
كشفت الجريمة المروعة التي طالت المصلين في كنيسة مار الياس، في حي الدويلعة على أطراف العاصمة دمشق، يوم الأحد المقدس، الماضي، 22 حزيران/ يونيو 2025 عن جوانب خلل أمنية، ومخاطر وطنية، وقصور إعلامي، وخطاب طائفي تتحمل مسؤولياته كلها الجهات الفاعلة والمناط بها مختلف الأمور، وفي ذلك تجاوزٌ للحدث ذاته لعموم سورية وتناول للقضية السورية برمتها.
بالمقابل وبقدر ما أظهر التفجير الإرهابي من مكامن خلل، إلا أنه على المستوى الشعبي والوطني العام، أوضح بما لا يقبل الجدل على عمق العلاقات بين المكونات السورية وشدة ترابطها وتماسكها وتآخيها وتجاوزها للحالة الطائفية والمذهبية، التي يريد لها بعضهم أن تكون منطلقًا للانتماءات وأساسًا في العلاقات الإنسانية والوطنية والسياسية.
سلط التفجير الضوء على عدد من الإشكالات التي يجب التعامل معها بجدية كاملة، لا تحتمل المراوغة أو المهادنة تحت أي مبرر كان.
1- تجريم وتحريم الخطاب الطائفي والمذهبي، وأيِّ خطاب آخر، غير الخطاب الوطني الجامع الذي يحرص على بناء الدولة السورية كدولة مواطنة وقانون، الجميع فيها متساوون في الحقوق والواجبات.
2- الدعوة العاجلة، مرة أخرى، إلى مؤتمرات وطنية فرعية، ومؤتمر وطني عام يطرح كافة القضايا على بساط البحث والنقاش، وإيفائها حقَّها من حيث الزمن والتمثيل؛ لتخرج بتوصيات عملية، ممكنة، تأخذ طريقها للتنفيذ العاجل والدقيق، دون مماطلة أو تسويف.
3- التعامل مع كافة الملفات ذات الأبعاد الأمنية بحزم وشدة، وبمرجعية الدولة السورية وقوانينها، وليس من المقبول لأي فرد أو جهة تحمل السلاح أن يكون لها مرجعية وولاء غير قوانين الدولة السورية، فسورية دولة واحدة وليست دويلات ومرجعيتها الشعب السوري وليس مشيخات، أو فصائل، من هذا اللون أو ذاك.
4- التعامل مع ملف العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، وكل تفريعاته، بالسرعة والجدية المطلوبتين، والبدء بإجراءات واضحة وفاعلة، وتحديد ذلك ضمن سقوف زمنية، تزامنًا مع ضرورة استكمال المؤسسات التشريعية، التي تتطلب إعادة النظر في تشكيلها، ومن ثم إحداث “ثورة” في الأنظمة والقوانين الناظمة للحياة العامة.
5- إطلاق العنان للمجتمع المدني بمختلف تلاوينه ليكون رديفًا قويًا للدولة، يكشف مكامن الخلل ويصحح الأخطاء، ويدعم كلَّ ما هو إيجابيٌّ ويرفد الحياة العامة بما ينضج نهج الدولة وخططها ويرشدها، فصحة وسلامة أي دولة تتعلق بقوة وعافية المجتمع المدني وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة تنظيم الحياة السياسية وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب على أسس وطنية عامة، متفق عليها.
إن البطء في معالجة الملفات المشار إليها، وغيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، لم يعد لها ما يبررها، وترك الأمور تسير على هذا النحو الغامض تارة والمتردد تارة أخرى، والمتناقض في مرات عديدة سيدفع المتربصين في سورية، دولةً وشعبًا، لإنفاذ مخططاتهم، والعبث بالوطن السوري.
إننا نقدر، ونتفهم، الوضع السوري المعقد، وبداهة لسنا بوارد أن نكون في صفوف القوى والمجموعات التي تعمل على تقويض أي إنجاز، وإفراغ أي عمل من مضامينه الإيجابية، ولكن من مسؤولياتنا وواجباتنا الوطنية أن ننبه إلى الأخطاء الجسيمة التي تحصل؛ حتى لا تتحول إلى نهج وسياسة معتمدة وقائمة، ويصبح صمتُنا جريمةً تودي بنا جميعًا إلى مهالك لا أحد يريدها.
على الإدارة الجديدة أن تستفيد من حالة التآزر والإجماع الوطني التي تلت العمل الإرهابي الجبان لإعادة النظر في مساراتها وما أنجزته حتى الآن وفيما تتطلع إليه في إطار إعادة بناء سورية، الإنسان والعمران، فالقصور واضح والخلل بادٍ، وضعف “التشاركية” لا تقبل أي تعمية.
لسنا من المصابين بالعماء الأيديولوجي الذي وقف أصحابه منذ اللحظة الأولى للتحرير ضد الإدارة الجديدة، ولكن علينا أن نقول وبوضوح إن الخلل بدأ في المسارات المتبعة ولعل آخرها التحضيرات الجارية لانتخابات “البرلمان” المرتقب الذي يفترض أن يتولى السلطة التشريعية ويكمل أسس المرحلة الانتقالية.
كل يوم يُثبت السوريون أنهم يستحقون الحياة، ويستحقون الفرص الأفضل، ولعل آخر تلك المظاهر ما تلا التفجير الإجرامي، فهم ليسوا أبناء تاريخ وحضارة ومجد غابر، فقط، بل هم شعب واع يقدر ويفهم الظروف المحيطة بسورية، والاضطرابات الإقليمية العاصفة بالقدر الذي يعرف قدراته وإمكاناته، وثمن تطلعاته نحو الحرية والديمقراطية والعدالة، وبناء دولته المنشودة، وهو ما على الإدارة السورية أن تقابله بالشفافية المطلقة وإرساء قواعد الحكم الصالح والرشيد، وأولًا وأخيرًا احترام كافة حقوق الإنسان الذي هو الهدف والغاية.