
رحل صباح يوم الثلاثاء 22 يوليو/تموز 2025، في أبوظبي حيث كان يقيم، الشاعر السوري حسان عزت، عن عمر ناهز الـ75 سنة، بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
يمثل الراحل (1949- 2025) مع أبناء جيله من شعراء السبعينيات، من أمثال رياض الصالح الحسين، وفرج بيرقدار، وبشير البكر، ووائل السواح، وجميل حتمل وغيرهم، انعطافة جديدة في الشعر السوري، وقد ابتدأ مسيرته الأدبية بكونه أحد أعضاء نشرة «كراس» الشهرية للكتابة الحرة خارج النص السائد في المنابر الأدبية والثقافية آنذاك، ثم عمل فترة في الصحافة الأدبية في سوريا، قبل أن يشدّ الرحال إلى الإمارات بحثًا عن عمل، «لأن بلده – كما يقول صديقه وائل السواح – لم يزوّده بأكثر من مكتب في جريدة بائسة». في أبوظبي استغرقه العمل الصحافي، إذ ساهم في تأسيس عدد من المجلات الثقافية والأدبية الإماراتية، وشغل منصب مدير تحريرها، كما ساهم في تأسيس «بيت الشعر» و»اتحاد كتاب وأدباء الإمارات»، إلى درجة شغلته عن كتابة الشعر حتى تقاعده.
ولد الشاعر حسان عزت في دمشق عام 1949، وتحصّل على شهادة جامعية في الأدب العربي من جامعة دمشق، وبعد فترة قصيرة من قيامه بالتدريس، انتقل للعمل كرئيس تحرير مساعد في صحيفة «تشرين» لأعوام من عقد التسعينيات، كما كان أمين سر جماعة الشعر في اتحاد الكتاب العرب. له تجارب مهمة في تصدير الشعر إلى المسرح، وقدّم أعماله الشعرية في مسارح دمشق، حلب، القاهرة، الشارقة، دبي، فالنسيا ومدن أخرى. وشارك كعضو لجان تحكيم في جوائز عربية وعالمية. اختيرت قصائد للشاعر في أنطولوجيا الشعر السوري في السبعينيات، التي أعدها الشاعر منذر مصري، وأخرى ضمن «كتاب في جريدة»، من إعداد الشاعر شوقي بغدادي. وترجمت أعماله الشعرية إلى عدة لغات.
ومن أبرز أعماله:
«شجر الغيلان في البحث عن قمر» ـ بيروت دار بن رشد 1981.
«تجليات حسان عزت» ـ بيروت الدار العالمية 1983.
«زمهرير»- بيروت دار النديم الوعي 1985.
«جناين ورد» – بيروت دار عطية 1998.
«سباعية خلق» – دار العوام- السويداء، سوريا 2021، وقد رسمت لوحاتها الفنانة فاطمة عبد الله لوتاه.
كما له دراسة نقدية تحت عنوان «القصيدة العربية الجديدة في سوريا قصيدة النثر نموذجا».
شهادات: إبراهيم اليوسف: ابن السبعينيات، المنتمي إلى جيل كانت فيه القصيدة منفىً ومأوى، لا يزال قادراً على المواجهة. بإرادته العالية. بجبروت روحه. روحه المقاومة. إنه لا يرقد مستسلماً، بل يستجمع قواه في هدوء، يرمّم جسده بروح محبة، ويكتب على الوسادة عبارة لا نراها نحن، لكنها ترتجّ في داخله: لا تقلقوا يا أحبتي سأظل معكم.
في حديثنا الأخير، لم يكن حسان يشكو، كما كان المقام يتطلب، بل كان يسرد. يسرد غربته الطويلة، معاناته، محطات حياته بين المليحة ودمشق وأبوظبي، صوته الحميمي حين تحدث عن إيفا ـ أو حواء روحه ورفيقة دربه ـ ابنته الفنانة، شعرت بأنه لا يستسلم، بل يحوّل الفقد إلى ضوء داخلي. يتكئ على ذكراها لا كوجع، بل كقوة كامنة، تمنحه قدرة على الاستمرار، حتى في أشدّ لحظات المرض صمتاً. لم ينسَ دمشق. شوارع الطفولة والحب والشعر. عاصمة الضوء التي دفع فيها أقرباؤه ثمن انتمائهم، وظلّ وفيّا لقضية الإنسان السوري، ومؤمناً بأن الثورة ليست لحظة غضب، بل هي حق لا يسقط بالمساومة. لم يتخلّ عن الناس، ولم يتورّط في التسويغ أو التزييف، بل ظلّ حرّاً، في حنوه وغضبه، بروح طفل سريع الحب. سريع الندم. كما عرفناه، صادقاً، كلمته حادة كنصلٍ ومضيئة كمِصباح، غافراً حتى لأولئك النمامين وأدوات الفتنة والأعداء، كما يليق بروح شاعر كبير ومبدع.
مازن أكثم سليمان:
صباح حزين يضاف إلى محاصيل أحزاننا السورية الشاسعة. الشاعر الكبير حسان عزت صديقي وشريكي في إطلاق الحركة الشعرية العربية الثالثة، في ذمة الله. حسان الذي يشبه شعره أحلاماً وتمرداً ونزقاً وسرعة اشتعال، رحل عن عالمنا وكانت أمنيته الأقدس معانقة دمشق، وإعادة تفعيل الحركة الشعرية الثالثة من قلبها، ولكن…
أحمد سليمان: لم يكن شاعرا فقط، بل كان إنسانا شفيفا، قريبا من القلوب. كتب كلمات أغنية «لي صديق من كردستان»، التي غنّاها الفنان سميح شقير، في وقتٍ كان فيه مجرد الحديث عن القضية الكردية نوعا من المغامرة. ورغم مرضه، ظل يقول لمحبّيه: «لا تقلقوا يا أحبتي، سأظل معكم». قال عنه أحد أصدقائه:
«صادقٌ، كلمته حادة كنصلٍ ومضيئة كمصباح.. غافر حتى للنمّامين.»
طوى الموت صفحة شاعرٍ غنّى للتعايش والكرامة والحرية. لم يساوم، ولم يتراجع. عاش كبيرا ومات وفيا لمبادئه. جسدُه غاب، لكن كلمته باقية، تضيء دروب الأجيال، وتكتب سطورا لا تُمحى في سجل الشعر السوري المعاصر.
المصدر: القدس العربي