الإسماعيليون في سورية: مؤشرات الاندماج

د. طلال مصطفى

مقدمة منهجية

يُقدر عدد أفراد الطائفة الإسماعيلية في العالم بنحو 12 مليوناً، ويقيمون في كل من الهند، آسيا الوسطى، أفغانستان، الصين، شرق أفريقيا وبعض الدول العربية. ومعظم هؤلاء يعتقدون بإمامة كريم الحسيني الأغا خان الرابع، الذي يقيم في مدينة بومباي في الهند، ويشرف على إدارة “شبكة الأغا خان للتنمية”، التي يمتد نشاطها في مجالات التعليم، الصحة والثقافة، وتعمل في أكثر من 30 بلداً في العالم .
في سورية، يتركز وجود الطائفة الإسماعيليّة بشكل أساسي في محافظتين: حماة وتحديدا في منطقة “السلمية ومصياف” إضافة لأقلية صغيرة في حماة المدينة، ومحافظة طرطوس، نهر الخوابي وبلدة القدموس وريفها، وكذلك في بقية المدن السورية كافة وخاصة دمشق.
تعد الصراعات السياسية التاريخية بين ممثلي المكونات الطائفية الإسلامية، المعوق الرئيس لغياب التفسير التاريخي الموضوعي لأفكار ومعتقدات هذه المكونات الطائفية، ومنها الطائفة الإسماعيلية في سوريا.
أحاطت بالطائفة الإسماعيلية بيئة معقدة من الصراعات السياسية جعلتها تاريخيًا جماعة غامضة، وأظهرت أفكارها ومبادئها لدى كثير من السنة والشيعة كجماعة هرطقة وباطنية. بل ما زال العديد من الناس حتى الآن يحكمون على معتنقي
الإسماعيلية بناء على سرديات بسطاء الطوائف الأخرى دون العناء بسؤال الاسماعيليين أنفسهم عن عقيدتهم الإسلامية.
وقد مرت الإسماعيلية على مدى تاريخها بأحداث وتحولات كبرى أثّرت في مسارها الفكري وبنيتها الاجتماعية وعملها الدعوي الديني والتنموي.
اليوم، بعد دخول الإسماعيلية في مرحلة من الوضوح تبدو جماعة شيعية لا تختلف عن المسلمين السنة والشيعة اختلافًا جوهريًا، وقد تأثرت مثل جميع الفرق الإسلامية بالمؤثرات الصوفية والفلسفية السائدة، كما أن الصراعات السياسية فرضت عليها سلوكًا سريًا معقدًا في معظم فترات تاريخها، وإن استطاعت أن تقيم دولاً مهمة في التاريخ الإسلامي مثل الدولة الفاطمية والحمدانية والساسانية أو أن يكون لها حضور سياسي وعسكري قوي مثل قلاع آلموت وأخواتها المنتشرة في آسيا والتي كانت مراكز علمية وسياسية ودفاعية، فقد ظل الأئمة الاسماعيليون النزاريون يعيشون في آلموت (1094–1256م) وكان لهم حضور سياسي قوي في إيران على مدى قرون عدة، ثم انتقل تأثيرهم إلى الهند، ومنذ انتقال الإمام الآغا خان إلى الهند وهم يؤدون دورًا سياسيًا واجتماعيًا كبيرًا في الهند وفي العالم؛ فقد كان الآغا خان الثالث رئيسًا لعصبة الأمم في الثلاثينيات، وشغل ابنه علي منصب سفير باكستان في الأمم المتحدة، واختير ابنه صدر الدين مفوضًا ساميًا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، وينتمي إلى الإسماعيلية  الرئيس المؤسس لباكستان؛ محمد علي جناح، وعدد كبير من العلماء المشهورين في التاريخ الإسلامي، مثل: ناصر خسروا، وابن سينا، والفارابي، والرازي، وإخوان الصفا، والسجستاني، وابن العربي، وابن الفارض، والطوسي وغيرهم.
ربما يكون من المهم جدًا اليوم إعادة دراسة الطائفة الإسماعيلية، وتقييمها من جديد وفق تاريخها ورؤيتها لنفسها كما تفصح عنها الدراسات الإسماعيلية والأخبار والتقارير المستندة إلى مصادر إسماعيلية.
اعتمدت هذه الدراسة المنهج الاستقرائي المتمثل بمراجعة وتحليل المراجع والدراسات المتوفرة من خلال البحث في القسم الأول عن الجانب التاريخي التعريفي فيما يتعلق بالطائفة الإسماعيلية، ولن تبحث الدراسة في المجادلات التاريخية، حيث الروايات المتعددة من أنصار الطائفة الإسماعيلية ومن مخالفيها من مذاهب دينية أخرى، لذلك حاولت الدراسة اعتماد المعلومات التاريخية المجمع عليها من معظم الباحثين الى حد ما.
أما القسم الثاني، الذي يبحث في مؤشرا ت اندماج الاسماعيليين في المجتمع السوري من خلال البحث في علاقة الطائفة الإسماعيلية بالمكونات الطائفية السورية من خلال عرض الوثائق والسرديات المتنوعة استنادًا الى المنهج الوصفي التحليلي كون الدراسة تقع في الحقل السوسيولوجي، وفي الوقت نفسه تنوه الدراسة أنها ليست بصدد تقديم رؤية لاهوتية تاريخية للطائفة الإسماعيلية.
كذلك البحث في علاقة الاسماعيليين بكل من الحركة السياسية السورية والثورة السورية 2011، وبالرغم من معايشة (الكاتب) لهذه الأحداث السياسية، إلا أن الكاتب فضل العودة الى المقالات والدراسات التي وثقت تلك الأحداث للتأكيد على المصداقية العلمية في الدراسة.
أولا- مدخل تاريخي وتعريفي بالطائفة الإسماعيلية:
تعد الطائفة الإسماعيلية، الطائفة الشيعية الثانية بعد الاثنا عشرية، التي تتفق مع الأخيرة حول شخصيات الأئمة حتى جعفر الصادق، فالطائفتين تتفقان على إمامة كل من (علي بن أبي طالب، الحسن، الحسين، علي زين العابدين محمد الباقر، جعفر الصادق).
عند وفاة الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب سنة 147 هجرية
انقسمت الشيعة الى فريقين، فريق أقر بالإمامة لابنه موسى الكاظم واستمر في تسلسل الامامة في الأكبر سنًا من عقبه حتى الامام محمد بن الحسن العسكري الذي دخل سردابًا في مدينة سامراء العراقية واختفى فيه خوفًا على نفسه من بطش العباسيين وتنكيلهم بالشيعة عامة وأهل البيت خاصة، وسميت هذه الفرقة بالموسوية نسبة الى موسى الكاظم أو بالإمامية الاثنا عشرية نسبة الى عدد الأئمة. أما الفريق الثاني: فهم الإسماعيلية الذين قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق وقد نسبوا إليه، وقد تميزت الاسماعلية عن الاثنا عشرية بإثبات الإمامة لإسماعيل بن جعفر. الذي يدور حول إمامته خلاف كبير بين كلتا الطائفتين، فالاثنا عشرية تقول: إن إسماعيل توفى في حياة أبيه وانتقلت الإمامة بذلك إلى أخيه موسى الكاظم، أما الإسماعيلية تقول: ان الإمام جعفر جعل الوصية لولده إسماعيل، بالإمامة، وأنكروا على من قال بموت إسماعيل في حياة أبيه وقالوا: لا يموت حتى يملك لأن أباه قد وصى بالإمامة له من بعده، بل إنهم ادعوا أن جعفرًا أشار إليه في حياته وول الشيعة عليه فكانوا مجمعين على أن الإمام بعد أبيه وأن جعفرًا قلده ذلك في حياته وأمرهم به.
العقيدة الإسماعيلية:
تعتمد العقيدة الإسماعيلية على الجانب العرفاني والصوفي في العقائد الشيعية، التي تركز على طبيعة الله والخلق وجهاد النفس، وفيها يجسد إمامُ الزمان الحقيقةَ المطلقة.
يتفق الاسماعيليون مع عموم المسلمين في وحدانية الله ونبوة محمد ونزول القرآن المُوحى، وإن كانوا يختلفون معهم في أن القرآن يحمل تأويلا باطنا غير تأويله الظاهر، لذلك نعتوها للإسماعيلية كل من السنة والشيعة الاثنا عشرية بالباطنية.
