“ظلم المصطبة” والرؤية المرتبكة

بسمة النسور

ينطبق على صنّاع المسلسل المصري “ظلم المصطبة” المثل “إجا يكحلها عماها”. عُرض العمل المكوّن من 15 حلقة ضمن الموسم الرمضاني الماضي، وهو من تمثيل إياد نصّار وفتحي عبد الوهاب وريهام عبد الغفور وغيرهم، وتأليف أحمد فوزي صالح، وإخراج محمد علي. الغريب أنه لاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وحقّق نسب مشاهدة عالية، رغم السيناريو الركيك غير المتماسك وغير المنطقي في مواضع كثيرة، إضافة إلى الأداء الرتيب للممثّلين، والحوار المملّ المسلوق.
تجري الحكاية في مدينة دمنهور شمال مصر في دلتا النيل، وهي بيئة محافظة جدّاً، وسكّانها مجتمع مختلط، فلاحون وبعض قبائل عربية قادمة من الصحراء. ويحكي النصّ قصّة صراع تقليدية بين رجلَين على امرأة، وسط جملة أحداث غير مترابطة وغير مبرّرة فنّياً، والصراعات المفتعلة غير المقنعة، كأنّ القصد من العمل على ما يبدو أن يطرح معاناة المرأة في المجتمعات المغلقة المحافظة، التي تعمل على مصادرة حرّيتها وحقّها في الحياة والاختيار، غير أن أقلّ ما يمكن أن يقال عن النماذج النسائية التي قدّمها إنها مخيّبة للأمل، إذ ظهرت النساء شخصياتٍ غبيّةً ساذجةً ضعيفةً عديمة الخبرة، رغم أنهن عاملات ومتعلّمات، مثل “هند”، المرأة موضوع الصراع، أدّت دورها ريهام عبد الغفور، ولعلّه الدور الأسوأ في تاريخها المهني. “هند” التي ربطتها علاقة غرامية بـ”حسن” (إياد نصّار)، تتزوّج بعد اختفائه بخصمه “حمادة”، وتنجب منه ابنةً. يقوم فتحي عبد الرحمن بدور الزوج القاسي الذي يسيء معاملة زوجته ضرباً، وإهانتها والإساءة إليها لفظياً، ما يدفعها إلى طعنه بسكّين في حالة دفاع جليّة عن النفس. وعوضاً عن التأكّد من حالة الزوج المصاب والتوجّه إلى الجهات الأمنية، كما قد يفعل أي شخص لديه الحدّ الأدنى من الوعي والتميز، أراد لها الكاتب أن تهرب مع حبيبها السابق، مصطحبة صغيرتها، لتمضي الأحداث في مسارها الركيك، وتنتهي بمقتل هند بيد زوجها في جريمة شرف، باركها المجتمع، والكاتب كذلك.
تكرّر المشهد في قصّة “سحر” معلمة الإنكليزية، المتزوّجة التي ارتبطت بعلاقة هاتفية عذرية مع زميل عمل سابق، غير أنها بكلّ حماقة وقلّة تقدير، تزوره في المنزل، وحين يُكتشَف أمرها، يحكم عليها شقيقها الأكبر بالموت انتحاراً، حين يلقي في وجهها علبة حبوب قاتلة. حتى المحامية المناصرة لحقوق المرأة في الحلقة الأخيرة، كانت في منتهى السلبية والضعف، وبحضور باهت، ولم تتمكّن من مساعدة موكّلتها التي قدّمها العمل متهوّرةً خاطئةً تستحقّ الموت رمياً بالرصاص أمام الجميع، وهذا ما فعله ليو تولستوي سابقاً في روايته “آنا كارنينا”، حين ألقى بها تحت عجلات القطار، في إدانة ذكورية جلية للمرأة التي خرجت عن طوع المؤسّسة الزوجية، دعستها عجلات القطار فيما واصل العشيق حياته من دون أن يمسسه أيّ سوء، وهذا ما جرى في رواية “مدام بوفاري”، حين جعل غوستاف فلوبير، “إيما” تتناول الزرنيخ وتموت جزاءً وجده عادلاً. لم يختلف الأمر في مسلسل “ظلم المصطبة”، وإن أراد الكاتب إنصافها، غير أنه، من دون أن يدرك، ساهم في إدانتها. ماتت المرأة الحمقاء، التي لم ينجح النصّ في اكتساب تعاطف المتلقي معها، رغم تعرّضها للظلم الشديد، ولم يفسح مجالاً للمحامية التي تمثّل القانون والعدالة أن تحدث تغييراً في واقع المرأة المظلم.
ولمزيد من الإغاظة، ينتهي العمل بمشهد العشيق يركض سعيداً حرّاً طليقاً في الحقول، يلاعب طفلةَ المغدورة، وقد غفل الكاتب عن الطبيعة المحافظة للمكان الذي لن يسمح لرجل غريب بحضانة الطفلة، حتى لو أودع والدها السجن. فمن المعروف أن مرتكب جريمة الشرف في مجتمع قبلي سينال حكماً مخفّفاً ويخرج بطلاً، ومن المنطقي ألا تسمح العائلة للغريب والشريك في الجريمة أساساً أن ينال حضانة الطفلة.
“ظلم المصطبة” عملٌ ضعيفٌ برؤية مرتبكة، وبوصلة تائهة، نصّاً وتمثيلاً وإخراجاً. أمّا نسب المشاهدة العالية، فهي تعبير عن رؤية مجتمعات متخلّفة معادية للمرأة من حيث المبدأ.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى