، تهدف الى إحكام قبضة دعاتها على مقاليد الحكم في إيران، وغيرها.
ولم يقتصر الجدل بشأن دعوة الخميني الى قيام “جمهورية ولاية الفقيه”، وإطلاق يده في إدارة شؤون البلاد وسياستها، على أوساط سياسية خارج المرجعية الشيعية، بل سارع العديد من الفقهاء الشيعة، في إيران، وخارجها، الى الحديث عنها، والتبحّر في مضامننها دات البعد الديني “الإلهي”، وخطورتها على المجتمع وحريات الناس، وبعض هؤلاء من المؤيّدين للثورة، والرافضين لـ”جمهورية الولي الفقيه” أطلق مواقفه علنًا ومن دون مواربة، بل أن بعضهم صارح الخميني، واعلن رفضه امامه، وأمام صحبه.
من هذه الشخصيات الدينية التي رفضت قيام أو إنشاء جمهورية ولاية الفقيه”، المرجع الشيعي المعروف في الأوساط السياسية والدينية في إيران، آية الله حسن الطباطبائي القمّي، الذي عرف في الفضاء السياسي العام في البلاد، كقائد رئيسي لـ”انتفاضة 15 خرداد”، في مدينة مشهد، التي وُلد فيها في: (1911 م. وتوفي في العام 2007 م.)، وهو أحد الذين أمضوا سنوات عديدة من أعمارهم في سجون الشاه، وتمّ إبعاده “نفيًا” عن مدينته مشهد، عقابًا له على مواقفه المناهضة لنظام آل بهلوي.
عرف عن المرجع الفقيه آية الله الطباطبائي، رفضه المطلق لما يسمّى “ولاية الفقيه، وجمهوريّتها، (شأنه شأن الذين سبق وأشرنا إليهم في مقالات سابقة.. وغيرهم)، التي عمل على تكريسها الخميني، فور عودته من منفاه الباريسي.
وانتقد الطباطبائي، نظام الجمهورية الإسلامية “الديكتاتورية” و”نظرية ولاية الفقيه”، كما عارض قيام هذه الدولة، بالمواصفات التي أرادها الإمام الخميني، داعيًا الى قيام نظام سياسي بديل، يقوم على الشورى، ما يحرم الخميني من التفرّد في قيادة البلاد وإدارتها.
مع اشتداد قبضة الخميني على زمام السلطة في إيران، بعد سلسلة إجراءات إتخذها في سبيل تحقيق ذلك، أهمّها، إستبعاد كلّ رجال الدين الذين قادوا “الثورة الشعبية” في الداخل الإيراني، ولعبوا أدوارًا لا تقل أهمية عن دوره من الخارج، الذي كان مقتصرًا على تسجيل الخطب الحماسية والتحريضية ضدّ نظام الشاه، وإرسالها (تهربيها) الى إيران، وتعميمها على مؤيّدي “الثورة” ضدّ الشاه.
وأثناء زيارة نادرة للخميني الى المرجع الطباطبائي، في المستشفى، للإطمئنان الى صحته، انتقد الأخير بشدة، ومن دون تجميل، إجراءات الدولة الوليدة القمعية بحق الأحرار، من ابناء الشعب الإيراني، وممارسات وأداء “محكمة الثورة” وقراراتها التعسفية الظالمة، ومصادرة أموال وممتلكات الناس، تحت عناوين مختلفة ومختلقَة، كما رفض فكرة تأسيس “الحزب الجمهوري الإسلامي”، بشكل مطلق، رافضًا النقاش بشأنه، خشية تحوّل البلاد الى “ديكتاتورية دينية/ حزبية”، تدمّر البلد، ولا تحقق الغايات والأهداف التي خرجت الجماهير الإيرانية من أجلها الى الشوارع، وتحمّلت جور وظلم نظام الشاه، وقواه الأمنية على تنوعها، وأبرزها، ممارسات وإرتكابات رجال “السافاك/ المخابرات” في عهد آل بهلوي.
وأشارت مصادر الى أنه في آخر لقاء صحافي مع الطباطبائي، احتجّ بشدّة على حرمان الشعب الإيراني من الحريات، وعلى تدخّل قضاة نظام الجمهورية/ البدعة في عمل السلطة التشريعية، رافضًا كل الاحكام الجائرة والتعسفية التي صدرت عن “قضاء الخميني”، بحق كلّ الناشطين والسياسيين الإيرانيين المعارضين، الى أيّ جهة سياسية إنتموا.
ولم يتحمّل الخميني، وأدواته الأمنية، الخطاب الديني والفقهي لآية الله الطباطبائي، ولا معارضته العلنية، فأصدر أوامره الصارمة، طالبًا إعتقال الطباطبائي، ووضعه في الإقامة الجبرية في العام 1982، أيّ بعد إنتصار “الثورة” بثلاث سنوات، وتسلّم الخميني السلطة، فبقي الطباطبائي رهن الإعتقال وحجز الحرية، لغاية العام 1997، حيث تمّ رفع القيود التي تقيّد حركته تدريجيًا، وبشكل محدود جدًا، الى أن وافته المنية، وغادر هذه الفانية في العام 2008.
المصدر: المدار نت