
في البدء ينبغي القول إنه لا يمكن اتخاذ موقف سياسي يتسم بالمسؤولية على أساس من الشائعات أو التسريبات الإعلامية المتضاربة، وأنه لابد من انتظار صدور أي وثيقة أو اتفاقية أو إعلان رسمي ليصار إلى الدراسة والتقييم ضمن المعطيات والظروف التي تمر بها سورية وبالتالي اتخاذ الموقف السياسي المقابل.
لقد مرت البلاد العربية ومنها سورية بمراحل تاريخية سابقة حدثت فيها انقسامات وصراعات حادة أدت لنتائج سلبية مقابل مواقف كلامية لم تغن ولم تسمن من جوع. وبالتالي فأي موقف سياسي وطني ينبغي أن يأخذ بالاعتبار درء المخاطر قبل جلب الفوائد من جهة، وفعالية أي موقف في الواقع مقابل الثمن الذي يمكن أن يدفع من أجله من جهة أخرى.
ونظرا لعدم صدور أي إعلان رسمي سوى ما قيل عن مفاوضات غير مباشرة مع العدو الاسرائيلي بغرض تثبيت اتفاق فصل القوات وإلزام اسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد سقوط النظام البائد والكف عن العدوان على سورية فإن هذا الرأي مخصص لبيان موقفنا مما سبق إعلانه رسميا، ومن أي احتمال لتغير هدف المفاوضات خلاف ما تم إعلانه من قبل الدولة السورية.
بالتأكيد فإن التفاوض من أجل درء عدوانية العدو الاسرائيلي في ظل انعدام أي توازن في القوى بعد أن أوصل النظام البائد الدولة السورية لحافة الانهيار، ثم ترك كل مقدراتها العسكرية والادارية وهرب بطريقة خسيسة تفتقر لأدنى شعور بالمسؤولية حين أيقن بالسقوط، مثل ذلك التفاوض مع العدو مطلوب لتثبيت الهدنة ومنعه من استغلال الفرصة لمزيد من العدوان ولتثبيت احتلالاته الجديدة للمساحة المجردة من السلاح بين خطي وقف إطلاق النار ولقمة جبل الشيخ.
أما تطوير مثل تلك الاتفاقية لتشمل إقامة سلام دائم أو تطبيع مع العدو الاسرائيلي دون استعادة الجولان وفي ظل حرب الإبادة التي يشنها على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، فهو أمر لا يمكن قبوله بالتأكيد.
كما أن أي تجاوز لمسألة التفاوض حول اتفاق الهدنة (فصل القوات) نحو معاهدة سلام دائمة ليس من صلاحية الحكومة الحالية الانتقالية ولابد أن يمر بموافقة جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا حرا مباشرا من قبل الشعب السوري بعد انتهاء المرحلة الانتقالية وانتقال البلاد للوضع الدستوري الدائم.
لكن ما هو مهم للغاية أن لا يتم استغلال الفرصة لبث الانقسام والصراع في صفوف الشعب السوري من قبل فلول النظام المتربصة، أو الانفصاليين أو القوى الدولية الخارجية التي لا تخفي عداءها للعهد الجديد ولازالت تعمل لاستعادة النظام السابق أو تقسيم سورية لتحقيق أهدافها الخبيثة.
فمعارضة أية اتفاقية تقوم بها الدولة السورية لا تعني العمل على إسقاط الدولة وتقسيم سورية، ولا إثارة الشغب والقلاقل والتحريض على العصيان والتمرد، فهذا كله لن يصب في ظروفنا الراهنة سوى في صالح أعداء الشعب السوري.
وفي المدى الأبعد لا يمكن لأية معاهدة أو اتفاق تقييد الشعوب ومنعها من تحقيق أهدافها المشروعة ونيل حقوقها المسلوبة، ومن ناحيتنا فسوف نظل ننظر للدولة الصهيونية كعدو مغتصب لأرضنا في الجولان وفي غزة وفي الضفة ومغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه التاريخية.
لقد أصبح واضحا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الكيان الصهيوني ليس سوى أداة للغرب ضمن مشروعه للهيمنة على المنطقة العربية ومنعها من التحرر والتقدم، وقيمته الكبيرة لدى الغرب تعود لوظيفته تلك، لكن الشعوب العربية لن تقبل أن تبقى تحت الهيمنة الغربية أو تحت تهديد العسكرية الاسرائيلية للأبد. وسوف تعرف طريقها نحو التحرر والتقدم.