إبراهيم نصر الله، روائي وشاعر فلسطيني أردني متميز، له الكثير من الروايات التي تغطي القضية الفلسطينية، وقد نال جائزة البوكر العربية عن روايته حرب الكلب الثانية عام ٢٠١٨م.
قناديل ملك الجليل رواية تغطي فترة قرن تقريبا ، تنتهي احداثها في عام 1775م. الرواية ليست تاريخية بدقة؛ لكنها تغطي هذه الفترة متابعة سيرة بطلها ظاهر العمر في منطقة طبريا مسقط رأسه وممتدة مكانا لتصل الى فلسطين لبنان ودمشق ما سمي وقتها بلاد الشام، ومصر وما حولها، أيام الحكم العثماني. ظاهر العمر ابن متصرف (حاكم) طبريا عمر الزنداني، الذي كان يمثل السلطنة العثمانية، هو الذي يجمع لها ميرتها (الضريبة)، وهذا عمل كل المتصرفين الذين يجمعون لهم ايضا حصتهم من مال الناس، وهذا يرهق الناس ويحول المتصرفون لناهبي تعبهم، فهم يد الدولة الباطشة وسلطتها، كان عموم الناس ضحية الصراعات الدائمة بين طلاب الحكم الذين يشترون المناصب بالمال، ودخول البدو على الخط كطرف يعيش على الغزو أو الترضيات لكي لا يغزو ، يضاف لذلك صراع بين أطراف متنوعة طائفيا ودينيا؛ فهناك المسيحيين على تنوع طوائفهم وبعض اليهود والمتاولة (اسم الشيعة السابق المتداول) والسنة طبعا.
في هذا الجو حيث الحياة أقرب إلى الغرائزية : أكل وشرب و تزاوج ان امكن وفقر مدقع ومصائب لا يعرف الناس من أين تأتي. في هذا المناخ ولد ظاهر العمر وترعرع في كنف والد كمتصرف (حاكم تابع للعثمانيين) اختار الانحياز لأهله، وكان أقصى ما يستطيع أن يفعله هو حماية الناس في مقاطعة حكمه من العدوان وأن يقدم للدولة ميرتها (الضريبة المفروضة). مات الاب، توافق الاخوة على ظاهر الاخ الاصغر ليكون بعد والده المتصرف الجديد. ظاهر هذا كان يحمل رؤى أنبياء وعزيمتهم وثقتهم ووضوح ما يريدون، فقد انحاز ومنذ طفولته وشبابه للناس حوله وحقهم بالعيش الكريم و العدالة في حياتهم، وحقهم بالأمان وفرصة أن ينتجوا في أرض معطاءة، هذا الحلم المجسد به وبعض من حوله وفي مناخ إنساني رائع بالحب والعطاء ولأكثر من خمسين عاما، وبحكمة تسير على الأرض على شكل بشر، وأناس يقدمون كل جهدهم ليعيشوا بأحسن حال، لكن هذا الحلم بصناعة مجتمع الكرامة والعدالة والأمان اصطدم بالمناخ العام للمتصرفين العبيد عند السلطنة العثمانية، والوحوش مع ناسهم، و المتصارعين مع الآخرين المجاورين كالوحوش الكاسرة. حاول ظاهر أن يبني حلمه في مدينة طبريا وليمتد الى مدن فلسطين كلها عمّر عكا، خلق مجتمعات إنسانية، صارع الدولة وفرض عليها ان تقبله فهو الاقوى والاقدر على تقديم الميرة، قاتل البدو و جعلهم يحترموا قوته ويخرجوا من طورهم اللا إنساني في السلب والنهب، ولكنه ومع الزمن لم يستطع أن يحارب دولة اعتمدت على غرائز البشر بالسلطة والمال، وأولاده الذين ما خرجوا عن قاعدة(المال و السلطة مفسدة) ووصلت بهم الحال ليخرجوا عليه، وتحالفوا مع أعدائه ضده لأنه وقف ضد نزعتهم في التسلط والتملك واستغلال البشر. انه و عبر سبعين عاما من الصراع المتواصل مع الظلم في محيطه ومع الدولة (العثمانيين) حيث بدل كل الأطراف ولاءاتهم الا هو ونبوءته و موقفه المناصر للناس، بقي هو وقليل جدا ممن حوله، بقي مخلصا لكرامة البشر وحقهم بالحرية والعدالة والأمان وبناء حياتهم الافضل. حارب لأجل ذلك السلطنه العثمانية والمحيطين به وحتى أولاده، امتدت دولته التي سبقت زمانها من أطراف مصر لفلسطين لبلاد الشام ولكنها سقطت أخيرا تحت حراب صراع السلطة والثروة بأدوات السلطنة من حكام يعيشوا من نهب الشعب ولصالح السلطنة. لم تغب الدول الغربية: روسيا وفرنسا بريطانيا ومصالحها في المنطقة. وعادت البلاد لما كانت عليه: شعب مستباح وارض تسقى بدم وعرق الناس الغائبين عن كل شيء؛ الا ان يكونوا ضحايا.
الرواية مليئة بالحب و الحلم والرؤى الوجودية المتألقه والرسالية في الحياة.
كان ظاهر العمر سابقا لعصره مثله مثل الأنبياء و المصلحين والفلاسفة وأنصار إنسانية الإنسان . كان لا بد لقرون أن تمضي بعد عهد ظاهر العمر لنصل لهذا العصر : عصر الحريه والكرامه والعداله والديمقراطيه بحضور الشعب صاحب المصلحة يأخذ حقه بيده. هذا ما يجب طبعا، وهذا ما استطاعت شعوبا ودولا الوصول له، صحيح أننا مازلنا ضحايا حكام ظالمين وشعوب ضحايا. بدأ ربيعنا العربي مع الأنبياء والمصلحين وظاهر العمر منهم منذ مئات السنين، هي البذور التي أعطت شجرة الحرية التي نعمل لنحيا في ظلها، ولو بعد حين.
رواية رائعه تستحق القراءه والتأمل الشديد.