مشروع رؤية سياسية للثورة السورية

أحمد العربي

2 – سوريا في الثورة :

 المعارضة السورية والثورة….

اولا ً. لنتفق ان المعارضة السورية لم تكن صبيحة الربيع السوري تعبر عن امتداد شعبي وتنظيمي واسع، بل هي اقرب لان تكون معارضين وان يكون وجودها رمزي في الواقع .وإن فاعليتها تكاد تكون معدومة واغلبها إعلامي وحتى مغمور. خاصة أن النظام كان قد احتل المجال الحياتي في سوريا كاملا. خاصة السياسية منذ عقود.. وربط تحالفاته الإقليمية والدولية وفق منطق العصبة المتحكمة بشبكة علاقات دولية بمصلحية عالية الدقة سياسيا واقتصاديا. وبدأ يدخل في نسق الرأسمالية العالمية المتحكمة بالسياسة والاقتصاد وسوريا كلها في جيب النظام وعصبته.

ثانيا ً. كان واقع المعارضة السورية المنهكة بعد محاولاتها الاستفادة من الادعاء الذي قدمه النظام بعد تسلم الابن للحكم. فحاولت الأحزاب العريقة (التجمع الوطني الديمقراطي) ان تتقدم وتملأ المشهد . وتوصلت لتصنع إعلان دمشق. وكذلك توافق بعض المثقفين السوريين الذين أخذوا ينشرون عرائضهم من أجل الديمقراطية. وكذلك هيئات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية التي طالها كلها الاعتقال والاختراق والانشقاق سابقا وكان حالها صبيحة الربيع السوري اقرب للعطالة منه للفاعلية. ولم تكن تعبر إلا عن الحاجة التاريخية للدولة الديمقراطية في مواجهة استبداد النظام..

ثالثا ً. عندما بدأ الربيع السوري كانت المعارضة ككل الناس بين متخوف متشائم ومتفائل..وكانت في بياناتها مع حق الشعب بالديمقراطية وسلطة القانون والغاء تغول البعث وسلطة العصبة الطائفية الحاكمة على الدولة والمجتمع والمطالبة بالإصلاح. كان أغلب كوادرها وأنصارها جزء من الحراك الشعبي. لم تكن هي الفاعل أو الضابط للحراك. ومع الوقت أخذت جموع الحراك الشعبي تأخذ بالخطاب الوطني الديمقراطي. الذي عبر عن حاجات الناس للحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية. وساد هذا الخطاب بين المتظاهرين .وان لم يتصدر المعارضين المشهد في أغلب الأحيان…

رابعا ً. لم نذكر جماعة أحزاب (الجبهة الوطنية التقدمية).على أنها من المعارضة عن قصد، فهي ومنذ السبعينات من القرن الماضي. أداة في يد النظام تتحرك وفق أجنداته وتقدم له الغطاء السياسي لسلطته. وهي أقرب لفقهاء السلطان في السياسة. كما أن هناك فقهاء سلطان في الدين. ونعتبر ان هذه الاحزاب وتفرعاتها جزء من النظام وأدواته في الاستبداد .وان الثورة السورية تطالهم ايضا..

خامسا ً. عمل النظام على جبهة المعارضة. فقد عمل وبسرعة على تصدير بعض الوجوه السياسية المغمورة والمرتبطة بالنظام لتكون معارضة تتحرك وفق ما يريد النظام و أجندته. وظهرت وقتها مقولة الداخل والخارج. لان اغلب المعارضات الجدية بدأت تعمل من الخارج. وحصل حملة تخوين واستعملوا تعبير معارضة تحت سقف الوطن، وهذا عنى تحت إمرة النظام، او خطوطه الحمراء، وسرعان ما بهتت هذه المجموعات والحقت بالسلطة عبر وزارة للمصالحة الوطنية ظهرت أسوأ من النظام إعلاميا وعبر مشاركاتها الأقرب للعهر السياسي بحق الشعب السوري. وبعضها تورط بالوقوف عسكريا مع النظام وأوغل بالدم السوري .كبعض مجموعات من القوميين السوريين وصاروا من شبيحة النظام…

سادسا ً. كان هناك سجال بين أطراف المعارضة وحوار كثيف وحيوي. وحصلت مراجعات تطلبت اتخاذ مواقف ورؤيا. فالربيع تحول لثورة ويجب أن يكون للثورة واجهتها السياسية ورؤيتها الاستراتيجية عن الثورة وما يجب أن نفعله وكيف ؟. لقد وجد الثوار والسياسيين أنفسهم فجأة ينتقلوا من صالونات الحوار العقيم والمرتاح إلى البحث الجدي عن حلول. وإن الدم السوري المستباح يحتاج لمواقف منتمية وصادقة وصحيحة وتنتصر للشعب وثورته…

سابعا ً. كان لابد من حل مشكلة تمثيل الثورة سياسيا. حيث تداعى السياسيين والثوار لإن يشكلوا مظلة سياسية للثورة السورية. وتم تشكيل المجلس الوطني، الذي ضم الكثير من الثوار والناشطين السياسيين. وبعض الأحزاب المعارضة ورموز من إعلان دمشق الذي كان أكبر حالة سياسية معارضة في سوريا قبل الثورة. وكان مطلوب منهم إنجاز موقف والتحكم بالمسار السياسي وان لا يقعوا ضحية اجندات (الدول) أنصار الثورة السورية… وكانوا دوما في مواقفهم وأفعالهم. أقل من احتياجات الشعب السوري وثورته سواء لنقص ذاتي او عجز الإمكانيات، وعدم جدية الدول الداعمة. او قرارها أن تبقى المعارضة السورية ضعيفة. التي أصبحت مجلسا وطنيا و ان تكون تحت سيطرة أجندة الأطراف المساعدة إقليميا. او الدول الغربية وأمريكا أولها… وتم توسيع المجلس ليصبح ائتلافا ليتوسع ثانية ليصبح اقرب لان يكون معبرا عن الشعب وثورته وقواه الحية…

ثامنا ً. اختلف المعارضين ضمن مسار الثورة على امور جوهرية: اختلفوا على التدخل الخارجي.. وكان لسان حال الثوار واغلب المعارضة ان النظام يستعين بكل اركان الارض دوليا واقليميا ومحليا ضد الشعب بدأ من روسيا و ايران وعراق المالكي و حزب الله ومرتزقة من كل حدب وصوب. وان الشعب السوري وثورته له الحق بالاستعانة لإسقاط النظام بالدول الصديقة اقليميا وعربيا ودوليا دون حساسيه او احراج. خاصة ان النظام اعلن حرب ابادة على الشعب السوري…وكان رأي البعض أن الغرب لم يكن يوما مع شعبنا وان تدخله دوما كان كارثة على الشعوب العربية. وفي ذهنهم تدخل أمريكا في العراق واحتلاله وتاريخ الغرب مع العرب عبر قرون. وناقشوا كثيرا في ذلك. وبقي موقفهم ضعيفا فلم يجيبوا عن سؤال الشعب والثورة باننا ان لم نستعن بالآخرين فهذا يعني أن نترك الشعب للنظام؟. إما أن يبيده او يعيده عبيدا في مزرعته. واختلفوا أيضا على عسكرة الربيع السوري السلمي وانتقاله لثورة مسلحة. وان عسكرة الثورة تقدم ذريعة للنظام ليبطش بالشعب. وان هذه الساحة يمتلك النظام فيها التفوق المطلق. فعنده مليون إنسان تحت السلاح كجيش وآمن. وسلاح ليواجه (اسرائيل) ولو ادعاء. وكان الجواب ان العسكرة اضطرار وايضا نجيب ان النظام استعمل العنف العاري ضد الشعب السوري منذ البداية السلمية للربيع  وعدم مواجهته بالسلاح يعني مجددا ان يباد الشعب أو يعود عبدا في مزرعة النظام. واختلفوا أيضا حول دخول انصار الشعب السوري. ومحاربتهم مع الشعب ضد النظام وصنفوا كإرهابيين بينما اعتبرهم أغلب الثوار انهم قوة رديفة ممكنة الضبط لمصلحة الثورة. وإن اي مستجد يعالج حسب الحالة من موقع مصلحة الشعب وثورته..

تاسعا ً. حول هذه الرؤيا السياسية التي ترفض التدخل الخارجي. والانتقال الى العسكرة في الثورة ورفض المقاتلين الأجانب مع الثورة واعتبارهم ارهابيين. وغيرها من قضايا فرعية تشكلت هيئة التنسيق الوطنية من بعض الأحزاب والسياسيين والنشطاء من الداخل السوري وخارجه. وبدأت تعمل على خط ثالث بين النظام والثورة بشقيها السياسي والعسكري. وتم استيعابها من النظام وحلفائه .على قاعدة شق صف الثورة. فالروس يرحبون بهم وخطابهم والنظام يصدرهم كنموذج للمعارضة (الشريفه) وكذلك ايران. والشعب بأغلبه رفضهم وتعامل معهم بتجاهل وكأنهم غير موجودين. ولولا وسائل الإعلام الداعمة للنظام أو الخارجية التي تستخدم هذة الحالة لاظهار المعارضة على أنها غير موحدة وغير متوافقة على مستقبل سوريا. وان المعارضة مختلفة جذريا بفهم المشكلة السورية وحلها مع النظام. هناك في الهيئه الكثير من الشرفاء الذين تحتاجهم الثورة، وبعضهم من أدوات النظام التي تأخذ الهيئة إلى حصن النظام واستراتيجيته. والغريب أن النظام لم يقدم (عمليا) للهيئة في الواقع أي مكسب سياسي سوى الاستخدام الإعلامي ضد الشعب وثورته. والسماح لبعضهم بالحركة داخل سوريا وخارجها. واعتقال بعضهم كعبد العزيز الخير ورجاء الناصر وآخرين…

عاشرا ً. بعد تشكيل الائتلاف وتكامله وتشكيل الفصائل المسلحة على الأرض وتشكيل قيادات ميدانية وتكتلها عبر المجالس العسكرية المحلية. وعبر تشكيل هيئة الأركان وتواجد الناشطين والثوار في لجان التنسيق المحلية او هيئات الاغاثة او احدى مناشط الثورة وتبلور مواقف المعارضين مع الثورة وكل في موقعه. أصبح الجميع ناشطين وثوار ومعارضين أحزاب وتحالفات وتشكيلات جديدة. أصبحوا كلهم جزء من مجرى الثورة العام. واصبحنا امام شعب وله ثورته بجناحيها السياسي والعسكري…

احدى عشر . صار على الثوار سياسيين وعسكريين. ان يكونوا منتبهين للمهام المباشرة للثورة من خلال تأمين شروط التقدم لإسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية. ومن خلال التوافق على معالم سوريا المستقبل والتفاعل بين كل المكونات الشعبية والسياسية. والتوافق على القادم. وأن تنخرط بشكل مباشر بعملية توحيد سياسي للثورة عبر الائتلاف ومن خارجه من كل أطياف السياسيين والثوار والناشطين السوريين. وأن يكون الائتلاف وما يمت له مجالا مفتوحا للكل وبأي وقت ويكون الكل عند الحد الادنى لمطالب الثورة .اسقاط النظام ومحاسبته وبناء الدولة الديمقراطية…

إثنى عشر . اصبح على الثورة بكل فعالياتها. ان تقود عملية صراع على الأرض مع النظام لإسقاطه. وان تقود عملا موجها الداعمين الجدييّن للثورة لتأمين الإمداد من السلاح والمال والدعم السياسي. وأن تصنع توافقات تحافظ بها على اجندة الثورة وان تستجيب لمطالب المانحين..وان توحد الدعم والصرف وتعمل جديا للتوحيد السياسي والعسكري. وان تبلور موقفا محددا يعبر عن مصلحة الشعب وثورته للتعامل مع أي مستجد على الأرض أو مطلب دولي كمؤتمر جنيف وغيره..

.اخيرا ً.. لقد عاد الاعتبار للمعارضة السورية و تضحياتها عبر عقود في مواجهة النظام الاستبدادي وهي الآن جزء أصيل من الثورة السورية. حيث مكانها الطبيعي مع الثوار و لخدمة الشعب والعمل لانتصار ثورته. ثورة الحرية والكرامة والعدالة والتقدم والدولة الديمقراطية…

23.9.2013…

 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. قراءة دقيقة لواقع المعارضة السورية بشقيها الثوري أو العقائدي ذو البنية التنظيمية التي قارعت النظام لسنوات والمعارضة الرسمية التي أحدثتها الدول للتحدث باسم الثورة وتكون منفذة لأجنداتها .

زر الذهاب إلى الأعلى