لا مكان لـ علي لاريجاني وإيران في سوريا الجديدة

ماجد عزام

قام أمين عام المجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني الأسبوع الماضي بجولة عربية شملت العراق ولبنان أو غرب آسيا حسب التعبير الإعلامي الإيراني اللئيم، ما أثار ردود فعل واسعة رافضة بالطبع. علماً أن الجولة التي أريد بها المحاججة والإيحاء باستمرار نفوذ طهران الإقليمي أكدت العكس حتى في العراق مع سقوط قانون تعويم وشرعنة الحشد الشعبي باعتباره النسخة المحلية من الحرس و يمتلك استقلالية إدارية ومالية تامة وشركات وأعمال تجارية خاصة به، ويتحكم بالسياسات العامة من دون أن يتحمّل المسؤولية المباشرة عن تبعاتها، في حين كان الأمر أوضح في لبنان مع الرفض الواسع للزيارة، وامتناع وزير الخارجية يوسف رجي عن استقبال لاريجاني، واللغة الواضحة والصريحة والمباشرة التي سمعها الضيف الثقيل غير المرغوب به من رئيسي الجمهورية والوزراء جوزيف عون ونواف سلام المؤكدة انتهاء زمن الوصاية الإيرانية، والرافضة للتدخل في الشؤون اللبنانية في حين كان العنوان الأبرز للجولة والذي لم ينل حقه ونصيبه من الاهتمام عدم ذهاب لاريجاني إلى دمشق كما جرت العادة سابقاً، في تأكيد واضح على أن لا مكان لإيران في سوريا الجديدة.  وهو لم يسمح له حتى بالمرور عبر الأجواء السورية الحرة بطريقه إلى بيروت، في إشارة واضحة لتحجيم وتراجع الدور الإقليمي لإيران بالمنطقة العربية، حيث مثل نظام بشار الأسد الساقط ولسنوات الممر لما أسمتها إيران ذات يوم الإمبراطورية الفارسية الممتدة من طهران إلى ضاحية بيروت الجنوبية مروراً بعاصمتها المزعومة بغداد ودمشق.

بداية وقبل الحديث عن الجولة نفسها، لا بد أولاً من التطرق لشخصية علي لاريجاني نفسه السبعيني الذي أعيد تعيينه قبل أيام أميناً عاماً للمجلس الأمن القومي في حين كان بالمنصب نفسه قبل عقدين – 2005 – 2007 – في إعادة تدوير للمناصب داخل النظام المترهل والمأزوم داخلياً وخارجياً، ويعيش ربع الساعة الأخير كما تذهب قراءات عدة حتى داخل إيران نفسها.

الجولة الخارجية الأولى للاريجاني بعد عودته للمنصب شملت الدول التي تعتبرها طهران ولا تزال ضمن مناطق نفوذها وتأثيرها الإقليمي. بالمحطة العراقية شهدنا فشلاً في إخفاء الطابع الأمني للزيارة بشكل عام. مع سعى  لاريجاني إلى استكمال أو تحقيق ما فشل فيه إسماعيل قآني مسؤول فيلق قاسم سليماني الخاص بالحرس لجهة إنقاذ قانون الحشد الشعبي، لتعويمه وتكريس مكانته الرسمية كنسخة محلية من الحرس الإيراني هناك.

كان لافتاً كذلك بالمحطة العراقية إن لاريجاني ومن دون أن يمتلك الصفة التنفيذية وقّع على اتفاقية أمنية لضبط الحدود جاءت شكلية ودعائية على الطريقة الإيرانية الصوتية التقليدية “ميغافون” لادعاء النفوذ والتأثير في حين كادت الحكومة العراقية تخرج عن طورها للتأكيد على إنها ليست اتفاقية أمنية  شاملة وإنما تفاهمات إجرائية لضبط الحدود بين الجانبين.

بالحقيقة، لم تخف زيارة لاريجاني  لبغداد حقيقة أن الحضور الإيراني يتراجع وعلى عدة مستويات بعد فشل الأذرع المشغّلة إيرانياً في إدارة الدولة إثر الاحتلال الأميركي وتورطها في تصفية الناشطين المنتفضين ضدها، ما أدى إلى تزايد دائرة معارضيها لا انحسارها، وهو ما أكدته الزيارة على عكس إرادة وتمنيات لاريجاني وإيران.

في لبنان واجه لاريجاني حملة اعتراضات وانتقادات واسعة للزيارة نفسها إثر تدخل إيران الفظّ والوقح في مسألة نزع سلاح حزب الله، واحتكار الدولة للقوة، وفرض سيطرتها وسيادتها على كامل أراضيها، حيث رفض وزير الخارجية يوسف رجي استقباله في حين كانت لقاءات متوترة وجافة مع رئيسي الجمهورية والوزراء جوزيف عون ونواف سلام حيث سمع الضيف الثقيل غير المرغوب فيه رسائل ومواقف واضحة وقوية وصريحة ومباشرة بالمعنى الدبلوماسي مفادها ضرورة عدم تدخل إيران في الشأن اللبناني الداخلي، وهو ما لا تفعله بيروت تجاه طهران المأزومة التي تعاني بالفترة  الأخيرة وعلى جميع مستويات ومناحي الحياة المختلفة. بحيث بات النظام في الربع ساعة الأخير كما ترى قراءات واجتهادات عدة خاصة في الداخل، وهو ما يؤكده اندلاع أو تجرؤ الحرس الفظّ والعلني على الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان في تأكيد على تصدع النظام من الداخل خاصة بعد حرب الـ12 يوماً التي بدا فيها مستباحاً ومكشوفاً.

لكن بعيداً عن أو للدقة إضافة إلى المعطيات السابقة على أهميتها وحتى لو استقبل لاريجاني بحفاوة في بغداد وبيروت فالأهم من ذلك كله إنه لم يسافر إلى دمشق كونه غير مرغوب فيه شخصياً ولا إيران نفسها، والعنوان الأبرز الصحيح للجولة إن لاريجاني  لم يستطع الذهاب إلى سوريا التي كانت إيران تتفاخر بالسيطرة عليها ضمن الدول العربية الأربع التي تحتلها الإمبراطورية الفارسية المزعومة.

ليس ذلك فحسب فلم يجرؤ لاريجاني حتى على المرور بأجواء سوريا الجديدة والحرة فاضطر إلى طريق التفافية  طويلة حيث سافر شمالاً باتجاه الأجواء التركية ثم إلى أقصى الجنوب عبر البحر المتوسط في رحلة طويلة  ومضنية للوصول إلى بيروت.

إذن لاريجاني لم ينل شرف زيارة سوريا الجديدة وهذا هو المعطى والعنوان المهم جداً، والذى يلخص جولته العربية مع احترام السيرورة السيادية النسبية بالعراق والواسعة بلبنان الرافضة للوصاية الإيرانية، والتي يلخصها تصريح الرئيس جوزيف عون الشهير لجهة أن لا دمج لميليشيا حزب الله بالمؤسسة العسكرية اللبنانية الرسمية، كما حصل مع الحشد الشعبي بالعراق. في حين نشهد الآن جشعاً ورغبةً بتكريس استقلاليته وتعويمه بمواجهة آراء وأجواء رافضة حتى لفكرة دمجه بالمؤسسة الرسمية العراقية على علاّت ذلك.

بالأخير وباختصار ، يمكن التأكيد إن لا مكان في سوريا الجديدة لعلي لاريجاني وإيران، كونها لم تعتذر وتطلب الصفح من الشعب السوري عن دعمها النظام الساقط وانخراطها إلى جانبه في جرائم قمع الثورة ولم تتراجع عن سياساتها الطائفية الاستعمارية والتوسعية ولا تزال تحاول التدخل سلباً في شؤون سوريا الجديدة وعرقلة سيرورة  نهوضها كما شهدنا في رعاية ودعم الانقلاب بالساحل، وتشجيع وتسويغ الانقلاب المدعوم إسرائيلياً بجبل العرب ثم وصل الهروب الإيراني الجنوني إلى الأمام من مواجهة الحقائق بسوريا الجديدة إلى حد إطلاق جبهة مقاومة “طائفية” مزعومة بالجنوب برعاية إيرانية كاملة شكلاً ومضموناً. الجبهة التي ولدت ميتة ستكون محور قراءتنا القادمة إن شاء الله.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى