
في إسرائيل – وربما من أسباب بقائها وتفوقها – هناك إلى جانب النزعة العنصرية والتوسعية مراكز دراسات وعقول تعمل بتفكير عصري حداثي , ضمن مناخ من الحرية والديمقراطية ( بالطبع لليهود وليس للعرب )
وهذه العقول تتناول سياسة الحكومة الحالية اليمينية المتطرفة , كما تتناول مصلحة اسرائيل ومستقبلها السياسي , وهي مستقلة نوعا ما عن الرأي العام الذي يجنح اليوم نحو اليمين .
في حالتنا هناك القليل من التفكير العقلاني الذي يستطيع أن يرتفع فوق العصبية الطائفية التي تعود في الأزمات لأصولها القبلية فينساق المثقف وراء الجاهل ويفضل إعطاء إجازة لعقله الحر , والاندفاع خلف القطيع , بل وما هو أسوأ يحاول ايجاد تبريرات للسياسات الطائفية – القبلية , وإعادة إنتاج التعصب بلغة الثقافة .
مثل ذلك التفكير في الحقيقة لايمس ضمير المثقف وإلى أي مدى تحفر الثقافة في عقله , ومدى سيطرة اللاوعي الغريزي القبلي على الوعي المكتسب , لكنه يشكل إهانة للثقافة ذاتها حين تصبح خادما لدى النزعة العصبية القبلية .
بدلا من التوقف والتساؤل : لماذا وصلنا إلى هنا ؟ ومن هو المسؤول ؟ وكيف نخرج من البئر الذي وقعنا فيه ؟ وأين تكمن الحلول العقلانية ؟
يعود المثقف الطائفي لصياغة سرديته السياسية بتصعيد مشاعر الحزن والغضب واللطم وإعادة انتاجها والتوقف عندها , ويستلهم منها وحدها الموقف السياسي هذا الموقف الذي لن يكون سوى إدانة الآخر وإجرامه وفظاعته ورفع مشاعر العداوة ضده نحو سقف أعلى من سقف الجمهور , وإغلاق أي محاولة لفهم الأسباب الكامنة والسياقات ومواقفنا نحن وأين أصبنا وأين أخطأنا .
تموت كل العناصر العقلانية في التفكير ولا يبقى سوى الألم والغضب الذي يغذي الثأر , الثأر الذي يخفي تبريرا يقول من حقنا أن نرتكب نحن مثلما الارتكابات التي مورست ضدنا , كما يبرر وضع كل المشاعر الأخرى ( الوطن , المستقبل , مصلحة الأجيال المقبلة , القيم الانسانية العليا ) في ثلاجة أمام الروح القبلية الأصيلة .
لايفعل العقلاء الاسرائيليون مثل ذلك حتى في أسوأ أزمات اسرائيل كما كان الحال عليه في 7 تشرين الأول عام 2023 , صحيح أنهم قلة في مجتمعهم , لكنهم موجودون , ويشكلون مدرسة في التفكير العقلاني السياسي , لكن عندنا لاشيء من ذلك , لاشيء سوى الطائفة – القبيلة التي تصنع أباها المقدس وتسجد أمامه حتى لوقادها نحو الهاوية .