تجارب اللاجئين العائدين من لبنان والأردن إلى مناطق سيطرة النظام في سورية

يتميّز الوضع في جنوب سورية، منذ آب/ أغسطس 2023، باستمرار تجدّد الاحتجاجات ضد فساد النظام وتدهور الظروف المعيشية. وقد انتقل مقاتلو “حزب الله” إلى القنيطرة باتجاه الجولان، على اعتبار أن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس قد تؤثر في الأوضاع جنوب سورية. في غرب سورية، أودى هجوم بطائرة من دون طيار (لم يُصرّح عنه) على الأكاديمية العسكرية في حمص بحياة أكثر من (100) شخص في تشرين الأول/ أكتوبر، وهو ما يشير أيضًا إلى تصاعد التوترات. ومع أن النظام فقدَ السيطرة على معظم الأراضي السورية بحلول عام 2015، فإن التدخل الروسي المباشر في الحرب بوصفه حليفًا للنظام قد عكسَ هذا الوضع.

ابتداءً من أواخر عام 2022، سيطر النظام رسميًا على معظم مناطق جنوب سورية ووسطها وغربها، وثمة مناطق توجد فيها الشرطة العسكرية الروسية وقوات حزب الله والميليشيات الموالية للنظام. في الوقت الحالي، تستمر عمليات قصف النظام على محافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام عسكريًا، إضافة إلى الاستهداف التركي لمناطق في شمال شرق سورية (UN 2023, France24, 2023, UNSC 2021). وبينما صَنّفت الولايات المتحدة وحكومات أخرى هذه الجماعة “جماعة إرهابية”، فقد أجبَر النظام مقاتلين ومدنيين، من مناطق مختلفة من البلاد تعرّضوا لهزيمة عسكرية في الأعوام السابقة، على الانتقال إلى إدلب. ونتيجة لذلك، زاد عدد سكان إدلب أكثر من ثلاثة أضعاف، حيث وصل إلى (3,4) مليون نسمة، وأجبرت هيئة تحرير الشام المعارضةَ الديمقراطية على العمل سرًا في إدلب إلى حد بعيد (NY Times 2018). وعلى الرغم من انخفاض حوادث العنف المسلّح المفتوحة، فإن التوترات تتصاعد. في أنحاء البلد جميعها، ما تزال هيئات النظام والقوات التابعة له تشكّل تهديدًا أمنيًا كبيرًا على حياة السكان وبقائهم في المناطق التي يسيطر عليها النظام.

العقبات التي تعترض العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام

هناك ثلاث عقبات رئيسة تحول دون عودة اللاجئين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام: الأولى انعدام الأمن ووجود التهديدات الخطرة لحياة كثير من العائدين؛ والثانية تدهور الحالة الإنسانية والاجتماعية -الاقتصادية، فضلًا عن المخاوف الخاصة بالأطفال الضعفاء؛ والثالثة استهداف النظام والجماعات المسلحة المتحالفة معه لحقوق السكن والأرض والملكية. في حين إن النظام ما يزال يميز بين الموالين وأي شخص متعاطف مع قوى المعارضة، فمن الخطأ افتراض أن المناطق التي يسيطر عليها النظام تمثّل السلامة من العنف والموت، حتى في تلك المناطق “المطهَّرَة”، وسنبين ذلك بالتفصيل في الأقسام الآتية.

الأمن: تهديدات عنيفة لحياة العائدين

يواجه العائدون إلى مناطق النظام تهديدات على حياتهم، مصدرها قوات النظام والميليشيات التابعة له، حيث وُثقت مئاتٌ من حالات الاعتقال والاغتصاب والإخفاء القسري والتعذيب والاحتجاز، وغالبًا ما حدثت تلك الحالات عند نقاط التفتيش (AI, 2021; HRW, 2021). وعلى الرغم من أن العائدين يحاولون تخمين مصير العودة إلى منطقة معينة: أيكون آمنًا أم لا، فمن المستحيل تقييم ذلك بصورة نهائية سلفًا. النظام السوري هو دكتاتورية تتشابك فيها السلطة التنفيذية مع الأجهزة العسكرية والاستخباراتية التي تسيطر على السلطات القضائية والتشريعية. وهذا يعني أنه لا يوجد فصل بين السلطات داخل الحكومة السورية. ومن ثَم فإنّ أمر العائدين هو مثل أمر أي شخص آخر، حيث لا يملكون أي وسيلة للانتصاف القانوني، ويتعرضون للاضطهاد وسوء المعاملة والتمييز من دون أي حماية.

العائدون خاصّةً معرّضون للمخاطر الأمنية، لأنهم متّهمون بدعم المعارضة أو التعاطف معها. ذكرت منظمة العفو الدولية قصّة سيدة تدعى (نور) عادت إلى سورية مع ابنتها[1]، فاستجوبها ضابط أمن سوري عند المعبر الحدودي مع لبنان، قائلًا: “لماذا غادرتِ سورية!! لأنّك لا تحبّين بشار الأسد ولا تحبّين سورية؟ أنتِ إرهابية… سورية ليست فندقًا تغادرينه وتعودين إليه عندما تريدين”. النتيجة أنّ هذا المسؤول اغتصب كلًّا من نور وابنتها البالغة من العمر خمس سنوات (AI, 2021, p. 6). يبدو أن حوادث العنف الجنسي والاغتصاب ضد العائدين متكررة، وتشمل حتى الفتيان والرجال (AI, 2021; HRW, 2021). ومن المرجح أن هذه الجرائم تحدث أكثر مما هو موثق. سجلت منظمة العفو الدولية أخيرًا (66) حالة اغتصاب واحتجاز وتعذيب بين الرجال والنساء والفتيان والفتيات العائدين (AI, 2021: 5). ومع ذلك، يجب ألا يغيب عن البال أن الأرقام الفعلية من المرجح جدًا أن تكون أعلى كثيرًا مما هو موثق، لعدم وجود آليات للرصد، ولأنّ أيّ إبلاغ عن مثل هذه الحوادث يُعرّض الناجين مرة أخرى لخطر مزيد من الاضطهاد ووصمة العار المجتمعية، وهو ما يُسهم في نقص عدد حالات الإبلاغ عن تلك الجرائم. من المعروف أيضًا أن أفراد الأسرة أو الجيران أو الأصدقاء لا يقدّمون روايات صادقة عن التهديدات في موقع العودة، خوفًا من أن تراقب قوات النظام المكالمات الهاتفية (HRW, 2021: 23). وللسبب نفسه فإن محاولات الأفراد التحقّق من وجود أسمائهم، على قوائم “المطلوبين” المتداولة، لا تؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج موثوقة. تحذّر (هيومن رايتس ووتش) من أن قوّات النظام تتعمّد تسليم تصاريح كاذبة للأشخاص المسجلين في قوائم المطلوبين، بغية استدراجهم والقبض عليهم (HRW, 2021: 23).

لا تقدّم ضمانات النظام للعودة أيّ تعهدات بــ “السلامة” (Alfred, 2018)، والأمر المؤكد أن النظام يتصرف من دون أي حسبان للتعرّض للعقاب. أصبحت عمليات الاعتقال والاحتجاز والإخفاء مصدر دخل كبير لأجهزة المخابرات والقوات العسكرية السورية التي تستخدم التهديد بالإيذاء والحفاظ على سرية أماكن وجود المعتقلين، وسيلةً لابتزاز أسرهم (ADMSP, 2021; HRW, 2016; Surtees, 2021). وأصبح اختفاء العائدين أيضًا شكلًا من أشكال التربّح من الحرب، ودفع الرشاوى لا يحمي حياة المعتقلين ولا يسمح بالضرورة بالإفراج عنهم. ذكر سلام لـ (هيومن رايتس ووتش) أن شقيقه (كريم) كان يعيش لاجئًا في إربد، الأردن، لكنه حصل على تصريح أمني بالعودة إلى مسقط رأسه، الجيزة في درعا، جنوب سورية، واعتقدَ أنه يستطيع العودة بسلام. ومع ذلك، بعد شهر من عودته، في أيار/ مايو 2020، عندما اضطر إلى عبور نقطة تفتيش تسيطر عليها الفرقة الرابعة والمخابرات العسكرية للعودة بين دمشق ودرعا، قُبِض عليه بتهمة “إرسال أموال لدعم الإرهاب”. وبعد دفع رشوة قدرها (8,000) دولار أميركي لمسؤول في النظام، عرف سلام، بحلول آذار/ مارس 2021، أن شقيقه قُتِل في أثناء الاحتجاز في فرع المخابرات العسكرية (235) في دمشق (HRW, 2021: 31). ومن المرجّح أيضًا ألا يُبلَّغ عن حالات اختفاء العائدين المحتجزين أو وفاتهم على نطاق واسع، بسبب عدم وجود رصد مستقلّ (HRW, 2016; OHCHR, 2013; SJAC, 2021).

إضافة إلى ذلك، أُجبر المهجرون داخليًا واللاجئون العائدون إلى سورية على الانضمام إلى القوات المسلحة للنظام، مع تجاهل لمراسيم العفو، وهو ما يعرّض الرجال لمزيد من المخاطر ضد إرادتهم (AI, 2021; HRW, 2021). أشار كثير من اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا وشمال العراق الذين قابلناهم إلى المخاوف بخصوص التجنيد الإجباري، بوصفه أحد الأسباب الرئيسة لعدم التخطيط للعودة. من الناحية النظرية، أصدر النظام مرسومًا في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، يقضي بمنح العفو لسوريين في البلاد أو خارجها، من ضمنهم لاجئون متهمون بالفرار من الخدمة العسكرية أو التهرّب منها، بموجب المرسوم التشريعي رقم (18) لعام 2018. ومع ذلك، فإن العفو يستبعد كل فرد قاتل مع قوات المعارضة، ولا يُلغي الالتزامَ بالالتحاق بالخدمة العسكرية للرجال الذين تراوح أعمارهم بين (18 و42) عامًا (European Institute for Peace, 2019: 10). ومع ذلك، فإن حالة انعدام الثقة وصدور قانون العفو المجدد التالي (المرسوم التشريعي رقم 20، 2019)؛ (EASO, 2021a: 39)، أكدا أن العفو أمرٌ غير مضمون. كحال كل الضمانات الأمنية، تُظهر تقارير عن اعتقال أشخاص حاولوا طلب العفو -منهم لاجئون عائدون- أنّ النظام لا يلتزم بمثل هذه القوانين (al-Khateb, 2019).