بنى الإسماعيليون معتقدهم في الألوهية على ما أسموه (التنزيه والتجريد) وانتهوا إلى تعطيل الله سبحانه عن كل وصف وتجريده من كل حقيقة، وقالوا: “لا هو موجود، ولا لا موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز..” ونفوا أسماءه وصفاته بزعم أنه فوق متناول العقل.وصرفوا صفات الله إلى أول مبدع خلقه الله ـ بزعمهم ـ وهو العقل الأول، واعتبروا أن المخلوقات كلها وجدت بواسطة العقل والنفس! “: “والعقل الأول أو المبدع الأول في اعتقاد الإسماعيلية هو الذي رمز له القرآن بـ (القلم) في الآية الكريمة (ن والقلم وما يسطرون)، وهو الذي أبدع النفس الكلية التي رمز لها القرآن أيضاً بـ (اللوح المحفوظ) ووصفت بجميع الصفات التي للعقل الكلي، إلاّ أن العقل كان أسبق إلى توحيد الله فسمي بـ (السابق) وسميت النفس بـ (التالي)، وبواسطة العقل والنفس وجدت جميع المبدعات الروحانية والمخلوقات الجسمانية، من جماد وحيوان ونبات وإنسان، وما في السماوات من نجوم وكواكب.
كما أنهم يفهمون ما ورد عن الجنة والنار في القرآن بشكل مختلف، فيعتقدون أن الجنة هي المعرفة والعلم والنار هي الجهل.
يؤكد الإسماعيليون على الشهادة الإسلامية الأساسية: بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً (عليه الصلاة والسلام) رسول الله. إنهم يعتقدون أن محمدا كان آخر نبي الله، وأن القرآن الكريم رسالة الله الأخيرة للبشر، وقد كشف من خلاله، ويحمل المسلمون هذا الوحي ليكون تتويجا للرسالة التي تم الكشف عنها من خلال أنبياء آخرين من التقليد الإبراهيمي قبل محمد، بما في ذلك إبراهيم وموسى ويسوع، وجميعهم يقدسون المسلمين على أنهم أنبياء الله.
استندت الإسماعيلية في البحث حول مصير الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق على العقل، والغنوص (ذوي المعرفة)، والتفسير الباطني، والإيلاج العميق في الفلسفة وقصة وجود الله علائم ذلك، وموقع الأئمة منه، فأحدثت نوعاً من التمايز يمكن وصفه بالانفتاح والقابلية للمناقشة والمعارضة.
وتعتبر أركان الإسلام في الإسماعيلية سبعة، هي بالإضافة إلى الأركان الخمسة لدى أهل السنة (الشهادتان، والصلاة، والصوم، والحج، والزكاة): الولاية (تسمى لدى الشيعة الإمامة)، والطهارة. ويدور الخلاف بين الإسماعيليين (ومعهم الشيعة) وبين السنة حول الإمامة؛ فهي بالنسبة للشيعة المرجع النهائي لتفسير الإسلام، والإمام عند الإسماعيليين هو المفسر الذي يؤول المعنى الباطني للقرآن والشريعة. وتعتبر آراء وتفسيرات الإمام هي المصدر الثالث للفقه بعد القرآن والسنة، ولم يقبلوا بالإجماع والقياس، وهما المصدران الثالث والرابع لدى أهل السنة.
نتيجة مراحل العمل السري والمطاردات الطويلة للإسماعيليين في التاريخ الاسلامي تشكلت طقوس خاصة صارت جزءاً من العقيدة حتى بات يصعب فصلها عنها، وعلى سبيل المثال، كان يستحيل على مجموعات سرية جداً أن تؤذّن وتعلن وجودها في أثناء مواعيد الصلاة، فقد أُلغِي وجود المآذن في مساجد الإسماعيليين، وتكرّس ذلك حتى في المراحل اللاحقة التي توقفت فيها المطاردات بوصفه نوعاً من التمايز، وتحويل اسم الجامع إلى جمعة، إضافة إلى طقوس الصلاة وما يتبعها من شيء أشبه بالمزار، إذ غالباً ما يقدّم المصلون أفضل منتوجاتهم الزراعية وما لديهم من منتجات، ليشتريها الآخرون في ما يعرف بـ(فكّها) وفق ثمن يجري المزاد فيه لترسو على أعلى الأثمان، وهذا الأمر يتوسع جداً ليشمل تركة الميت، وإقامة (مجلس) على روحه عبارة عن صدر كبير مملوء بفاخر الحلويات، أو في حالات الزواج والمناسبات كالنجاح والتخرج وسواه، وتقديم (ملبس) بعد الصلاة مقابل مبلغ زهيد، بينما يضاف إليه ليلة الإثنين والجمعة الراحة وما يسمى بماء الشفا مقابل مبلغ أكبر من اليومي، وتعود هذه المبالغ جميعها إلى صندوق المجلس الأعلى للطائفة الإسماعيلية، الذي يُعدّ هو نفسه القيادة الدينية والاجتماعية، وهذه العملية التي فرضتها قرون العمل السري والمطاردة قدّمت دخلاً كبيراً إلى الطائفة وأتاحت تحقيق الاستقلال وعدم الحاجة إلى أي مساعدات من أي جهة كانت، والقدرة على تنفيذ عدد من المشروعات الخدمية والتعليمة وسواهما، وعمقت التمايز، وخصوصاً أن هناك رتباً دينية تراتبية يجري احترامها.
الفرق الإسماعيلية:
1- القرامطة:
تعد القرامطة أول فرقة انشقت عن الإسماعيلية، وسموا بالقرامطة نسبة الى زعيمها وداعيها الأول ” حمدان قرمط”، وقد كانت دعوة القرامطة في البداية دعوة اسماعيلية ولكنها كانت تدعو إلى الإمام المنتظر محمد بن إسماعيل باعتباره المهدي أو الإمام الغائب، وهذا الذي ميز القرامطة داخل الاطار الإسماعيلي العام، وبالتالي سبب الخلاف بين القرامطة والاسماعيلية، إذ تؤمن الإسماعيلية أن هناك إمامًا حيًا، وهناك حجة على ذلك، عندما تنازل الإمام الحسين عن الإمامة لحجته سعيد بن الحسن بن عبدالله القداح ليكون سترًا أو مستودعًا لابنه القائم – كما تقول المصادر الإسماعيلية- . وهكذا خرجت على قاعدة الإمامة في عهد ” أئمة الستر” الذي كان قائمًا في مدينة ” سلمية” السورية في القرن الثاني للهجرة.
2- الدروز: فرقة تفرعت عن الإسماعيلية، وقد توقفت عن السير الإمامي بعهد الإمام الحاكم بأمر الله وتبنت حمزة اللباد الأعجمي ” هادي المستجيبين، وسيده محمد بن إسماعيل.
3- المستعلية أو البهرة: فرقة تفرعت من الإسماعيلية بعد وفاة الخليفة الفاطمي الإمام المستنصر بالله، فأنكرت إمامة ولده الأكبر نزار، وسارت وراء ولده الأصغر ” المستعلي” وقد ظلت على سيرها حتى عهد الأمر بأحكام الله وهو ابن المستعلي، وتؤكد المصادر أنه مات دون عقب، ولكن أتباعه ذكروا أنه مات وترك زوجته حاملًا بولد ولد فيما بعد وأسمه” الطيب” ولكن الطيب هذا استتر منذ اليوم الأول من ولادته … كما يقول أتباعه الذين يعرفون أيضًا بالفرقة ” الطيبية.
4- الداؤدية: فرقة تفرعت عن ” المستعلية” وتنتسب الى داؤود بن عجب… الذي سموه ” داعي مطلق” أو نائب الإمام ” الطيب.
5- السليمانية: فرقة تفرعت من المستعلية أيضا وتنتسب الى سليمان بن الحسن الذي يطلقون عليه اسم ” داعي مطلق” أو نائب الإمام المستور ” الطيب” ومن الجدير بالذكر أن هذه الفرقة لا تختلف عن شقيقتها الداؤدية إلا بتسلسل الدعاة المطلقين. .
6- النزارية: تعود النزارية الى الامام نزار بن المستنصر، الذي كان أكبر من أخيه المستعلي وهو المنصوص عليه بالإمامة ونهايته كما تثبتها الروايات التاريخية أن وزير أخيه المستعلي قبض عليه وقتله وانتهى بذلك نسله بدون عقب ظاهر أو مستتر، أم المصادر الإسماعيلية النزارية تقول إن نزار تمكن من مغادرة الإسكندرية سرًا أثناء الحصار واتجه الى بلاد فارس حيث استقر به المقام في جبال الطالقان وأسس الدولة النزارية . وقد تفرع عنها المؤمنية والقاسم شاهيه.
7- المؤمنية: فرقة نزارية إمامية قالت بإمام مؤمن شاه بن الإمام شمس الدين وبولده من بعده.
8- القاسم شاهيه: فرقة إسماعيلية نزارية قالت بإمامة شاه بن الإمام شمس الدين من بعده حتى آغا خان الحالي
ث- دول الإسماعيلية
1- دول القرامطة: أقام القرامطة عدد من الدول في البحرين وفي اليمن، وفي العراق وفي الشام وتنحصر الفترة الزمنية لهذه الدول ما بين سنة 278 هجرية حتى سنة 470 هجرية، كدول انفصالية عن الدولة العباسية
2- الدولة الفاطمية: تعد أكبر دولة اسماعيلية من حيث اتساعها وطول فترتها، حيث شملت معظم افريقيا وبلاد الشام والحجاز في معظم الفترات، كما أنها استمرت ما يقرب من ثلاثة قرون تعاقبت عليها عدد من الحكام والزعماء يصل عددهم إلى أربعة عشر حاكمًا. أسست الدولة الفاطمية عام 297 هجرية في المغرب من قبل عبد الله المهدي الإمام الإسماعيلي الأول.
3- دولة الصالحيين في اليمن: تأسس دولة الصالحيين سنة 439 هجرية، حيث قام الداعي الصليحي بثورة في هذه السنة استطاع أن يخضع بعض قلاع اليمن وخصومه لسلطانه واستمر في غزو مدن اليمن ومخالفيه حتى دانت له كلها ف ي سنة 445 هجرية، وفيما بعد تم الاستيلاء على العراق وضمها الى مملكته، وقد توفي سنة 459 هجرية
4- دولة الفدائيين: قامت هذه الدولة الإسماعيلية في جنوب فارس بعد انقسام الإسماعيلية الى مستعلية ونزارية، حيث انتصر مؤسس هذه الدولة ” الحسن الصباح” وأصبح يدعو له ولأبنائه من بعد وجعل من نفسه نائبًا للإمام المستور من ولد نزار يطلق عليهم الإسماعيلية النزارية
شبكة الأغا خان للتنمية – AKDN
هي مجموعة من المؤسسات تشتمل على هيئات ربحية وأخرى غير ربحية، قد نمت وكبرت على مدى قرن من الزمن، وهي أكبر وكالات التنمية الخاصة في العالم، حيث تعمل في أكثر من 30 بلدًا، وقد تأسست هذه الشبكة على خلفية المؤسسات التي أوجدها الأغا خان الثالث (1885-1957) لتلبية حاجات الجماعات الإسماعلية في الهند وشرق إفريقيا.
وقد توسعت كثيرًا في ظل قيادة الأغا خان الرابع كريم الحسيني، لتصير اليوم أكثر من 140 هيئة منفصلة تنتمي للشبكة تُشغِّل أكثر من 58 ألف عامل رسمي، غير آلاف العمال المنخرطين في شركات وطنية ودولية تعمل شبكة الأغا خان للتنمية من خلالها، وحوالي 20 ألف متطوع يعمل بدوام كامل.
ركز الأغا خان الثالث الى مسألة محو الأمية في أوساطهم، وقد قام بتوجيه الإسماعيليين في إيران إلى استخدام 80في المئة من أموال العشر في بناء المدارس. وعندما تولى الأغا خان الرابع كريم الحسيني الإمامة وهو في العشرين من عمره، أخذ على عاتقه إنشاء ورعاية العديد من المؤسسات الصحية والتعليمية التي تم إنشاؤها في جنوب شرق أسيا وإفريقيا، حيث يمتلك الأغا خان هناك ما يزيد عن 300 مدرسة.
1- برنامج «المدرسة» للطفولة المبكرة
انطلقت هذه المبادرة في صورة مشروع تجريبي في منتصف الثمانينيات في المنطقة الساحلية المباسا في كينيا حيث طلب قادة الجماعة المسلمة هناك (على المذهب الإسماعيلي) من الأغا خان مساعدتهم في وضع أطفالهم على السكة الموصلة إلى الجامعة للحصول فيما بعد على وظائف مرموقة، ويقوم برنامج هذه المدارس على تعليم القراءة والكتابة للأطفال والمهارات الحسابية بالإضافة إلى الرسم لأطفال بين سن الثالثة والسادسة من العمر.
2- تمويل المشاريع الصغيرة
وهو برنامج يستهدف النساء على وجه الخصوص والرفع من مستواهن المعيشي من خلال الادخار بمبالغ بسيطة مقابل منحهن قروضًا فيما بعد إلى أجل، يستطعن من خلالها البدء في مشروعات صغيرة.
وقد تأسست هذه الوكالة للتمويلات الصغيرة منذ العام 2005، وجعلت من أهدافها خفض الفقر ومعالجة حالة الهشاشة لدى الفقراء، وتقول الوكالة أنها ساعدت مناطق ريفية وحضرية على حد سواء حول العالم بغض النظر عن خلفياتهم وثقافاتهم، لأن الوكالة حسب القائمين عليها هي إحدى الوكالات غير الربحية ولا الطائفية. وقد استُحدثت بموجب القانون السويسري ومقرها الرئيسي في جنيف.
3- وكالة الأغا خان لإنشاء «المساكن»
تقوم وكالة الأغا خان لإنشاء «المساكن» بدور تدخلي يقوم على التجهيز لكل من الكوارث المزمنة والمفاجئة والبطيئة وذلك لمواجهة التهديد المتزايد الناتج عن التغير المناخي. تعمل الوكالة لضمان ظروف معيشة طبيعية وآمنة للفقراء من آثار الكوارث الطبيعية، بحيث يكون المقيمين في المناطق عالية خطورة قادرين على التعامل مع هذه الكوارث من خلال الاستعداد والاستجابة. وتوفر هذه الإعدادات الحصول على الخدمات الاجتماعية والمادية التي تؤدي إلى الحصول على فرصة أفضل ومستوى معيشي أحسن.
4- القطاع المالي والسياحي
سعت الأغا خانيه منذ وقت مبكر لتنويع قاعدتها المالية، فأسس الأغا خان الثالث شركة ليوبيل للتأمين عام 1936 في شمال إفريقيا. وبعد تولي الأغا خان الرابع الإمامة الإسماعلية عام 1957، تحوّل إلى منح القروض من خلال ما صار يُعرف بعد ذلك بـ «مصرف الأمانة الماسي» أو ما يُعرف بالاختصار DTB، ويعمل في كل من كينيا وأوغندا وتانزانيا، وهي مناطق ذات وجود إسماعيلي في إفريقيا.
وشهد أيضا القطاع المالي في الهند وباكستان (الكتلة الكبيرة من الإسماعيليين تقطن هناك)، توسعات هذه المصارف مع حلول القرن الواحد والعشرين لنصبح أمام عمليات مصرفية كاملة. وفي سنة 2003، تجاوز عدد ما تديره شبكة الأغا خان للتنمية من مصارف التمويل الصغير وبرامج الإقراض عبر إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أسيا ووسطها، الأربعين مصرف.
أما على الصعيد السياحي، فتمتلك شبكة الأغا خان أحد أكبر الفنادق العالمية، وهو فندق «سيرينا» في بلدة ستون تاون في زنجبار التي تحتل أعلى سلم الأماكن السياحية التي يفضلها الأمريكيون والأستراليون. وهذا الفندق ذو النجوم الخمس هو جزء من المشروع التنموي الذي تتولى إدارته أمانة الأغا خان للثقافة، بالإضافة إلى عدد من الفنادق الأخرى من الدرجة الأولى في كل من نيروبي ومابوتو وكمبالا وكيغالي وإسلام أباد وكابل.
كما تنشط شبكة الأغا خان في خدمات الترويج السياحي ويقوم صندوق الأغا خان للتنمية بتوفير العملات الأجنبية للاقتصاديات المضيفة ويساهم في مواردها من خلال الضرائب.
ثانيًا – الاسماعيليون في سوريا:
يقدر عدد الإسماعيليين في سوريا بحوالي 300 ألف نسمة وهم اليوم يمثلون واحدًا في المئة من السكان في سوريا.
نصفها مؤمنيه ونصفها الآخر آغا خاني لكن الإسماعيليين المؤمنين لا يرتبطون بمؤسسات دينية كما هو الحال لدى أشقائهم الأغا خانين.
يتركز تواجد الاسماعيليون في سوريا بشكل رئيسي في محافظة حماه وتحديدًا في مدينة السلمية ومصياف، وكذلك في محافظة طرطوس وبالتحديد في مدينة القدموس وقرى نهر الخوابي، كذلك في بقية المدن السورية وخاصة في مدينة دمشق بحكم الهجرة لإيجاد فرص عمل وتعليم وغيرها. يعترفون بالآغا خان الرابع إمامًا لهم،
توجه الإسماعيليون الى المؤسسات التعليمية كافة بما فيها التعليم العالي، انسجامًا مع توجهات الآغا خان الثالث، وفي ظل الآغا خان الرابع أُعيد تنظيم الجماعة الإسماعيلية حسب الدستور الإسماعيلي (1986)؛ حيث أصبح هناك مجلس وطني وهيئة للطريقة والثقافة الدينية الإسماعيلية.
المجلس الشيعي الإسماعيلي الأعلى في السلمية
يعد من أهم مؤسسات الطائفة الإسماعيلية الثقافية والدينية والاجتماعية في مدينة السلمية وله مكاتب فرعية في بعض المدن السورية الرئيسة، وخاصة دمشق وحلب، يساهم المجلس الاسماعيلي الاعلى في سوريا وفي مدينة السلمية وريفها تحديداً بالعديد من مجالات الحياة، حيث كان له أثر واضح في المدينة على الصعد الحياتية كافة:
1- على الصعيد الاجتماعي، يوجد لجنة مصالحة اجتماعية تتدخل في حل النزاعات بين افراد مدينة السلمية وريفها (طلاق، ورثة، خلافات فردية…..) بالتنسيق في بعض الحالات مع المؤسسات الرسمية للدولة، خاصة في الحالات الثأرية العنفية.
كذلك تخصيص مساعدات مالية للفئات الهشة في المجتمع الإسماعيلي مثل النساء الأرامل والمطلقات الذين ليس لهم معيل.
وأيضًا بالتعاون مع الجمعيات والفرق المحلية يقدم خدمات مجتمعية محلية.
2- على الصعيد التعليمي، يقدم المجلس الاسماعيلي دورات تعليمية متفرقة للمراحل الدراسية كافة، وخاصة الثانوية. الثانوي.
يدعم المجلس الاسماعيلي الشباب ويشجعهم على متابعتهم للدراسة وحصولهم على منح دراسية خارجية حيث قدم دورات ل تعليم اللغة الانكليزية الاضافة ل برامج تأهيل الشباب للحصول على شهادة الايلتس. بما يعرف ب sypp وهو اختصار ل Syrian preparation program حيث في كل سنة كان يرشح لهذه الدورة عشرون طالب وطالبة بعد أن يتم اختيارهم من مجموعة من المتقدمين ويتم تدريس الطلاب مواد باللغة الانكليزية في المركز الثقافي البريطاني في دمشق حيث كانت آخر دورة سنة 2011 وتوقفت نتيجة الحرب واغلاق السفارة البريطانية. وعند الانتهاء من هذه الدورة التي مدتها 9 أشهر يجري الطلاب ابحاث من اختيارهم لنيل الشهادة ويمكنهم بعدها التقديم على المنح ومتابعة الدراسة في الجامعات البريطانية.
كذلك يخصص رواتب للطلاب الجامعات من الاسر الفقيرة جدً بالإضافة الى أنه يوزع منحة طلابية لأغلب طلاب الجامعات السورية للطلاب الإسماعيليين وكذلك يقدم خدمات جامعية. ومنج الطلاب قروض صغيرة تساعدهم خلال دراستهم الجامعية.
3- على الصعيد الترفيهي، هناك مجموعة نشاطات في العطل الصيفية، ورحلات لذوي الاحتياجات الخاصة وتقديم الرعاية لهم.
4- على الصعيد الاقتصادي، تقدم اللجنة الاقتصادية في المجلس الاسماعيلي الدعم للأسر الفقيرة بشكل عام والاسر التي تعيلها امرأة وذوي الاحتياجات الخاصة بشكل خاص حيث تقدم دورات تدريب مهني للسيدات (كوافيرة، خياطة، تجهيز وتحضير مونة……..) ويتم الإعلان عن معارض دورية لترويج منتجات السيدات
مؤسسة الاغا خان في السلمية
تعد مؤسسة الاغا خان في سوريا جزء من وكالات الاغا خان العالمية او الشبكة ((AKDN وتهتم بالجانب التنموي الريفي بالأساس ولكن خلال الحرب السورية اتجهت للتدخل بجميع المجالات:
1- المساعدات الانسانية: منذ بداية الحرب السورية 2011 تأسس برنامج المساعدات الانسانية وجهز قاعدة بيانات واسعة لكل النازحين والناس الفقراء في منطقة سلمية حيث كان هذا البرنامج مسؤول عن توزيع السلل الغذائية بالإضافة الى المعونة المالية التي كانت توزع في بداية الشتاء (تأمين سعر مادة المازوت للمستفيدين) منذ حوالي العامين قدم برنامج المساعدات الانسانية دعم خاص للحوامل والمرضعات حيث وزع معونة شهرية لهم تأمن لهم التغذية الضرورية لهم.
2- البرنامج الصحي: استجاب البرنامج الصحي لمؤسسة الاغا خان للحرب في سورية حيث قام بالعديد من الورشات وجلسات التوعية للأهل من عدة جوانب (الزواج المبكر- اهمية الارضاع الطبيعي- العناية بكبار السن- اهمية غسل الايدي…..)
3- التعليم والطفولة: اهتمت مؤسسة الاغا خان بالأطفال اهتمم كبير حيث قدمت العديد من البرامج (انا وطفلي في الازمات- غرف قراءة – طفولة مبكرة- روضات متطورة للأطفال)
4- مركز التدريب المهني والتعليم المستمر: قدم تدريب مهني للشباب العاطل عن العمل بالإضافة لتقديم منح مالية لتأسيس مشاريع صغيرة تأمن لهم الدخل (تصليح دراجات – صيانة حاسوب – صيانة هاتف –تنجيد اثاث- نجارة-حدادة- كوافيرة- خياطة-ادارة مكاتب- محاسبة)
5- برنامج تحسين مستوى المعيشة Livelihood في الحياة الريفية والزراعة والدواجن.
ثالثًا – مؤشرات اندماج الاسماعيليون
اعتمدت الدراسة مؤشرات اندماج الإسماعيليين في المجتمع السوري على ما أقرته الأدبيات الكلاسيكية للعلوم الاجتماعية: أن الاندماج هو بالأساس مجموعة من التفاعلات بين عناصر مختلفة داخل مجموعة ما يؤدي الى إحساسها بضرورة التماثل والانسجام فيما بينها بآليات وطرائق مختلفة ومتنوعة، مما يشير الى وضعية جماعة اجتماعية في تفاعل مع جماعات أخرى تتقاسم معها القيم والمعايير داخل المجتمع الذي تنتمي إليه.
أما مؤشرات اندماج الاسماعيليين في المجتمع السوري، التي اعتمدت بناء على هذا المفهوم، من خلال طبيعة العلاقات بين الطائفة الإسماعيلية والمكونات الطائفية السورية الأخرى وخاصة المكون الرئيس ” السنة”، كذلك طبيعة تفاعل الاسماعيليون مع الحركة السياسية السورية، والموقف من الثورة السورية 2011.
الاسماعيليون والسنة:
تعد الطائفية السنية أكبر طائفة دينيّة في سورية حيث يشكلون ما نسبته 75 إلى 80 في المائة من عدد السكان، وهم منتشرون في مختلف المناطق السورية ويشكلون أغلبيّة في 11 محافظة من أصل 14 محافظة سوريّة، وتعتبر أهم التجمّعات كالعاصمة دمشق وحلب وحمص وحماة مدنا سنيّة، وبشكل عام فنسبة السنّة في المحافظات تشبه نسبتهم من تعداد سكّان سورية.
أما عن طبيعة العلاقة بين الإسماعيلية والسنة، لا بد من العودة الى التاريخ الاسلامي، حيث يتبين أن الطائفة الإسماعيلية عاشت طيلة القرون التي تلت انهيار دولهم المتعاقبة، تحت حكم الدول الإسلامية (السنية) التي تعاقبت على حكم بلاد الشام، وتعرضوا لما تعرضت له كافة الطوائف من تحولات وتبدلات على المستوى السياسي.
في حقبة الحكم العثماني كان إصدار السلطان العثماني عبد المجيد قرارا ” فرمان ” بالسماح للعائلات الإسماعيلية المتواجدة في الساحل السوري بالانتقال الى السلمية وإعادة إعمارها عام 1848 له أثرا كبيرا على الطائفة الإسماعيلية ، حيث قام عدد كبير من الإسماعيليين بالهجرة الى ( خرايب ) مدينة السلمية معقل الاسماعيليين تاريخيًا، ليقوموا بإعمارها بعد أن بقيت فترة طويلة تحت سيطرة قبائل بدوية كانت تتصارع فيما بينها للسيطرة عليها، وقد كانت الدوافع العميقة لهذه الهجرة هي الارتباط الديني الإسماعيلي بالمدينة التي شكلت منبعا من منابع الدعوة الاسماعيلية، وكذلك محاولة الهرب من الصراعات العنفية المسلحة الطائفية مع العلويين ، التي تقاسمت معهم مناطق السيطرة والنفوذ في جبال الساحل السوري. وقد استثمر الوافدون الى السلمية وباديتها الأرض بشكل جيد ما أدى الى توافد دفعات متتالية من الإسماعيليين الى المنطقة حيث قاموا بأنشاء القرى، ولكنهم واجهوا هجمات البدو الذين شعروا بخسارة للأراضي الزراعية كمراع لحيواناتهم، وقد تمكن الإسماعيليون “السلامنة” من احتواء هذه الهجمات عبر وسائل متعددة، تراوحت بين استخدام السلاح للدفاع عن النفس وبين عقد المصالحات والتوافقات، الى أن انتهت الصراعات بعد توطين البدو في قرى محددة في الريف الشرقي والشمالي للسلمية، والحاجة التجارية المتبادلة بينهم.، ما أدى في المحصلة الى ازدهار المدينة من خلال توزيع الأراضي على جميع السكان، ما جعلهم يعملون بشكل افضل في الأرض التي يملكونها، وقد أدى ذلك الى اتساع دائرة المتعلمين في المدينة. ومع مرور الوقت اتسعت حركة التوافد الى المدينة، لتشمل طوائف دينية أخرى كالسنة والعلويين وأيضا عرقيات غير عربية كالشركس والأكراد والأرمن.
