تحاول نظم القمع والاستبداد المشرقي عادة ودائمًا التلطي وراء بعض الشعارات واليافطات، والاتكاء على بعض الادعاءات، والاستناد من ثم إلى غوغائية سياسية ما عبر تسويق ماتريد إشاعته والاحتماء به. وقد دأب نظام حافظ الأسد (ومن بعده وريثه غير الشرعي) ومنذ مايزيد عن خمسين عامًا متتابعة، أي منذ أن خطف انقلاب حافظ الأسد الوطن السوري وأخذه إلى طريق إنفاذ دوره الوظيفي، محاولًا الادعاء زورًا وبهتانًا من أنه هو من يقوم بحماية الأقليات في سورية من التنين الأكثري حيث يروج إلى أنه سيبتلع تلك الأقليات (المدعاة) حيث يدعي نظام الأسد حمايتها سواء كانت طائفية أو أثنية، في وقت شهدت فيه مراحل حكمه المتلاحقة كذب وزيف هذا الادعاء، وخطل وضبابية كل مايقوله من أن العرب والسنة تحديدًا هم من سيأكلون الطوائف والأقليات الأخرى. علمًا أنه ليس في سورية مطلقًا حسب وجهة نظري ويوافقني في ذلك الكثير من أهل السياسة والفكر والثقافة والإنتماء الوطني السوري، سوى طائفتين اثنتين لا ثالث لهما هما طائفة الاستبداد والقمع، وطائفة الشعب السوري الواحد والمقهور المناهض لسياسات كم الأفواه، ولكل ما يأخذ ويخطف منه حريته وكرامته .
ومع ذلك ما برح نظام بشار الأسد، وخاصة في عقده الأخير من الاستمرار في إلقاء التهم على كل من خرج في الشوارع يعارضه ويناهضه ويدعوه إلى الانزياح الفوري من فوق صدر الشعب السوري، والقول أن هؤلاء الذين يعارضوه هم إرهابيون وطائفيون ومن طائفة واحدة. وهو وحده من يحمي الطوائف الأخرى من إمكانية إلغائها وابتلاعها المفترضتين . ولقد كانت النخب السورية المناهضة للعسف الأسدي وعلى طول المدى تشير إلى خطورة طرح هذا النظام الاستبدادي واحتمالات تصديقه من الغرب أو الشرق، بدعوى أن نظام بشار الأسد ذو طابع (عَلماني) وهو من يحمي الأقليات في سورية. لكن الآن وبعد هذا الخروج الشعبي الكبير في محافظة السويداء والذي يقوم عليه ويحركه أهلنا السوريين الأنقياء في محافظة السويداء وجبل العرب، حيث اسقطت ثورة محافظة السويداء وعنفوان جماهيرها وتماسكهم ووعيهم، كل ادعاءات النظام الأسدي المجرم وانكشاف وفضح كال ترهاته السابقة واللاحقة، من أنه حامي الأقليات، وقد أكدت بكل وضوح قيادات الانتفاضة في ساحة الكرامة في السويداء أن هذا المجرم الكيماوي لايحميها، بل لايمكن لمن نهب الوطن وفرط فيه وبسيادته أن يحمي السوريين ولا أي من طوائفهم، وليست مقتنعة ولا مصدقة لكل متاهات كذبه، وأنها ما انفكت منتمية ومنذ انطلاق ثورة الحرية والكرامة إلى جموع الشعب السوري، التي خرجت أواسط آذار/ مارس ٢٠١١ لتقول لا للاستبداد، ونعم لدولة المواطنة وسيادة القانون، وأنه لايمكن أبدًا أن يكون نظام العصابة الأسدية من يحمي دروز سورية لأنهم يدركون جميعًا حجم الكارثة التي ألحقها هذا النظام بسورية كلها وساهم في تهجير سكان سورية قسريًا واعتقل مايقرب من ٩٠٠ ألف سوري حسب توثيقات أممية، ودمر البنية التحتية السورية بما يزيد عن ٦٥ بالمئة منها، وأوصل الواقع الاقتصادي والمعيشي في سورية إلى حافة خط الفقر المدقع حيث جاوز عتبة التسعين بالمئة ولقد تخطت هذه النسبة من الفقر كل نسب العالم ودوله الفقيرة، كما ساهم نظام الأسد في نهب خيرات وثروات وموارد سورية عبر بيغعها او منحها للايرانيين والروس وسواهم، ودمر الأنساق المجتمعية السورية على امتداد الجغرافية السورية الممتدة، وأوصل الوطن السوري المخطوف على يديه إلى حالة من الفوات والألم لم يسبق لها أي مثيل في التاريخ الحديث أو القديم لسورية.
اليوم ومع استمرار ثورة الشعب السوري في جنوب سورية، واحتمالات جدية في امتدادها إلى خارج محافظة السويداء، في محافظات أخرى، إنما يؤكد ذلك سقوط ورقة التوت كليًا عن هذا النظام الفاشيستي، ومن ثم عري هذا النظام وانكشافه، وهو الذي كان يدعي حماية الأقليات حسب تعبيراته وتخرصاته المستمرة. لقد ساهمت انتفاضة محافظة السويداء وجبل العرب في الجنوب بما لايقيبل الشك في إثبات أنها كانت قادرة على تعرية النظام الاسدي من كل ماحاول التستر وراءه أو به، وكان للشعارات والهتافات الشعبية في السويداء التي لهجت بها ألسنة وحناجر المعتصمين والمنتفضين في ساحة الكرامة، كل الفضل في الكشف عن موبقات نظام الأسد وتعريته مع شبيحته، وهم الذين انكشفوا أكثر مما كانوا مكشوفين قلل ذلك، وتبين للقاصي والداني كم كان هذا النظام السدي الطغياني كاذبًا ومدعيًا ومنافقًا، عندما حاول الاحتماء بورقة الأقليات، وهو اليوم يستعد لخوض معارك جديدة قد تكون دموية كعادته وطرائقه العنفية، ضد أهلنا في محافظة السويداء، ضاربًا عرض الحائط بكل ما ادعاه أو حاول التلطي خلفه، بالرغم من اتساع حالة الوعي الكبرى التي لحظناها ونلحظها في انتفاضة السويداء، من خلال عمق التفكير، ووضوح الرؤيا، لدى نشطاء وقادة وجماهير المنتفضين في ساحة الكرامة في السويداء.
والحقيقة التي لاتقبل الشك ولابد من قولها بملء الفيه أن شعب السويداء أثبت للجميع أنه يمتلك من الوعي واتساع الرؤيا ونقائها، مايجعل جميع الفرص صعبة جدًا أمام نظام بشار الأسد وأدواته للايقاع بوحدة الصف لدى وبين ظهراني الشارع في السويداء ونخبه في تلك المحافظة المنتفضة وكل جبل العرب، لكن ومع ذلك لابد من الانتباه كثيرًا إلى ألاعيب النظام الخبيثة التي تحاول الآن وبكل الطرق والوسائل إفشال وإنهاء ثورة السوريين في السويداء، وهو لن يألُ جهدًا عبر الوصول إلى مبتغاه، وضمن كل أدواته سواء خارج محافظة السويداء أو داخلها، وأيضًا، خارح سورية، إن استطاع ذلك، لذلك فإن القادم من الأيام قد يكون هو الامتحان الأصعب والأكثر حساسية مع قناعتنا بمتانة وتماسك الحالة الشعبية في السويداء، مع نخبها وقادتها ونشطائها عبر لجم أي محاولة جديدة للإيقاع بانتفاضة السوريين العظمى في السويداء.
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري