
مازالت (قسد) ومن معها، وماهو مرتبط بها، تنظر إلى عملية عودتها باتجاه الحالة الوطنية السورية الجامعة، من منظار تحصيل ما يمكن تحصيله من مكاسب، قبل أن تتمكن ديناميات الحكومة السورية، من القبض على دفة الأمور بكليتها، ومن ثم الهيمنة على كل الجغرافيا السورية.
فقد كان تنظيم (قسد) وعبر سنوات طوال من حكم آل الأسد يلاعب نظام الإجرام الفاشيستي تارة يحاوره، وأخرى يتمنع عن محاورته، وثالثة يتكيء إلى الدعم الروسي، وأخرى إلى الوجود الأميركي. وكانت (قسد) تدرك أن نظام الأسد أضعف من أن يحاول السيطرة على مناطقها، التي أخذتها عنوة، في ظل فلتان أمني، وانحسار كبير للمؤسسة العسكرية، والمليشيات التي تتبع النظام الأسدي، وكذلك في أتون سياقات إيرانية ترى أن ترك (قسد) وحزب العمال الكردستاني يعبثان في الواقع شمال شرق سورية، قد يعود بالفائدة على المشروع الإيراني الذي كان يطمح في حينها إلى الهيمنة ليس على بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء فحسب، بل إلى ماهو أكثر من ذلك بكثير، طبعًا قبل أن تنهار تلك الأحلام وتتحطم أدوات إيران في سورية، على أيدي السوريين، ويتم كنس المليشيا الإيرانية، ومن يتبعها، إلى خارج البلاد.
إذًا.. وضمن هذه الظروف المتمظهرة، حيث لاوجود للإيراني يمكن الاعتماد عليه، ولا غطاء أميركيًا يمكن الاستناد إليه، فأميركا تذهب إلى حيث تجد مصلحتها، وهي لا تسمح بأن يكون أي فصيل أو تنظيم أو كيان عبئًا عليها، وهي على استعداد أن تتخلى عن الجميع عندما تجد مصلحتها في ذلك، ولعل تجارب الأمم والشعوب مع أميركا تثبت ذلك. لكن أهل (قسد) وأعوانهم، ورغم أن حزب العمال الكردستاني قد حل نفسه، لم يدركوا بعد أن تمنعهم ومحاولة تملصهم من الاتفاق الموقع بين مظلوم عبدي والرئيس أحمد الشرع لن يجدي نفعًا، وأن الحكومة السورية الحالية لايمكنها الانتظار طويلًا قبل أن يتم تنفيذ كل بنود الاتفاق والمسار الجدي إليه. وأن محاولة الحديث مرة أخرى عن ماتسميه (قسد) باللامركزية السياسية، لايمكن أن تقرره حالة ما، قد لاتشكل ضمن الديمغرافيا السورية أكثر من 9 بالمئة في أحسن الأحوال. مبدأ اللامركزية السياسية أو الإدارية، او الفيدرالية، لايقرره سوى الشعب السوري برمته، وعبر صندوق الانتخاب، الذي سيكون ناجزًا عند الانتهاء من صياغة دستور وطني سوري واحد ودائم، يؤسس مجالًا رحبًا وواسعًا نحو عقد احتماعي وطني جامع، لايمكن إلا أن يكون كذلك، حتى تنتهي كل عوامل الفرقة والتذرر أو الاحتماء بالخارح .
الواقع في شمال شرق سورية ينبيء بانشغالات وطنية صعبة، ومآلات لايمكن إلا أن تكون وطنية ديمقراطية، وهو ما ضحى من أجله الشعب السوري برمته، بما يزيد عن مليون سوري على مذبح الحرية والكرامة.
ولعل محاولة فهم مايجري اليوم من استمرار تمنع وتلكؤ في تنفيذ بنود الاتفاق بين الحكومة السورية وتنظيم (قسد) يؤكد أن الحل الوطني، لابد أن يكون حواريًا تفاهميًا واعيًا للمسألة الوطنية السورية، التي تنشد الوصول إلى قيام دولة المواطنة، وأن سياسة المحاصصة لم تكن خيرًا في العراق، ولا في لبنان، ومن ثم فإنه لا إمكانية ابدًا لتطبيقها في سورية، ولن يقربها جموع السوريين مطلقًا، طال الزمان أم قصر، وعى ذلك أهل (قسد) أم لم يعوه.
الاندماج في الحالة الوطنية السورية، وتسليم السلاح للدولة الوطنية السورية، هو الحل، وأي نضال سياسي سوري لابد أن يكون سلميًا ديمقراطيًا، يحدده صندوق الإنتخابات، وليس سواه، وإن زمن الاحتماء بالأميركان قد ولى، وعلى (قسد) أن تعي ذلك تمام الوعي، حيث لايريد السوريون أبدًا المزيد من الدماء السورية، ولم يعد يريد أي سوري الانشغال بمماحكات ومحاصصات لاتنتج إلا الانهيارات المتتابعة المتلاحقة.
فهل يدرك ويعي أهل (قسد) ذلك؟ أم أنهم سيستمرون في ألاعيبهم وتمنعهم وضغوطهم على دمشق؟ كي يكون المآل خسارة كبرى لقسد، حيث يمكن أن تخسر كل شيء، وهذا ما لا يريده أي وطني سوري.