
سامي صوفان (1931–1997)
سياسي قومي عربي ناصري، وأول أمين عام لـ”حركة الوحدويين الاشتراكيين”، “قلّما تجد كتاباً أو بحثاً يتناول الشأن السوري، إلا وكان اسم سامي صوفان حاضراً فيه.
في سياق الهوية والتحرر والوحدة
في كل تجربة عربية صادقة سعت إلى التحرّر والوحدة، لا بدّ أن نجد خلفها رجالاً آمنوا بأن هذه الأمة ليست تجمعاً سكانياً عابراً، بل كيانٌ تاريخي يحمل في داخله طاقات نهضوية مؤجلة، لا تتحقق إلا عندما يُستعاد المعنى الجوهري للهوية العربية: الكرامة، الوحدة، العدالة، وحرية الإنسان.
سامي صوفان، كان واحداً من هؤلاء. لم تكن مسيرته السياسية انعكاساً لتقلّبات السلطة أو استجابةً لتيارات عابرة، بل كانت تعبيراً صادقاً عن انحياز جذري لفكرة كبرى: أن المواطن العربي لا يمكن أن يتحرر ما لم تتحرر أمته، وأن طريق هذا التحرر يبدأ من تفكيك البُنى التي تركها الاستعمار وراءه: التجزئة، التبعية، القُطرية، والاحتكام إلى الخارج.
منذ شبابه الأول، انحاز صوفان إلى الفكر القومي العربي لا بوصفه أيديولوجيا جاهزة، بل باعتباره إطاراً لتحرير الإنسان العربي من القهر والتبعية. قرأ للكواكبي وزريق والحصري ودروزة ولعفلق وغيرهم، ثم رأى في عبد الناصر تجسيداً حياً لهذا الحلم العربي في أن تعود الأمة إلى ذاتها، وأن يكون للمواطن العربي صوت وكرامة وحدود مصونة.
خاض نضاله في مرحلة شديدة الحساسية من التاريخ العربي، حيث بدا كل شيء على المحكّ: مشروع الوحدة، مسألة فلسطين، سؤال الهوية، والاصطفاف بين الشرق والغرب. كان يؤمن أن الوحدة ليست اتفاقية بين أنظمة، بل شرط للحرية، وأن الحرية ليست مجرد شعارات دستورية، بل ممارسة فعلية لكرامة المواطن ومشاركته في تقرير مصيره.
صوفان الى اليمين عبد الناصر
النشأة والتكوين
وُلد سامي صوفان عام 1931 في مدينة يبرود بمنطقة القلمون السوري. منذ سنوات مراهقته، أظهر ميولًا فكرية واضحة نحو القومية العربية، متأثرًا بمناخات ما بعد الاستقلال، وبالأسئلة الكبرى التي شغلت جيله: فلسطين، الاستعمار، النهضة، والوحدة
عام 1947، انتسب إلى حزب البعث العربي بعد مؤتمره التأسيسي، وأصبح من المقربين إلى ميشيل عفلق كما يذكر أكرم الحوراني في مذكراته.
لاحقًا، التحق بجامعة دمشق لدراسة الحقوق، وكان من أبرز الناشطين في الخلية الطلابية البعثية (كما يذكر نبيل الشويري في كتابه حطام المراكب). حمل رتبة “عميد” في الحزب، وهي من الرتب التنظيمية المتقدمة.
عام 1957، انتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت لاستكمال دراسته، وهناك وجد نفسه في قلب التفاعل بين التيارات القومية، خصوصاً تلك التي تحمل الفكر الناصري كحركة القوميين العرب. وازداد يقينه بأن عبد الناصر يُجسد لحظة تاريخية لا تُفوَّت خاصة بعد العدوان الثلاثي وتأميم قناة السويس.
من الوحدة إلى الانفصال.. وعي لا يساوم
خلال الوحدة المصرية/ السورية (1958–1961)، برز صوفان كأحد الوجوه الشابة الفاعلة، فانتُخب رئيسًا لبلدية يبرود، ثم نائباً في مجلس الأمة في الجمهورية العربية المتحدة كعضو عن الأقليم الشمالي
كان من أكثر الأصوات دفاعاً عن الوحدة، معتبراً أن المستقبل العربي مرهون بتجاوز القطرية وتوحيد الإرادة
لكن في 28 أيلول 1961، وقع الانفصال. وكان صوفان من أوائل من تحركوا لإسقاط الحكم الانفصالي، بالتنسيق مع رفاقه، إلا أن المحاولة كُشفت، واعتُقل عدد من المشاركين. صوفان، الذي لم تصله التحذيرات، اعتُقل وسُجن ستة أشهر.
