
الأولى : أنه لم يثبت للجنة التحقيق وجود أية أوامر عليا بتنفيذ أعمال عنف ضد المدنيين , وماجرى من جرائم كان إما من فصائل غير منضبطة أو من فلول النظام .
أي أن الدولة السورية كانت بصدد سحق التمرد المسلح ولم تكن بصدد تنفيذ أعمال قتل طائفية وهذا يتسق مع سياسة الدولة السورية منذ دخول حلب واستلام السلطة بدمشق . ومما يعزز هذه النتيجة التي خلصت إليها اللجنة الأممية إشارتها إلى أن الجيش السوري والأمن العام هما من أوقف ارتكاب المجازر في الساحل بعد إنهاء التمرد المسلح .
الثانية : أن قبول الدولة السورية حضور لجنة التحقيق الأممية والسماح لها بالعمل بحرية تامة والتعاون الكامل معها كما أشارت لذلك لجنة التحقيق في تقريرها دليل إضافي على كونها بعيدة عن تقصد استهداف المدنيين ولوكانت متورطة لمنعت قدوم لجنة التحقيق الأممية أو لعرقلت عملها على الأقل .
آتي للسويداء فأقول إن اتهام الدولة السورية بشن حرب إبادة ضد السويداء هو اتهام لايستند لأي أساس .
فالجيش جاء للسويداء لانهاء المعارك بين العشائر العربية والميليشيات الدرزية المؤتمرة بأمر الشيخ الهجري , وحتى لو افترضنا هدفا آخر فلايمكن أن يكون ذلك الهدف سوى إنهاء التمرد المسلح الذي يقوده الشيخ الهجري وبسط سلطة الدولة على السويداء وقد كان ذلك مطلب غالبية أهل السويداء .
إذن فليس قدوم الجيش للسويداء يعني بالضرورة النية بشن حرب إبادة … هذا تلفيق لا أساس له .
أما ماحصل بعد ذلك فهو واضح لمن يريد تتبع تسلسل الأحداث بموضوعية : قبل قدوم الجيش للسويداء كان هناك تنسيق كامل مع وجهاء السويداء ومشيخة العقل أن الجيش سيدخل السويداء لتوطيد الأمن وفرض سلطة الدولة , وتمت موافقة جميع الوجهاء ومشايخ العقل بمن فيهم الهجري على عدم التعرض للجيش في مهمته تلك , لكن ما حصل أن الهجري انقلب على موافقته وموافقة جميع المشايخ والوجهاء وأصدر أوامره المشؤومة بقتال الجيش بحجة ” الدفاع عن العرض والأرض ” وهكذا تعرضت قوات الأمن العام والجيش للغدر وسقط مباشرة 16 شهيدا من الأمن العام بينما كان الجيش قد دخل فعلا السويداء .
هل يمكن لأي عاقل تصور أن جيشا جاء بمهمة عسكرية داخل المدينة يتعرض لنيران من فوق الأسطح والبلاكين ثم يقف مكتوف اليدين والشهداء يسقطون هنا وهناك ويتم أسر الجنود ويذبحون وتسحل جثثهم في الشوارع ولايرد على مصادر النيران ؟
أي عاقل منصف سيقول إن المسؤولية المباشرة تقع على عاتق من انقلب على قرار مجموع مشايخ العقل والوجهاء وأصدر اوامره بقتال الجيش بعد أن وعد الدولة بالدخول بأمان للسويداء .
ماحدث بعد ذلك لايمكن فصله عن هذا السياق , ثم جاء طلب الهجري التدخل الاسرائيلي ( بصيغة طلب التدخل الدولي ) وتدخلت اسرائيل لتقصف الجيش السوري والأمن العام في السويداء وقصفت العاصمة دمشق وهددت الدولة طالبة سحب الجيش من السويداء .
بعد انسحاب الجيش واستعادة ميليشيات الهجري المزودة بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة السيطرة على السويداء حدث انفلات في الوضع الأمني فارتكبت مجازر بحق العشائر العربية على نطاق واسع , ثم تدخلت العشائر العربية من مختلف مناطق سورية وعلى الغالب فمعظم المجازر التي حصلت تمت بعد انسحاب الجيش والأمن العام وفي ظل انفلات الوضع الأمني وبصورة منبادلة من خلال المواجهات بين العشائر وميليشيات الهجري .
ومن أجل بناء سردية طائفية تم التعتيم على مسؤولية الشيخ الهجري في نقضه الاتفاق مع الحكومة وغدره بالجيش والأمن العام بعد إعطائهم الأمان أولا .
ثم تم التعتيم على جرائم ميليشيا الهجري التي تقشعر لها الأبدان من قتل الأسرى وذبح أكثر من مئة من الجرحى داخل المستشفى الوطني بعضهم ذبح بالسكاكين , وسحل جثث شهداء الأمن العام في الشوارع والتنكيل بها , ومهاجمة عشرات الألوف من العشائر وطردهم من بيوتهم ونهبها وحرقها .
وإظهار الأمر وكأن الحكومة شنت حرب إبادة على المدنيين في السويداء وكأن وجود عشرات الألوف من المسلحين بأحدث أنواع الأسلحة هو تفصيل لايستحق الذكر .
لاأحد ينكر المجازر التي حصلت بحق المدنيين في السويداء والجرائم الواسعة والتي لايمكن القبول بها والسكوت عنها , لكن كل ذلك حدث بسياق محدد ينبغي احترام الحقيقة في ذكره كاملا وليس انتقاء مايناسب سردية الابادة الممنهجة واتهام الدولة السورية بأنها خططت للمجازر التي حصلت ونفذتها كدولة وليس كفصائل غير منضبطة أو أفراد أو كحالات ثأرية متبادلة مع العشائر .
هذه السردية لاتحتمل التحقيق المستقل , لأن التحقيق المستقل بما في ذلك التحقيق الأممي سوف ينسفها من أساسها . لذلك حرص تيار الهجري على القفز فوق مطلب التحقيق المستقل إلى مطلب الفدرالية ثم القفز ثانية نحو الانفصال الكامل .
في الواقع فإن الشعب السوري يريد تحقيقا أمميا مستقلا كالذي جرى في الساحل . ولايمكن قبول ادعاءات اتهام الدولة السورية بمجازر السويداء هكذا . مثلما لم يقبل الشعب السوري اتهام الدولة السورية بمجازر الساحل قبل أن تقرر لجنة التحقيق الأممية أن لا وجود لأي دليل على أن مجازر الساحل جرت ضمن أوامر صدرت من مؤسسات الدولة السورية .
لن نصدق ادعاءاتكم باتهام الدولة السورية ونريد لجنة تحقيق مستقلة , وخاصة بعد أن اتضحت اليد الاسرائيلية في كل ماجرى ويجري في السويداء .