
ما الذي تعنيه مرحلة ما بعد المهلة الممنوحة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” للالتزام باتفاقية العاشر من آذار، والتي تنتهي كما يُقال في أواخر أيلول المقبل؟
مظلوم عبدي يتحدث عن دعمهم لمبدأ “جيش واحد وعلم واحد”، لكن ما يريده مقابل ذلك هو لامركزية سورية وضمانات دستورية للأكراد. ألا تتعارض هذه المعادلة مع روح ونص الاتفاقية الموقعة مع الرئيس الشرع؟ وكيف سيقنع الشركاء والحلفاء المحليين من دروز وعلويين وسريان وعشائر عربية شاركوا في مؤتمر الحسكة، بأن ما تساوم عليه “قسد” هو من أجل مصالحهم ومستقبلهم السياسي والدستوري في سوريا الجديدة؟
هل من الممكن أن تخرج سوريا من أزماتها الداخلية من دون تفاهمات حقيقية بين اللاعبين المؤثرين في المشهد السوري الخارجي؟ وهل تنجح جهود المرحلة الانتقالية في الداخل من دون مقايضات إقليمية في الخارج؟
وأين أصبح الحراك التركي – العربي، وجهود دعم السلطة السياسية الجديدة في مواجهة تعنت إسرائيل وتمسكها بأخذ ما تريده كشرط أساسي لإزالة الألغام التي نشرتها في الداخل السوري؟
هل ستكتفي أنقرة بالتعويل على التنسيق الثلاثي التركي–الأميركي–العربي في سوريا لقطع الطريق على الاصطفاف الجديد الذي تحاول تل أبيب ترتيب صفوفه داخل سوريا وخارجها؟
وكيف سيكون المشهد إذا ما قررت واشنطن تبديل سياستها السورية الحالية، وتبني مضمون تقرير البنتاغون الأخير حول تطورات المشهد السوري بشقيه السياسي والأمني؟
الاحتياط واجب، فالمزاج الأميركي في سوريا، الذي دخل في تفاهمات تركية–عربية–سورية في الثامن من كانون الأول المنصرم، وبعد إزاحة بشار الأسد، قد يتبدل. هدف “قسد” هو دفع حكومة الشرع نحو خيارات صعبة في التعامل مع المسائل السياسية والأمنية الداخلية، قد يكون بينها سيناريو الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، برغبة إسرائيلية، تقود واشنطن لتبديل سياستها السورية.
الاحتياط واجب، فالمزاج الأميركي في سوريا، الذي دخل في تفاهمات تركية–عربية–سورية في الثامن من كانون الأول المنصرم، وبعد إزاحة بشار الأسد، قد يتبدل
هناك أكثر من مؤشر داخلي وخارجي يعزز الطرح بأن “قسد” تخلّت عن فكرة الاندماج في مؤسسات الدولة السورية الجديدة، وتراجعت عن الالتزام بتعهدات آذار، وأن كل ما تفعله اليوم هو لعب أوراق كسب المزيد من الوقت والفرص.
مؤتمرات القامشلي والحسكة وباريس، وطبيعة المشاركة، والشعارات المرفوعة هناك، تقول إن “قسد” تركت جانبًا تفاهماتها مع الشرع، وأن الهدف الجديد هو استنزاف دمشق ودفعها نحو ارتكاب الأخطاء التي تُغضب المراهنين على الحكومة السورية في الداخل والخارج.
من أهداف “قسد” أيضًا لعب ورقة القرار الأممي 2254 حول سوريا، بعدما وصلت التفاهمات الإقليمية والدولية إلى ضرورة تركه جانبًا وتقديم سيناريوهات بديلة تعطي الأولوية للتهدئة على الجبهات، وتفعيل خطط وبرامج اجتماعية واقتصادية وحياتية.
هدف “قسد” هو تحريك مضمون القرار الأممي الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في مواجهة نظام الأسد، لتحويله إلى ورقة ضغط على حكومة الشرع هذه المرة.
يقول الشيباني إن مؤتمر الحسكة لا يمثل الشعب السوري، واستغل أجواء السويداء، وأن هناك محاولات خارجية لفرض واقع تقسيمي. في حين يردد فيدان أن سياسات إسرائيل التوسعية تمتد إلى سوريا، وأن الهدف هو إضعافها وخلق أجواء فوضى تهدد أمن المنطقة.
مذكرة التفاهم التركية–السورية، في جزء منها، تعني “قسد” حتمًا، لكن المخاطب الأول هو إسرائيل، التي تتوغل داخل سوريا وتواصل اعتداءاتها اليومية على المدن السورية.
أنقرة لن تسمح لتل أبيب بعد الآن بفرض نفسها على المشهد السوري من خلال قوتها العسكرية. إما أن تقبل إسرائيل بطاولة تفاوض حقيقية، أو أنها ستواجه تركيا عسكريًا في سوريا.
توصيات مؤتمر الحسكة أبعد من أن تكون رسالة رمزية، فالصادر عن المؤتمر يقول إن “قسد” وراء بناء حلف “أقليات”، والاستقواء بإسرائيل وفرنسا، والإمساك بورقة داعش والطاقة وعنابر الحبوب، وإشعال بؤر توتر عرقي ومذهبي، والتمسك بالسلاح الأميركي، والرهان على أزمات تواجه السلطة السياسية الحالية وتدفعها لارتكاب أخطاء في الإدارة والتأخر في تفعيل المسار الانتقالي السياسي والدستوري.
أكثر ما تعوّل عليه “قسد” اليوم هو محاولة بناء اصطفاف سياسي–عسكري سوري في مواجهة السلطة السياسية الحالية، يعطيها ما تريده، ويمنح داعميها في الإقليم المزيد من النفوذ فوق الساحة السورية . كما تسعى إلى إفشال خطة أنقرة في الوصول إلى ما تريد، عبر الدمج بين ملف “حزب العمال الكردستاني” في تركيا، والملف الكردي وتفاعلاته في شمال شرقي سوريا.
تريد “قسد” أن تسهم تل أبيب في إقناع واشنطن بتغيير مواقفها وتبنّي سياسة سورية جديدة. لكن هناك تسريبات غربية تقول إن مسؤولين أميركيين حذّروا “قسد” من أن التحالف الدولي قد لا يتمكن من حمايتها إذا قررت دمشق شنّ هجوم عسكري، في حال عدم الالتزام باتفاق آذار. خصوصًا أن الداخل التركي يعتبر أنه، في إطار التعاون العسكري بين دمشق وتركيا، فإن أي طلب دعم من دمشق سيُقابَل بشكل إيجابي.
فقسد لم تُسلّم السدود وحقول الغاز والنفط، ولم تتخلّ عن السلاح، ولم تفعل خطوات الاندماج في الجيش السوري الوطني. بل قررت تحريك أوراق سياسية وأمنية بديلة، لبناء تكتل محلي في مواجهة السلطة السياسية الحالية بدعم وتحريض خارجي.
تعلن قيادات “قسد” أن توصيات مؤتمر الحسكة لا تتعارض مع تنفيذ التزامات الشرع–عبدي. لكن ما تقوله دمشق وأنقرة يذهب في اتجاه آخر:
مؤتمر الحسكة، من حيث توقيته، ومكانه، وتركيبة مكوناته، وطبيعة التوصيات الصادرة عنه، يشير كله إلى أن هدف “قسد” أبعد من حراك مكوّن سوري للدفاع عن حقوقه وهويته ومطالبه.
“قسد” تنشط لتلبيس ثوب الفدرالية معطف اللامركزية، وتعمل على بناء اصطفاف عرقي ومذهبي بدعم إسرائيلي، في مواجهة السلطة السياسية الحالية. ومهمتها تزداد صعوبة وسط أجواء الرفض السوري والتركي والعربي، لأي محاولات تذهب باتجاه الحديث عن معادلات التحاصص والتقاسم على الطريقة اللبنانية أو العراقية في سوريا.
سوريا الجديدة لن تُبنى بمنطق الاستثناء، ولا بلعبة المصالح اللحظية. الوطن يجمع، ولا يفرّق.
المصدر: تلفزيون سوريا