لليوم الـ40 على التوالي، تواصلت، أمس الجمعة، الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء، جنوبي سورية، والتي تتكثف عادة كل يوم جمعة، وتكون تظاهرتها المركزية في ساحة “الكرامة” وسط مدينة السويداء، فيما تأخذ الوقفات الاحتجاجية شكل الطقس الاجتماعي اليومي في العديد من القرى والبلدات على امتداد ريف المحافظة. وأكد ناشطون، أمس، لـ”العربي الجديد”، أن البحث عن قيادة للحراك أمر مطروح على الطاولة، رغم اعتبار آخرين أنه سابق لأوانه.
واحتشد آلاف الأشخاص، أمس، في ساحة الكرامة، من أبناء مدينة السويداء وآخرين قدموا من مناطق مختلفة في المحافظة، وسط مشاركة لافتة للنساء .وشارك في تظاهرة ساحة الكرامة وفد من عائلات مدينة السويداء، مثل أبو عسلي ورضوان ونعيم، حاملين علماً مدمجاً (علمي الثورة والنظام) في إشارة للإصرار على وحدة الشعب السوري. كذلك شاركت وفود من الريف الجنوبي والغربي، والريف الجنوبي الشرقي، إضافة الى وفود من قرى وبلدات قنوات ومفعلة ومردك.
مطالب بأجسام سياسية لحراك السويداء
ووثقت “العربي الجديد” رسائل عدة طرحها المتظاهرون في الساحة التي امتلأت بآلاف المشاركين، كان أهمها اللوحة التي صاغها عدد من الشابات والشباب عن سرقة النظام للآثار الرومانية وطمسها وتهديمها. وقال أحد منظمي الحراك الشعبي، لـ”العربي الجديد”، إن “النظام منذ ستينيات القرن الماضي يمعن في نهب الثروات الحضارية وبيعها وطمسها، حيث يعلم السكان ما يوجد تحت الشارع المحوري في مدينة السويداء الذي تم تدميره، علما أنه جزء من التراث العالمي، منها ثاني أقدم كنيسة في المنطقة”.
وتبرز في حراك الشارع في السويداء أصوات تنادي ببلورة رؤية أجسام سياسية موازية للتظاهر، للوصول إلى تحقيق المطالب بشكل عملي وتطبيقها على الأرض كحلول. ورأى المتظاهر علي الحسين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “مرحلة الشعارات والتظاهر بشكلها الأحادي يجب أن تنتهي، ويجب الاتجاه للتفكير بتشكيل أجسام سياسية موازية تصدر مشروعاً وطنياً يفرض التعددية السياسية على النظام وتطبيق مبدأ التيارات الوطنية الشريكة غير الخاضعة لأحادية القرار القطبي”.
ورأى الناشط منيف رشيد، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الحراك “في تصاعد كل أسبوع، وبات يستقطب شرائح ومناطق جديدة”، لافتاً إلى أن الاحتجاجات في الأرياف أكبر مما يجري في ساحة الكرامة، وإن كانت لا تحظى بتغطية إعلامية كبيرة على غرار تغطية الحراك في ساحة الكرامة.
وأوضح رشيد أن مبعث هذا التوسع هو أن كثراً من الناس باتوا يرون في الحراك مدخلاً ممكناً للتغيير السياسي في سورية بعد سنوات من الاستعصاء، بسبب مماطلة النظام، وقراره العميق بعرقلة أي حل سياسي، لاعتقاده أن مثل هذا الحل ستكون خاتمته المحتمة نهاية النظام.
وأضاف الناشط أن الدعم الدولي الخجول حتى الآن للحراك منحه بعض الزخم وربما الحماية من بطش النظام، ما يساعد على تمدده وتجذره في المجتمع، وربما امتداده إلى محافظات أخرى، خصوصاً أن النظام لم يقدم حتى الآن على أي خطوة تتلاقى مع شعارات الحراك الشعبي، وهو يراهن على خموده بفعل الوقت، أو ربما سوف يسعى في مرحلة ما إلى التشويش عليه، عبر أساليبه المعروفة القائمة على الترهيب والترغيب.
عقبات تشكل القيادة السياسية
وحول العقبات التي تحول دون تشكل قيادة سياسية للحراك الشعبي برغم الجهود المبذولة في هذا الشأن، رأى الباحث السياسي حافظ قرقوط أن ما يجري في السويداء عبارة عن هبة شعبية تشارك فيها مختلف الفئات العمرية من ذكور وإناث، ما ساهم حتى الآن في عدم ظهور قيادة سياسية حقيقية للحراك، وهذه عملية تحتاج إلى وقت مع وجود لبقايا قوى سياسية قديمة مثل الأحزاب اليسارية والقومية والتي ركنت سابقاً بسبب الضغط الأمني، والآن تتقدم ليكون لها دور، فضلاً عن ظهور قوى شبابية جديدة. كما أن من الأسباب، برأيه، الافتقاد إلى الخبرة السياسية المتراكمة نتيجة سنوات القمع السابقة، ما أعاق نمو المجتمع المدني، معرباً عن اعتقاده رغم ذلك بأن الحراك سوف يطور نفسه ويفرز قيادته لمخاطبة الجهات المحلية والدولية.
وأضاف قرقوط أن الحراك أنجز بيئة آمنة في السويداء، وبات عناصر الأمن هم من يخشون النزول إلى الشارع، فضلاً عن اختفاء العصابات والمافيات السابقة التي عمل عليها النظام والمرتبطة بالمخدرات والفوضى الأمنية. ولفت إلى أن الحراك يتوسع أفقياً بشكل واضح، على الرغم من عدم توفر وسائل النقل، وهجرة الشباب الواسعة، علماً أن السويداء هي محافظة صغيرة بالأساس.
من جهته، رأى الكاتب والناشط عاطف عامر أن الحديث عن هيئة سياسية منبثقة عن الحراك سابق لأوانه، على الرغم من أن اللقاءات والاجتماعات لم تنقطع يوماً لعدم ترك الشارع وحيداً، بلا قيادة سياسية.
وأضاف عامر، في حديثه مع “العربي الجديد”، أن “هناك تبايناً في وجهات النظر بشأن ذلك، وهذا شيء صحي، خصوصاً أن السوريين لم ينعموا بترف الحرية منذ وصول حزب البعث إلى السلطة ونفي أو سجن أو قتل المعارضين”.
المصدر: العربي الجديد