نبيل سليمان روائي وناقد سوري عريق. قرأت له العديد من رواياته منذ عقود وإلى الآن. وكتبت عن بعضها…
التباب ونقده كتاب يضم مجموعة من النصوص التي واكبت الحدث السوري الأهم في ربيع عام ٢٠١١م وهو الثورة السورية وما تلاها من تطورات وتحولها الى العنف المسلح وتبعات ذلك. التي يسميها نبيل سليمان “الزلزال السوري”…
يبدأ نبيل سليمان النصوص بمدخل يبدو أنه محاولة تمهيد تنظيري لفهم ما حصل من خلال العودة لتاريخ سورية منذ ما قبل نشأة الكيان السوري ويتحدث عن “الفسيفساء السوري” ؛ المكونات الدينية والإثنية والطائفية السورية، مع ما يصاحب ذلك من تعبيرات عقائدية قومية وشيوعية واسلامية. وتداخلاتها مع التنوع الثقافي وحركيّة كل ذلك عبر قرن تقريبا. ليصل الى محاولة فهم ما حصل في سورية “الزلزال” وعنف النظام ورد المعارضين والتسليح ومن ثم دخول سورية في دوامة حرب كان ضحيتها السوريين أولا وآخرا…
لقد اعتمد نبيل سليمان في مقاربته التبات السوري بمعنى الخراب والانهدام عبر متابعة الإنتاج الأدبي عموما والروائي خصوصا، مركزا على الكتاب السوريين وبعد ذلك العرب وفي العالم…
ولأن الكتاب هو نصوص متفرقة تطال موضوعات مختلفة في سياق الواقع السوري. فإني أقارب كتاب نبيل سليمان في نقاط متعددة…
سورية في العصر الحديث…
لقد تحدث الكتاب عن سورية منذ خروجها من السلطة العثمانية كأحد تداعيات الحرب العالمية الأولى وتنفيذ اتفاق سايكس بيكو الفرنسي البريطاني وأن تكون سورية ولبنان حصة فرنسا. وتوسع حول الإدارة الفرنسية لسورية عبر سنوات تواجدها في سورية عقدين ونصف تقريبا. حيث أعطت شبه استقلال إداري للبنان الذي سيصبح دولة مستقلة بعد خروج الفرنسيين. ومحاولة تقسيم سورية على اساس المكونات المجتمعية وفي جغرافيا سورية. من دول متعددة لدمشق وحلب والعلويين في الساحل السوري وفي جبل العرب. وكان أن اقتطعت لواء اسكندرون واعطته للاتراك. كانت تلعب فرنسا في المكونات السورية وفي الجغرافيا السورية كل الوقت. وزادت في بناء قوات عسكرية تابعة لها من : الدروز والأكراد والشركس …
واعتمدت نظرية فرق تسد. لم يكن السوريين طيّعين مع مخططات التقسيم الفرنسية. فقد واجهها العلويين بعض مع الدولة السورية وبعضهم مع بناء كيان علوي. وأما الدروز فقد قاموا بثورة ضد الفرنسيين بقيادة سلطان باشا الأطرش. وهكذا عاد الفرنسيين لتوحيد سورية بكيان واحد ماقبل خروجهم من سورية ابان الاستقلال. بعدما أعطوا لواء اسكندرون لتركيا سابقا وأصبح لبنان دولة مستقلة…
سورية بعد الاستقلال دخلت في لعبة الأمم وحصلت الانقلابات المتتالية لحسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي ثم عادت إلى الديمقراطية الحزبية نسبيا منذ ١٩٥٤ الى ١٩٥٨م تاريخ الوحدة السورية المصرية. التي توافقت المكونات المجتمعية والسياسية والعسكرية السورية على أن تكون الوحدة مع مصر هي الحل الأمثل في مواجهة استقطاب إقليمي ودولي في مواجهة حلف بغداد…
كانت سورية بمكوناتها المجتمعية الدينية والمذهبية والاثنية و بتنوعها المدني والريفي. قد دخلت في عصر الاستقطابات السياسية والانتماءات حيث ظهرت حركة الإخوان المسلمين والشيوعيين والقوميين السوريين والبعث القومي العربي. وبعد الوحدة تواجد تيار ناصري قومي عربي… كل ذلك جعل التنوع السوري أقرب الى نسيج مجتمعي متنوع. وأبعد ما يكون عن مقولة الفسيفساء المتجاورة. المحافظة على خصوصيتها…
