
(المُغلَق) فيلم أميركي إنتاج العام الحالي (2025)، من بطولة النجم البريطاني المخضرم أنطوني هوبكنز، والممثل السويدي، الشابّ بيل سكارسجارد، وإخراج مخرج أفلام الرعب، الأميركي ديفيد ياروفسكي. يتبدّى، في البداية، كأنّه فيلم إثارة يحرّك أجواءه ممثّلان فقط، وسيارة غامضة رباعية الدفع. ولكن كمّية المشاعر التي تتفجّر من بواطن الشخصيتَين الوحيدتَين، تغريان بالمشاهدة، ولا يشعر إزاءهما المتابع بأيّ ملل، إنما العكس، بسبب الفكرة الخطيرة والنادرة. فكرة يمكن تلخيصها في شابّ مشرّد يفتح سيارةً واقفةً بغرض سرقتها، لكنّه ما إن يصير في داخلها حتى تنغلق عليه. هذه هي الفكرة الظاهرة للفيلم، وهنا تتوقّف حركة أحد أبطال الفيلم، وتبدأ مسيرة بطلٍ آخر يتحرّك في الخفاء، عجوز ثري. فما إن يحاصر الشاب داخل السيارة حتى يحاول الخروج منها بأيّ طريقة، لكنّ الأبواب جميعها تغلق. سيارة من نوع نادر، أو كتلة حديد سوداء، من الخارج لا يُرى أيّ شيء في داخلها، وزجاجها سميكٌ إلى درجة أن الرصاص يرتدّ حين يُصيبها، وهذا ما حصل حين يجد الشابُّ مسدّساً في السيارة، ويطلق النار على الزجاج، لكنّ الرصاصة ارتدّت عليه لتثقب فخذه. يبدأ مسرح الآلام والصراخ والصراع منذ هذه اللحظة، وهنا يظهر من شاشة أمامية في السيارة صوت رجلٍ مسنّ، فيبدأ دور الممثّل أنطوني هوبكنز، يطلب من الشاب أن يهدأ قليلاً، حتى يستطيع مساعدته. يكتشف المشاهد، مع الوقت، أن العجوز الموجود خارج السيارة رجل ثري، يستمتع بتعذيب ضحاياه، الذين يكونون عادةً من مشرّدي الليل ولصوصه. يطلب الشاب المُحاصر في الداخل طعاماً وماءً، بعد أن يمرّ وقتٌ طويلٌ وثقيلٌ وهو في جوف السيارة، وكانت من طرق التعذيب أن يتحكّم العجوز بجهاز التكييف، فيرفع الحرارة بشدّة حيناً ويخفّضها بشدّة حيناً آخر، مستمتعاً بردّات فعل الشاب الذي نكتشف مع توالي المَشاهد أنه ليس بلصٍّ، بل شابّ فقير كان يبحث عن شيء يسلّي به ابنته التي يفترض أن تنتظره في اليوم التالي قبالة باب مدرستها.
سيعيش المشاهد مع صراع الجوع والعطش، وانفعالات الأعماق، التي أتقن التعبير عنها الممثّل بيل سكارسجارد، وهو يرى من زجاج النوافذ المطر الشديد في الخارج، في حين كان يتمنّى قطرة ماء لينقذ حياته. يرى أيضاً المطاعم المنتشرة في الجوار وهو يتضوّر جوعاً. يتحكّم الثري العجوز أيضاً في حركة السيارة، فهو يتقدّم بها من بعيد بواسطة جهاز تحكم، ليتسلّى برؤية آلام خصمه البريء. تتطوّر العلاقة العدوانية بين الشاب والعجوز، فيسرُد في الأثناء كلّ منهم سيرة حياته، لنعرف أن لدى الثري عقدة مع مشرّدي الليل، حين دخل لصّ بيته وقتل ابنته الوحيدة من أجل أن يسرق 1500 دولار فقط. يقول الثري، في أحد المَشاهد، إنه ثري جدّاً إلى درجةٍ لا يعرف معها كيف يتصرّف بماله، وتموتُ ابنتُه الوحيدة من أجل مبلغ تافه. لذلك انبرى لاختراع حيلةٍ كي يتمكّن من الانتقام ممّن يقع في جوف سيارته من مشرّدين، السيارة التي يستخدمها مصيدةً ليليةً هي أيضاً تتحرّك والضحية في داخلها، لتصدم مشرّداً يمشي وحيداً، تدعسه قبل أن تعود إلى موقفها الشبحي المخصّص لها.
يكتنز الفيلم بأسئلةٍ لا تخلو من عمق وجودي، منها السجن والتعذيب والوحدة، وسط عالم متحرّك، ولكنّه أصمّ، كما يحدث الآن لأهلنا في غزّة من عطش وجوع وحصار وقتل وتعذيب نفسي، بينما شاحنات الإغاثة تقف على مشارف غزّة، ولا تستطيع أن تدخل، وآلامٌ كثيرةٌ تتمتّع باقترافها عصابة بنيامين نتنياهو، حين تنوّع أساليب القتل والتعذيب، كما حدث مع بطل فيلم “المُغلَق”.
في نهاية الفيلم، يظهر الثري العجوز في جوف السيارة بعد أن يقيّد الضحية، ثمّ يبدأ بتحريك المصفّحة التي تحمل ماركة مبتكرة، “دولوز”، فيبدأ بسرد حياته، وكيف نشأ في عالم المال. في هذه الأثناء، يحرّر الشاب يديه المكبّلتَين، ويضرب الثري على رأسه بقوة حتى يقضي عليه، وكانت السيارة في الأثناء تبدأ بالاحتراق، لكنّ الشاب يجد مطرقةً يضرب بها النافذة الخلفية بقوة، وينجح في تحطيمها والهروب إلى الخارج، ففي هذه الأثناء لا وجود لذلك الرجل الذي كان يتحكّم في تعذيبه ببرودة الهواء وسخونته، وإصدار رنين يصمّ الآذان أمام محاولات الشاب السابقة تحطيم الزجاج الخلفي للسيارة.
المصدر: العربي الجديد