
التوترات، المتكررة، على خلفيات طائفية ومذهبية، وفي أكثر من مكان من الجغرافيا السورية، تطرح أسئلة عديدة عن سيناريوهات القوى المتدخلة في الشأن السوري، إضافة لأتباع النظام البائد ومواليه، التي لا تريد لسورية أن تنعم بالأمن والهدوء، أو الاستقرار، وبالتالي يصبح السؤال ملحًا ومشروعًا عن مستقبل سورية نفسها، وما يحاك لها!!
كان لسقوط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي على يد منظومة الإدارة الحالية تداعياتٌ مختلفةٌ وعديدة، تتعلق بقواعد أمن المنطقة واستقرارها انطلاقًا من الدور الوظيفي للنظام المخلوع، والامتيازات التي وفرها لطائفته ومحازبيه وأزلامه، إضافة إلى انبعاث وانتعاش ما اشتغل عليه خلال أكثر من نصف قرن من حكمه الفئوي الغاشم لجهة السلوك والتفكير والانتماء لكل ما هو طائفي، ومذهبي، ومضاد لما هو وطني، باعتباره العروة الوثقى لجميع السوريين المؤمنين بسورية واحدة، موحدة، دولة قانون لكل أبنائها، وعلى قيم المواطنة والعيش المشترك.
تكرار الحوادث المؤسفة التي تهدد حاضر ومستقبل سورية حصادٌ مرٌّ لسياسات النظام البائد ولطموحات ورهانات بعض القوى والأطراف على الدور الخارجي الذي يرضي طموحاتها اللاعقلانية أو أوهامها المرضية، دون إغفال ما خلفته سنوات الثورة من سلوك عصابي، وردود أفعال غير منضبطة، بل ومعطلة ومعيقة، هذا دون نسيان بعض أخطاء الإدارة الجديدة وعناصرها، أو المحسوبين عليها، المعبئين هم أيضًا باللوثة الطائفية والمذهبية.
واقع الحال يفرض على الجميع مسؤولياتٍ دونها الخراب اللانهائي والشامل الذي لن يكون فيه لا غالبٌ ولا منتصر.
1- على الإدارة الجديدة التعجيل في تشكيل هيئة عليا للعدالة الانتقالية، لجبر الضرر والأذى الذي لحق بالملايين من السوريين وتعويضهم، وما يتفرع عن هذه الهيئة من لجان ومحاكم خاصة لاستباب السلم الأهلي، والوئام الاجتماعي، وعدم العودة إلى الماضي البغيض وطي صفحته بشكل نهائي.
2- من الواجب التسريعُ بتشكيل الهيئات التشريعية، المنتظَرَة، التي يقع على عاتقها استصدار التشريعات والقوانين الصارمة ضد كلِّ فكر أو ثقافة أو ممارسة طائفية هدامة و مزعزة للاستقرار الاجتماعي.
3- يجب أن تتحمل المؤسسات الدينية مسؤوليتها الأخلاقية والدينية والوطنية وأن تركز على حرمة الدم السوري، والنهي عن كلِّ ماله صلة بالانتماءات المذهبية والدينية، باعتبار ذلك شأن خاص وحرية العقيدة والإيمان مكفولة لجميع المواطنين والمكونات.
4- خطاب إعلامي وطني صادق يبث روح الوحدة الوطنية ويسلط الضوء على كافة الانتهاكات والتجاوزات ويساهم بكشف مخاطر الاعتماد والرهان على الخارج، الذي لم يكن يومًا في مصلحة أيِّ طرف وطني، بل على العكس من ذلك تمامًا، وفي تجارب دول وشعوب أخرى، بالأمس القريب، كان وبالًا عليها ولم يجلب إليها إلا الهلاك والدمار.
5- تحمل المجتمعين المدني والأهلي، بما في ذلك النخب والمثقفين، لدورهم ومسؤولياتهم في بث الوعي ونشر قيم المواطنة والتسامح والاحتكام إلى القانون والمؤسسات في حل النزاعات والإشكاليات القديمة والمستجدة، دون غلبة أو قهر لفرد أو فئة أو طائفة.
6- على كلِّ المؤسسات المذكورة آنفًا، بالاشتراك معًا، ومن خلال حوارٍ وطني مفتوح، لمدى زمني كاف، على امتداد الجغرافيا السورية، جاد وعميق ومسؤول، صياغة وثيقة وطنية أو عهد والتزام أو مبادئ عامة، تجرم وتحرم وتمنع الاتصال مع العدو الصهيوني، أو أي دولة أخرى خارج مؤسسات الدولة الرسمية، هذا العدو الذي مايزال يحتل أرضًا سورية، وما يزال عدوانه مستمرًا على مقدرات السوريين وممتلكاتهم وحرماتهم وأراضيهم، ولا يُخفي أطماعه في ذلك وعلى عموم المنطقة.
7- قوننة الحراك الدائر في المجتمع السوري من خلال إصدار قانون للأحزاب بشكل عاجل، وتفعيل دور النقابات ومأسستها بشكل ديمقراطي، إضافة إلى الهيئات الحقوقية والثقافية، وكلِّ ما يساهم في إدارة النزاعات بشكل سلمي، والمطالب المحقة والمشروعة لعموم السوريين من خلال النضال المطلبي.
يقتضي الواجب والوعي الوطنيين، من كلِّ الأطراف، محاصرة كلِّ الظواهر السلبية والخطرة التي تهدد بتحول سورية إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، وقودها ملل ونحلل لم تعرف يومًا، عبر تاريخها، الاحتراب والنزاع قبل وصول نظام الأسدين المنهار والغابر.
من موقعنا الوطني نحذر من انفلات الأمور وذهابها باتجاه خيارات لا وطنية هي أشد خطرًا وفتكًا بالجسد السوري المثخن بالجراح والمنهك بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية جراء السنوات الماضية واستمرار العقوبات الدولية المفروضة على الشعب السوري.
أيضًا، لا مناص في هذه اللحظة التاريخية من العمل الجماعي على بناء دولة وطنية قوية تستطيع الوفاء بتضحيات السوريين الكبرى خلال السنوات ال14 الماضية، وتجاوز المرحلة الانتقالية الحالية، بما لها وعليها، وصياغة عقد اجتماعي عصري وجديد، فذلك نجاة وأمان لكافة السوريين، حاضرًا ومستقبلًا، بغض النظر عن انتماءاتهم دون الوطنية أو ما فوقها.