تمر علينا بعد أيام قليلة الذكرى 52 لسرقة واختطاف الوطن السوري، على أيدي عصابة من القتلة والوحوش الآدمية، والعصابات الطائفية، الذين أمسكوا بخناق الوطن كل الوطن، ليصبح هذا الوطن بقضه وقضيضه منهكًا ومختطفًا ومنهوبًا، على أيدي حافظ الأسد ومجموعته من الضباط الخارجين عن القانون، والمصممين على إلغاء السياسة من المجتمع السوري، ومصادرة الحريات كل الحريات، والتغول العصبوي الطائفي على كل مفاصل المجتمع السوري، لتغدو حيوات السوريين ظلمًا وظلامًا دامسًا، لاصوت فيه إلا صوت الاعتقال السياسي وتصفية المعارضين في أقبية السجون الأسدية، من سجن تدمر إلى سجن المزة إلى كل السجون والمعتقلات والمسالخ البشرية الأخرى، التي عجزت كل جمعيات حقوق الانسان عن إحصائ أعدادها، وتوثيق مافيها من مجازر، وامتهان لكرامات الناس، واستلاب لإنسانية الإنسان السوري، دون رادع من أخلاق أو قيم يُفترض أن يحملها هؤلاء الذين يدَّعون أنهم سوريين.
تمرعلينا ذكرى انقلاب حافظ الأسد صبيحة 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970، ليلة تمكن المجرم الكبير من زج رفاقه بالسجون، ومصادرة كل العسكريتاريا في سورية لصالحه وصالح نظام دولته الأمنية (العتيدة)، منهيًا بذلك حالة الدول الوطنية السورية، مع كل ماشابها من ارتكاسات وأخطاء جسيمة،عبر قيادات البعث البراغماتي النفعي، الذي لم يكن يهمه إلا مصالحه وسيطرة حزبه على السلطة باسم ثورة 8 آذار/ مارس 1963 التي هي الأخرى تم اختطافها من قبل العسكر المتعصبين لمصالحهم، دون إشراك أي فئة سياسية أخرى معهم بالحكم.
لقد أنجز حافظ الأسد ماحلم به من دولة أمنية عصاباتية تسرق الاقتصاد وتنهب موارد الوطن وتمنع الكلمة الحرة، وتكم الأفواه، وتصادر الجيش ومؤسساته ليكون الحامي لدورها الوظيفي دون أهمية للجولان المحتل، أو لفلسطين التي يتغنون بها، وهم الذين جاؤوا بحرب 6 تشرين أول/ أكتوبر 1973 لتكون تلك الحرب التحريكية بامتياز مع شريكهم في مصر محمد أنور السادات، ولتتم عملية التوقيع على اتفاق فض الاشتباك بعدها في عام 1974 ولتكون الحدود السورية مع الكيان الصهيوني محمية وفق ذلك من جيش الأسد نفسه، ولتغدو هذه الحدود أكثر أمنًا لإسرائيل من أي حدود أخرى، سواء كانت في لبنان أو الأردن أو مصر السادات. وهم في ذلك أمَّنوا حماية نظامهم من السقوط لعدة عقود، وحتى وصولاً للوريث الصغير من بعد حافظ الأسد يوم جاءت وزيرة الخارجية الأميركية (مادلين أولبرايت) بعد وفاة حافظ الأسد لتوافق وتبارك لبشار الأسد على الاستمرارية وفق نفس الدور الوظيفي/ سيء الصيت.
لقد كانت الحالة الانقلابية (التصحيحية) كما قيل في حينها، العتبة التي من خلالها تمت بيعة الوطن للغرب والشرق وذهبت السيادة الوطنية أدراج الرياح ، يوم أقام هذا النظام العلاقة المصلحية الوظيفية مع الكيان الصهيوني الغاصب للوطن السوري والفلسطيني، هذه العلاقة البينية التي اندرجت عبر سياقات معنية من تحت الطاولة، فأنجزت كل ماتريده إسرائيل من الحفاظ على أمنها الحدودي، وتدمير بنية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وسورية والأردن، والغت أي فكرة للمقاومة الفلسطينية إلا إذا كانت تحت سيطرة وعباءة الدولة الأمنية الأسدية، التي ضمنتها أدوات الأمن القومي الأميركي وكذلك الإسرائيلي عبر ربط هذا النظام بسياسات شرق أوسطية أصبح النظام الأسدي وفق ذلك أهم منفذ للسياسات الأميركية والإسرائيلية، وما الدور المناط بالنظام السوري في لبنان إلا في سياق هذه المعطيات وعلى هدي هذه المندرجات الممارسة بشكل واضح للعيان.
من هنا فقد كان انقلاب 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970 أخطر فعل إنقلابي حصل بالمشرق العربي، وأدهى نظام عسكري أمني، قادر على أن يؤشر إلى جهة اليسار بينما ينعطف براحلته إلى اليمين، محققًا في ذلك ماعجزت عن تحقيقه كل أطراف النظام العربي الرسمي التي تماهت مع السياسات الغربية والأميركية في العالم، فحقق حافظ الأسد للاستراتيجيات الأميركية مافاق كل التوقعات، فكان سر حمايته من السقوط حتى اليوم، بعد أن كاد الاقتراب من حافة السقوط ضمن منعرجات كثيرة كان آخرها ماجرى له من تهلهل وانزياحات كادت أن تودي به مع هبة الشعب السوري وثورته المظفرة اواسط آذار/ مارس 2011، حتى جاءت إيران وميليشياتها الطائفية لنجدته، ولحقت بها (يوم عجزت عن ذلك) جيوش بوتين الدكتاور الروسي ، الحريص على مصالحه للإقتراب من المياه الدافئة على البحر المتوسط ، وهو مايزال (أي هذا النظام) مستمر في إنجاز مهامه الوظيفية، وتمكن من إرضاء الجميع من أجل الحفاظ عليه، من أميركان وغرب وروس وإيرانيين، خدمة لمصالحه الذاتية وبقائه بلا سيادة ليسيطر على بعض الجغرافيا السورية ولينجز دولة العصابة الامنية التي تحمي أمن إسرائيل، وتشيطن الثورة السورية، وتنفذ للأميركان ماأرادوه له، من دور، وتحقيق المصالح الروسية المنجدلة مع مصالحه، وكذلك بالضرورة المنفعة والمشروع الإيراني الفارسي الطائفي، الذي يريد الهيمنة على المنطقة برمتها وليس سورية فحسب.
ومع ذلك، ومع أن هذا النظام/ العصابة الذي حكم سورية ماينوف عن 52 عامًا حتى الآن بالحديد والنار وبالمعتقلات والكيماوي، والمجازر التي ارتكبها بحق السوريين إلا أن الشعب السوري لم يتراجع أو يتوانى عن مواجهته والبحث دائمًا عن منافذ يمكنه عبرها من العبور إلى الضفة الأخرى، وكنس الطغيان الطاغوتي الأسدي، وهو أمل لابد من تحقيقه عاجلاً أم آجلًا، أدرك العالم والاقليم ذلك أم لم يدركه، وعى ذلك أم لم يعيه، فثورة الحرية والكرامة لم تبرح المكان، ومازالت تمشي باتجاه إنجاز راية الحرية والكرامة، ودولة العدل والحق والقانون، على أنقاض العسف والقتل الأسدي حتى لو وقفت كل دول العالم بمصالحها البائسة إلى جانب نظام الأسد الآيل للسقوط.