يعود الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان للمرة الثالثة إلى بيروت في إطار مهمته مساعدة المسؤولين اللبنانيين على إيجاد حلٍّ للأزمة الرئاسية، وسط ترقّب لما قد يحمله في جعبته من مبادرة أو مسعى جديد، خصوصاً بعد تعثر الحوار الذي دعا إليه رئيس البرلمان نبيه بري، علماً أن الأوساط السياسية المحلية غير متفائلة بحصول أي خرق جدّي قريب على مستوى الملف الرئاسي.
ومن المنتظر أن يصل لودريان في الساعات المقبلة إلى العاصمة اللبنانية بعد جولتين سابقتين له، في يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز الماضيين، بناءً على طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي عيّنه موفده الشخصي من أجل لبنان، وذلك في إطار المسعى الفرنسي والدولي والعربي لمساعدة القادة اللبنانيين على انتخاب رئيسٍ للجمهورية ووضع حدٍّ للشغور الرئاسي، الذي يدخل في نهاية الشهر المقبل عامه الأول.
وأكد لودريان في يوليو الماضي، أنه عائدٌ إلى بيروت بعدما اقترح على جميع الجهات الفاعلة التي تشارك في عملية انتخاب رئيس دعوتهم من أجل عقد لقاء في سبتمبر/ أيلول الجاري، يرمي إلى بلورة توافق بشأن التحديات التي يجب على رئيس الجمهورية المستقبلي مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالنتيجة المواصفات الضرورية من أجل تحقيق ذلك.
ويصبو هذا اللقاء، بحسب لودريان، إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع البرلمان في أعقاب ذلك وضمن ظروف مواتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً.
استكمال مهمة تقريب وجهات النظر
في هذا الإطار، يقول مصدرٌ دبلوماسيٌّ فرنسيٌّ، لـ”العربي الجديد”، إن “لودريان يدرك حجم الأزمة في لبنان، واستطلع آراء المسؤولين الذين يختلفون حول شكل الحوار، وتوقيته، وجدول أعماله، وسيستكمل مهمته في محاولة تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء، وحراكه مستمرّ وقد تنتج عنه زيارة رابعة، لكن أي مسعى سواء كان فرنسياً أم دولياً وخارجياً، لا يمكن أن ينجح إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم لحلّ الأزمة”.
ويشير المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنه “على السياسيين في لبنان أن يضعوا خلافاتهم جانباً ويجلسوا معاً لإيجاد مخرج بأسرع وقتٍ ممكنٍ، إذ هناك ضرورة ملحّة لإنهاء الشغور وإعادة تفعيل المؤسسات المعطّلة وناقصة الصلاحيات، خصوصاً مجلس النواب الذي عليه أن يقرّ قوانين مالية إصلاحية يشترطها صندوق النقد الدولي لمساعدة البلاد على النهوض اقتصادياً”.
ويؤكد المصدر أن “فرنسا وشركاء لبنان الذين يجهدون على خطّ الملف الرئاسي لم ولن يختاروا اسماً للرئاسة، فهذا شأنٌ لبنانيٌّ، وبالتالي فإن لودريان لا يحمل معه اسماً معيناً لرئاسة الجمهورية، والرسالة التي بعثها إلى النواب اللبنانيين كان هدفها الحصول منهم على إجابة خطية ورسمية حول موقف كل كتلة من مواصفات الرئيس وبرنامج العهد الجديد، وذلك بنية الوصول إلى تقارب في وجهات النظر والتقاء بين القوى، وهو ما تنتظره فرنسا من القادة اللبنانيين”.
وبعث لودريان في 15 أغسطس/ آب الماضي، رسالة إلى رؤساء الكتل النيابية في لبنان، ومجموعة من النواب يصل عددهم إلى 38 نائباً، يطلب فيها بشكل رسمي الإجابة الخطية والموجزة قدر المستطاع عن سؤالين، الأول ما هي بالنسبة إلى فريقكم السياسي المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟ (أي الولاية الرئاسية في لبنان)، والثاني ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟
ولم تعجب رسالة لودريان القوى السياسية في لبنان، التي عبّرت عن امتعاضها منها، لمخالفتها الأصول الدبلوماسية والسياسية، وخصوصاً القوى المعارضة لحزب الله وفريقه السياسي، التي كانت أوّل من أعلن رفض الإجابة خطياً عنها، كما واستبقت أي مبادرة فرنسية لحوار لبناني بتأكيدها أن شكل التفاوض الوحيد المقبول وضمن مهلة زمنية محدودة هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل بعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي، وحصر حفظ الأمنين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية.
المعارضة تستبق برفض أي طرح حوار من قبل لودريان
وأكدت القوى المعارضة في أكثر من موقف لها أن مرشحها للرئاسة لا يزال وزير المال السابق جهاد أزعور، والذي تقاطعت عليه أيضاً مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وأنها منفتحة على أي مباحثات ثنائية قد يجريها لودريان، لكنها ترى في المقابل أن أي مسعى فرنسي أو خارجي لن ينجح طالما أن حزب الله وفريقه السياسي يقاربون الملف الرئاسي من زاوية “مرشحي رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو الفراغ”.
كما تتمسّك القوى المعارضة برفضها الحوار الذي دعا إليه رئيس البرلمان نبيه بري لسبعة أيام في سبتمبر الجاري على أن تتبعه جلسات متتالية لانتخاب رئيس، باعتباره مناورة وطرحاً غير دستوري ويهدف إلى فرض إيصال فرنجية لسدة الرئاسة، مكررة مطلبها الدعوة السريعة لعقد جلسة لانتخاب رئيس وفق الأصول الديمقراطية الدستورية من دون أي شروط مسبقة.
وفي وقتٍ لم توزع فيه السفارة الفرنسية في بيروت بعد جدول برنامج الموفد الرئاسي، علم “العربي الجديد”، من أكثر من نائب في قوى المعارضة، أن عدداً كبيراً من النواب لم يتلقَّ بعد أي دعوة فرنسية لعقد لقاء مع لودريان في قصر الصنوبر، مقرّ السفارة الفرنسية في بيروت، وهناك مشاورات في صفوفها لكيفية مقاربة هذه الزيارة والتعاطي معها.
من جهته، يقول مصدرٌ مقرّبٌ من بري، لـ”العربي الجديد”: “إن مواعيد لقاءات لودريان لم تحدد رسمياً بعد، لكن منتظر أن تكون غداً الثلاثاء”، لافتاً إلى أن “رئيس البرلمان يعوّل على هذه الزيارة لإحداث خرق جدي بالملف الرئاسي، لكنه في الوقت نفسه يكرّر كما في كل مناسبة أن الحل يجب أن يكون داخلياً وبتوافق لبناني”.
كما يلفت المصدر إلى أن “دعوة بري إلى الحوار كانت لملاقاة لودريان، وهو لم يتراجع عنها، بل يتريث بها في ظلّ رفضها من قوى سياسية، ولا سيما حزب “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع، وحزب “الكتائب اللبنانية” برئاسة النائب سامي الجميل، ونواب معارضين يُفضل أن يكونوا جميعاً موجودين على الطاولة، ولو كان عددهم أقلّ من الذين أيدوا الخطوة، وذلك لأن انتخاب الرئيس يستوجب توافق الكلّ أو شبه إجماع”.
على خطٍّ آخر، يبقى الحوار الثنائي الحاصل حالياً على الساحة اللبنانية هو الذي يدور بين باسيل وحزب الله، ويبحث بالأسماء والشروط الرئاسية والمطالب المتبادلة، بيد أن أي تطور جدي لم يسجّل حتى اللحظة.
المصدر: العربي الجديد