تجب الإشارة كذلك إلى أن دور المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين في هذه العمليات ينطوي على إشكالات كبيرة، إذ لم يقتصر الأمر على فشل المفوضية، مرارًا وتكرارًا، في إبلاغ السوريين في لبنان والأردن بأنها لا تسهل عمليات العودة أو تدعمها، بسبب الافتقار إلى السلامة الجسدية، بل دعمت المفوضية قوات النظام، لوجستيًا وماديًا، في إدارة “ملاجئ” المهجرين واللاجئين العائدين (European Institute for Peace, 2019: 19). على سبيل المثال، في الغوطة الشرقية، اضطر عشرات الآلاف من المدنيين إلى البقاء في مثل هذه الملاجئ التي كانت أشبه بمواقع احتجاز، في حين فُصل النساء والرجال، وما زال (40) ألف شخص مجبرين على البقاء هناك، ابتداءً من كانون الثاني/ يناير 2019 (European Institute for Peace, 2019: 21). ولم يُسمح للأفراد بمغادرة هذه المواقع -وهذا موثّق- إلا بعد التوقيع على الالتحاق بالتجنيد الإجباري وبما يسمى اتفاقيات “المصالحة”. وبذلك فإن المفوضية متهمة بالتواطؤ في هذه العمليات. إضافة إلى ذلك، قدمت المفوضية دعمًا تحليليًا وماديًا لمكاتب السجل المدني للنظام السوري، على الرغم من معرفتها بمشاركة البيانات التي تعالَج في هذه المكاتب مع الفروع العسكرية والاستخباراتية (European Institute for Peace, 2019: 21). تشكّل الروابط الوثيقة بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سورية والنظام مصدرَ قلق بالغ على سلامة العائدين. على الرغم من أن الاستبداد السوري يمثل المصدر الرئيس للخطر على حياة المواطنين (European Institute for Peace, 2019: 18)، تفترض المفوضية -بنوع من المغالطة أو التعامي- أن “الدولة” تعمل ضامنًا لحماية مواطنيها. وخلافًا للسياقات الأخرى، من الأهمية بمكان ملاحظة أن أي فرد، حتى العائدين، لا يمكنه الاعتماد على قوات حفظ السلام الدولية أو الهيئات الأخرى لحمايته في سورية، حيث زادت الشرطة العسكرية الروسية والحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله أسباب ترسيخ النظام.

وعلى الرغم من أن النظام ما يزال يُفرّق بين الموالين والذين صُنفوا مع قوى المعارضة، لا تمثل المناطق التي يسيطر عليها النظام السلامة من العنف والموت حتى بالنسبة إلى تلك “المطهرَة”. وبينما يواصل النظام عدم السماح للصحافيين المستقلين بالعمل في البلاد ويقمع التقارير الرسمية عن هذه الحالات، كما ورد منذ أعوام عدة وأبلغونا، يواصل مهربو الأعضاء اختطاف أفراد أو “شراء” أعضاء من أفراد يائسين لبيعها في السوق السوداء (Haj Hamdo et al., 2016)، حيث تعرَض “الإعلانات” على سبيل المثال في دمشق. لا يبلغ عن مثل هذه التهديدات على نطاق واسع، لكنها تسهم في خلق جوّ من الخطر في العاصمة، حيث كان الوضع الإنساني في شتاء 2021 من بين أقسى الأوضاع في البلاد التي تفاقمت بسبب تفشي الكوليرا الحالي. وإن العائدين الذين يصلون حديثًا إلى سورية في مثل هذه الظروف -كما يُبلغ عنه في كثير من الأحيان- بعد الغياب أعوامًا عدة، معرّضون بصورة خاصة لمثل هذه التهديدات؛ حيث يُنظر إليهم بعين الشك من المجتمعات المحلية (Yahya, 2018)، ويواجهون صعوبة كبيرة في إعادة الاتصال بالشبكات المحلية التي تعدّ تدفق معلوماتها أمرًا بالغ الأهمية للحماية المحلية والوصول إلى الخدمات بقدر ما يكون ذلك ممكنًا.

البقاء على قيد الحياة: الوضع الإنساني والاجتماعي والاقتصادي وحالة الأطفال بوصفهم فئة ضعيفة

يواجه العائدون إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام حالة إنسانية واجتماعية – اقتصادية شديدة الخطورة. اليوم، يواجه (90) في المئة من السوريين صراعًا يوميًا من أجل البقاء أحياء تحت خط الفقر. ويعاني (12) مليون سوري -نصف السكان الباقين في البلاد- انعدام الأمن الغذائي (Oxfam 2022)، وهو ما يعني أن كثيرين بحاجة إلى التخلي عن الوجبات اليومية لإطعام أطفالهم، ويعانون الجوع في بلد لم يكن فيه فقر قبل الحرب. وبينما يلقي النظام باللوم على العقوبات الغربية، فإن رفضه المستمر لتنفيذ الإصلاح السياسي نحو التحول الديمقراطي أدى إلى تصعيد الحرب والدمار على نطاق واسع. استهدفت حصارات النظام “الجوع أو الخضوع” المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، لكن مستويات الفقر تعمُ اليوم أنحاء البلاد كلها، حتى المواقع الخاضعة لسيطرة النظام.

وقد بلغ متوسّط الرواتب الشهرية (الذي كان نحو 20,000 ل.س في عام 2011 نحو 400 دولار أميركي) نحو (185,940) ل.س في آب/ أغسطس 2023 (نحو 20 دولارًا أميركيًا بعد أن ضاعف النظام المعدل في الشهر نفسه). وهذا المبلغ غير كافٍ لتغطية نفقات الطعام للأسرة لمدة عشرة أيام. وفي الوقت نفسه، تسود حالة البطالة وتقطّع سبل العيش (Tsurkov, 2021; BBC 2023). وسط النقص في السلع الأساسية وإزالة أو خفض الإعانات المقدمة للخبز والأرز وزيت الطهي والوقود، حتى في حالة توفرها في السوق السوداء، لا يستطيع أغلب السكان شراء هذه المواد (Parker & Slemrod, 2021). والجدير بالذكر أن رواتب “الموالين للنظام” من الطبقة الوسطى سابقًا لم تعد كافية. بينما تتزايد دوائر مسؤولي النظام الذين انجذبوا إلى التجارة غير المشروعة (التهريب وتجارة المخدرات)، يعاني آخرون الجوع (Tsurkov, 2021). المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقًا، مثل دوما والغوطة الشرقية (دمشق) أو القلمون أو شمال حمص، هي الأكثر تضررًا من الدمار الناتج من القصف الجوي، ويواصل النظام إجبار المنظمات غير الحكومية الإنسانية، ومنها الأمم المتحدة، على منع مثل هذه المناطق من المساعدات، وعلى تحويل الأموال إلى مناطق ظلت تحت سيطرة النظام (Meininghaus, 2016; Tsurkov, 2021). أحد العائدين إلى دمشق من الأردن، قال: “في الوقت الحاضر، الخدمات في سورية رديئة جدًا؛ فالكهرباء تنقطع مرات عدة في اليوم ولساعات طويلة.. الغاز والديزل نادران.. والحصول على التدفئة في الشتاء صعبٌ جدًا” (مقابلة 22.02.2020).

منذ أيار/ مايو 2023، أوقِفَ جمع البيانات وتقييمات الاحتياجات المشتركة المستقلة للأمم المتحدة من خلال برنامج تقييم الاحتياجات الإنسانية، بسبب اعتراضات النظام (ACAPS 2023). ومع أن النظام لا يكشف حقيقة الاحتياجات الإنسانية في دمشق، خوفًا من ردة فعل شعبية عنيفة، يشهد موظفو المنظمات غير الحكومية الدولية بأن الاحتياجات قد ارتفعت إلى درجة أن النظام يناشد اليوم المنظمات غير الحكومية الدولية تقديم معونة إضافية. ينبغي على أي لاجئ يفكر في العودة أن يفكر بأن الحالة الإنسانية والاجتماعية -الاقتصادية الراهنة غير مستدامة للسكان الموجودين حاليًا في البلد، وأن العائدين سيواجهون المصاعب نفسها.

يؤثر ذلك أيضًا أكثر في الأطفال الذين لم يُنظر حتى الآن في عواقب عودتهم. كان الأطفال السوريون معرضين بشكل خاص للصدمات النفسية (تروما)، ليس أقلها القصف المستهدف للمناطق السكنية والمدارس. في المناطق التي يسيطر عليها النظام، يسيطر النظام على التعليم، حيثما كان ذلك متاحًا ويمكن الوصول إليه. بالنسبة إلى عائلات اللاجئين العائدين، يتعرّض الأطفال يوميًا لدعاية النظام التي تمجد الرئيس والقوات العسكرية التي فقد كثير من الأطفال اللاجئين وعائلاتهم أحباءهم بسببها. وقد تكون العواقب النفسية والتعليمية لهذه العودة، بالنسبة إلى الأطفال، أكثر ضررًا بكثير مما كان ينظر إليه حتى الآن.

السكن والأراضي والممتلكات: العائدون والقيود والمصادرات

غالبًا ما يسعى اللاجئون الذين يحاولون العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام لتأمين منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم، لكن التحقق من حالة ممتلكاتهم ومحاولة العودة إليها أمرٌ محفوف بالمخاطر. وفي بعض الحالات، يمكن للعائدين استرداد منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم، إذا سمح لهم بالوصول إليها، ولكن في أغلب الأحيان يواجه العائدون واحدة من ثلاث حالات محتملة: الأولى أن تكون ممتلكاتهم مدمرة أو مهدمة؛ الثانية أن يكون النظام قد صادرها، إما لكي تستخدمها قوات النظام أو الميليشيات التابعة وأسرهم، وإما لأغراض “إعادة التطوير” والبيع؛ الثالثة أن يكون جيران سابقون أو مستوطنون قد استولوا عليها من خلال ترتيبات التهجير القسري.

يجب على العائدين، عند المطالبة بمنازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم في المناطق التي يسيطر عليها النظام، إثبات ملكيتهم شخصيًّا عند السلطات السورية، وهو ما يُعرّض الأفراد لخطر الاعتقال. وفي بعض الأحيان، بدا أن النساء أكثر إقدامًا من الرجال على تلك المهمات، على أن هناك حالات اعتقال النساء أيضًا عند محاولة القيام بذلك. وكشفت دراسات استقصائية مختلفة أن هناك عقبة أخرى، تتمثل في تضارب صكوك الملكية (السندات). وجد المجلس النرويجي للاجئين أن (67) في المئة من اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع من محافظات درعا وحمص والحسكة لديهم ممتلكات، لكن (17) في المئة فقط منهم يمتلكون وثائق صالحة (NRC, 2017). غالبًا ما تكون الوثائق باسم أفراد آخرين من العائلة، وأحيانًا من جيل سابق. عندما كان يُطعَن في حقوق الملكية قبل الحرب، كانت عملية الإثبات تجري من خلال المحاكم، أو في كثير من الأحيان، عبر عمليات التسوية المحلية غير الرسمية. النساء اللواتي مات أزواجهن أو آباؤهن أو اختفوا هنّ في وضع محفوف بالمخاطر، حيث يفتقرن إلى وثائق التسجيل المدني التي تثبت وضعهن ليطالبن بالملكية (AI, 2018). أفاد معظم اللاجئين بأن صكوك الملكية (السندات) العائدة لهم أُتلفت في أثناء الهجمات أو سُرِقت عند نقاط التفتيش أو فُقِدت في أثناء فرارهم.

من الناحية النظرية، يمكن للعائدين استرداد ملكياتهم إذا كانت مسجّلة في دوائر المساحة، ولكن مكاتب التسجيل، في كثير من الأحيان، استُهدِفت ودُمّرت عن قصد خلال الحرب، بيد قوات النظام خاصة (Harastani & Hanna, 2019: 37)، حتى بات العثور على دليل على الممتلكات أمرًا غير ممكن.  وسواء كانت هناك سندات أم لم تكن، حيث دمرت المنازل أو الأراضي أو الممتلكات، فلا سبيل إلى الحصول على تعويض (HRW, 2014; REACH, 2019; World Bank, 2017). وهذا يتعلق في المقام الأول بجميع المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة خلال الحرب، أي معظم الأماكن في البلاد باستثناء الشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد.

واصل النظام عمليات الهدم والإزالة هذه على مدى الأعوام الماضية، حيث ركز الاستهداف على مساكن الأشخاص الذين فرّوا (Graham-Harrison, 2019). حتى في حالة عدم تدمير أي ممتلكات، ووجود سندات، فإن مصادرة قوات النظام أو الميليشيات التابعة له تلك الممتلكات، لاستخدامها في “إعادة التطوير” أو البيع أو “الإيجار”، تشكل عقبة لم تحدد الدراسات الاستقصائية التي أجريت حتى الآن أي وسيلة أو حل قانوني للعائدين يمكنهم استعادة ممتلكاتهم من خلالها. أما في ما يتعلق بـ “إعادة التطوير” أو استملاك النظام لها بذريعة إعادة الإعمار المزعومة، فقد أثار المرسوم التشريعي رقم (10) للنظام قلقًا دوليًا، إذ طلب في البداية من اللاجئين العودة إلى إقامتهم في غضون (30) يومًا، لإثبات ممتلكات السكن والأرض والممتلكات (HRW, 2018). وإذا فشل الأفراد في القيام بذلك، فسيكون من حق النظام إعلان أن المناطق السكنية بأكملها وغيرها متاحة “لإعادة التطوير”، ما يعني تجريف الممتلكات المصادرة أو إعادة بنائها. بينما غُيّر القانون للسماح للأفراد بالعودة في غضون عام واحد، ثبت أن هذا الموعد النهائي غير مجدٍ لمعظم الناس، بسبب أخطار عودتهم. ونتيجة لذلك، حدّد النظام مناطق إعادة تطوير مختلفة، من ضمن ذلك مناطق واسعة من القابون وحرستا (دمشق)، ابتداءً من تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 (STJ، 2021). تهدف هذه السياسة إلى ردع الأشخاص غير المرغوب فيهم عن العودة، وإلى مصادرة النظام لممتلكاتهم بدلًا من شرائها، ثم تحويلها لاستخدام سكان الطبقة المتوسطة العليا الموالين للنظام ونخب النظام.

في كثير من الحالات، تعرّض السكان للتهديد، وأجبِروا على بيع ممتلكاتهم بسعر أقل من السوق. ويبدو أن المساكن والأراضي والممتلكات المعنية بهذه التدابير معرضة لخطر كبير، يتمثل في خسارة العائدين لها خسارة لا رجعة فيها. وأفِيد جزئيًا أن المصادرات عملت على بيع المساكن والممتلكات والأراضي، خصوصًا في المنطقة الحدودية بالقرب من لبنان، للمستثمرين الإيرانيين والموالين لحزب الله (Gonzales, 2019: 75f.). وإضافة إلى ذلك، أُبلغ عن بيع الأراضي الزراعية التي يملكها اللاجئون (والمهجرون داخليًا) أو “إيجارها” مؤقتًا، في مناطق منها حلب وحماة وإدلب. واتُهم أفراد بعدم تسديد ديون البنك الزراعي، وهو ما نفوه. على الرغم من ذلك، أعلنت السلطات أن الأرض “من دون استخدام” ومتاحة للاستخدام من المالكين الآخرين. وقد أثر ذلك في الأراضي الزراعية الغنية، من ضمنها بساتين الفستق الحلبي والزيتون (A/HRC/48/70، 2021:7). حتى عند عدم مصادرة هذه الأراضي بالكامل، فإن هذه الممارسة تثير التساؤل عن الكيفية التي يمكن بها للعائدين استرداد أراضيهم في المستقبل.

وفي الحالات التي يشغل فيها جيران سابقون الأراضي والسكن والممتلكات، حيث أبرم فيها المالكون اتفاقات معهم في بعض الحالات المعروفة، وفي بعضها الآخر استمرّوا في دفع ما يترتب عليهم، مثل فواتير الكهرباء، للحصول على بعض الأدلة على استمرار الملكية في المستقبل. يبدو أن هذا ينطبق بشكل أساسي على الأراضي التي أُجِّرت للأفراد بعد الإصلاح الزراعي في الستينيات (Gonzales, 2019)، ما يعني أنه في كثير من الأحيان، لم تمنَح الأراضي التي صادرها النظام من كبار ملاك الأراضي، بحكم الواقع للفلاحين الأفراد، ولكن أُجِّرت لهم لمدة تصل إلى خمسين عامًا، مقابل رسوم سنوية. بالنسبة إلى كثير ممن حصلوا على منازل وأراضي بموجب مثل هذه الصفقات، تزامنت الحرب مع الوقت الذي استولت فيه العائلات على الملكية الرسمية، ولكن بعد أن اضطروا بالفعل إلى الفرار. في هذه الحالات، يبقى أن نرى مسألة المدفوعات المستمرة (الفواتير على سبيل المثال) هل يمكن أن تحمي الملكية؟ (Gonzales, 2019: 71). ومع ذلك، لا يمتلك كثير من المهجرين أيضًا الوسائل للقيام بذلك.

بالنسبة إلى كثير من اللاجئين، تعدّ الأراضي والسكن والممتلكات أمرًا حاسمًا لتقرير العودة إلى الوطن. وبالنسبة إلى النظام، فإن التدمير والمصادرة وتزوير السندات يحبط معنويات أولئك الذين أجبِروا على الفرار نتيجة العنف. يتبع النظام باستمرار نهج “تحويل الإسكان إلى سلاح”، بدأ هذا منذ عام 2012 أو قبل ذلك (Graham-Harrison, 2019). وهذا يعني أنها ممارسة قديمة، وأن العائدين يواجهون الآن حالة تبقى فيها ممتلكاتهم خارج أيديهم مدّة تصل إلى عشرة أعوام. مرّر النظام باستمرار تشريعات جديدة عملت على خلق “هالة من الشرعية” بخصوص المصادرات القسرية، من ضمن ذلك، على سبيل المثل لا الحصر، عشرات المناطق السابقة الخاضعة للحصار، مثل الزبداني ومضايا والوعر (PAX، 2019:53)، وهو يطالب في الوقت نفسه بالدعم الدولي لإعادة الإعمار. وبالنظر إلى الانتهاكات المعروضة هنا، يجب أن نتذكر أنه حتى برامج التعافي المبكر قد تزيد من ترسيخ هذه الممارسات الإجرامية، ومن ثم تظل موضع خلاف شديد. بالنسبة إلى اللاجئين الذين قد يفكرون في العودة، يمثّل السكن والأراضي والممتلكات عائقًا إضافيًا وشديدًا، ما يزال حتى الآن من دون حل إلى حد بعيد.

ونظرًا إلى أن الحصول على معلومات موثوقة عن الوضع داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام هو أمرٌ مستحيل، فإن كثيرًا من السوريين الذين قرروا العودة يفتقرون إلى المعلومات الأساسية حول المخاطر المفصلة هنا. ومن الأمور الإشكالية أيضًا أن أكثر المعلومات أهميّة عن حالة العائدين غيرُ متاحة باللغة العربية، باستثناء منشورات (هيومن رايتس ووتش) ومنظمة العفو الدولية. وأولئك الذين يقررون العودة يفعلون ذلك في كثير من الأحيان، بسبب خليط من العوامل التي تجبرهم على مغادرة لبنان والأردن، أو نتيجة الاعتبارات التي تجذبهم في البداية نحو العودة إلى سورية، كما سنناقش لاحقًا.

إجراءات العودة

مع أن لبنان والأردن رحّبا في البداية بالسوريين، يروي السوريون أن الأجواء تدهورت وسط تغير الخطابات الحكومية، وهو ما يعني أن كثيرين يشعرون بأنهم معرّضون للتمييز والتهديدات. ما تزال الخدمات العامة مثل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية مرهقةً إلى أبعد حد، ولا يستطيع كثيرون الحصول على هذه الخدمات بعد أن استنفدوا المدخرات الشخصية، حيث لا يرى البعض أي مستقبل في البقاء في لبنان أو الأردن، ومن ثم لا بديل سوى العودة.