من العائلات الإسماعيلية التي هاجرت من الساحل (نهر الخوابي ) عائلة محمد علي الجندي عام 1848 الذي تزعم حركة دينية تدعو الى الإسلام الأصلي (المذهب السني)، حيث استطاع (تسنين) ثلث مدينة السلمية تقريبًا، وشيد الجامع الكبير في وسط مدينة السلمية في حين استمرت العائلات الأخرى، وخاصة العائلة الأكبر في السلمية الأمراء “الأمار” في اعتبار الأغا خان إمامهم الديني.
أما بالنسبة للعلاقة بين الاسماعيليين والسنة (المسننين) في سورية وخاصة في (السلمية وريفها، مصياف، القدموس، نهر الخوابي) تجمعهما العلاقات القرابية بالدرجة الأولى، وإمكانية التحول المتبادل بين المذهبيين (الإسماعيلي والسني) متوفرة وطبيعية في مدينة السلمية، وحتى ضمن العائلة الواحدة .
وفي الجانب الاجتماعي، لا يوجد مانع مذهبي او رسمي من الزواج من الطوائف والمذاهب الأخرى سواء كان للذكور او للإناث وبالنسبة لمراسم اعلان الخطوبة والزواج لدى الاسماعيليين ليس مختلفًا عن بقية المذاهب الإسلامية في سوريا .
أما بالنسبة لطبيعة العلاقة مع السنة خارج مراكز تواجد الاسماعيليين، وخاصة مع السنة في مدينة حماه لقربها الجغرافي مع كل من السلمية ومصياف، فقد اتسمت بالطبيعية، وبالعلاقة التجارية الطبيعية رغم التباين الديني بينهما حيث المجتمع الحموي المحافظ اجتماعيًا ودينيًا، ومركز حزب الاخوان المسلمين تاريخيًا على عكس مدينة السلمية والاسماعيليين، لوحظ الموقف الاجتماعي الايجابي من قبل الاسماعيليين اتجاه السنة في حماه اثر انتفاضة الاخوان المسلمين عام 1982 حيث تم استقبال العائلات المهجرة في مدينة السلمية وريفها رغم التحريض الإعلامي من قبل النظام على الاخوان المسلمين – كعصابات إرهابية – بل ربما المذهب الإسماعيلي ازاح الخوف من إمكانية اتهام مؤسسات النظام الأمنية بالإخوان المسلمين للإسماعيليين مما شجعهم على استقبالهم وتقديم المساعدات المطلوبة للإقامة- و وكذلك الأمر في مرحلة الثورة السورية 2011 حيث تم استقبال مئات العائلات السنية من حماه وحمص وريفها الشمالي، وتقديم المساعدات المتنوعة .
بشكل عام لوحظ علاقات مهنية بين الإسماعيليين (السلمية) وخاصة التجارية مع كل من حماة وحلب وحمص، ولا وجود لحوادث عنفية صراعية تذكر سوى حالات فردية تحدث بشكل طبيعي في أي تجمع سكاني.
كذلك حالات زواج متعددة، عادة ما تحصل نتيجة تعارف الزوجين في الجامعات والمؤسسات الوظيفية، بمعنى الزواج على نمط (الاختيار الشخصي الحر) للزوجين، بغض النظر عن الاختلاف الانتمائي الديني المذهبي.
2- الاسماعيليون والعلويين في سوريا:
تعد الطائفة العلوية فرقة شيعية، انشقوا عن الطائفة الأمامية الاثني عشرية، ولكن ينظر إليهم في النصوص الفقهية للاثني عشرية باعتبارهم كفاراً ويمثلون نسبة (11.5 في المائة) من السكان حسب الإحصاءات الرسمية حتى عام 1985 ، وهي الطائفة الدينية نفسها التي ينتمي إليها الرئيس الأسد (الأب والابن).
اتسمت العلاقة بين الطائفتين الإسماعيلية والعلوية بالاختلاف والاقتتال أحيانًا في مراحل تاريخية محددة من (الحكم العثماني والانتداب الفرنسي)، وبالبحث عن جذور هذا الاختلاف والاقتتال في المراجع التاريخية وحتى في السرديات الشعبية لم نجد للعامل الديني(المذهبي) دورًا يذكر، بل وجدنا رواية تتحدث عن محاولة لدمج الطائفتين في طائفة واحدة، ولكنها منيت بالفشل بسبب رفض العلويين .
تعود الاصطدامات بين الطائفتين الى مرحلة الدولة العثمانية، حيث العلاقة الودية بين الاسماعيليين والدولة العثمانية على عكس العلاقة مع العلويين التي ربما كانت وراء هذه الحوادث.
بدأت الاصطدامات العنفية بهدف السيطرة على القلاع الساحلية في سورية عام 1703،. وكذلك الحوادث العنفية الدامية بين الطائفتين (العلوية والإسماعيلية) في بلدة « وادي العيون” عام 1870 ، التي انتهت بترحيل الاسماعيليين منها من قبل السلطات العثمانية.
مع انهيار الدولة العثمانية ودخول فرنسا كدولة انتداب الى سورية، عادت الاصطدامات العنفية بين الطائفتين في عام 1919
وقد كتب المؤرخ محمد كرد على (كمؤرخ محايد وموضوعي) في كتابه ” خطط الشام” حول هذه الأحداث بين الطائفتين.
من نتائج هذه الاحداث العنفية كان هجرة العديد من الاسماعيليين الساحل السوري الى مدينة السلمية وريفها، وبالتالي تقلص الوجود الإسماعيلي في الساحل السوري، وهذا ما ظهر من خلال طبيعة حكومة العلويين التي شكلتها فرنسا، التي تدير سنجقي اللاذقية وطرطوس فقد فرضت وجود عضو إسماعيلي في المجلس، الذي يعاون حاكم المنطقة بالإضافة الى 7 أعضاء علويين، و2 مسيحيين، و2 مسلمين سنة، حيث عكست هذه الصيغة حقيقة تقلص الوجود الإسماعيلي في المنطقة العلوية المستقلة، التي شملت كل المناطق التي جرت فيها الأحداث السابقة.
انتهت الأحداث العنفية بين الطائفتين مع انطلاق الثورة السورية عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي إلا أن بعض مشاعر الكراهية بينهما بقيت راسبة في ذكريات كبار السن، التي عايشوا الاقتتال والتهجير، وانتقلت عبر السرديات الشعبية الى الأجيال اللاحقة، خاصة لدى المتدينين من كلتا الطائفتين.
على أثر الاستقلال الوطني السوري عام 1946، وصعود أحزاب سياسية علمانية، المتمثلة بالكتلة الوطنية وحزب الشعب واليسارية المتمثلة ب (الحزب الشيوعي السوري، الحزب القومي الاجتماعي، حزب البعث) وانخراط الشباب السوري من كافة المكونات الطائفية السورية فيها وخاصة من الطائفتين الإسماعيلية والعلوية حيث عادت العلاقات الطبيعية بين أفراد الطائفتين، حيث لم يطرأ أي صراع عنفي يذكر .
بل انتقلت العلاقة الى مستوى التحالفات الحزبية السياسية بعيدًا عن التوجهات الطائفية، حيث نجح حزب البعث في إيصال مرشح علوي من قرية الصبورة إلى البرلمان مقابل المرشح الإسماعيلي التقليدي من الأمار، أي أن أغلبية الاسماعيليين صوتوا للمرشح البعثي بغض النظر عن خلفيته الطائفية العلوية، وعُدَّ ذلك تطوراً نوعيا.
في فترة الانفصال شكل حزب البعث ما سمي باللجنة العسكرية السرية في سوريا التي جاء قادتها كافة من أقليات المجتمع السوري التي قادت سوريا بشكل فعلي منذ بداية انقلاب البعث 1963 وحتى انقلاب حافظ الأسد عام 1970.
ومن منظور النكتة السياسية الساخرة أطلق الدمشقيون ( الشوام) على نظام البعث في الحكم عام 1966 بحكومة ” عدس”، حيث البنية القيادية في الحزب تعود طائفيًا الى العلوية، الدرزية، الإسماعيلية.
مع التحضير لانقلاب الأسد الاب عام 1970 تم تصفية العناصر القيادية الإسماعيلية في الجيش وحزب البعث. لذلك كانت المعارضة الأوسع لنظام الأسد الأب من أوساط الاسماعيليين، حين اتخذ عدد مهم من البعثيين موقفاً معارضاً، وصلباً ضدّ الانقلاب، وكان على رأس هؤلاء المعتقلين المناضل المعروف مصطفى رستم، وعدد من قيادات الفرع والشعبة والإطارات، في حين كان التنظيم السري المعارض يعمل على الانتشار، وكان في قيادته وصفوفه عدد مهم من مدينة السلمية.
واتسعت المعارضة لنظام الأسد الاب في الأوساط الإسماعيلية بعد انشقاق الحزب الشيوعي السوري الى (الحزب الشيوعي- المكتب السياسي) وكذلك الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي (الأتاسي) وصعود حزب العمل الشيوعي (سابقًا رابطة العمل الشيوعي)، هذا ما أدى الى أن تكون نسبة المعتقلين من مدينة السلمية عالية جدًا مقارنة بالمدن السورية الأخرى.
في الوقت نفسه، حاول النظام ( الأسد الأب) أن يمنح الطائفة الإسماعيلية كما غيرها من الطوائف موقعا قياديًا ما في بعض مفاصله، دون أن يعطي هذا الموقع أو ذاك بعدا طائفيا ظاهرًا ، بل انه حاول دائما أن يظهر الأمر على أنها مشاركة سياسية، أما في الواقع فهي شكل من أشكال المحاصصة الطائفية يتبع كأسلوب أو ألية لشراء الولاء ولعل قراءة التفاصيل الخاصة بالأشخاص الذين ينتمون للطائفة الإسماعيلية ممن وصلوا الى مواقع متقدمة في هيئاته التنفيذية يتبين أن هؤلاء قد وصلوا الى ما وصلوا إليه بعد تاريخ طويل من خدمتهم في مؤسساته، فهؤلاء إما أمنيون ( أو مكانتهم الاجتماعية متدنية في الوسط السلموني ) ، وضمن هذا المسار أيضا بات من الممكن فهم أن يكون رئيس (مؤسسة الآغا خان للتنمية) في سوريا وزير سابق ولواء سابق في جهاز الأمن السياسي. هذا التجانس بين أشخاص إسماعيليين يعملون في مواقع المسؤولية في نظام هيمنت على مواقع المسؤولية فيه صبغة طائفية محددة هي العلوية، قابله تجانس آخر لدى النخب السياسية المعارضة، التي تقاسم فيها إسماعيليون وعلويون مع أفراد وجماعات من طوائف أخرى مرارات الاعتقال السياسي، لعشرات السنين في السجون وفي الملاحقات السياسية، وخاصة حزب العمل الشيوعي واعتقال المئات من الشباب الإسماعيلي والعلوي في سجون الأسد لفترات طويلة خفف من رواسب مشاعر الكراهية الصادرة من سرديات الأجداد عن الحوادث العنفية التي حصلت في الماضي.
بل حصلت في هذه المرحلة حالات زواجية متبادلة بين العائلات العلوية والاسماعيلية استنادا الى نمط الزواج الحر (الاتفاق بين الشاب والفتاة) في الجامعات أو مؤسسات العمل، وأحيانًا فرض هذا النمط من الزواج كأمر واقع على العائلتين.
استمرت العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين الطائفتين الى عام 2005، حيث عاد التوتر بينهما في كل من مصياف والقدموس، وقد تعددت الروايات عن الأسباب التي تقف وراء هذا التوتر، بداية من رواية النظام السوري على لسان الاعلام الرسمي للنظام أن ما حدث هو مجرد مشاجرة بين عدد من السائقين الذين يعملون على خط مصياف – حماة نتيجة خلافهم على الدور لنقل الركاب .وبعد ثلاثة شهور من أحداث مصياف جرت وقائع مماثلة في مدينة القدموس، سارع أعلام النظام الى الإعلان عنها هذه المرة ولكن تحت مسمى جديد.
أما حزب العمل الشيوعي المعارض في سورية، فقد أرجع الأحداث الى طبيعة النظام الاستبدادي، وهيمنة الأجهزة الأمنية على مؤسسات الدولة ونبه الى أن هذه الاحداث هي ملامح لحرب أهلية في المستقبل.
كذلل وصف السياسي المعارض فائق المير من بلدة القدموس ما حدث بين الطائفتين بالاستباحة الممنهجة من قبل شبيحة نظام الأسد لمدينة مصياف والقدموس.
في مرحلة الثورة السورية 2011، لم تحدث اصطدامات عنفية مباشرة، إنما التوتر كان واضح بين الطائفتين، بسبب اشتراك الشباب الإسماعيلي في مظاهرات واحتجاجات المدن السورية كافة.
لكن الحادثة العنفية ذات الطابع الطائفي في هذه المرحلة وقعت في يوم 2013/10/2، حيث قامت مجموعة من شبيحة منطقة القبو العلوية على طريق حمص مصياف بإيقاف سيارة تقل عائلته اسماعيلية، مكونة من الزوجين وطفلتين، المتجهين من السلمية الى القدموس، وذبحتهم جميعا..
رغم محاولات أجهزة أمن النظام السوري جر الطائفتين (الإسماعيلية والعلوية) الى التصادم في فترة الثورة السورية 2011 إلا أنه لم يحدث أي اصطدام بشكل واضح حتى في البلدات التي يقطنها الاسماعيليون والعلويون معًا، وهذا يعود الى وجود كتلة شبابية سياسية يسارية معارضة للنظام السوري أمضت سنوات عديدة في المعتقلات من كلتا الطائفتين فوتت فرصة الاصطدام هذي.
الاسماعيليون والشيعة الاثنا عشرية:
يشكل الشيعة الاثنا عشرية 0.4 في المائة من سكان سورية، لكن بعد الحرب الأمريكية على العراق 2003 ، وفدت أعداد تقدر بالآلاف من الشيعة العراقيين الى سورية حيث الآمن في سوريا، وأبرز المناطق التي يتواجد فيها الشيعة بسوريا هي: في العاصمة دمشق زين العابدين والجورة والأمين، وكفريا والفوعة شرق ادلب، والتي يبلغ عدد سكانها20 ألف نسمة كلهم شيعة، وفي درعا حيث يتواجد حوالي ألف نسمة، وفي حمص يتوزع الشيعة على قرى كثيرة أهمها أم العمد، وتوجد أقلية مهاجرة من لبنان تمركزوا في عدة مناطق منها: الشيخ مسكين، نوى- مزاريب، المليحة، الكسوة.
ما يجمع الطائفتين الإسماعيلية والاثنا عشرية الإيمان المشترك بإمامة ذرية “أهل البيت” والاعتراف المشترك بينهما بإمامة أبناء علي بن أبي طالب، وبالعودة الى التاريخ السوري الحديث تبين عدم وجود صدام تاريخي بين الطائفتين تاريخيًا في سورية،
بعد انتصار الثورة الخمينية عام1979 في إيران وشعارها الرئيس تصدير الثورة (تشيع المسلمين الآخرين) بدأت محاولات التشيع في الثمانينيات في السلمية من خلال جمعية المرتضى التي تزعمها جميل الأسد، وقد باءت بالفشل. وفيما بعد تشيع بعض الشباب في مدينة السلمية وريفها بأعداد قليلة جدا، الذين يعدون على أصابع اليدين، حيث تم بناء “حسينية” في الحي الشمالي الغربي في السَلمية قبل الثورة بسنوات. إلا أن الدخول الإيراني العلني في معركة النظام ضد غالبية السوريين عام2011، والاستقطاب السياسي والعسكري والاصطفاف مع النظام من قبل شرائح اجتماعية وطائفية من مستويات متعددة في المدينة، هو الذي أذن بالانطلاق العلني نحو تلك الظاهرة (التشيع)، مع مباركة ضمنية من النظام وممثليه الأمنيين والعسكريين في السلَمية بعد 2011، إضافة الى عدم اعتراض المجلس الشيعي الإسماعيلي الأعلى في السلمية.
الإسماعيليون والدروز:
الكثافة الأعلى للدروز السوريين في المنطقة الجنوبية بجبل العرب في محافظة السويداء، فضلا عن وجود أكثر من 40 ألف درزي في هضبة الجولان المحتل يتحدثون اللغة العربية، ويطلقون على أنفسهم اسم “الموحدين” ويشكلون نسبة (3 في المائة) من سكان سورية.
أما بالنسبة للعلاقة بين الاسماعيليين والدروز في سورية، يلحظ العلاقات الاجتماعية الحميمية بين مواطني الطائفتين في المدن السورية كافة وخاصة في دمشق وينادون بعضهم البعض بأولاد العم للدلالة على علاقات القرابة بينهما، وأن الطائفة الدرزية تعود في جذورها الى الإسماعيلية.
كذلك العلاقة بين الاسماعيليين وبقية المكونات الدينية ودية، ولا روايات عن صراعات ذات طابع ديني وطائفي، وخاصة مع المسيحيين حيث ينتشرون في كل أنحاء سورية وتحديدا في محافظة حماه حيث العلاقات الاجتماعية الحميمية بين الاسماعيليين والمسيحيين وكذلك الأمر في بقية المدن السورية كافة، وهم يمثلون نحو (10 في المئة) من السكان. ويعتبر المجتمع المسيحي في دمشق من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم.
وكذلك الأمر مع بقية المكونات الدينية والقومية (الكرد، التركمان، الشركس، الأرمن …الخ) في سورية بالودية، حيث لم تحدث أي اصطدامات عنفية على خلفية دينية أو غيرها.
الاسماعيليون والثورة السورية 2011.
شارك الإسماعيليون في مجمل التطورات السياسية التي عاشتها سورية ، منذ استقلالها عن السيطرة العثمانية، مرورا بالانتداب الفرنسي، وصولا الى مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث شارك “السلامنة” في الحياة السياسية عبر انتساب كبار العائلات التقليدية الأمراء ( الأمار)الى الأحزاب التقليدية التي كانت تحتل المشهد السياسي كالكتلة الوطنية وحزب الشعب، وقد وجدت القوى السياسية الجديدة التي انضمت الى المشهد السياسي السوري كالحزب السوري القومي الاجتماعي، والحزب الاشتراكي العربي، والحزب الشيوعي، تربة خصبة لها بين أبناء مدينة السلمية الذين اندفع شبابهم الى التحزب ضمن هذه الأطر التي انفضت لاحقا الى بيئة سياسية قوية مستندة الى أرضية قوامها كثرة المتعلمين بين السكان.
غير أن ولادة حزب البعث العربي الاشتراكي في العام 1947 لعبت دورا أساسيا في علاقة سكان مدينة السلمية بالعمل السياسي بشكل عام وخاصة وجود كوادر سياسية قيادية في الحزب أمثال سامي الجندي، وبخاصة بعد اندماجه مع العربي الاشتراكي، اكتسح الساحة بقوة، مستفيداً من المدّ القومي، وخاصة بعد ملاحقة أفراد الحزب القومي السوري أصبح القوة الضاربة المنتشرة ليس فقط لدى المتعلمين والنخب بل لدى الفلاحين والعمال في الأوساط الاسماعيلية،
على أثر انقلاب الأسد الأب في عام 1970، وبروز معارضة سياسية ذات طابع علماني حزب البعث الديمقراطي -قيادة 1966- ، الحزب الشيوعي – المكتب السياسي-، حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي – الاتاسي-، وحزب العمل الشيوعي – رابطة العمل الشيوعي سابقًا وأحزاب أخرى، كان للشباب الإسماعيلي دورًا قياديًا في هذه الأحزاب حيث تم اعتقال المئات منهم لسنوات عديدة في المعتقلات الأسدية.
استنادًا الى هذا التاريخ السياسي للإسماعيليين جاءت مشاركتهم طبيعية في الثورة السورية عام 2011 منذ انطلاقتها الأولى في المدن السورية كافة، ظهر ذلك من خلال اعتقال العديد من الشباب الإسماعيلي في دمشق وغيرها، وكذلك لم تتأخر مدينة السلمية – المركز الرئيس للإسماعيليين في سورية – من المشاركة من خلال التظاهرات والاحتجاجات السلمية، حيث انطلقت التظاهرة الأولى في مدينة السلمية بتاريخ 25 أذار حيث خرج بضعة أفراد على غفلة من الأجهزة الأمنية، تجمهروا في ساحة المدينة، وهتفوا للحرية لأول مرة تضامنا مع مدينة درعا.
استمرت التظاهرات والاحتجاجات ضمن السياق السلمي كما هو حالها في المدن السورية ملتزمة بشعارات الثورة السورية الرئيسة (الحرية، الكرامة، العدالة) بمشاركة المكونات الطائفية (الإسماعيلية، السنية، وبأعداد رمزية من العلوية) كافة في مدينة السلمية وريفها.
فيما بعد، وبالتحديد في شهر حزيران من عام 2011 انتهجت الأجهزة الأمنية منحى أخر للتعامل مع المظاهرات والاحتجاجات في السلمية، حيث دفعت أعداد كبيرة من المؤيدين للنظام لواجهة المتظاهرين بالعصي والحجارة بقيادة عائلة (آل سلامة).
التحول النوعي في مظاهرات السلمية حصل على أثر المجزرة التي ارتكبها النظام في مدينة حماه، التي سميت ب “مجزرة أطفال الحرية” حيث تجمع الالاف من الشباب في وسط مدينة السلمية للتبرع بالدم لأهالي مدينة حماه، ورفع في تلك التظاهرة شعار الثورة السورية الرئيس ” الشعب يريد اسقاط النظام” وشعار الحرية.”
في هذه الفترة، وجد الشباب الإسماعيلي في مدينتي مصياف والقدموس صعوبة في التظاهر والاحتجاج كما هو حاصل في مدينة السلمية بسبب التواجد الكثيف للعلويين الموالين للنظام” ،لذلك لجأ الناشطون الى الذهاب الى مدن أخرى (حمص، حماه، للتظاهر والقيام بالأعمال الثورية، وبالرغم من ذلك الوضع الأمني المعقد، ووبتاريخ 2011/8/20 خرجت مظاهرة هتفت للحرية. .
على أثر اقتحام مدينة حماه بتاريخ 31/7/2011 بعد تظاهرتها الكبرى التي تقدر بحوالي المليون، حدثت تحولات نوعية في نشاطات مدينة السلمية
في هذه الفترة حاول النظام خلق شرخ طائفي في مدينة السلمية بين الإسماعيليين والسنة وقد باءت بالفشل لوعي كلا المكونين لطبيعة النظام الاستبدادي.
بذلت الأجهزة الأمنية كل السبل بهدف إظهار الطائفة الإسماعيلية في المجتمع السوري أنها تقف الى جانب النظام، إلا أن مشاركة الشباب الإسماعيلي في تنسيقيات وتظاهرات المدن السورية ذات الأغلبية السنية من خلال اللافتات التي تبرز مشاركتهم في هذه التظاهرات والاحتجاجات أدى الى فشل جهود النظام بأصباغ التظاهرات والاحتجاجات بالصبغة الطائفية.
في هذه الفترة تعرّض مئات الشباب من مدينة السلمية وريفها الى الاعتقال والتعذيب، وتجاوز عدد المعتقلين الألف، وهناك عدد من المفقودين حتى الآن، بينما كانت قائمة المطلوبين تتجاوز الـ 400، وفي تشييع جنازة الشهيد الأول في السلمية (جمال الفاخوري) وقد واجه النظام المشيعين بالرصاص مما أدى الى استشهاد البعض وجرح العشرات .
وعلى أثر تحول الثورة السورية باتجاه الاعمال العسكرية، أيضا كان للشباب الإسماعيلي دورًا متواضعًا في العمل العسكري من خلال تشكيل بعض الكتائب العسكرية في الريف الشرقي والشمالي لمدينة السلمية من خلال التعاون مع بعض الفصائل الإسلامية المتواجدة في تلك المنطقة.
في بداية عام 2013 نفذ النظام بعض التفجيرات العسكرية في مدينة السلمية لتحويل أنظار الاسماعيليين باتجاه الخطر الطائفي القادم من السنة، والدعوة للتطوع فيما يسمى جيش الدفاع الوطني لحماية السلمية من الفصائل الجهادية السلفية. وبدأت تظهر حالات من الاصطدامات بين مجموعات مسلحة من الطائفتين الإسماعيلية والعلوية داخل مدينة السلمية، الذين ينتمون جميعهم تقريباً إلى مجموعات مسلحة موالية للنظام، وعلى أثر ذلك برز توجه سلموني عام ” اسماعيلي وسني من المعارضين والموالين بالدعوة لإخراج قوات الدفاع الوطني وحواجزها من المدينة، حيث خرجت مظاهرة موحدة طالبت بذلك في شهر أذار 2014 ، وكان رد ميليشيات النظام الممثلة بالميليشيات العلوية بالدخول الى مدينة السلمية ورفع الشعارات الطائفية، وفي تلك الفترة كان تنظيم الدولة( داعش) على الأطراف الشرقية والشمالية لمدينة السلمية يقصفها بالمدفعية بين الحين والآخر، وفي تاريخ 31/ 3/2015 اجتاح تنظيم الدولة قرية المبعوجة ونفذ مجزرة بحق المدنيين بتواطؤ من قوات النظام المتمركزة في المنطقة .
