حرب العقول

د- عبد الناصر سكرية

العقل البشري هو أداة العلم والتعلم وامتلاك المعرفة. وهو إلى ذلك وعاء التفكير ومحرك السلوك أو هو قائد السلوك. إن إدارة السلوك البشري تتموضع في العقل. فالعقل هو العنصر الرئيسي في عملية الجدل الإنساني والاجتماعي الذي به يتم التفاعل مع الواقع المحيط متأثرا بها ومن ثم مؤثرا فيها..

وعليه فإن مستوى الوعي الذي يكتسبه العقل سيشكل إطارا رئيسيا يحدد للإنسان خياراته واتجاهاته السلوكية العملانية..

اما الوعي فيتحدد على ضوء ما يصل إلى العقل من علم ومعلومات تشكل مادته المعرفية..

وبصرف النظر عن مصدر المعلومات ومدى صحتها؛ إلا أنها تبقى المزود الأول لمادة التفكير التي يمارسها العقل ويمارس وظيفته ويؤدي دوره من خلالها..

قد تكون الخبرات الحياتية المتراكمة هي مصدر المعلومات أو أحد مصادرها المهمة. وقد يكون العلم والتعلم الذي يقوم به الإنسان بنفسه لتدعيم معارفه وتوسيعها؛ مصدرا ثانيا من مصادر المعلومات التي يتزود بها العقل..

اما المصدر الثالث فهو ما يأتيه جاهزا من مصادر أخرى خارجة عن نطاقه الذاتي. تختلف مقدرة العقل الإنساني في تعاطيه مع جهازه المعرفي الذي أصبح داخل بنيته الفكرية أي داخل العقل ذاته…هذا الاختلاف عائد إلى عناصر كثيرة متنوعة أحدها مقدار ما يتمتع به العقل من مران.. بمعنى مقدار ما تم تشغيله واستعماله من مكونات العقل وملكاته. العلم الحديث يشبه العقل بعضلة تحتاج إلى تدريب وتمرين حتى تنشط وتقوى فتستطيع ممارسة وظيفتها بشكل أفضل.. وقد توصل العلم الحديث إلى معرفة وتفكيك آليات عمل العقل وبالتالي سبل التأثير فيه أو إمكانية توجيه وظائفه من خلال التحكم بقدراته وفعاليات أجزائها.

كما اكتشف العلم الحديث أيضا تقنيات العمليات الكيميائية التي تتم بها ومن خلالها وظائف الدماغ وبالتالي عمليات التفكير واتجاهات السلوك. فأصبح بالإمكان اليسير زيادة إمكانيات التحكم بآليات التفكير والفعل ليس فقط عن طريق المعلومات ومصادر المعرفة؛ وإنما أيضا عن طريق المركبات الكيمائية المصنعة في المختبرات والتي تحاكي وتماثل المواد الكيمائية التي يفرزها الجهاز العصبي البشري لإتمام وظائف الدماغ الكثيرة جدا.. وهكذا ظهر إلى الواقع العلمي الإكلينيكي علم متخصص قائم بذاته يسمى علم التحكم السريري..

في هذه الدراسة المقتضبة سوف نحاول إلقاء الضوء على آليات التأثير على العقل البشري بغية توجيهه والتحكم بمساراته العملية السلوكية. تتنوع أهداف مثل هذا التأثير على العقل تبعا للجهات التي تقوم بها وطبيعة تكوينها ووظيفتها المعتمدة أو المطلوبة.. ((سوف نترك الحديث عن التأثير السريري او التحكم السريري الكيميائي إلى دراسة منفصلة.. ليقتصر حديثنا هنا على التأثير في العقل من خلال آليات التفكير والتشغيل)).

٢ – قبل حوالي ربع قرن صدر في الولايات المتحدة الأمريكية كتاب بعنوان ” المتلاعبون بالعقول ” مؤلفه أكاديمي جامعي أمريكي متخصص في الإعلام والعلاقات العامة.. يسهب الكتاب في شرح آليات التأثير بالعقل البشري من خلال التحكم بالمعلومات التي يسمح لها أن تصل إليه. وآنذاك كانت مراكز الأبحاث أهم وسيلة في التلاعب من خلال ما تقوم به من عمليات استطلاع الرأي.. حيث تختار العينات والأسئلة بما يخدم النتيجة التي تريد توجيه الرأي العام إليها..

البند الثاني في التأثير؛ كما يشرح الكتاب كان يتمثل في العمليات الإحصائية.. وحيث أن الاتجاه العلمي الحديث يعلي من شأن الإحصاءات والأرقام؛ فقد اعتمدت عمليات إحصائية متنوعة تغطي أغلب مجالات الحياة الإنسانية لتقوم بدور المعلومات الموجهة التي تؤثر في العقول وبالتالي توجهها أو تتلاعب بها؛ تبعا لمؤلف الكتاب ذاته..

كما تحدث عن أنظمة التعليم وما يسمى بالتقنيات الحديثة في التعليم وما يدخل فيها من وسائل توجيه العقول والتلاعب بها. ومنذ ذلك التاريخ تغيرت أمور كثيرة وانطلقت مواكب الإعلام العنكبوتي الحديث.. أو ما صار يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي. فتغيرت وتبدلت تقنيات توجيه العقول بشكل خطير إلى درجة باتت تهدد وظائفه الطبيعية الفطرية السليمة وأولها وظيفة التفكير. إذ تكاد التقنيات الحديثة تفقده خاصية التفكير فيصبح متلقيا مرددا فقط..

فكيف تم ذلك؟؟

٣ – بعد أن كانت الجهات التي تسعى للتلاعب بعقول البشر تذهب إليهم عبر مندوبيها الميدانيين ليلتقطوا أكبر قدر من المعلومات عنهم ليتم تحليلها من قبل أخصائيين في علم النفس والاجتماع والإعلام والتسويق وسواها؛ ومن ثم تحديد الوسائل المناسبة للتأثير والتلاعب. لكل مجتمع خصائص وخصوصيات.. ولكل إنسان كذلك أيضا..

كان المندوبون الميدانيون يتغطون بالبعثات الإغاثية أو التدريبية أو الإحصائية؛ ويبذلون جهودا كبيرة للمناورة وإخفاء حقيقة دوافعهم ومرادهم. وكانوا يكلفون الجهات المشغلة مبالغ كبيرة..

أما اليوم ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي فقد انقلب الوضع وصارت المعلومات المطلوبة تأتي سهلة منقادة طيعة من تلقاء ذاتها وبرغبة أصحابها أنفسهم مع كثير من الاستفاضة والاستزادة في طرح المعلومات والخلفيات والحقائق التي تخص الفرد ذاته أو الحالة الاجتماعية أو المجتمعية بشكل عام..

لدرجة أصبح الإنسان المستعرض في تلك الوسائل مكشوفا أمام الجهات المشغلة لها والتي تقوم بتجميع المعلومات وتحليلها وفرز الناس أصنافا وفئات ثم تحديد ما يناسب كل صنف أو فئة؛ للتوجيه والتلاعب..

أكثر من هذا حيث يقوم كثيرون بما يشبه عملية التعري النفسي والاجتماعي او ” الستربتيز ” في تلك المساحات الواسعة المخصصة للبوح والفضفضة أمام الملأ.. وهو بالذات ما تريده الجهات المالكة – المشغلة لوسائل التواصل. فتحصل على أكثر مما تريده أو يلزمها من معلومات تكفيها لتكوين صورة واضحة ورسم بياني كامل للإنسان والمجموعات البشرية والمجتمعات الإنسانية..

هذا فيما يخص الجانب النفسي للفرد والجماعة.. حيث أن معرفة الحالة النفسية الحاضرة لجماعة بشرية ما؛ تجعل عملية التوجيه والتلاعب سهلة ميسرة من خلال التحكم بالحالة النفسية أو التلاعب بها والتأثير فيها..

ثم تأتي الخطوة التالية اللاحقة والمتمثلة بالحالة الذهنية الحاضرة.. فكان طرح السؤال الكاشف الخطير: بماذا تفكر ؟؟…

٤ – بماذا تفكر؟؟ أو ماذا في ذهنك؟ هو السؤال الذي يلاحق كل إنسان يتعاطى بوسائل التواصل الاجتماعي أو يتواصل معها أو يتواصل مع العالم الآخر من خلالها..

تحريض على البوح بما في الذهن. أي بما يمكن أن يدخل حيز العمل تبعا لما تقتضيه او تستدعيه الأفكار المتداولة في الذهن؛ من عالم التفكير إلى حيز التنفيذ والعمل..

ويسترسل الإنسان المتابع في استعراض أفكاره، ما يلزم منها وما لا يلزم، لتعبئة فراغات يظن أنها يجب أن تملأ أو أنه من غير اللائق به ألا تملأ. وهكذا يضع الإنسان نفسه في مطب التعري الذهني والفكري بعد أن أتم فعل التعري النفسي والاجتماعي بنجاح..

أو أن تلك الوسائل قد نجحت في استدراجه لتعرية ذاته ونفسه وذهنه.. أكثر من هذا خطورة أنه حينما يسلم نفسه لعمليات التعري تلك؛ فإنما يسلمها بكل طواعية وسلاسة وبكثير من البهجة والافتخار الأجوف أو بشيء من المباهاة والاستعراض الذاتي في أحيان كثيرة…

كل هذا يجعل الإنسان منكشفا تماما، نفسيا وذهنيا واجتماعيا أمام الجهات التي تملك وسائل التواصل الاجتماعي وتشغلها: ترصد، تستجمع، تفرز، تحلل وترسل للدوائر المعنية المختصة بالتوجيه والتلاعب لتضع خططها وتترجمها إلى أنشطة وفعاليات ومعلومات وتحليلات وصور وأفلام ووثائق تاريخية وفيديوهات مصورة أجمل تصوير وأفضل إخراج ونكات وسخريات وتسالي وحزازير وألعاب… ثم تباشر عملها.. تبث ما تريد حيث تريد وحيثما تريد في الوقت المناسب لكل ظرف وكل حالة..

٥ – قواعد التوجيه والتلاعب. من متابعة منهج وسائل التواصل في البث والتسويق؛ استطعنا استخلاص مجموعة من القواعد التي تعمل وفقها تلك الوسائل لإتمام عمليات التوجيه والتلاعب وصولا حتى التشكيل والاغتصاب. نعم الاغتصاب بما في الكلمة من بشاعة مقززة. اغتصاب عقول البشر..

# ١ – الشلل..

الخطوة الأولى المطلوبة هي الشلل. نعم شلل العقل عن التفكير. يتم هذا وفقا لآلية متكاملة متناسقة تؤدي دورها بنجاح. إن امتناع العقل عن التفكير يجعله مؤهلا لتلقي المؤثرات بسهولة والانقياد إليها بسهولة أيضا..

كيف يتم ذلك؟؟

# ٢ -التخويف:

يتم ببث الذعر وتضخيم المخاطر من الحالة المعاكسة لما هو مطلوب أن يتم..وحينما يخاف الإنسان حد الرعب يتوقف عقله عن التفكير. والتخويف قد يتم بشكل مباشر وقد يكون بطرق ملتوية غير مباشرة. مثلا: إن تضخيم قوة العدو وإمكانياته ” الخارقة ” من شأنها ترويع النفوس وشل العقول أيضا بطريق إيحائي غير مباشر..

ويدخل فيه أيضا التخويف من انقطاع الرزق وخسارة المصالح فيما إذا وقع الاختيار على نقيض المطلوب..

# ٣ – إثارة الغرائز:

التركيز المتكرر المتواصل على إثارة الغرائز من شأنه أن يؤدي إلى تغلبها على عمل العقل فيتعطل التفكير ويحصل الشلل المراد بالانسياق وراء الاهتمامات الغريزية. شتى أنواع الغرائز بما فيها غريزة حب المال والجريان وراءه لاكتساب أكبر قدر منه..

ولعل إثارة غريزة الجنس أكثرها فاعلية واستجابة وبالتالي تأثيرا. لا سيما في هذا العصر حيث يتزايد الضغط والإلحاح على الغرائز لجعلها متفوقة على العقل والتفكير وحسن السلوك..

# ٤ – الإلهاء:

يتم بطرق مختلفة أيضا. تبعا للحالة النفسية والذهنية للجماعة المراد توجيهها، يتم إشغال الاهتمام بقضية مثيرة ذات جاذبية من خلال ارتباطها بواقع الجماعة ذاتها إنما لا تشكل أهمية آنية لحظية…إن إشغال التفكير بأمور فرعية أو جانبية بعد إثارة الاهتمام فيها بشكل طارئ أو لافت؛ من شأنه أن يصرف الانتباه والتركيز وبالتالي الاهتمام بالقضية الأساسية المراد صرف الانتباه عنها..

# ٥ – الحشو:

بما يعنيه من إرهاق العقل بتحميله بكميات من المعلومات وبشكل متلاحق متكرر حتى يصل إلى مرحلة الشلل أو عدم المقدرة على التفكير في ماهية المعلومات ومدى صحتها أو التمييز بينها او حتى في كيفية تبويبها والاستفادة منها عمليا وحركيا..

# ٦ – الفتنة:

من خلال افتعال حساسيات او خلافات دينية طائفية أو مذهبية أو حتى عنصرية إقليمية بين شعب وشعب. أو حتى بين جماعات في شعب واحد أو حتى بين أفراد…وفي ظل الاضطرابات المتنوعة التي يعيشها العالم المعاصر؛ يسهل على أية جهة تملك وسائل إعلامية حديثة وإمكانيات مالية كبيرة؛ الغوص فيما يثير الفتنة وإثارته وتغذيته. فتكون النتيجة انصراف العقول عن الاهتمام بما يشكل مصيرهم أو يتهدده؛ إلى المسائل الفتنوية التي أثيرت أو اصطنعت من جهات خبيثة. وأكثر المسائل قابلية للاستثارة هي المسائل ذات الصلة بالعقائد الدينية والطوائفية. وما أسهل إثارتها في العالم الراهن حيث استطاعت قوى النظام الرأسمالي العالمية المهيمنة، إختراق أجواء دينية كثيرة أو صنعت لها أدواتها الدينية الخاصة بها تشغلها كيفما تشاء في إثارة اضطرابات أو فتن تخدم مصالحها الإمبريالية العالمية…وفي أجواء الاضطرابات والفتن يسهل التلاعب بالعواطف والغرائز مما يؤدي إلى شلل التفكير والعقل والانصياع وراء المحرضات الفتنوية..

# ٧ – التشتيت:

حيث يتم ملاحقة العقول بكميات كبيرة من المعلومات المتناقضة التي تحير العقول فتجمد قدرتها على الفرز والتحليل وبالتالي تقف عاجزة وتكتفي بالانتظار بعد أن تكون قد توقفت عن التفكير.. تبث معلومات وتظهر أنها علمية وموثقة وصحيحة ثم تبث بعدها معلومات أخرى مناقضة لها وتبدو أيضا موثقة وصحيحة حتى يتشتت الذهن ويتلخبط العقل ولا يعود يعرف ماذا يصدق وماذا يكذب فيبقى حائرا تائها لا يدري ماذا يفعل فينشل عن التفكير والعمل..

# ٨ – الإملاء:

حيث يتم إيصال المعلومات بطريقة الإملاء التي لا تترك مجالا للتمحيص أو التدقيق من خلال الإلحاح وأسلوب العرض وتأكيد درجة الخطورة العالية وسرية المصادر إلى ما هنالك من وسائل ترغيبية تحرض على التقاط المعلومات كما هي وإلا فآن خسارتها سوف تنذر بنتائج سلبية على المتلقي مما يدفعه إلى التصديق دون مراجعة.. فقد تم إملاء المعلومات على العقل إملاء لا يحتمل الرد..

# ٩ – الكذب:

وهو وسيلة قديمة متجددة للتلاعب بالعقول.. بتقديم إخبار كاذب عن الواقع والمواقف؛ وترويج معلومات كاذبة من شأنها أن تربك العقل أو تدفعه للتصرف على أساسها وهي كاذبة وهو لا يعلم أنها كاذبة. ويتم اختيار المعلومات بالشكل الذي يدفع إلى التصرف وفق الهدف المرسوم من الجهات المالكة – المشغلة..

# ١٠ – التيئيس:

وهو أيضا أسلوب قديم متجدد يستطيع بما يبثه من مادة مدروسة مختارة بعناية ودقة؛ دفع النفوس إلى اليأس والعقول إلى الشلل والامتناع عن العمل والتفكير والحركة..

وقد يتخذ التيئيس أنماطا متنوعة جدا منها مثلا تضخيم حجم المعوقات. أو تضخيم قوة الأعداء وبالتالي تضخيم المخاطر والتضحيات المطلوبة لإتمام العمل وعدم توفرها أو توفر القدرة على بذلها أو تحمل نتائجها. مما يؤدي إلى الانسحاب من الميدان والامتناع عن التفكير بالعودة إليه مرة ثانية..

إن نظرة تفصيلية على المادة التي تبث في وسائل الإعلام جميعا ومنها وسائل التواصل الاجتماعي تمكن الناظر من اكتشاف هذه المحددات أو ضوابط عملها الذي تؤديه تحقيقا لأغراض الجهات المالكة لها والمشغلة إياها..

٦ – الجهات المالكة – المشغلة لوسائل الإعلام:

لم تعد مسألة ملكية وسائل الإعلام؛ خافية أو تحتاج إلى جهد كبير لمعرفتها..

إن الحقائق المعروفة منذ عقود من الزمن طويلة أن غالبية وسائل الإعلام العالمية الأساسية مملوكة لقوى النظام الرأسمالي العالمي الأمريكي الصهيوني بشكل مباشر..

من الصحافة والمجلات ألى محطات التلفزة والفضائيات والأقمار الصناعية ووكالات الأنباء ووكالات إنتاج وصناعة الأخبار والتحقيقات.. وكل انواع النشاط الإعلامي والدعائي والتسويقي..

مرد ذلك إلى أسباب عديدة لعل أهمها:

# ١- المال:

حيث أن امتلاك وسائل الإعلام أصبح عملية استثمار رأسمالية عالية المستوى تحتاج إلى إمكانيات مالية كبيرة.. وهو عنصر متوفر لقوى النظام الرأسمالي المذكورة بسهولة ووفرة..

# ٢ – الخبرة:

نظرا لكونها أول من تنبه لأهمية الإعلام في التوظيف السياسي والسيطرة على العقول واستخدامها. فبرعت في ذلك وأتقنت اللعبة فراحت تتوسع في تنويع ملكيتها للوسائل الإعلامية؛ وفي ذات الوقت تنويع النشاط الإعلامي ذاته ليغطي كافة مجالات اهتمام الإنسان المعاصر وأنشطته الحياتية وأذواقه التفصيلية الخاصة والعامة. فأنشئت من وسائل الإعلام المسموع والمكتوب والمرئي والمتلفز ما لا يخطر على البال من حيث تنوع التغطية والتخصص والتعميم..

# ٣ – الحاجة:

حيث أن تلك القوى الرأسمالية صاحبة أهداف سياسية استعمارية تسعى للسيطرة على مقدرات البشر المتنوعة؛ فإنها ذات مصلحة ملحة للسيطرة على العقول وتسخيرها لغاياتها السياسية وبالتالي فهي أكثر ما تحتاج إلى وسائل الإعلام لاستخدامها في الترويج لأفكارها ومصالحها وفي خداع العقول وتزييف وعيها بما يجعلها مؤهلة للانصياع وراء تلك الغايات..

أما امتلاكها للأقمار الصناعية ولوكالات الأنباء وتوزيع الأخبار والصور؛ فقد جعل وسائل الإعلام العالمية الأخرى؛ أي تلك التي لا تملكها مباشرة؛ تحت هيمنتها بفعل حاجتها إليها.. وهكذا يبدو المشهد الإعلامي العالمي مشهدا بائسا تسيطر عليه قوى لا إنسانية لا بل معادية لأهداف البشرية الحضارية المتطلعة إلى التحرر والتقدم والعدالة..

أما وسائل التواصل الاجتماعي فهي مملوكة بالكامل لكبريات المؤسسات المالية الرأسمالية العالمية بالشراكة مع أجهزة الأمن والاستخبارات وتحديدا الأمريكية. وقد ذهلت عندما علمت مؤخرا أن المالك الرئيسي لشركة غوغل هو وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. إي).. إضافة إلى جهاز أمني آخر وبضع شركات تقنية متخصصة..!!!..

أما والحال هكذا فلندرك مدى التوظيف السياسي الخبيث والمشبوه لهذه الوسائل الإعلامية لخدمة مصالح القوى الرأسمالية العالمية في السيطرة على العقول وتوجيهها وفق ما تريد..

إن هذا يضعنا مباشرة أمام السؤال المهم التالي: من ينتج ويوزع المادة الإعلامية التي تضخ على مدار الساعة في مختلف الوسائل تلك؟؟ ولأية أغراض؟؟

@ إذا عرف السبب بطل العجب @ يقول المثل العربي العاقل..طالما أن وسائل التواصل الاجتماعي مملوكة لتلك القوى الرأسمالية المالية – الأمنية ؛ وطالما أن هذه القوى ذات أهداف سياسية تبغي السيطرة على البشر والتحكم بالموارد ؛ لنا أن ندرك الصلة بين تلك المادة وتلك القوى لنعرف ما فيها من خبث وخداع وتضليل يهدف إلى التلاعب بالعقول وتوجيهها..

بقي علينا أن نكشف أساليبها ومرتكزات عملها وأدائها ونضعها أمام الناس لإبطال مفعولها وتأثيرها ما أمكننا إلى ذلك من سبيل. في الواقع الإنساني العام ومن ثم فيما يتعلق بالواقع العربي على وجه الخصوص. أما تخصيص الحديث بالواقع العربي فيرجع لسببين رئيسيين إثنين:

# الأول: استهداف تلك القوى مجتمعة للأمة العربية مجتمعة أيضا. في ذاتها وفي وجودها كما في مواردها ودورها..

# الثاني: إن أي بديل حضاري إنساني عام عن تلك القوى الرأسمالية المتوحشة، لا بد أن تكون الأمة العربية الناهضة في قلب تشكيله وإطلاقه..

كنا تحدثنا في الفقرة السابقة (رقم ٥) عن مرتكزات عمل هذه الوسائل الإعلامية الدعائية. وسوف نحاول فيما سيأتي؛ النظر في تطبيقاتها على الواقع العربي والعقل العربي..

# – إلى أي مدى استطاعت التلاعب بالعقل العربي الراهن؟

# – إلى متى سيقدر لها أن تستمر في ذلك..

# – لماذا يتم التركيز بشدة على الإسلام وتناوله من جوانب متعددة للوصول إلى الإيحاء أن الإسلام هو المشكلة وهو مصدر الشرور والتخلف والضياع والتشرذم؟؟

# – أليس الإسلام هو خط الدفاع الأول والأساس عن وجود الأمة ذاته؟؟

# – كيف السبيل إلى إنقاذ عقولنا من سموم تلك الحرب المستمرة عليها، ومن تأثيراتها الخبيثة المضللة؟؟

# – على من تقع مسؤولية التصدي لها وكشفها؟؟

# – وهل في الواقع العربي الراهن من هو – أو هم – على قدر هذه المسؤوليات أو هو مؤهل لتنكب سلاحها والانطلاق؟؟ # – هل يملك العقل العربي مناعة ذاتية أو موضوعية يحتمي بها من تلك الأخطار أم أنها قدر محتوم؟؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى