العدو والشرعية وبناء الدولة الوطنية

مطيع الأتاسي

ملاحظات حول ما جرى في السويداء: ضرورة إعادة تعريف العدو والشرعية وبناء الدولة الوطنية
شهدت محافظة السويداء في الآونة الأخيرة تطورات خطيرة حملت في طياتها أبعادًا سياسية ووطنية عميقة تتطلب وقفة مسؤولة وتحليلًا موضوعيًا لما جرى. فالحدث ليس معزولًا، بل يأتي في سياق تصاعد التوترات الإقليمية وتدخلات خارجية تستهدف وحدة سوريا وهويتها الوطنية.

أولًا: من هو العدو الحقيقي للسوريين؟
من المؤسف أن بعض الخطابات الرسمية، وفي مقدمتها ما صرّح به وزير الخارجية السوري، بدأت تبتعد عن وضوح الموقف الوطني الذي لطالما عرفته سوريا تجاه الكيان الإسرائيلي. إن اعتبار أن “سوريا لا تملك أعداء” هو تجاهل تام لحقيقة تاريخية واستراتيجية تقول إن إسرائيل لم تكن يومًا طرفًا محايدًا أو صديقًا، بل هي العدو الأول والثاني والثالث للشعب السوري.

لقد صرحت إسرائيل مرارًا وتكرارًا، علنًا وعلى لسان قادتها، بأنها تدعم مشروع تقسيم سوريا. بل إن تدخلها في الجنوب السوري، ودعمها لفصائل انفصالية أو ميليشيات محلية في بعض الأحيان، يعكس استراتيجيتها الثابتة في إضعاف سوريا وتفتيت وحدتها الجغرافية والاجتماعية. لذلك، فإن أي خطاب يتجاهل هذه الحقيقة يخدم – من حيث لا يدري – الأجندة الصهيونية، ويمهد لتطبيع فكري مرفوض وطنيًا وأخلاقيًا.

ثانيًا: الشرعية لا تُمنح من الخارج
أظهرت التطورات الأخيرة في السويداء أن الشرعية الحقيقية لا تأتي من الخارج، بل تُستمد من الإرادة الوطنية والارتباط الشعبي. لقد تورطت بعض الأطراف السورية، تحت وهم الدعم الأمريكي أو الإسرائيلي، في عمل عسكري أدى إلى شرخ كبير في النسيج الوطني السوري، وفتح الباب أمام فتنة طائفية كادت أن تجر البلاد إلى ما هو أخطر.

التجربة أثبتت أن الرهان على القوى الخارجية، سواء كانت واشنطن أو تل أبيب، لا يجلب الاستقرار ولا يعزز الشرعية، بل يؤدي إلى نتائج عكسية. ذلك لأن هذه القوى لا يهمها مصلحة السوريين ولا مستقبل الدولة السورية، بقدر ما تسعى إلى تحقيق مصالحها الجيوسياسية الخاصة، ولو على حساب الدم السوري ووحدة الأرض.

ثالثًا: الدولة ليست مجرد سلطة.. بل مشروع وطني متكامل
إن أحد أكبر أسباب الانهيار الذي شهدته سوريا منذ عام 2011 هو غياب المفهوم الوطني الشامل للدولة. فالدولة ليست مجرد مؤسسات أمنية أو سلطة تنفيذية، بل هي عقد اجتماعي، ومشروع جامع يضمن حقوق الجميع، ويعترف بتنوعهم، ويؤمن أن لا بقاء لسوريا إلا بسورييها جميعًا.

ومن هنا، لا بد من إعادة تعريف “الوطنية السورية” بعيدًا عن الإيديولوجيات العقائدية أو الطائفية أو الحزبية الضيقة. الوطنية لا تعني الخضوع، بل المسؤولية، ولا تعني الولاء الأعمى، بل النقد البناء والمشاركة. سوريا تحتاج إلى دولة مدنية، قوية، موحدة، ذات سيادة، ومبنية على مبدأ المواطنة لا على المحسوبيات والانتماءات الضيقة.

رابعًا: الجيش الوطني هو العمود الفقري للدولة.. لا بد من إعادة بنائه
لا دولة بدون جيش، ولا جيش حقيقي بدون وطنية. في دولة متنوعة مثل سوريا، لا يمكن أن يكون الجيش طائفيًا، أو حزبيًا، أو عقائديًا، بل يجب أن يكون وطنيًا جامعًا يعكس تمثيل الشعب بأكمله ويحمي السيادة وليس النظام فقط.

لهذا، فإن إعادة بناء الجيش السوري على أسس وطنية شاملة هي خطوة ضرورية لبناء الدولة الجديدة. ويجب أن تبدأ هذه العملية بإعادة الضباط المنشقين المؤهلين، وتكليفهم بدور فعّال في بناء جيش جديد، بالإضافة إلى استدعاء الضباط القدماء ذوي الخبرات والاختصاصات التي تحتاجها البلاد. هذه ليست فقط خطوة فنية أو أمنية، بل خيار استراتيجي لحماية وحدة البلاد وإنهاء الانقسام القائم.

إن ما جرى في السويداء هو إنذار سياسي وأمني واجتماعي يستدعي مراجعة وطنية شاملة. إعادة تعريف العدو، وتجديد مفاهيم الشرعية والدولة، وبناء جيش وطني جامع، ليست شعارات بل ضرورات بقاء. فلا مستقبل لسوريا إلا بسوريين أحرار، في دولة عادلة، وجيش وطني جامع يحمي الأرض والشعب معًا.

المصدر: الرافد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى