حين يحضر الشعب

في العهد الفيصلي الذي امتد بين 1918- 1920 وُجدت لأول مرة في سورية  حركة جماهيرية نشطة وفعالة في ظل حرية تكاد أن تكون كاملة .

تمكنت تلك الحركة الجماهيرية التي كانت جمعية (العربية الفتاة) وحزبها السياسي حزب الإستقلال العربي تمثل قيادتها السياسية بالتحالف مع زعماء شعبيين أمثال الشيخ محمد كامل القصاب أحد رؤساء اللجنة العليا للدفاع ومحرك المظاهرات الشعبية، أقول: تمكنت الحركة الجماهيرية من جعل سورية في طليعة الدول العربية من وجهة نظر انخراط الشعب في السياسة والحياة السياسية الفعالة والغنية والتي كانت في الطريق لتكوين أول ديمقراطية عربية حقيقية رسم ملامحها دستور العام 1920 والذي وصف بأنه أفضل الدساتير العربية حداثة وديمقراطية في عصره .

ومعلوم أن هذا السياق قد قطعه الغزو العسكري للجنرال غورو والذي وجد تغطيته بوظيفة الإنتداب رغم أن صك الإنتداب لم يكن قد صدر عن عصبة الأمم حين أرسل غورو جيشه لاحتلال دمشق، كما أن صك الإنتداب كان ينص على قبول الشعب للدولة المنتدبة عليه طوعًا وليس بقوة السيف.

اليوم وبعد غياب طويل يعود الشعب السوري للحضور بقوة في الساحة السياسية، ولعل من أهم عناصر المشهد الرائع الذي شهده العالم خلال الأيام القليلة الماضية هذا الطوفان الشعبي الذي يشبه البركان في الحضور في الساحات وفي التطوع لحمل السلاح والقتال ضد مشروع الإنقلاب لفلول النظام البائد مما أظهر للعالم مدى تصميم الشعب السوري على حماية العهد الجديد وبذل كل التضحيات كيلا تعود سورية للوراء لعهد الطغيان والإجرام والفساد.

لقد منح الحضور الشعبي الواسع والمصمم القوى العسكرية للدولة السورية الوليدة قوة روحية وعزيمة لاتلين في قتال فلول النظام، وأعطى للعالم صورة حقيقية عن طبيعة المواجهة الدائرة في الساحل السوري بوصفها مواجهة بين سورية الشعب والدولة وبين فلول نظام مجرم بائد وليست مواجهة بين طائفة وطائفة ولا بين بين نظام سياسي ومعارضة تمثل شعبًا أو جزءًا من الشعب .

لم يكن بالإمكان لولا التدخل الجماهيري العظيم عزل فلول النظام وتجريدهم من أية صفة وطنية وإسقاط المحاولات الإعلامية الخبيثة التي كانت تحاول إظهار سورية باعتبارها تعاني من التفكك والإنهيار، وأن تقسيمها أصبح قاب قوسين أو أدنى .

لقد خرجت سورية اليوم مرفوعة الجبين، موحدة أكثر مما كانت في أي وقت، وأَسقط ليس في يد فلول النظام فقط ولكن في يد الإنفصاليين والإنعزاليين أيضًا .

لقد مثل البركان الشعبي صرخة تصم الآذان أن في سورية شعبًا قويًا يقظًا ومستعدًا للتضحية بالغالي والنفيس من أجل وحدة بلاده وحريتها .

لكن على قيادة العهد الجديد أن تأخذ باعتبارها أن تحرك الشعب السوري الكبير للدفاع عن الدولة يوجب عليها الإصغاء لذلك الشعب العظيم، والحرص على حريته، وعدم تقييد تلك الحرية تحت أية ذريعة كانت.

فالحرية هي التي أعادت الحياة لروح الشعب، وهي التي ساهمت بقوة في حماية العهد الجديد، والحرية تقتضي إطلاق الحياة السياسية وليس تقييدها بما في ذلك الحق في صحافة حرة ونقابات حرة وتجمعات سياسية تحت مظلة القانون .

الحرية وحدها تعطي القوة والمناعة لسورية الجديدة والتلاحم المطلوب بين القيادة  والشعب من أجل التقدم نحو الأمام نحو الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة دولة جميع السوريين الأحرار.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كانت الحركة الجماهيرية بسورية منذ العهد الفيصلي 1920 جعلتها بطليعة الدول العربية بانخراط الشعب بالسياسة والحياة السياسية الفعالة لتكوين أول ديمقراطية عربية حقيقية وبدستورها لعام 1920. إن الحرية بسقوط الطاغية أعادت الروح للشعب، وساهمت بحماية العهد الجديد، الحرية تقتضي إطلاق الحياة السياسية وهي حدها تعطي القوة والمناعة لسورية الجديدة والتلاحم بين القيادة والشعب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى