في ذكرى فرسان الثورة السورية الذين ترجلوا “ميشيل كيلو ومحمد خليفة وحبيب عيسى وتيسير حاج حسين”

أحمد العربي

زادت قائمة الفقد أكثر، وفاضت من الذين ودعناهم أو من لم نتمكن من وداعهم من شهداء الثورة السورية، ثوارها وناشطيها وأناسها الأبرياء المظلومين.
إن الوقوف عند البعض من الثوار والناشطين في الثورة السورية، لا يغمط حق الآخرين، بل يجعلنا نطل على نجومنا الذين فقدنا، نجومنا الذين زادوا الضياء في سماء سورية المظلمة من ظلم النظام المستبد المجرم.
ميشيل كيلو ابن الثورة السورية البار، أحد آباء الحراك الوطني الديمقراطي في سورية. الثمانيني الذي بقي يتحرك وينشط ويتكلم ويجتمع ويناقش ويوجه وينور شأن الثورة السورية حتى لحظات الحياة الأخيرة، وحتى عندما هاجمه مرض كوفيد ١٩ وبعث لنا وصيته: أن استمروا بالثورة فأنتم على حق وأنتم المنتصرون. واجه النظام السوري المستبد منذ سبعينيات القرن الماضي واكب الحراك الوطني الديمقراطي مع الأحزاب المعارضة وخارجها وجزء من هيئات المجتمع المدني. اعتقل وسجن لأكثر من مرة. واستمر في كل مرة أصلب ومتابعًا دوره الرسالي نصيرًا لحقوق الشعب السوري بدولة ديمقراطية عادلة. تعرفت عليه بالمباشر أيام ربيع دمشق حيث أعطى الرئيس الابن للنظام مؤشرًا أنه مع انفتاح ديمقراطي ولو جزئي استثمره الناشطون المدنيون والأحزاب المعارضة وصنعوا منابرهم ولجانهم ومنتدياتهم. المنتدى الوطني الديمقراطي، ومنتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، كذلك لجان إحياء المجتمع المدني التي كان ميشيل كيلو من أبرز ناشطيها، لم يسمح النظام للحراك الديمقراطي بأن يستمر أوقف بالقمع والاعتقال والسجن كل المناشط الديمقراطية. وعندما جاء الربيع السوري امتدادًا للربيع العربي في منتصف آذار/مارس عام ٢٠١١م، عادت حراكات العمل الوطني الديمقراطي وكان ميشيل كيلو من أبرز ناشطيها. داوم على الحديث والكتابة والاجتماع بالناشطين وتنوير الثورة السورية حتى آخر لحظة في حياته. ميشيل كيلو منارة في الثورة السورية.
محمد خليفة المناضل العروبي الأصيل الذي كان عبر عقود يقوم بدوره النضالي القومي والوطني الديمقراطي. كانت معرفتي بالأخ محمد خليفة في ظروف اعتقالي وسجني بين ١٩٧٩و١٩٨١م. على خلفية الحراك الوطني الديمقراطي ضد النظام المستبد. حيث قضينا فترة السجن في سجن القلعة المدني بدمشق. كان سجنًا مدنيًا وظروف سجننا قياسًا بالمعتقلات أو الفروع الأمنية أو السجون السياسية ناهيك عن سجن تدمر أفضل بكثير. كنا نحظى بزيارة أسبوعية للأهل وكنا نحصل على الكتب والمجلات والصحف خاصة اللبنانية وكانت صحيفة السفير أهمها. في وقتها كان ينشر محمد خليفة نصًا لحوار طويل ومعمق وعلى حلقات مع الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بله. منذ ذلك الوقت أصبح محمد خليفة نموذجًا قوميًا رائعًا عندي. وتدور الأيام وتحصل ثورة الشعب السوري وتمتد وتتشعب طرقها. نهرب من السلطة المستبدة القاتلة خارج بلادنا ونصبح نازحين في بلاد العالم. ولأن الوطن والعمل لاسقاط الاستبداد مازال في دمنا، سرعان ما تواصلنا مع كل الناشطين الثوريين من كل المشارب الفكرية. وهكذا عاد الأخ محمد خليفة ليكون فارسًا مواجهًا للنظام ومنورًا يقوم بدوره الثوري كل وقت وحين. في موقع العروبيين ومع إخوة آخرين نعتز بهم وبدورهم. لكن مرض كوفيد ١٩ غدر بأخينا محمد وأصابه وأدى لوفاته وهو في قمة عطائه. محمد خليفة منارة أخرى للثورة السورية تغادرنا.
حبيب عيسى أبو عصمت الابن الأوفى للمفكر القومي العربي الراحل عصمت سيف الدولة. كان الانتماء القومي العربي عنده أقرب لكونه دين. وإيمانه بالمنهج الإنساني جدل الإنسان مطلقًا. كان يؤمن بالتنظيم القومي وضرورته ليكون رافعة التقدم والوحدة للأمة العربية. استمر يؤمن بذلك وضرورته حتى آخر حياته. كان متصوفًا قومياً بكل معنى الكلمة. وعندما حصل ربيع دمشق دخل بقوة ليكون أحد ناشطي منتدى جمال الأتاسي ويعتقل ويسجن على هذه الخلفية. وعندما حدثت الثورة السورية عام ٢٠١١م. كان واحدًا من دعاتها والمناصرين لها. له تحفظاته -كما كلنا- على كثير مما حصل في صفوف العمل السياسي والعسكري المواكب للثورة السورية. لكنه بقي منتميًا لها من موقعه النقدي. استمر متمسكًا بالبلاد ولم يغادرها. كذلك غدره كوفيد ١٩ وغادرنا وهو في قمة عطائه. حبيب عيسى منارة أخرى في النضال القومي والوطني الديمقراطي السوري.
تيسير الحاج حسين ابن التيار القومي، أنصار التنظيم القومي. كان منذ بدء وعيه السياسي يعمل لتحقيق حلم التنظيم القومي الذي سيكون رافعة لتحقيق توحيد الأمة العربية وتقدمها وتحقيق الحياة الأفضل لشعبها. هكذا آمن، كانت الأخت ندى الخش رفيقة دربه وزوجته، لقد أصبحا نموذجًا للازواج المنتمين لقضية سياسية يتفانون لأجلها. تمامًا كما يتفانون ببناء حياتهما المشتركة الأسرية. كما كان والأخت ندى مشاركين في مناشط ربيع دمشق وفي صفوفه الأولى. وعندما حدثت الثورة السورية كانا من ناشطيها ورموزها. دفعا ثمنًا باهظًا في اختيار الغربة عن الوطن ثمنًا لموقفهم من النظام المستبد. أصيب بمرض السرطان وتعالج منه لسنوات لكنه غلبه آخر الأمر وتوفي رحمه الله. تيسير حاج حسين منارة أخرى في مسيرة النضال القومي والوطني الديمقراطي السوري.
لن نستطيع أن نوفي إخوتنا الأربعة ومثلهم كل شهداء الثورة والشعب السوري حقهم مهما قلنا. لكن ذكرهم وأنهم خالدون في ضميرنا ووجداننا هو حق لهم، وتأكيد على الوفاء لنضالاتهم والتأكيد على الاستمرار في ثورتنا السورية لتحقيق: الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل الشعب السوري.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى