محمد المنسي قنديل روائي مصري متميز قرأنا بعض رواياته. وكلها تمتاز بالغوص عميقا في عوالم ابطالها وظروفهم النفسيه والاجتماعيه والسياسيه. تمر بشفافية على العمق الذاتي والموضوعي. وتوصل رسالتها بكل وضوح
انكسار الروح رواية تتحدث عن طفل في مدينة مصرية ما. وترصد حياته ضمن واقعه العائلي والمجتمعي والسياسي وعبر محطات زمنية مفصلية ترصد نموه وبناء حياته
علي طفل ينتمي لعائلة فقيرة في حي شعبي في المدينه. أبوه يعمل في المعمل المجاور لمنزلهم. يتحدث والده عن جمال عبد الناصر و الحكم الجديد. أبوه “اسطه” يقرأ كثيرا يهتم بشؤون العمال وتحسين ظروفهم الحياتية. يصطدمون بإدارة المعمل. فبعض العمال مهضومي الحقوق. وتتصعّد المواقف بين الإدارة والعمال ليصلوا الى مرحلة المواجهة التي أدت لاعتقال والده وعدد كبير من العمال. علي صغير يحس بافتقاد والده وتغير حياتهم وقسوتها، بمضي الأيام سيجدون أنهم مكشوفي الحال، محرومين من لقمة العيش. مما اضطر الأم أن تعمل خادمة في بيوت الميسوري الحال. علي يفتقد أمه بعد مجيئه من المدرسة. ويفتقد أباه الذي لم يستوعب لماذا سجن.؟ !. علي الصغير يلتقي بطفلة من عمره أمام منزلهم يجتمعا على بضعة قطط صغار بالكاد قد ولدوا. ويطعمهم سندويشته التي يجب أن يأكلها في مدرسته. الطفلة فاطمة ستدخل روحه من اول لقاء. يتشاركان المسير باتجاه المدرسة. يتحدثان عن خزان الماء المجاور(صهريج الماء) وطموح فاطمة ان تصعد الى سطحه العالي وتمسك بالغيوم المرتفعة. وأن تتحدث مع العصافير المعشعشة به. يخططان لذلك، يغافلان الحارس، يصعدان فوق الصهريج بين الخوف والرهبة، ويجلسان قليلا. ويحضر الحارس، يطردهما ويعيشا تجربة جميلة. فاطمة تحضر بشكل مفاجئ وكذلك تغيب كثيرا. ولكنها تحضر مجددا. يكبران سوية يذهبان للغيطان المجاورة. أو بجوار النهر او الى بيته سيكتشف علي أن فاطمة هي الشيء الجميل الوحيد في حياته. يتعرفان على جسديهما معا، يقبلان بعضهم بعشوائية وطفولية مفرطة. تضبطهما امه في البيت وتطرد فاطمة وتتهمها بأخلاقها. علي يتابع حياتهم الروتينية وينتظر أن يعود والده وترتاح امه ويستقر. سيذهب مع والدته لزيارة والده في السجن في رحلة شقاء حقيقي هناك في الصحراء. وعندما يصلون لن يسمح لهم برؤيته ويعودا خائبين ينتظرون فرصة اخرى. في ذات الوقت سيكبر علي بين أقرانه في المدرسة. وسيصبح الرئيس عبد الناصر قبلة نفسية لاغلب الناس. لقد وجدوا به واحد من فلاحي مصر وفقرائها، يريد انصافهم. ولكن كيف هذا وقد سجن والده العامل الفقير. جاء عبد الناصر إلى مدينتهم واستقبل بحفاوة وترحاب تحولت المدينة لعرس كبير. علي ينظر لعبد الناصر ويريد ان يوصل له رسالة. محتواها: احتاج لوالدي واريده بيننا ياعبد الناصر. وعاد للبيت فوجد اباه قد أفرج عنه. لكنه خرج مكسورا مهزوما. ولم تستطع أمه أو هو أن يعيدوه لسابق عهده. يستمر علي بمتابعة دراسته سيتعرف على عائلة فاطمة. فهي ايضا لها والد يعمل على نول للاقمشة. وام كأمه ولها أخ يعمل في تصليح السيارات. يتحدث مع اهلها انه يريدها رغم صغره و يعاهدهم أن يضعها في قلبه وعينه. يكبران سوية. سيدخل امتحانات البكالوريا ولديه طموح أن يصبح طبيبا. ستجد امه واسطة لعودة والده للعمل عبر العائلات التي تخدمها. والده يعود للحياة السوية نفسيا. فقد وجد أن عبد الناصر الذي سجنه يوما. قد فتح الباب لأبناء الفلاحين أن يدخلوا الجامعة، وأعطى لابنه فرصة لدخول الجامعة وإلى كلية الطب ايضا. يتعبون في إيجاد الأقساط ولكن سيصبح طالب طب. سيموت والد فاطمة ويطردهم صاحب البيت ليسكن به عاملا جديدا. ستضيع فاطمة مجددا من علي. سيذهبون إلى أهلهم في قريتهم، لن يقبلوهم بينهم، وينتقلون من مكان لآخر، بحثا عن لقمة عيش مرة غير متوفرة. في ذات الوقت يتابع علي دراسة الطب وسيتعرف على الأجواء الطلابية. يكون هناك طلاب شيوعيين واسلاميين. ويكون أقرب للشيوعيين. ويشارك معهم في نشاطهم الطلابي، مثل كتابة جريدة الحائط أو خوض الحوارات، وبعضها قد يصل الى الصدام بين الطلبة أو بين الطلبة والسلطة. يختزن معاناته داخل نفسه ويحولها إلى قصائد شعر يعلقها في لوحة الحائط. يتعرف على زميلته سلوى الفتاة الجميلة الغنية. لها سيارتها الخاصة و تعيش حياتها بكل سلاسة ومتعة. لها صداقاتها المتماثلين معها بالغنا والرفاه. ستقرأ قصائده وتتقرب منه وهو حذر ففي قلبه فاطمة. وهو ابن الفقر المدقع. وهي ابنة الغنى الفاحش. ستحصل حرب (1967) وستكون مشفى الجامعة ممن يستقبل الجرحى والشهداء. يعيشوا كطلاب طب تجربة الحرب بكونها هدر للإنسان بوجوده الجسدي. سيعيشون لحظات يقومون بها بواجبهم الانساني لعلهم ينقذون مصاب أو يخففون الم. سيكون أخا فاطمه أحد المصابين الذي سيحاولون مساعدته بكل السبل، لكنه يستشهد. تتحول بعض الجثث للمشرحة. والبعض الآخر لمقابر جماعية وشهداؤها ارقام. ما أسوأ الحرب، لقد هُزمنا. تتوطد علاقة علي بسلوى، خاصة أن فاطمة لم تعد تظهر وان كل سبل البحث عنها لم تؤدي لنتيجة. ستعرفه سلوى على أجوائها وتهيئه أن يكون حبيبا وزوجا للمستقبل. لكن فاطمة تظهر مجددا وسيعرف منها حياتها القاسية. وأنهم كانوا ضحية عمل مضني لتأمين رغيف العيش، وعلم بإستشهاد أخيها في الحرب، وتعطيهم الدولة تعويضا عن استشهاده. وتدخل بها كلية الحقوق، سيفرح بها مجددا. ويقرر أن لا يتركها تخرج من حياته مطلقا. على المستوى العام سيموت عبد الناصر وسيعيش المصريين مصابا في الصميم. الكل في فجيعة. سيأتي حكم جديد أنور السادات، يعد بتحرير الأرض، ويخرج الطلبة بالتظاهر مطالبين بذلك. سرعان ما تأتي الحرب مجددا محملة بكل الفجائع. يكون علي طبيبا هذه المرة وسيكون هو وسلوى جزء من الفريق الطبي الذي يتابع معالجة الجرحى والمصابين. علي وفاطمة سيدخلون التجربة المرة ثانية. فاطمة تحتاج للمال لدفع أقساط بيت الطلبة. علي يقرر مساعدتها ولكن لا يعلم كيف. فأهله افقر من ان يساعدوه. ولم يكن امامه الا ان يبيع طقم الأقلام المذهبة التي كانت قد اهدته اياها سلوى، وهذا ما سيحصل. سيعرف فاطمة على أصدقائه الطلاب الشيوعيين، الذين خرجوا جميعا من مواجهة مع الامن والاسلاميين، كادت أن تودي بحياته. وادت لسجن اغلبهم. يستقبل رفاقه فاطمه ببرود وارتياب ويتهمها احدهم بانها مخبرة. تتركهم و يواجههم علي رافضا لموقفهم ومعنّفا لهم. يذهب وراءها ليجدها تنتظره وتخبره بأنه لم يكن يستحق حبها وكيف لم يواجه رفاقه مباشرة. ألقت له المال الذي كان يجب أن يدفع للسكن الطلابي وغادرته مذهولا. لم يستوعب علي ما حصل وبحث عنها في السكن ووجدها غادرت. ضاعت فاطمه مجددا. عاد علي لأجواء علاقته مع سلوى التي قادته رويدا رويدا.. ليكون جزء من عالمها. عرّفته على والدها التاجر الكبير الساكن لقصر الذي يفكر بمشاريع يعيد فيها إحياء ضفاف قناة السويس بعد أن توقفت الحرب. هناك من يستشهد من الشعب وهناك من يستثمر دماءهم. علي يتقبل وضعه الجديد ولكن على مضض. يساعده أحد زملائه (الكوتش) على تقبل حياته فهو طالب قديم يعيش حياته على أنه متعة، مقتنصا كل فرصة. يفهم في كل شيء. يساعده الكوتش على تقبل علاقته مع سلوى كزوجة وفرصة ستخرجه من فقره ويعيش حياة الغنى والوفرة. كان والد سلوى قد أمّن له إعفاء من الخدمة في الريف كطبيب جديد. ويعمل ان يبني لابنته وزوج المستقبل مستشفا كبيرا. ستطلب سلوى من علي أن يخطبها في حفل ميلادها. يشتري لها بدله متواضعة، ها هو يحضر حفلا لعلية القوم. يلتقي بزميله الكوتش. ويتعرف على حيتان تبلع مصر. انهم مسؤولين سابقين وجدد ونساء متبرجات وعاهرات. الكل يستعرض خططه ويصنع بازاره. هنا يتم اعادة تدوير مصر لتعود ملكية لفئة قليلة. والشعب يعود مججدا للفقر المدقع والجوع والبطالة والفساد والتشرد في اقطاب الارض بحثا عن لقمة لم تؤمنها مصر لأبنائها. علي لا يجد نفسه هنا. ووالد سلوى يعرض عليه شبكه غير التي اتى بها، اغلى وافخم، يرفض، تتدخل سلوى ويرفض ويعتبرها قضية كرامة. يصطدم بسلوى ويقول لها لن تشتريني كزوج، ويخرج دون عودة. يعود للبيت سيجد أمه المريضة قد فارقت الحياة. وبجوارها أباه الذي هزمته الدنيا. يدفن أمه وينظر لنفسه، إنه طبيب على أبواب حياة ضائعة، فاطمة ضاعت، وسلوى ايضا. وأمه ماتت. واباه سكن المقبرة بجوار أمه. يلتقي به الكوتش مجددا قادما بعرض من سلوى، لعله يعود لها خطيبا وزوجا، لكنه يرفض. يأخذه الكوش الى احد بيوت الدعارة، ليجعله يفرج عن نفسه وينسى آلامه، وهناك يلتقي بفاطمه وقد امتهنت الدعارة. يتألمون و يتحاسبون ولكن يفترقون اخيرا ان طرقهم تباعدت. لقد ظهر ان واقع القهر والفقر والظلم وغياب العدل يقتل كل حب وكل خير في نفس الإنسان
.هنا تنتهي الرواية
في قراءتها نقول: نحن أمام رواية ترصد الحياة من عين طفل وحبيبته ومن ثم مراهقان يعيشان القهر والظلم والفقر والحاجة كالهواء المتنفس لحظيا. يعيشون حلما بالعدل الاجتماعي في مرحلة عبد الناصر رغم كثير من الغصات. لكن بذهابه سيذهب حلم العدل وإنسانية الإنسان. ستباع مصر داخلا لطبقة الحكم ومن حولها. وخارجا لمن يريدها مجرد بلد تابع ومتخلف . الرواية تمر على ذلك بشفافية ودون خطاب سياسي متبجح. سيدخل في عقل وروح القارئ. هكذا مجتمع وهكذا نمط حياة لن يكون فيها إمكانية عيش إنساني كريم. ولا لحب مهما تماهى به أصحابه لدرجة التصوف. سيسقط في طين الواقع وفساده
.انها فعلا انكسار الروح
.لكن الربيع المصري سيأتي مجددا ليعلن دورة جديدة منتصرة للحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والحياة الأفضل. وان لم تنجح تماما، ويتربص بها كل الاعداء
لكن الإنسان سيبقى ينتصر من أجل حريته وإنسانيته
13.1.2017…