شهدت فترة اعتقاله مظاهرات جماهيرية، وخصّه عبد الناصر في أحد خطاباته، مطالباً بإطلاق سراحه، مهاجماً البعث بقسوة، وهو ما حدث لاحقاً
قبل اعتقاله، عقد اجتماعاً في منزله بدمشق ضمّ قيادات بعثية رافضة للانفصال. طُلب منه لقاء عفلق لإصدار بيان إدانة، لكن عفلق رفض بحجة ضرورة اجتماع القيادة. ردّ صوفان:
“لكن الحزب قد حلّ نفسه منذ عام 1958 مع إعلان الوحدة، فأي اجتماع يُعقد الآن؟”
حينها، أيقن أن القيادة التقليدية للبعث تخلّت عن التزاماتها الوحدوية. فقرر مع خمسين رفيقاً بعثياً الإنسحاب من الحزب وتأسيس حركة الوحدويين الاشتراكيين، وأصدرت بيان ترفض به الإنفصال، وتدين الموقعين على وثيقته، وتدعو إلى العودة الفورية للوحدة، وخلال هذا الإجتماع تم انتخاب سامي صوفان كأول أمين عام لها
ترافق هذا الإنسحاب من الحزب إلى تشظيه إلى أربع: القيادة القومية (عفلق والبيطار) والاشتراكيون العرب (أكرم الحوراني) والقطريون (عيد عشاوي ورهطه) والوحدويون الاشتراكيون (سامي صوفان ورفاقه)
قيادة “حركة الوحدويين الاشتراكيين”
منذ تأسيسها في نوفمبر 1961، قادت الحركة مقاومة نشطة ضد سلطة الانفصال. نُظّمت مظاهرات وإضرابات وبيانات، وواجهت السلطات بعنف: اعتقالات، تعذيب، سقوط شهداء.
كان صوفان يقود العمل التنظيمي بفعالية، واستقطبت الحركة فئات واسعة من الطبقات الشعبية والطلابية والمثقفين.
كان صوفان يُعدّ “الفتى المدلّل” لعبد الناصر وموضع ثقته، إذ لعب دوراً أساسيًا كحلقة الوصل بين القيادة السورية والقيادة المصرية الناصرية، خصوصاً في عهدي نور الدين الأتاسي وحافظ الأسد، وكان حاضراً في جميع الاجتماعات التي جرت بين عبد الناصر وهؤلاء القادة، خصوصاً بعد نكسة حزيران 1967، في سياق محاولات إعادة ترتيب العلاقة بين البلدين والبحث في توحيد الروئ والمواقف وأمور أخرى لا تقل أهمية في مواجهة آثار نكبة حرب حزيران 1967 وتداعياتها، وشؤون الوحدة بين الطرفين
المشاركة في ثورة 8 آذار 1963
في 8 آذار 1963، شاركت الحركة في الانقلاب الذي أطاح بحكم الانفصال، عبر مجلس قيادة الثورة (12 بعثيًا و8 ناصريين). رغم تحفظاته، دعم عبد الناصر هذا التغيير بوصفه خطوة نحو استعادة الوحدة.
شارك صوفان وسامي الجندي في مفاوضات الوحدة الثلاثية (مصر–سوريا–العراق) التي انعقدت في القاهرة، وأسفرت عن توقيع ميثاق 17 نيسان 1963.
لكن المشروع تعرّض لاحقًا للانقلاب عليه من داخل النظام نفسه، حيث بدأ “البعث العسكري” بتصفية الناصريين تدريجياً، وتسريح الضباط الموالين لعبد الناصر، وسط صمت أو تواطؤ من القيادة القومية للبعث.
أعضاء مجلس قيادة الثورة في سوريا مع الراحل جمال عبد الناصر
انقلاب جاسم علوان وخروج صوفان إلى مصر
في 18 تموز 1963، وقعت محاولة انقلاب ناصرية قادها جاسم علوان. كانت دموية، وراح ضحيتها مئات، وأُعدم أكثر من 20 ضابطاً ناصرياً. تدخل عبد الناصر فيما بعد وبوساطة احدى الدول الشرقية نجح في إنقاذ علوان من حبل المشنقة
بدأت حملة ملاحقات واسعة تطال الناصريين، فلجأ صوفان من يبرود إلى لبنان عبر الجبال الوعرة برفقة محمد الخير وزهير العقاد ومنير بريخان، ومنها إلى مصر
يروي صوفان أن الضابط (اللبناني) سامي الخطيب وكان برتبة ملازم تولّى إخراجه من مطار بيروت بجواز سفر مصري مزوّر باسم “سامي عبد العظيم” كـ“تاجر أدوية”، حصل عليه من السفير المصري في بيروت عبد الحميد غالب
في مصر: منفى النضال وبيت العرب
في القاهرة، بدأت مرحلة جديدة من العمل السياسي. كانت مصر آنذاك مركزاً للعرب المعارضين، وبيتاً مفتوحاً للحركات القومية والتحررية العربية
بنى سامي صوفان علاقات وثيقة مع قادة كبار في النضال العربي، من المغرب العربي والمشرق، أمثال المهدي بن بركة، إبراهيم طوبال، أحمد بن بلة، والفقيه البصري، وأعضاء من قادة جبهة التحرير الجزائرية، وإياد سعيد ثابت من العراق، وأحمد الخطيب من الكويت، وغيرهم ممن كانت القاهرة ملجأً آمناً لهم
المناصب التي تولاها:
٠عضو مجلس الأمة في الجمهورية العربية المتحدة 58-61
٠عضو مجلس قيادة الثورة ووزير التموين في حكومة البيطار 8 آذار 1963
٠ وزير الاشغال في حكومة نورالدين الاتاسي 1969
٠ وزير دولة لشؤون التخطيط في حكومة حافظ اسد تشرين 1970
٠وزير دولة لشؤون التخطيط في حكومة عبدالرحمن خليفاوي نيسان 1971
٠وزير دولة ورئيس المجلس الاقتصادي والأجتماعي في وزارة إتحاد الجمهوريات العربية المتحدة عام 1972، ثم رئيس مجلس الوزراء في اتحاد الجمهوريات العربية بين عامَي 1974 و1976.
قدّم صوفان استقالته من رئاسة الوزارة في اتحاد الجمهوريات العربية عام 1976، احتجاجاً على تآكل المشروع الوحدوي نتيجة الخلافات المستحكمة بين السادات والأسد بعد حرب تشرين، لكن الاستقالة لم يُبتّ بها رسمياً بسبب تعذّر اجتماع الرؤساء الثلاثة.
ولأن زيارة السادات إلى القدس كانت في نظره إعلان وفاة لهذا الحلم الذي نذر له حياته، غادر صوفان القاهرة نهائياً عشية الزيارة، في موقف عبّر فيه عن رفضه العميق لانهيار المشروع القومي.
ومع اقتراب ذكرى الثالث والعشرين من يوليو، تستعاد سيرة سامي صوفان كواحد من ملايين العرب الذين آمنوا بحلم الوحدة والحرية والكرامة… لم يكن صوفان إلا واحداً من أولئك الذين وضعوا أنفسهم في قلب المشروع القومي، وعاشوا على عهد عبد الناصر، للحق وللأمة، من غير أن يطلبوا مجداً شخصياً ولا موقعاً. واليوم، تعود هذه الذكرى لتُذكرنا أن الرجال الكبار هم أبناء القضايا الكبرى، وأن سامي صوفان كان بحق صوتاً من أصواتها الأمينة.
*الكاتبة ابنة القيادي الناصري الراحل سامي صوفان
المناضل العروبي الناصري الراحل “سامي صوفان” (1931–1997)، إنطلق من اللإنتماء القومي العروبي بحزب البعث ثم مع الوحدة كان أكثر إقتناعاً بالناصرية، ليكون من المؤسسين لحركة الوحدويين الإشتراكيين” وأول أمين عام لها ، في الذكرى الـ73 لثورة يوليو ، نستذكر مسيرة نضاله ، الله يرحمه ويغفر له ويسكنه الفردوس الأعلى.