وفي تاريخ 23/ أيار/ 2017 يعود تنظيم ” داعش” ثانية لارتكاب مجذرة بحق المدنيين العزل في قرية عقارب الصافية التي تبعد عن مدينة السلمية بحوالي 25 كيلومتر مربع.
توقفت التظاهرات والاحتجاجات في مدينة السلمية، كالمدن السورية الأخرى بعد الانتقال الى العمل العسكري، وخاصة بعد تشكيل الفصائل الراديكالية السلفية، حيث شعر الاسماعيليون بأنهم وقعوا بين سندان النظام الاستبدادي ومطرقة الفصائل الاسلامية الراديكالية، ومثال ذلك التصريحات العدائية اتجاه مدينة السلمية من بعض المحسوبين على المعارضة ، ثم عامل الهجرة الذي فتح الباب واسعاً لمغادرة عشرات آلاف الشباب والعائلات معظمهم من المحسوبين على الثورة، وبخاصة بعد حصار سلمية من الجهات كلها: بقوات النظام التي راحت تستعيد المبادرة وتتسع بتشكيل قوات الدفاع الوطني، وتطلق اليد لعصابات الشبيحة قتلاً وتصفية واختطافاً وبلطجة يومية، وداعش التي وصلت تخوم المدينة واحتلت عدداً من القرى التابعة للمنطقة في الجهة الشرقية والشمالية والتي ارتكبت عدداً من المجازر، بينما توجد (جبهة النصرة) / جبهة تحرير الشام/ في المنطقة الجنوبية الغربية، وذلك كله يمنح النظام أوراقاً لمصلحته، وبخاصة أن حرب الإشاعات باقتحام المدينة من داعش وارتكاب مجزرة شاملة فيها كانت عامل خوف معمم اضطر الناس إلى السكوت لوجود النظام، وهم يعرفون أنه ضدهم، وأنه يخادعهم لكسبهم إلى صفّه..
كما أدت حملات التجنيد الإجباري وتردي الوضع الأمني والمعيشي إلى هجرة ما يقارب 6000 آلاف شخص تشكل العائلات ما نسبة 40 في المائة، ومن هم تحت سن العشرين 10في المائة، وتشكل الإناث النسبة الأقل، حسب إحصائية أهلية شبه رسمية.
أما بالنسبة للمؤسسات الدينية والتنموية الإسماعيلية ، كبقية المؤسسات الرسمية السورية عملت بالتنسيق مع مؤسسات وأجهزة النظام السوري، وكذلك كبقية المكونات السورية كان هناك العديد من أفراد الطائفة الإسماعيلية موالين له، بل وشكل البعض منهم مجموعات للتشبيح على أخوتهم المتظاهرين في المدينة.
بدلًا من خاتمة
أخيرًا أنهي هذه الدراسة ببعض الانطباعات الشخصية المعاشة من قبل (الكاتب) في المجتمع السلموني.
في البداية عن سؤال الهوية الطائفية الذي عادة ما يوجه ل (الكاتب) من قبل الأصدقاء في المدن السورية الأخرى ، والتردد في الإجابة بين (إسماعيلي أو سني)، حيث أجد الانتمائيين محببين لي، حيث انتماء أفراد عائلتي متشابك بين (السنة، الإسماعلية، اللاديني)، وهذا ما ينطبق على معظم عائلات مدينة السلمية، حيث من الصعوبة تمييز الانتماء الطائفي بناء على اسم العائلة فقط كما هو حاصل لدى بقية الطوائف السورية، انما يحتاج الى المعرفة الشخصية المباشرة.
أيضًا العلاقات الودية بين ” السلامنة” وبقية مكونات السورية الدينية والطائفية والعرقية كافة في المدن السورية كافة، باستثناء الاصطدامات التي حصلت مع العلويين في فترة تاريخية محددة (الحكم العثماني، الانتداب الفرنسي)، التي تركت سرديات الكبار (الأجداد) عن تلك الأحداث، التي عايشوها بعض رواسب الكراهية وعدم الثقة بين بعضهما البعض من الطائفتين وخاصة من المتدينين. ولكن ا نخراط الشباب الإسماعيلي والعلوي معًا في الأحزاب السياسية بعد استقلال سورية ، واليسارية المعارضة لنظام الأسد (الأب والأبن) وخاصة في حزب العمل الشيوعي واعتقال المئات منهم في سجون الأسد لسنوات عديدة، والعلاقات الاجتماعية الودية المتبادلة بينهم وبين عائلاتهم أزالت رواسب الكراهية هذي.
أما الانقسامات التي يمكن الحديث عنها لدى الاسماعيليين تقع في الحقل الأيديولوجي والسياسي، وتعود الى حقبة الخمسينات والستينات بين كل من البعثيين والقوميين السوريين بالدرجة الأولى و الشيوعيين بالدرجة الثانية، وخاصة في المرحلة الديمقراطية والانتخابات البرلمانية ( 1952 -1957) ، وفي السبعينيات بين المعارضين للنظام الاستبدادي ( البعث الديمقراطي-القيادة السابقة للبعث1966 ) حزب العمل الشيوعي، الحزب الشيوعي – المكتب السياسي( حزب الشعب الديمقراطي لاحقًا ) وبين بعث النظام وأحزاب ما يسمى الجبهة الوطنية التقدمية المؤيدين للنظام الاستبدادي.
كذلك الأمر في سنوات الثورة السورية 2011 انقسم المجتمع السلموني الى فريقين عريضين دون سما ت أيديولوجية أو حزبية سياسية، بل وصل هذا الانقسام الى العائلة الواحدة بين المشاركين في الثورة ومؤيديها وبين الشبيحة والمتطوعين في الدفاع الوطني والمواليين للنظام الاستبدادي.
الإسماعيليون كافة لم ينتابهم شعور الأقلية في سورية تاريخيًا، بل تطلعوا وعملوا من أجل العيش مع بقية المكونات السورية كافة في دولة تقوم على معايير الحداثة والمواطنة. التي هي الوحيدة الضامن لمستقبل السوريين كافة.

المصادر والمراجع:
1- أمين، محمود، سلمية في خمسين قرنًا، (دمشق، مطبعة كرم، 1983).
2- تامر، عارف، تاريخ الإسماعيلية (1) الدعوة والعقيدة، رياض الريس للكتب والنشر، لندن – قبرص، ط1، 1991.
3- بطاطو، حنا، فلاحو سورية، ترجمة عبد الله فاضل، رائد النقشبندي، ط1، بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. تشرين الأول 2014.
4- الجندي، أحمد لهو الأيام، مذكرات، ط1 رياض الريس للنشر، بيرووت،1991.
5- الجندي، سامي، البعث، (بيروت – لبنان، دار النهار للنشر 1969).
6- حسين، محمد كامل، طائفة الإسماعيلية، تاريخها. نظمها. عقائدها، ط1، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1959)
7- خوندة، محمد، “تاريخ العلويين وأنسابهم”، ط1، دار المحجة البيضاء- بيروت2004.
8- دفتري، فرهاد، تاريخ الإسماعيليين الحديث الاستمرارية والتغيير الجماعة مسلمة، ترجمة سيف الدين القصير، (بيروت – لبنان، معهد الدراسات الإسماعيلية- دار الساقي، 2013).
9- السبحاني، جعفر، “بحوث في الملل والنحل (اسماعيلية)، المجلد8، (قم – إيران، مؤسسة الامام الصادق)
10- السلومي، سليمان عبد الله، أصول الإسماعيلية دراسة. تحليل. نقد، المجلد الأول، ط 1، دار الفضيلة، الرياض – السعودية 2001.
11- غالب، مصطفى، تاريخ الدعوة الإسماعيلية، دار الأندلس، بيروت، بدون تاريخ نشر.
12- غالب، مصطفى، أعلام الإسماعيلية، منشورات دار اليقظة العربية، بيروت 1964.
13- غالب، مصطفى، الثائر الحميري الحسن بن الصباح، دار الأندلس، بيروت، 1979.
14-كرد علي، محمد، خطط الشام، الجزء الثالث، ط3، (دمشق، مكتبة النوري، 1983).
15-مظهري، محمد، أوضاع الشيعة في سوريا مركز بيروت لدراسات الشرق الأوسط، تاريخ النشر 1/6/2014.
16- يونس، عبد اللطيف “ثورة صالح العلي “، سلسة: رواد التحرير العربي عدد 1 – وزارة الثقافة السورية، ط2، دمشق، دار اليقظة العربية، د.ت)

 

المصدر: مجلة قلمون/ مركز حرمون للدراسات المعاصرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى