” الاتجاه المعاكس” والتطبيع

عبد الرحيم خليفة

في واحدة من سخريات القدر والسياسة ومهازل التاريخ، أن ينبري صهيوني للدفاع عن الشعب السوري، في مواجهة ” سوري” يجهد نفسه للدفاع عن مجرم وقاتل كبشار الأسد ونظامه!

الكوميديا السوداء التي شاهدها الملايين في برنامج د . فيصل القاسم ( الإتجاه المعاكس) – حلقة 15- 11 الأخيرة – ربما كانت احدى أسوأ حلقات برنامج كان يحظى بجماهيرية واحترام واسعين ، لجهة الضيوف والغايات المرجوة منه .

والجدير بالذكر أن ( مركز حرمون للدرسات ) عقد ندوة مهمة عن ( الجولان المنسي) قبل ايام ، شارك فيها نخبة من الباحثين لبلورة رؤية عن العامل الإسرائيلي في الأزمة السورية ، ونالها نصيب وافر من النقد بسبب توقيتها، وجدوى فتح ملف كهذا.

كثيرون اليوم لم يعودوا يرون في إسرائيل عدوا جراء ما يلاقونه من نظامهم ، وعندما يستمعون لكوهين – الصهيوني ضيف الإتجاه المعاكس- يتحدث من منطلق حقوق الإنسان ، ويدين جرائم الأسد وعصابته ، يعقدون مقارنات تميل لصالح إسرائيل في غياب رؤية جامعة خلخلتها المذابح اليومية ، كما عبرت عن ذلك تعليقات السوريين عن الحلقة على مواقع التواصل الإجتماعي ، وخصوصا أن وهم البعض ، قبل ذلك ، قادهم لزيارة إسرائيل علنا، ومحاورة الإسرائيلين عن مصالح مشتركة في الاطاحة بنظام الأسد ، والإنتهاء من حالة اللاحرب واللاسلم معها، ومحاولات متفرقة تفتش عن باب للنجاة من هذا الصراع ، والتطبيع مع اسرائيل ، بسبب الاعتقاد بأولوية الصراع مع المشروع الإيراني- الفارسي الذي يتعمق ويتفاقم باطراد , ويخترق الجسد العربي كونه من بنية هذا الجسم وخلاياه .

بالعودة الى التاريخ قليلا ومن باب التذكير، ليس إلا، ينبغي القول إن الحديث عن دور إسرائيل في إيصال الأسد الأب للحكم والتمسك ببقاء الابن لم يعد اليوم سرا يحتاج إلى أدلة وبراهين ، لأن الصمت الإسرائيلي على مدى سنوات من عمر الثورة أصبح كلاما في العلن ، ومواقف ورسائل متبادلة مع أطراف دولية فاعلة ( روسيا مثلا ) وخدمات مباشرة تصب في مصلحة الأسد ومساعدته بتجميد بعض الجبهات المحاذية لحدودها أو القريبة منها ، بضغط من الدول التي تتحكم بالقرار السوري حاليا . كل ذلك يقودنا إلى القول إن إسرائيل هي الحاضر – الغائب على الدوام في الموضوع السوري ، وتجاهله أو المراهنة على تغييره دلالة جهل سياسي ، وعدمية ثقافية ، تقود إلى مهالك ومخاطر ، فهذه “الدولة” ليست مدينة ألعاب إلكترونية يلهو بها الأطفال ، بل دولة لها استراتيجاتها وسياساتها الواضحة منذ تأسست في قلب المشرق العربي كقاعدة متقدمة للمشروع الغربي الاستعماري الذي يأخذ اليوم أشكالا مختلفة ومتعددة .

 مواقف كوهين في النتيجة لا تلزم “الدولة” الإسرائيلية بشيء وتظهرها بمظهر الغيورة على القيم الإنسانية والحريات والمؤيدة لخيارات الشعوب في تقرير مصيرها ، وهي التي إستقبلت جرحى في مستشفاياتها ، وقدمت سلالا غذائية لمحاصرين جائعين ، في دور جوهره واضح جلي إلا لمن فقد البصيرة .

الذين انتبهوا مبكرا للعامل الإسرائيلي في الأزمة السورية ، كعامل مؤثر وفاعل إلى حد كبير، هم فئة قليلة , ومثلهم الذين سلطوا الضوء عليه ، بل إن كثير من المختصين ، وليس العامة فقط ، من ظنوا وفسروا الصمت الإسرائيلي بالحياد الايجابي لصالح تغيير النظام ، وهؤلاء هم من صدقوا على مدى سنوات “مقاومة” النظام و”ممانعته”.

المعارضة السورية في مؤتمرها الوطني العام في القاهرة تموز/ يوليو 2012 أجمعت على أن الجولان أرض سورية محتلة وجزء لا يتجزأ من سورية ، يجب استردادها وفق القانون الدولي . وعليه فلا أحد يريد رمي إسرائيل في البحر، أو يتبنى الخيار العسكري ، ولكن ليس من المنطق والسياسة بشيء تقديم تنازلات مجانية ، ويعتبر دفاع (الاسرائيلي كوهين) عن الشعب السوري خطاب سلام ومودة , يعكس معاني الحرص على القيم الإنسانية ، وخصوصا مع دول الجوار، الحريصة على أفضل العلاقات معها . كما أن تبني (خطاب سياسي عصابي يتنكر لقضية الجولان وأهله) أو الاعتقاد بأن إسقاط نظام الاسد يتم (عبر تقديم أوراق الإعتماد لإسرائيل) من قبيل الوقاحة والسذاجة , كما وصفهم الدكتور حازم النهار في رده على منتقدي مركز حرمون الذي يرأسه والذي نظم ندوة الجولان المنسي.. الحديث اليوم عن إسرائيل ودورها ليس من نسج الخيال أو نتاج ثقافة مرحلة كان النظام يحقنها بأوردة شعبه ليبقى حاكمهم إلى الأبد ، وإنما هو تحليل يستند إلى الواقع والتاريخ ، يحلل المشهد وينظر إليه من جوانبه المختلفة .

لم يخلق هذا الفهم مع نظام الأسد أو البعث لينتهي معه ، وليس هو نتاج تفكير مريض مشبع بنظرية المؤامرة , ولكنه تقرير واقع لا يمكن التعامي عنه ، ويتطلب آليات مغايرة عما ساد في العقود الماضية , ليس منها بالتأكيد ما رأيناه من البعض بمجانية مطلقة . وفق ذلك من المستغرب حقا أن لا تجد الجزيرة وفيصل القاسم غير كوهين حتى لو كان موضوع الحلقة ذا صلة باسرائيل ومواقفها , وتعرية لنظام المقاومة والممانعة الزائفة ، وما ذلك إلا نوع من التطبيع النفسي والاعلامي الذي تصبح معه “الخيانة وجهة نظر” ليس إلا .

إن شعبنا الجريح، باعتقادي، لا ينتظر عونا أو شفقة من إسرائيل ، كما لا يطلبها من نظامه ، والمروجين لذلك أظنهم لم يستفتوه وليسوا مفوضين للحديث باسمه .إن قضية الجولان المحتل فيما لو نزعناها عن إطارها القومي ، وجاز لنا ذلك، قضية وطنية بامتياز، مؤجلة لحين استعادة سورية لعافيتها ، وإنتقالها إلى نظام ديمقراطي تعددي ، والشعب هو صاحب القرار الأول والأخير فيها ، وفق مصالح الأمن والسيادة والقانون الدولي . ومن غير مقبول الآن التلاعب بها وإستباق إرادة السوريين وقرارهم . يقول حازم النهار في توضيحه نفسه : إسرائيل ضدنا دائما وأبدا وعلى طول الخط , وهي حاضرة في خلفية المشهد منذ اليوم الأول للثورة , وعليه فالتلاعب الإعلامي وتزييف بعض الاشخاص لحقائق ثابتة ومحددة , لا مبرر له , وهي لا تحتمل قراءات متعددة .

========

المصدر: صحيفة الغربال 

05_ 12_ 2016

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى