الهجوم الإسرائيلي على غزة سيستمر بغض النظر عن حجم الخسائر التي سيلحقها القصف في صفوف المدنيين داخل القطاع ومهما بلغت فظاعة معاناة الفلسطينيين هناك. فالحكومة الإسرائيلية اتخذت قرار الحرب مدركة العواقب، كما أن الولايات المتحدة والغرب يدركان ما يعنيه إعطاء إسرائيل الدعم المطلوب لتنفيذ هذا الهجوم الذي يهدف بحسب القيادة الإسرائيلية إلى تدمير البنية التحتية العسكرية لـ”حماس” في غزة وإنهاء الدور العسكري للحركة. لكن سقف الهدف الإسرائيلي مرتفع والطموحات كبيرة. فماذا يعني الانتصار لإسرائيل في هذا الحرب؟ هل هو القضاء على كل العناصر المسلحة لـ”حماس”؟ أم هو تدمير المخازن ومصانع الصواريخ والأسلحة والأنفاق في القطاع؟ ما هي الكلفة المقبولة إسرائيلياً وغربياً من خسائر في صفوف المهاجمين والمدنيين الفلسطينيين لهذا الهجوم؟
أسئلة عديدة بلا إجابات واضحة عليها. حتى المراقبون في إسرائيل والغرب لا يملكون إجابات واضحة، وبعضهم يعتقد أن القيادة الإسرائيلية لا تملك رؤية واضحة، خاصة لما سيحدث بعدما تقرر أن الهجوم حقق أهدافه بغض النظر عما سيكون شكلها النهائي. فحصار المدن شيء صعب ومكلف للطرف المهاجم ويحتاج إلى زخم إعلامي كبير لتجميل صورته وتبرير الفظائع التي تُرتكب. إسرائيل ليست بغريبة على ذلك. فهي حاصرت العاصمة اللبنانية بيروت عام 1982 وارتكبت العديد من المجازر أشهرها صبرا وشاتيلا. لكنها تتكل على انتقال الحدث وصرف انتباه الرأي العام الدولي عنه بافتعال حدث مهم في اليوم التالي. والشارع العربي عاطفي ويعيش معظمه لحظة الحدث وما يلبث أن تشغله همومه لينسى ويركز على شيء آخر. فما أكبر من حدث كقصف مستشفى هو إدخال المساعدات وربما تبادل الرهائن أو فتح جبهة أخرى أو بدء الهجوم البري.
لا تستطيع إسرائيل وقف العمليات العسكرية قبل أن تتيقن من أن هيبة الجيش الإسرائيلي قد رُممت وبأنها استعادت عامل الردع. فالدولة العبرية تتكل على دعم اليهود في الخارج واستمرار هجرتهم إلى إسرائيل لزيادة عدد السكان، ما يساعدها على النمو والبقاء. وجود جيش إسرائيلي يتفوق عسكرياً على نظرائه من دول المنطقة ويملك مستوى عالياً من الردع هو ما يشعر المهاجرين بالأمان الكافي لترك بلدانهم في الغرب والانتقال إلى إسرائيل. انهيار سمعة الجيش وقوة الردع سيؤثر سلباً على هجرة اليهود وسيؤدي إلى هجرة معاكسة، ما يهدد مصير دولة إسرائيل. وعليه، فإن العمليات العسكرية الإسرائيلية ستستمر رغم الشكوك المحلية والدولية في نتائجها وعواقبها.
أكثر ما يقلق القيادة الإسرائيلية هو ما قد يحدث على الجبهة الشمالية. فهي لا تزال تتحزر إذا ما كان “حزب الله” وبإيعاز من طهران سيفتح الجبهة، ما سيدفعها للقتال على جبهتين. إرسال الولايات المتحدة حاملتي طائرات مع مجموعة من البوارج والمدمرات المسلحة بالصواريخ البالستية وأسراب من المقاتلات الهجومية ولواء من المارينز يوفر لإسرائيل أداة يؤمل أنها ستردع “حزب الله” وإيران عن التدخل. لكن ماذا إن فشل الردع وفتح “حزب الله” الجبهة، فهل ستتدخل أميركا وتقصف مواقع “حزب الله” في لبنان وسوريا؟ كيف سيكون رد فعل الشارع الأميركي في هذه الحالة، بخاصة أن جزءاً كبيراً منه يعارض الدخول في حرب جديدة في الشرق الأوسط؟
أما بالنسبة إلى “حزب الله”، فإن قرار فتح الجبهة مع إسرائيل ليس بالأمر السهل. فقيادته والقوى السياسية الأخرى والشعب اللبناني ترى مدى شراسة الهجمات الإسرائيلية الجوية والبرية والبحرية على قطاع غزة، وبالتالي، فهي تتوقع رداً مشابهاً على لبنان في حال دخول الحرب. ورغم وجود من يؤيد خطوة كهذه داخل بيئة “حزب الله” الشيعية، إلا أن هناك العديد ممن يخشاها ولا يتمناها وقد أعلم مسؤولي “حزب الله” بذلك. فغالبيتهم خسروا أموالهم في المصارف ولا يملكون من المال ما يمكّنهم من الهرب أو إعادة إعمار منازلهم إذا ما دُمرت. والوضع الجيوسياسي اليوم يختلف عما كان عليه عام 2006. فإيران تقع تحت حصار وتواجه مشكلات في تحصيل أموالها، وبالتالي لن تكون قادرة على التعويض على عوائل “حزب الله” كالمرة الماضية. كما أن الدول العربية غير راضية عن “حزب الله” وأداء الحكومة اللبنانية، وبالتالي لن توفر الأموال لإعادة إعمار لبنان وتسليمه إلى “حزب الله” (إيران). فإن توفرت الأموال فهي ستأتي ضمن شروط، وربما ضمن اتفاق إقليمي.