وما ان سقطت الوحدة بالانفصال عام ١٩٦١م الذي حاول العودة إلى الوراء في القرارات الاشتراكية التي كانت أقرب إلى العدالة وانصاف الفلاحين والعمال. حتى عاد البعثيين المنظمين والناصريين الأقل تنظيما في الجيش أن يقوموا بحركة آذار ١٩٦٣م واستولوا على السلطة. وسرعان ما تم إقصاء الضباط الناصريين من السلطة الوليدة. ومن عام ١٩٦٣م حتى عام ١٩٧٠م. حصلت صراعات داخل السلطة البعثية ذاتها وتم اقصاء الجناح المدني عفلق ورفاقه واستولى الجناح العسكري على السلطة حافظ الأسد وصلاح جديد وتم إقصاء الآخرين ومن ثم اقصى الاسد صلاح جديد عام ١٩٧٠م ومن يومها أصبح الحاكم المطلق لسورية حتى وفاته عام ٢٠٠٠م وبعده استلم ابنه السلطة حتى الآن…
استنتج الكاتب ان الاصطفافات المجتمعية والسياسية في سورية في العقود الخمسة الأخيرة منذ استلام الأسد السلطة وبناء دكتاتورية بعثية جعلت سورية في حالة تأزم سيؤدي بعد ذلك لحصول الزلزال السوري حسب تعبيره…
نود أن نوضح هنا أن طبيعة السلطة السورية في مرحلة حافظ الأسد وابنه معه. كانت شكليا هي حكم حزب البعث .. لكنها في الواقع الحقيقي هي حكم الأسد وبنيته العائلية الممتدة في الطائفة العلوية التي وطدت وجودها في الجيش والأمن ومفاصل الدولة الأساسية والحاكمة. بحيث أصبحت دولة عصبة طائفية علوية بامتياز. حصل ذلك من خلال احتكار الجيش وقياداته والأمن لعقود طويلة. وأنه لذلك عندما حصلت الثورة السورية كان كل الشعب السوري معها. بالطبع إلا الحاضنة العلوية للنظام في مناطق تواجدهم. سواء الساحل و في اماكن توزعهم في مساكن الضباط وصف الضباط والعشوائيات في سورية كلها…
هذا وثّقه بعض المعارضين العلويين الذين شاهدوا الشبيحة من اهل القرى يذهبون لمدينة اللاذقية لمواجهة المتظاهرين بداية الثورة . اوقفهم الأمن والجيش واعادهم الى قراهم وهو قام بالواجب .. ولذلك كانت طرطوس واللاذقية “هادئين” في الثورة واستقبلوا الهاربين من بقية المدن من براميل وصواريخ وطائرات النظام الذي قرر تدمير المدن والبلدات الثائرة. وسلم الساحل الموالي للنظام…
قالها وفعلها…
نعم هي ثورة صديقي نبيل سليمان. الزلزال يحدث نتيجة احتكاك صفائح تكتونية تحت سطح القشرة الأرضية عبر حركتها الدائبة. صفائح بلا هوية ولا حضور معنوي ولا اي التزام لأفعالها ولا تبعات للدمار الذي تقوم به…
أما الثورة فهي الرد الاول الطبيعي الوجودي للإنسان فردا وجماعة على المظلومية. مظلومية حصلت في سورية عبر عقود قبل ثورة ٢٠١١م. تراكم القهر والفساد والاستغلال والاذلال والعبودية والمحسوبية والهوان… حتى قام الربيع العربي وقمت الثورة السورية…
الشعب السوري بتنوعه الديني والاثني والمذهبي والطائفي قدم عبر عقود من ابنائه الضحايا والمعتقلين والهاربين من ظلم النظام من كل المكونات السياسية. الاسلاميين والشيوعيين والناصريين وغيرهم… فيهم المسلم السني والعلوي والدرزي والمسيحي والاسماعيلي والكردي و…
لم يكن السوريين مصطفّين كمكونات يوما أو جاهزين للصراع فيما بينهم يوما. عبر قرون كانوا متعايشين. وان حصل صراع وصدام بينهم فهو نتاج فعل السلطات الحاكمة او القوى الاستعمارية الخارجية …
لنتفق صديقي نبيل سليمان أن الاستبداد والدكتاتورية ببنيته الطائفية هو صانع المأساة السورية وكل ما جاء بعد ذلك تبعات لهذا الاستبداد والقمع والاستغلال عبر عقود…
نعم ظهرت القوى الإسلامية المتطرفة في ذروتها القاعدة وداعش. وإن عدنا لحقيقة من صنع هؤلاء سيكون النظام أحد أكبر مصنعي كوادر القاعدة وداعش في سجونه و معتقلاته. حيث استخدمهم في لبنان وفي العراق وفي سورية أيام الثورة. اصدقائي شهود عيان حدثوني عن تحول ضباط النظام ليكونوا قادة داعش في الرقة. تماما مثلما سلّم النظام الحسكة ومحافظتها وشرق الفرات لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وقوات سورية الديمقراطية. ليصبحوا مشروع انفصال كردي …
في المعتقل السوري ومنذ عقود كنّا القومي البعثي العراقي والناصري والشيوعي مكتب سياسي ورابطة عمل شيوعي والإسلامي قريب من الاخوان ومن التحرير وحتى من الأحزاب الكردية … كنّا نموذج لسورية بتنوعها المجتمعي والاثني والديني والمذهبي. كنا مختلفين بالتحليل لكنّا متفقين على ان المشكلة في سورية تكمن بالنظام المستبد الطائفي. والحل هو الخيار الديمقراطي في سورية. هذا كان توافق السوريين منذ الثمانينات وتأبد بعد ربيع دمشق بعد عام ٢٠٠٠م عندما التحق الإخوان المسلمين بالركب الديمقراطي السوري عندما قُرأت رسالتهم في أحد منتديات دمشق وقتها…
لا لسنا مكونات جاهزة للحرب ياصديقي. بل شعب ضحية نظام مستبد نعرف تنوعنا ومتقبلينه. لا نخون بعضنا ولا ننتظر ان نقتل بعضنا في جنح الظلام…
حصلت المشهدية الداعشية في الاجرام وكذلك القاعدة لكي تقلب الحقائق ويتحول الغرب -العدو- لمنقذ ويعود النظام القاتل ليصبح منقذ الشعب الضحية كما الله وكما اعلن شبيحة النظام وقتلته في طول البلاد وعرضها. أن رأس النظام هو الإله. لا يهمنا الخلفية الدينية لهذا القول بل المهم المدلول الواقعي له: انه النظام القادر على فعل كل شيء ؛ القاتل كل الوقت…
نعترف ان للثورة أخطاءها. من هي الثورة التي لم تخطئ في التاريخ ؟.
نعترف أن هناك بعض النتائج الضارة لحراك الثورة العسكرية والسياسية… لكن…
من احضر روسيا وايران وحزب الله والميليشيات الطائفية الى سورية.؟. وكم نسبتهم مع النصرة وداعش ؟.…
من دمر سورية حقيقة وليس مجازا…؟!!.
من قتل مئات الالاف السوريين ولن نقول مليون لان عدّاد الحساب الدولي توقف عند نصف مليون. كم قتل النظام وحلفاؤه وكم قتل الثوار والإرهابيين…؟!!.
ثم من شرّد نصف الشعب السوري بملايينه الثلاثة عشر. وجعلنا اذلة في بلاد الله الضيقة؟!!.
نعم نحن مع تجاوز الانتماءات التحت وطنية من دينية ومذهبية وطائفية واثنية والالتحاق بالانتماء الوطني وتجاوز “الفسيفساء” إلى النسيج المجتمعي. ولكن كيف يحصل هذا خارج الدولة الوطنية الديمقراطية…
كل أمم العالم المتقدم أصبحت دولة الوطن والمواطن والمساواة بالدولة والقانون والدستور وبحد أدنى من العدالة وفي ظل الديمقراطية، عندها صنعت المواطن خارج عصبته المنتمي لدولته…
اعطونا الدولة الوطنية الديمقراطية العادلة نغادر كل انتماءاتنا الضيقة الصغيرة نغادر القمقم الذاتي الى أفق الدولة وسماءها الفسيحة…
المواطنة لا تأتي بالتمني والتوعية النظرية القشرية والدعاء. بل عبر الحضور العياني الحقيقي للحقوق والواجبات وتحقيق الحياة الافضل في الدولة الديمقراطية العادلة التي تصون كرامة أبنائها. وليس تقتلهم دون حساب…
هناك الكثير مما لم أناقشه في دراسات الكتاب المتنوعة. كما لفت نظري غياب تحليل روايات كثيرة تحدثت عن الاعتقال السياسي بعد الثورة السورية…
اعترف انني انبهرت بدرجة اطلاع صديقي نبيل سليمان. وان الاهم انه لم يترك كتابا يمر عليه ولم يضمه الى بستانه المعرفي وقطف منها زهرة عطرة…
الخلاف والاختلاف لا يفسد للود قضية صديقي نبيل سليمان المبدع…
اعترف انك نموذج اعتز به…
كتاب: التباب ونقده” للكاتب والروائي السوري “نبيل سليمان” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” الكتاب مجموعة من النصوص التي واكبت الربيع العربي ٢٠١١م والثورة السورية بآذار 2011 وما تلاها من تطورات وتحولها الى العنف المسلح وتبعات ذلك. التي يسميها الكاتب “الزلزال السوري”