في لبنان، أصبحت مسألة عودة اللاجئين قضية مسيّسة إلى أقصى حد، من الأحزاب الموالية للنظام السوري والأحزاب المؤيدة للمعارضة. طالب ميشال عون، الرئيس السابق، وصهره جبران باسيل، وكلاهما ينتمي إلى حزب التيار الوطني الحر، في عام 2018، بعودة اللاجئين دعمًا للنظام السوري، وكذلك نهج حزب الله. في المقابل، أكد الحريري، رئيس الوزراء، وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، الذين دعموا المعارضة السورية، أن العودة لا يمكن أن تحدث إلا بشرط التسوية السياسية مع ضمانات أمان، وحصول اللاجئين على ضمانات لمستقبلهم داخل سورية (Assi, 2019; Vignal, 2018: 3). يختلف الوضع في الأردن، حيث عقدت المملكة صفقة ميثاق الأردن عام 2016 الذي أمّنَ مساعدات إنسانية وإنمائية إضافية (Barbelet et al., 2016). بعكس لبنان، لم تضغط الحكومة الأردنية من أجل عودة اللاجئين رسميًا، على الرغم من أنها من الناحية العملية قيّدت بشدة حرية التنقل والوصول إلى الخدمات.

ونظرًا إلى أن سورية لا تعدّ آمنة للعودة، فإن السوريين الذين يقررون العودة إلى البلد من لبنان والأردن يفعلون ذلك من دون تيسير وتسهيل من المفوضية، ومن دون أي شكل من أشكال الحماية. للعودة إلى سورية، يمكن للسوريين التقدم بطلب للحصول على تصريح أمني عن طريق المكاتب المشتركة في لبنان أو لدى حزب الله أو السفارة السورية في عمان. ويمكن لأحد أقارب الفرد المعنيّ أيضًا أن يطلب التصريح الأمني لمصلحته. ومع ذلك، لم يتّضح مسار هذا الإجراء: أهو عن طريق مكتب الهجرة في دمشق وفروعها في المحافظات أم عن طريق وزارة الخارجية (EASO، 2021b: 21). ومع ذلك، فإن التصريح الأمني لا يعني أنه يمكن للأفراد العودة إلى مكانهم الأصلي، لأن القوات المحلية تطلب إذنًا إضافيًا، أي البلدية أو القوات المسلحة المحلية (EASO، 2021:24). وإن التصريح الأمني لا يوفّر أي حماية من الاعتقالات أو الاحتجاز أو الإخفاء (انظر الصفحتين 9 و11 في هذا التقرير). إضافة إلى ذلك، فإن كثيرًا من اللاجئين الراغبين في العودة غير مدركين لإجراءات التقدم بطلب للحصول على تصريح، وبذلك يجرّبون رحلتهم من دون تلك الإجراءات، ما يزيد من مخاطرها (AI، 2021:16).

ويطلب النظام من السوريين صرف مبلغ (100) دولار أميركي، أو ما يساويها من العملات الأجنبية المعتمدة، بالعملة المحلية، بالسعر الرسمي (Shabaka 2021). ووفقًا للمنظمات غير الحكومية التي تخدم السوريين في لبنان، فإن هذا المبلغ مرتفع جدًا بالنسبة إلى اللاجئين، بالنظر إلى متوسط الدخل الشهري البالغ نحو (20) دولارًا أميركيًا. ويُبيّن هذا الشرطُ حاجة النظام إلى دخل إضافي، ويثير في الوقت نفسه السؤالَ عن مدى رغبة النظام في عودة اللاجئين، وأسباب عرقلته مسارَ العودة، على عكس ما يوحي به إصرار روسيا التي تتطلع إلى خلق صورة دولية مواتية لـ “التطبيع” المزعوم!

منذ عام 2018، نظّمت إدارة المخابرات العامة وأجهزة المخابرات السورية عمليات عودة، ضمن صفقات سمِيّت زورًا اتفاقات “مصالحة”. ومن خلال هذه الصفقات، سُمح لمجموعات صغيرة من السوريين الذين حصلوا على تصريح أمنيّ، بالعودة إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، بالقرب من الحدود اللبنانية. في إحدى هذه الصفقات، عاد عدد يراوح بين (3,000 و5,000) فرد إلى القلمون، من دون إمكانية تعقب ما حدث للعائدين بعد ذلك. وفي حالة أخرى، أفيد بأن مسلّحين ملثمين أطلقوا النار على شخص عاد بموجب اتفاق مماثل من عرسال إلى فليطا، في أثناء عودته. وأبلغ كثيرٌ من العائدين الذين شملهم الاستطلاع عن تعرّضهم للضرب، وللمعاملة السيئة والتخوين (Alfred, 2018).

وتجدر الإشارة إلى أن السوريين الذين يقتربون من حزب الله، أو من نقاط الاتصال اللبنانية السورية للعودة، يجلبون لأنفسهم أخطارًا كبيرة أيضًا، وبالرغم من تغيير القواعد والأنظمة عام 2014، بقي أكثر من (70) في المئة من اللاجئين السوريين في لبنان، من دون تصريح إقامة ساري المفعول، ما يعني أنهم معرضون بشدة للاستغلال والإيذاء والاعتقال أيضًا، عند التواصل مع السلطات. حتى عام 2014، كان بإمكان السوريين السفر إلى لبنان من دون أوراق إضافية أو تأشيرة أو تصريح. منذ ذلك الحين، اضطر السوريون إلى دفع رسوم سنوية قدرها (200) دولار، مقابل تصريح إقامة، وإظهار جواز سفر ساري المفعول أو بطاقة هوية، وإثبات أن مواطنًا لبنانيًا يكفلهم أو يكفل أسرهم، وهو أمر مستحيل بالنسبة إلى معظم اللاجئين السوريين (Yahya, 2018). يؤكد اعتقال ستة سوريين في السفارة في بيروت، في آب/ أغسطس 2021، وصول أجهزة المخابرات السورية إلى لبنان الذي احتله الجيش السوري بين عامي 1976 و2005. إنه تذكير بأن النظام قد تمدد أكثر لمراقبة اللاجئين الذين يعيشون في الخارج، حتى في أوروبا والولايات المتحدة (AI، 2011؛ SJAC، 2020).

ومن الجدير بالذكر أيضًا أن حزب الله يتابع جدول أعماله وإجراءاته بخصوص عودة اللاجئين من لبنان. ومثال منطقة القصير التي تقع عند نقطة ذات أهمية إستراتيجية، بين حمص والحدود اللبنانية، يُثبت ذلك. بينما سيطرت المعارضة في البداية على أجزاء كبيرة من المنطقة منذ عام 2012، تشير استعادتها من خلال هجوم بقيادة حزب الله إلى دخول الجماعة رسميًا في الحرب حليفًا للنظام. ومنذ ذلك الحين، اضطر أكثر من نصف سكان القصير إلى الفرار. عندما نظم حزب الله عمليات العودة إلى المنطقة، أظهر في المنطقة الحدودية بين جنوب سورية ولبنان أنه يرفض عودة السكان السنّة السابقين، ويضع بدلًا منهم أفرادًا وعائلات من الشيعة بشكل أساسي، ويستولي على ممتلكاتهم وأراضيهم (Gonzales, 2019). يوضح هذا النهج أن منطق العودة لدى حزب الله يتميز بتطييف ديموغرافي، في ما يتعلق بمساكن اللاجئين وأراضيهم وممتلكاتهم والمهجرين داخليًا (Harastani & Hanna, 2019).

بعكس لبنان، امتنع الأردن حتى الآن عن تنظيم عودة اللاجئين إلى سورية (EASO، 2021b)، حيث يبدو أنه يشير إلى عدم تنفيذ مجموعات العمل المشتركة التي تحرّض عليها روسيا. في حالات نادرة، حدثت عمليات ترحيل بالقوة، مثل مجموعة من السوريين الذين رُحِّلوا إلى مخيّم الركبان، في آب/ أغسطس 2020، (AI, 2020). يحتاج السوريون الذين يحاولون العودة من الأردن إلى طلب تصريح أمني في السفارة السورية في عمان (EASO، 2021b). على الرغم من عودة (57,276) سوريًا من الأردن إلى سورية، منذ عام 2014 (UNHCR, 2021)، لم تُوثَق إجراءات هذه العودة.

أظهر تحقيق أجري عام 2018 أن كثيرًا من اللاجئين الذين عادوا من الأردن ولبنان، إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، وجدوا أنفسهم من دون منزل يذهبون إليه، واضطروا إلى تقليل وجبات الطعام وإلى اقتراض المال، ومواجهة نقص فرص العمل والعنف والخطر، نتيجة الدمار والألغام الأرضية. والأمر الإشكالي هو أن اللاجئين الذين يوافقون على العودة المنظمة، من لبنان والأردن، إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام يكتشفون أنهم يواجهون خطرًا إضافيًا، يتمثل في منعهم من العودة إلى لبنان أو الأردن، مع أن هذه الممارسة محظورة قانونًا، بموجب القانون الدولي (Yahya, 2018). ونتيجة لذلك، وجدت منظمات حقوق الإنسان أن كثيرين ممّن قرروا الفرار مرة أخرى يعودون إلى الدخول بشكل غير قانوني للهرب من سورية، مرة أخرى.

*هذه المادة جزءٌ من بحث طويل، يمكن الرجوع إليه للاطلاع على ما فيه، وقد ترجم المركز هذا الجزء فقط لأغراض بحثية.

اسم الدراسة الأصلي Syrian Refugee Returns, Reintegration Experiences and Risks
الكاتب زينب مينجوتيك وإيستر ماينينغهاوس، Zeynep Sahin-Mencutek and Esther Meininghaus
مكان النشر وتاريخه معهد دراسات الهجرة الدولية، Instıtute for the Study of Internatıonal Mıgratıon، تشرين الثاني/ نوفمبر 2023
الرابط https://bit.ly/49DPwNT
عدد كلمات البحث كاملًا 12300
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة

[1] – الأسماء جميعها مستعارة. الأدلة القصصية حول العائدين إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام مستمدة من التقارير الأخيرة لمنظمات حقوق الإنسان (مثل تقرير منظمة العفو الدولية

 AI 2021؛ HRW 2021).

المصدر: مركز حرمون للدراسات المعاضرة

  تحميل الموضوع

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. دراسة وتوثيق ميداني وتحليل موضوعي لـ “تجارب اللاجئين السوريين العائدين من لبنان والأردن إلى مناطق سيطرة نظام طاغية الشام في سورية” يظهر الخطر الأمني الذي يعانيه اللاجئ العائد بالإضافة الى المضايقة من أجهزة الدولة والشبيحة ، وافتقاد لأساسيات الحياة من الكهرباء والمياه الصلحة للشرب ، بالاضافة للبطالة والإبتزاز لأي مشروع سينفذه اللاجئ .

زر الذهاب إلى الأعلى