الأسئلة الأكثر أهمية التي يجب على “حزب الله” طرحها هي عن كيفية تعامل فئات الشعب اللبناني مع مقاتليه وقاعدته الشعبية خلال حرب جديدة مع إسرائيل؟ فعلى سبيل المثال، هل ستسمح القرى ذات الغالبية الدرزية في الشوف والمتن لمقاتلي “حزب الله” بإطلاق الصواريخ من داخل مناطقهم وقرب قراهم؟ اللبنانيون يذكرون ماذا حدث في قرية شويا الدرزية في آب (أغسطس) 2021 عندما أوقف بعض المسلحين الدروز راجمة صواريخ للحزب كانت تشارك في تدريب في أحد أحراج القرية. وكاد الأمر يتطور إلى اشتباك مسلح لولا تدخل قيادات الطرفين. اليوم أعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن رفضه إدخال لبنان في أي حرب في المنطقة، وبالتالي فإن قاعدته الشعبية لن تكون متسامحة مع استخدام مقاتلي “حزب الله” مناطقه لإطلاق الصواريخ، ما يعرّض قراها للنيران الإسرائيلية. والأمر عينه صحيح عن المسيحيين الذين يخشون استخدام مناطقهم في أعالي كسروان وجبيل لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. ولقد شهدت الساحة اللبنانية حوادث إطلاق نار واشتباكات بين بعض القوى المسيحية و”حزب الله” خلال السنوات الماضية. وبالتالي، فإن إمكان حصول مواجهات وارد إذا ما حاول “حزب الله” استخدام مناطقهم في الحرب المقبلة.
في حرب 2006 لجأ العديد من اللبنانيين إلى سوريا وأقاموا هناك حتى انتهاء الحرب أو هرب بعضهم عبر مطار دمشق. اليوم سوريا في حال من الفوضى نتيجة الحرب الأهلية ومطاراتها أقفلها القصف الإسرائيلي. وبالتالي ليست سوريا بوضع يسمح لها باستقبال عشرات آلاف النازحين اللبنانيين. كما أن هناك نحو مليوني نازح سوري في لبنان. فماذا سيكون مصيرهم في الحرب المقبلة وهل سيسمح لهم النظام السوري بالعودة؟ ومن المتوقع أن تؤدي أي حرب مقبلة إلى موجة نزوح كبيرة من جنوب لبنان والبقاع شمالاً وغرباً في وقت تشهد الساحة اللبنانية انقساماً حاداً بين مؤيد ومعارض لـ”حزب الله”. فالانقسام الداخلي وغياب الدعم العربي هما أكبر نقطة ضعف لـ”حزب الله” في أي حرب مقبلة، رغم وجود البعد الفلسطيني لها عبر غزة.
يعاقب الغرب إيران و”حزب الله” على ما أقدمت عليه حليفتهما في محور الممانعة “حماس” عبر إنهاء مفاعيل التفاهمات التي كانت قد توصلت إليها واشنطن مع طهران في مفاوضات الملف النووي، والتي تضمنت ترسيم الحدود وبدء الشركات الدولية الاستكشاف عن الغاز الذي كان سيشكل مصدر دخل ينعش الاقتصاد اللبناني المنهار ويستفيد منه حليف إيران – “حزب الله”. فقرار شركة “توتال” وقف أعمال الحفر في حقل قانا بحجة عدم العثور على شيء يبدو سياسياً بامتياز، إذ إنه لا يمكن أن تكون “توتال” وشريكتاها “إيني” الإيطالية و”قطر للبترول”، قد أنفقت عشرات ملايين الدولارات وبدأت ببناء بنية تحتية لاستخراج الغاز من السواحل اللبنانية من دون إدراكها أن فرص العثور على الغاز مرتفعة جداً. وتوقيت الإعلان أتى بعد أقل من 24 ساعة على إعلان أميركا وقطر تجميد الستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية التي كانت أفرجت عنها واشنطن كجزء من اتفاق تبادل الأسرى قبل فترة وجيزة.
باختصار، لبنان الدولة ليس جاهزاً بأي شكل من الأشكال لحرب مع إسرائيل، وإقدام “حزب الله” على فتح الجبهة الجنوبية ستكون عواقبه كبيرة على لبنان وعلى جميع المستويات، وخصوصاً السلم الأهلي ووحدة الشعب.
المصدر: النهار العربي
هل يمكن لأذرع ملالي طهران المشاركة ومساعدة حلفائهم بحرب #طوفان_الاقصى ؟ في الساعات الأولى لعملية الطوفان كانت المناسبة للمشاركة ، وعدم المشاركة للآن يدل على عدم المشاركة وتقاعس حلف المقاولة والمماتعة لمساندة حلفائهم ، ولذلك لتطمئن لبنان إن الحرب لن تمتد ، لأن المسردب بالضاحية لم يستيقظ .