كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حيث تتمسك الحكومات بالدولة الإسرائيلية على الرغم من التضامن الاجتماعي المتزايد مع الفلسطينيين، فإن القيادة السياسية الأيرلندية هي التي لا تتناغم في الحقيقة مع الجمهور؛ إنها تبدو مترددة في التخلي عن التعاون الاقتصادي والبحثي رفيع المستوى مع إسرائيل، بما في ذلك في مجال تجارة الأسلحة. وعلاوة على ذلك، يطمح وزير الخارجية الأيرلندي، سايمون كوفيني، الذي يتطلع إلى لعب دور في “عملية السلام” التي فقدت مصداقيتها منذ فترة طويلة، إلى أن تصبح دبلن أوسلو الجديدة، على الرغم من إفلاس اتفاقات أوسلو التي أصبحت أحوال الفلسطينيين بعدها تحت الاحتلال والحصار أكثر سوءاً إلى حد خطير.
انطوى رد فعل إسرائيل على طرح مشروع قانون الأراضي المحتلة في ذيل الأسبوع الماضي، من ناحية، على التهديد بفرض تدابير اقتصادية وسياسية صارمة ضد أيرلندا، بما في ذلك فرض ضرائب على الواردات الأيرلندية وتعليق الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الثنائية مع دبلن. ومن ناحية أخرى، اتهمت إسرائيل أيرلندا بمعاداة السامية، وهي التهمة التي غالباً ما يتم إشهارها كسلاح ضد أي انتقاد يتوجه إلى الاستعمار الإسرائيلي لفلسطين وانتهاك إسرائيل المستمر للقانون الدولي.
لا حاجة بي إلى مناقشة مزايا وفعالية مشروع القانون هنا. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن المستوطنات، التي سيتم حظر استيراد المنتجات منها إذا ما أصبح مشروع القانون قانوناً، تعد غير قانونية بموجب القانون الدولي. ووفقاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، فإنه “لا يجوز لسلطة الاحتلال ترحيل أو نقل أجزاء من سكانها إلى الأراضي التي تحتلها”، مما يجعل قيام إسرائيل ببناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة ونقل سكانها إليها عملاً غير قانوني.
وفقا لمنظمة “بتسيلم” الإسرائيلية غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، تم إنشاء أكثر من 200 مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) منذ العام 1967؛ ويبلغ عدد سكانها الحالي ما يقرب من 620.000 مستوطن. وهذه المستوطنات، المبنية على الأراضي الفلسطينية (التي هي ملكية خاصة في كثير من الأحيان)، تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني؛ حيث يتم بناء نقاط التفتيش التي تحد من حركة الفلسطينيين على أساس وجود المستوطنات، ويُحرم الفلسطينيون من الوصول إلى أراضيهم الزراعية التي تقع بالقرب من المستوطنات، ويقوم المستوطنون بانتظام بمهاجمة تلاميذ المدارس والمزارعين الفلسطينيين على مرأى ومسمع من الجيش الإسرائيلي.
الضحية والتفوق
أنا يهودية إسرائيلية من مواليد فلسطين، وقد تم تلقيني كل فترة شبابي تلك الرسالة المزدوجة عن كون اليهود ضحية وعن التفوق اليهودي. كما أنني كنت مواطنة إيرلندية طوال الأعوام الخمسين الماضية وما أزال. ومثل أعداد متزايدة من اليهود الأميركيين والأوروبيين، أنا مؤيدة نشطة لحقوق الفلسطينيين. وأود أن أناقش سؤالين رئيسيين يتعلقان بآثار مشروع قانون الأراضي المحتلة: أولاً، هل أيرلندا غير متناغمة مع أوروبا ومواقفها كما تزعم كل من إسرائيل وحكومة فاين غايل؟ وثانياً، هل معاداة السامية هي القوة الدافعة وراء طرح مشروع القانون والدعم المجتمعي واسع النطاق لحقوق الفلسطينيين؟
كتب المؤرخ روري ميلر أن تعاطفاً متبادلاً كان هناك في أيرلندا مع إقامة الدولة الصهيونية، بينما أملت إسرائيل في “تفهم إيرلندا الحدسي للمأزق اليهودي-الإسرائيلي” ودعم ما تعتبره كفاحها من أجل البقاء والأمن. ويجادل ميلر بأنها لا توجد معاداة علنية للسامية في أيرلندا، على الرغم من أنني أتساءل عما إذا كانت حقيقة أن “الجمهورية” سمحت لـ60 لاجئاً يهودياً فقط بالفرار من النازية للاستقرار في أيرلندا بين العامين 1933 و1946 بسبب معاداة السامية لدى الكاثوليكية الإيرلندية والدولة.
وهكذا، نظرت أيرلندا إلى إسرائيل على أنها الطرف المستضعف عندما كانت تتعرض للهجوم خلال حرب العام 1967، وبعدها حاول وزير الشؤون الخارجية الأيرلندي آنذاك، فرانك أيكن، حمل الأمم المتحدة على أخذ المخاوف الإسرائيلية بعين الاعتبار، مما دفع وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الحين، أبا إيبان، إلى دعوة الدول الأخرى الأعضاء في الأمم المتحدة إلى أن تحذو حذو “صديقه” آيكن. ولكن، بشكل عام، كما يجادل ميلر، رفض الأيرلنديون ترجمة القرابة بينهم وبين اليهود إلى دعم سياسي لإسرائيل؛ حيث إن أيرلندا، وخاصة الحركة الجمهورية، كانت تدعم فلسطين بشكل متزايد، على الرغم من أن التصريحات الرسمية للحكومة الإيرلندية حول إسرائيل لم تكن مسيئة أبداً بشكل صريح. ويشير ميلر إلى تأثير دور “قوة الأمم المتحدة المؤقتة” التابعة للجيش الأيرلندي في جنوب لبنان كمصدر رئيسي للنزاع بين أيرلندا وإسرائيل، ودور المنظمات غير الحكومية في حشد الدعم للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال والحصار، بما في ذلك “تروكير”، “كريستيان إيد” و”الحملة الأيرلندية للتضامن مع فلسطين” -والأخيرة الآن واحدة من 20 منظمة غير حكومية ممنوعة من دخول إسرائيل وفلسطين-
المستوطنات غير الشرعية
وإذن، عندما يتعلق الأمر بالتضامن مع فلسطين ليس المجتمع الأيرلندي متعارضاً وغير منسجم مع المجتمعات المدنية الأوروبية. في واقع الأمر، في استجابة لتوجهات الرأي العام والحملات الشعبية، قدم الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة قواعد تحظر عليه هو نفسه تمويل الشركات والهيئات الإسرائيلية التي تعمل في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وحذر الشركات من مخاطر التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية؛ وليس هذا سوى واحد فقط من الإنجازات العديدة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات (BDS).
كما هو الحال في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، حيث تتمسك الحكومات بالدولة الإسرائيلية على الرغم من التضامن الاجتماعي المتزايد مع الفلسطينيين، فإن القيادة السياسية الأيرلندية هي التي لا تتناغم في الحقيقة مع الجمهور؛ إنها تبدو مترددة في التخلي عن التعاون الاقتصادي والبحثي رفيع المستوى مع إسرائيل، بما في ذلك في مجال تجارة الأسلحة. وعلاوة على ذلك، يطمح وزير الخارجية الأيرلندي، سايمون كوفيني، الذي يتطلع إلى دور في “عملية السلام” التي فقدت مصداقيتها منذ فترة طويلة، إلى أن تصبح دبلن أوسلو الجديدة، على الرغم من إفلاس اتفاقات أوسلو التي أصبحت أحوال الفلسطينيين بعدها تحت الاحتلال والحصار أكثر سوءاً إلى حد خطير.
بصفتي باحثة في العرق، أجريت بحوثاً عن معاداة السامية ولجوء الدولة الإسرائيلية إلى استغلال المحرقة (الهولوكوست) كأداة، وأنا أرفض تماما الاتهام الذي توجهه إسرائيل ومؤيدوها إلى انتقاد سياسات إسرائيل القائمة على الاستعمار والاحتلال باعتبارها معاداة للسامية.
وفقا لمجموعة “أصوات يهودية من أجل السلام” الأميركية، التي أعلنت نفسها مؤخرا معادية للصهيونية، فإنه يتم في كثير من الأحيان استغلال معاداة السامية، وهي مصطلح يصف تجارب حقيقية للشعب اليهودي حول العالم، لنزع الشرعية عن الحركة الدولية من أجل حقوق الإنسان الفلسطينية. وقد أضاف هذا التلاعب بالمصطلح واستغلاله إلى موجة من الضغوط غير الدستورية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى لحظر نشاطات حملة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات من إسرائيل.
إنني، كمواطنة أيرلندية-إسرائيلية وناشطة يهودية من أجل حقوق الفلسطينيين، لا أعتقد بصحة تأكيدات الحكومة الإسرائيلية وجماعات الضغط التابعة لها على أن الدعم الأيرلندي لفلسطين ينبع من معاداة السامية. بدلاً من ذلك، يوجد مثل هذا التضامن بسبب التعاطف الإنساني المتبادل بين أولئك الذين كانوا ضحايا للوحشية الاستعمارية. وهو يشكل استمرارية وتواصلاً للتاريخ الطويل من التضامن الأيرلندي مع الشعوب المضطهدة. ويعكس تقديم مشروع قانون الأراضي المحتلة التضامن الكبير مع فلسطين في المجتمع الأيرلندي الملتزم إلى حد كبير، على عكس الحكومة، بتحقيق العدالة للفلسطينيين.
المصدر: (ذا آيرِش تايمز) / الغد الأردنية